رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

تشويه الدرما المصرية بخمس حلقات !

بقلم : محمد حبوشة

أرسلت لي فنانة صديقة وممثلة من العيار الثقيل رسالتها التالية قائلة:

لما بتكتب يامحمد عن فنان وأنت مقتنع بموهبته بيبقي كلامك شعر ومزيكا، ولما بتجامل بتبقي زي الشاعر اللي ضاع الوحي منه وبيدور فقط عالكلام الموزون .. أنا مرتين اعتذرت لهذه المنتجة، وعيب اتكلم علشان اللي بيقبلوا كبار من منطق (قولة لأه قطع نصيب مش فن أبدا).. دول بيبتروا ايدين الدراما المصريه وبيشوهوها بـ 5 حلقات .. ايه القرف ده، العالم وصل إلى إن مسلسل زي (ذا بولد اند بيوتيفول) 5 أجيال بتكمله، وكل الأميركي، مكسيكي، صيني أي حاجه أحداث ممتدة والتركي السلاطين .. والسوري والهيبه واللبناني والخليجي هما يتمدوا واحنا نبتر .. فشل ذريع، ولا واحدة من حكايات (الخمس حلقات) نجحت إلا من منظور كلام المنتجه الوحيدة والكاتب الوحيد يكتبوا عالفيس ويهللوا لبعض.

ايه الكلام ده مفيش غير فكر هذا (الحرامي العظيم) وصديقته فقط، تاخد تنتج ويتوافق عالمحتوي ماهو محتواه.. ده المؤلف ده بيحرق كل أفكار الكتاب الشباب اللي بعتوا أوراقهم ومع الأسف هو قراهم.. العيال هاتتشل، وطبعا هاتلاقي هما حبة المرضي عليهم يطلعوا من (زي القمر، علي إلا أنا، ووار كل باب) .. وهكذا.. قرف وسرقه علني ..لأن الأستاذ مش (سوبر عبقرينو) يعني أبو القصص والروائي الفخيم.. وبعدين لإحساسهم بالفشل وفاهمين والله يعرضوا سد خانه مسلسلات قديمه تقعد أكتر وتشد أكتر لـ (السعدني الفخراني، نورالشريف، محمود عبدالعزيز.. واحنا كجيل معاهم).. مسلسلات طويله محترمه تطورت مع زمانها وحاليا كمان.

الدنيا بتتقدم واحنا بنرجع .. لحد ماعملوا سهرات أول بداية التلفزيون.. (لا لا لا والله ماينفع الغازيه لازم تمشي).. ولعلمك هذا المؤلف أناني جدا واضحة.. وبعدين أحد المنتجين المنفذين .. مشي علشان ايه بيسرق ماشي بيشغل شلل فقط.. طيب دلوقتي ايه؟ المنتجة المنفذة والمؤلف (عبقرينو) بقي زي محمد سامي قصه وتأليف وناقص الإخراج، وتاني باقولهالك: لا قصه ولا ممثلة ماحصلتش كله صنايعيه بدون إحساس خااااااالص .. السبوبه طلبت.. واللي يفكر كده عمره مايطلع فن يلمس القلوب.. ومش انت اللي تجامل.

طبعا هذه الصديقة أرسلت رسالتها في أعقاب ما كتبته عن 4 حكايات فقط من هذه الخماسيات، مشيدا بها وبأداء البطل أو البطلة والقضية الاجتماعية التي تناولتها تلك الأعمال، ولست منحاز لهذه الظاهر التي أراها أيضا سلبية، ومن ثم فوجهة نظرها سليمة 100%، ولها احترامها بحكم خبرتها وأنا معها في كل قالته عن المنتجة الوحيدة والمؤلف الأوحد الذي أصبحا ظاهرة سلبية بفضل أنانية وتحكم هذا المؤلف المقيت باعتباره حارس بوابة الدراما المصرية في غيبة من وعي صناعها الذين استسلموا للحالة .

لكن باعتبار أنه كانت هنالك شركة واحدة تحتكر الإنتاج، ولما أرادت توسعة القاعدة أكثر لجأت إلى منتجة (على مقاسها) بحيث تدور في فلكها ووفق أفكارها التي يقوم بوضعه المؤلف (عبقرينو) المريض نفسيا، وتتلقاها ورش الكتابة بأوامر سيادية وكأن الكون كله وقف في ذهول ليتأمل تلك الأفكار المسروقة من أعمال شبابية مجهولة الأسماء ولايعلمها سوى هذا المؤلف (الحرامي)، والذي بالمناسبة فشل في كل تجاربه الإعلامية التي خاضها، كما أنه بالأساس كاتب اعتمد أسلوب (النحنحة) في مقالاته التي تشبه الفشار ليس إلا.

