رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(الممر) وحده لا يكفي

بقلم : محمود حسونة

قبل عامين، كان العرض الأول لفيلم (الممر) على محطات تليفزيونية مصر، وهو العرض الذي استقبله الناس استقبال المتعطشين لسينما تضيء على بطولاتهم وتحيي داخلهم بالصورة الحية ذكرى حرب يعتزون بها ويتفاخرون بأداء آبائهم وأجدادهم خلالها، فهي الحرب التي تؤكد لهم أنهم يستطيعون فعل المعجزات عندما يريدون، وأنهم الشعب الأبي الذي يرفض أن يحتل الآخر شبراً من أرضه، فقد كانت السنوات ما بين الهزيمة واحتلال الأرض في العام 1967 وبين العبور والانتصار والتحرير في 1973 سنوات الخيبة واليأس والاحباط، وسنوات الانتظار لمحو عار لم يتقبله المصريون بصرف النظر عن انتماءاتهم المناطقية أو الاجتماعية أو مستوياتهم الاقتصادية أو التعليمية.

عندما عُرض (الممر) تليفزيونياً خلت الشوارع من المارة، واكتظت المقاهي بالمشاهدين، وعندما عُرض سينمائياً حقق نجاحاً غير متوقع، وكل ذلك يؤكد شدة الاحتياج الشعبي لهذه النوعية من الأفلام؛ وتوقعنا أن يكون الفيلم انطلاقة انتاجية جديدة لتقديم مجموعة أفلام توثق للأجيال الجديدة بطولات آبائهم وأجدادهم خلالها وتمنحها المكانة المستحقة في وجدانهم، وللأسف خاب أملنا ولم يكن (الممر) سوى فيلم عابر كتبه وأخرجه شريف عرفة وتحمس له المنتج هشام عبد الخالق.

الأمل في تقديم سلسلة أفلام عن حرب أكتوبر كان قد أصبح يقيناً بعد أن أثنى الرئيس عبدالفتاح السيسي على الفيلم وأبطاله في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة في أكتوبر من العام قبل الماضي، وطالب بتقديم فيلم مماثل كل 6 أشهر، ومضى عامان ولم نر شيئاً، ولا ندري من الذي ينبغي أن يطالب وتلقى مطالبته الاهتمام المناسب بعد رئيس الجمهورية؟؟!

قال الرئيس يومئذ عن الفيلم: (كان رسالة جميلة جدًا للمصريين، والأداء فيه يعكس روح مصرية بتتكلم، كل المجموعة كان أداءها أكتر من رائع… احنا محتاجين فيلم زي ده كل 6 شهور).

وأضاف السيسي مُخاطبًا أبطال الفيلم: (الرسالة وصلتوها وفكرتونا، انتو عيشتوهم – يقصد المشاهدين – الفترة دي)،  وهو ما يعكس علم القيادة السياسية بمدى حاجتنا لأن نعيش أحداث حرب العزة والكرامة مرة جديدة لمن عايشها، ومرة أولى لمن لم يعايشونها وهم الأكثرية، ومدى حاجتنا لمعرفة سير وتضحيات أبطال افتدوا الوطن بأرواحهم وصنعوا لنا مجداً سنظل نتغنى به ونتفاخر أمام العالم جيلاً بعد جيل.

يستوقفنا أيضاً قول الرئيس: (أتصور للمخرجين والمنتجين إن التجربة الفيلم قابلة للتكرار كثيرًا، شوفتوا حالة الالتفاف مش للجيش والشعب بس، لكن للدولة، حالة الالتفاف على مصر)، كاشفاً سبب حاجتنا في هذا التوقيت بالذات لهذه النوعية من الأفلام قائلاً: (احنا محتاجين في ظل التحديات اللي بنشوفها في المنطقة ومحاولة سلب عقول وآمال شعوبنا، أن يكون على الأقل فيه فيلم زي كده، يساعد الناس انها تطمن).. هذه الأفلام هى أحد أسلحتنا في معركتنا ضد من يستهدفون استقرار بلادنا، وهى إحدى وسائلنا لمقاومة محاولات سلب عقول شبابنا وقتل آمال شعبنا وبمعنى أكثر دقة شعوبنا العربية، حيث أننا كمصريين لسنا وحدنا المستهدفين ولكن جميعنا كعرب هدف للمتربصين بنا والمتآمرين على بلادنا، وقد شاهدنا بعض دولنا تتساقط خلال موجة (الخريف العربي) كما تتساقط أوراق الشجر في الخريف.

سمعنا كثيراً عن إعداد فيلم عن حياة البطل ابراهيم الرفاعي، ولا ندري إذا ما كنا سنظل نسمع أم سيتجاوز الأمر مرحلة السمع والتمني ويتحول الحلم إلى حقيقة؟ وليس الرفاعي وحده، فقد صنع هذا النصر العظيم جنود وقادة أبطال، وكثيرون منهم يستحقون الإضاءة عليهم في عمل فني يخلد سيرتهم، ومن هؤلاء اللواء الشهيد أحمد حمدي الذي تم تخليده بنفقين يحملان اسمه تحت قناة السويس، ثانيهما افتُتح قبل أيام، من دون أن يعرف الكثير من أبنائنا حكايته، وبطل الاستنزاف الشهيد الفريق عبدالمنعم رياض، القائد الذي لم يكتف بإعطاء الأوامر بل تقدم جنوده إلى ميدان المعركة وهو رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وصائدي الدبابات عبدالعاطي ومحمد المصري والعقيد محمد زرد والعريف سيد زكريا خليل والعميد يسري عمارة، وغيرهم الكثير من الأبطال الذين سيطوي سيرتهم النسيان رغم أن شبابنا في أمس الحاجة إلى نماذج يقتدون بها ولن نجد أفضل من هؤلاء الأبطال.

حرب الاستنزاف استحوذت على القليل من الاهتمام السينمائي وحرب أكتوبر لم تنل سوى القليل القليل، وكلتاهما تستحقان الكثير سينمائياً ودرامياً، ومثلما نقتدي بالنموذج الأمريكي ونحاول تقليده بشكل أعمى ونستحوذ على أفكاره وقصص أفلامه وننسبها لأنفسنا من دون وجه حق، ليتنا نتعلم منه شيئاً إيجابياً، فالسينما الأمريكية لا يمر عام إلا وتقدم لنا فيلماً جديداً من ملفات وحكايات الحرب العالمية الثانية، وحرب فيتنام، وبيرل هاربور، مؤخراً وضعت على أجندتها السينمائية حرب العراق وحرب أفغانستان.

بعد أن استحوذت (المتحدة للخدمات الإعلامية* على سوق الانتاج والتوزيع وتملكت القنوات توقعنا أنها ستنتج أفلاماً كبيرة للسينما، وتفاءلنا بمكان لأبطال أكتوبر على أجندتها بعد أن انتجت (الاختيار 1) وعرضته في رمضان قبل الماضي، وتجدد الأمل بعد تقديم (الاختيار 2) و(هجمة مرتدة)، و(القاهرة  كابول) في رمضان الماضي، وبعد أن فشلنا في العثور على أي مخطط بشأن أكتوبر لديهم، كاد الأمل يتحول إلى يأس.

(الممر) وحده لا يكفي، وأفلامنا القديمة عن أكتوبر والاستنزاف تشبعنا منها، وسير أبطالنا تستحق أن تسرد علينا سينمائياً أو درامياً.. فهل يسمعنا أحد؟؟!!

mahmoudhassouna2020@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.