وللأسف الشديد جاء ذلك تزامنا مع ما شهدته الفترة الماضية من عروض مسلسلات عربية غير تقليدية عبر شاشات الفضائيات والمنصات الإلكترونية أيضا، فبعيدا عن الأفكار التي بدا بعضها صادما، وبعضها جريئا، شكلت تلك الأعمال عودة أسلوب كان ينادي به كثيرون، وهو تقديم مسلسلات قصيرة، عن طريق قصص يتم تناولها في عدد حلقات محدود بدلا من التقيد بأسطورة الـ (30 حلقة) التي ارتبطت بداية بعادة العرض الرمضاني، ثم سيطرت على المسلسلات التي تعرض في أي موسم خارجه، وهو تقليد يواجه دوما بانتقادات بسبب اضطرار صناع المسلسلات في أغلب الأوقات اللجوء إلى التطويل وحشو أحداث ليست ذات قيمة من أجل الوصول إلى هذا العدد من الحلقات، حتى لو لم تكن القصة تتحمل.

فبعدما كانت مسلسلات الـ 45 حلقة أو الـ 60 حلقة موضة رائجة خلال السنوات القليلة الماضية، تراجعت تلك النوعية تدريجياً، وبدأت تحل مكانها المسلسلات القصيرة التي تكون أحداثها أكثر كثافة، وتلائم تطور الدراما عالميا، وقد يكون انتشار منصات العرض عبر الإنترنت هو ما شجع صناع الأعمال الفنية التلفزيونية على تغيير الخطط وفقا لمتطلبات سوق المشاهدة، خصوصا بعد أن أصبحت المنافسة شرسة مع منصات العرض العالمية مثل (نتفليكس)، التي تمتلك مكتبة فنية ضخمة، فتزايد تطلع المشاهد إلى متابعة أعمال على وتيرة مشابهة، وهو ما جعل (نتفليكس) تدخل معترك إنتاج الدراما العربية.

وأعود لرسالة الفنانة الصديقة التي أضم صوتي إلى صوتها في محاولات تفريغ الدراما المصرية من مضمونها، ففي ما يتعلق بالأعمال التلفزيونية القصيرة التي عرضت أخيرا فإن بعضا منها متواضع والأكثر رديئ، لأنه بتر من الأساس من أفكار تمتد إلى 30 ، و45، و60 حلقة، وصحيح أن بعضها نال إعجاب الجمهور وتصدر الترند، خصوصا أن القصص منفصلة ويحمل كل منها عنوانا مختلفا، ولكنها تجتمع تحت إطار عام يحمل عنوانا عريضا، وبينها (إلا أنا، ورا كل باب، زي القمر)، وهى حكايات ميزتها الأساسية أنها ذكرت الجمهور بالمسلسلات المصرية القديمة التي قدمت في العقدين الأخيرين من القرن الماضي، وقد يكون (اللقاء الثاني) عام 1988 لمحمود ياسين وبوسي من أبرزها، إذ قدم حكايات اجتماعية منفصلة، وحقق انتشارا واسعا، وما زالت إعادة عرضه تحظى بنسب مشاهدة مرتفعة، والحال نفسها بالنسبة لمسلسل (هو وهي) لسعاد حسني وأحمد زكي عام 1985.

وفي سنوات أحدث كانت هناك تجارب أخرى، مثل (غاضبون وغاضبات) لشيرين سيف النصر وشريف منير، و(حكايت زوج معاصر) لأشرف عبد الباقي، وتجارب أخرى على مدار سنوات قليلة مضت، إذ كانت الحكايات تحت ظل بطل أو بطلين ثابتين، ولكن تتغير القصة كل حلقة أو أكثر، وربما ما يميز التجارب التي عرضت مؤخرا، هو أن الأبطال نفسهم يتغيرون، وكذلك فريق الكتابة والإخراج، ما يجعل كل حكاية تبدو بمثابة تجربة منفصلة ومشروع مستقل بحد ذاته، حتى لو كان هناك إطار عام يجمعها.

تصدرت حكايات (إلا أنا ، وراء كل باب، زي القمر) الذي عرض عبر شاشة dmc ومنصة (واتش ات) مؤشرات البحث على مدار الأسابيع الماضية، وهو عبارة عن حكايات مدة كل منها 5 حلقات، وكل قصة مع أبطال مختلفين، بالتالي يمكن التعامل مع كل منها على أنها مسلسل مستقل، وهو عمل يشبه في أجوائه الاجتماعية مسلسل (نصيبي وقسمتك) الذي قدم على مدار أكثر من موسم أيضاً، وكتبه المؤلف عمرو محمود ياسين، ولكن يبدو واضحا أن صناعها أرادو التواجد وسط  سيطرة تلك النوعية من الأعمال على منصات عدة، وقد تزامن ذلك مع انطلاق الدراما المصرية على منصة (نتفليكس) بمسلسل قصير (6 حلقات فقط)، هو (ما وراء الطبيعة).

ولكن حملت غالبية حكايات (إلا أنا، وراء كل باب، زي القمر) طابعا نسائيا يبدو في قشرته شاعريا ومعاصرا لكن جوهره سطحيا مبتورا على جناح الاستسهال، ومع ذلك فإن صناعه يعولون دائما على تلقى الجمهور باهتمام لمثل تلك الأعمال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو أمر يبدو طبيعيا لكن لايعكس حقيقة (أن الجمهور عاوز كده)، فالجمهور له مايعرض أمامه أو يفرض عليه  فهو في النهاية متلقي لايملك حق الاعتراض على ما يقدم له في ظل زخم الفضائيات التي تحاصره أينما ذهب أو خلد للراحة بعد عناء يوم طويل.

وبعد كل ما مضى أقول لصديقتي ليس معنى أن أكتب عن تجارب تبدو ناجحة من وجه نظري أني أجامل أو مؤمن بالفكرة، بل فقط أكتب ما يمليه على ضميرى تجاه دراما ونجوم بلدي التي أتمنى لها التقدم والازدهار، ومن  أقول كفانا عبثا بالدراما المصرية، تارة على جناح التقليد والمحاكاة لتجارب أجنبية، وتارة أخرى على جناح مسمى (هدف نبيل) يمكن أن تحققه مسلسلات (الأوف سيزون) بأنها فعلا جميلة ومسلية لأنها لاتزيد عن خمس حلقات، بعيدا عن الزحمة والتجديد مطلوب دائما، وقد يكون التجديد مطلوبا لكن ليس بطريقة استنساخ التجارب من بعضها وكثرتها بهذا الشكل الذي يؤدي إلى تفريغ الدراما من مضمونها الاجتماعي بتلك الطريقة المبتورة التي أصبحت تسيئ أكثر من نفعها، رغم أنها تسعى لتشغيل كثير من المملثين الذين تاهوا في زحمة حالة العبث التي نعيشها وكنا قد نسيناهم.

وأخيرا يا صناع الدراما فكرة 5 حلقات فكرة عظيمة لتلخيص حدوتة يحبها المشاهد، بعيدا عن فكرة المسلسلات الـ 40 حلقة (مش دراما هندية) بجانب أنها تواكب عصر السرعة الذي نعيشه، لكن كثرتها إلى هذا الحد تفسد الهدف الأساسي من الدراما، فمن غير المعقول أن تكون حكايات (ورا كل باب، وزي القمر) هى التي تعبر عن موسم (الأوف سيزون) من غير مسلسل واحد طويل إلى حد ما مثل (أبو العروسة، الطوفان، وحتى سابع جار الذي تميز بجرأته الشديدة في تناول الموضوع الاجتماعي) .. رحمة بنا من هذا العبث المتعمد من بنات أفكار المؤلف (عبقرينو) والمنتجة التي (استحلت) لعبة إنتاج حكايات من خمس حلقات، فنحن نعيش أكبر حلقة في حلقات الصراع الدرامي مع الإنتاج المشترك بين سوريا ولبنان، والزحف الرهيب للدراما الخليجية ممثلة في (السعودية)، وها هي الأردن تسجل وجودها القوي في الأيام القادمة بمسلسلات النوستالجيا والقضية الفلسطينية، ناهيك عن التحدي الأكبر لمنصة نتفليكس التي تخطط لابتلاع الجمهور العربي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.