محمد سلام .. فنان متجدد في الكوميديا النظيفة
بقلم : محمد حبوشة
يبدو لي أن الممثلين الكوميديين في مختلف البلاد يتحولون إلى شخصيات نمطية حيث يكررون التقنيات التي يستخدمونها في تمثيلهم لغرض إضحاك الجمهور، ويحدث مثل ذلك التكرار حتى وان اختلفت مضامين وأشكال الأعمال الفنية التي يشاركون فيه، وقد يكون سبب مثل ذلك الاستنساخ يرجع إلى أن شخصيات الأعمال الكوميدية هى نماذج لفئات كبيرة من الناس يتشابه أفرادها في صفاتهم وفي سلوكهم، ثم ألا يكون استنساخ الأداء وتكرار التقنيات نفسها مدعاة للملل؟ خاصى أن الإنسان يحب التجديد على الدوام، ثم ألا يدل التكرار والاستنساخ لدى هذا الممثل أو ذاك على الشحة في مخيلته وعلى القصور بامكاناته في الابتكار والتجديد والتنوع؟
لكن ضيفنا في باب (في دائرة الضوء) النجم الكوميدي الصاعد الواعد (محمد سلام) عكس تلك القاعدة بأداء متنوع وضعه في مصاف نجوم الكوميديا المجددين في الأداء النابع من القلب، انطلاقا من إدراك ويقين راسخ بداخله أن أسوأ الكوميديا هى الكوميديا التي لا تضحك، حتى إذا افترضنا أن لعمل كوميدي ما رسالة فكرية هامة، لكن أحداثه وشخصياته لا تضحك، فإنه سيفشل حتما، نجح (موليير وبومارشيه وماريفو) وخلدت أعمالهم ليس لأنها تحتوي رسائل اجتماعية ناقدة، ولكن لأنها تضحك، والعمل الكوميدي الناجح، سواء كان رواية أم مسرحية أم فيلما أم مسلسلا تلفزيونيا، هو الذي يحترم قيم معظم المشاهدين، ويتجنب جعل السماجة دافعا للإضحاك، لأنها إذا أضحكت فإنما هى تضحك شريحة ضيقة من المشاهدين، وليس الغالبية العظمى من الناس.
ومحمد سلام هو من نوع الممثلين الشباب الجدد الذين يجلبون الضحك من القلب، فالضحك معه يجعلك تشعر بشعور أفضل، بل إن الضحك عنده يعد شكلًا رائعًا من أشكال تخفيف الضغط النفسي، وهذه ليست مزحة، لأنه فنان يملك القدرة الفائقة على أن يمنحك ضحكه آثارا طويلة المدى، وليس هذا فحسب فإنه عندما تبدأ بالضحك، فلا يقتصر دوره فقط على تخفيف الأعباء التي تصب على العقل، بل يحفز أيضا على حدوث تغيرات جسدية لديك، فتتحسن الابتسامة لديك وتزيد من استنشاق الهواء الغني بالأكسجين، وتحفز القلب، والرئتين والعضلات، وتزيد الإندورفين (المسكنات الطبيعية) التي يقوم الدماغ بإطلاقها.
وقد لاحظت من مراقبتي لأعماله الأخيرة كما جاء في فيلم (ماما حامل) إنه مانح السعادة وأحد صناعها حاليا، ببساطه لأنه قرر أن يسعى وراء حلمه وهو (التمثيل)، حيث كان يملك الموهبة و(خفة الدم) منذ صغره والتي التي أهلته بالضرورة للظهور على الشاشة، وذلك على الرغم من أنه واحد من الفنانين غير الظاهرين إعلاميا رغم أعمالهم وبصماتهم الواضحة في مجال الفن والتمثيل، بل أنه شخص خفيف الدم ومرح إلى أقصى حد، وفضلا عن هذا فإنه من الذين يعتقدون أن الضحك هو علامة السعادة أو وسيلة لتفريغ الضغوطات النفسية والتوتر، وإن الشخص الكوميدي هو شخص محبوب من المحيطين به، يعرف كيف يجذب الأنظار بابتسامته او ضحكته او قدرته علي تحويل مزاجك، وربما جعلك أكثر سعادة وفرحة.:
الثقة في النفس عند (محمد سلام) تعني أن تثق أنك تمتلك حس دعابة ويمكنك إضحاك الآخرين وعليك استخدام حس الدعابة الموجود بداخلك على نحو طبيعي مع الآخرين، كما أنه تعلم منذ ظهوره على مسرح الجامعة ما يمكن أن يضحك الناس، فالناس دوما تريد الضحك كمهرب من التوترات النفسية والعصبية التي يواجهونها في الحياة اليومية وضغوطاها، لذا عليك أن تعرف ما يضحك الناس وتحاول إخراجهم من صعوبة الحياة وقساوتها وأن تكون خفيف الظل لا مستهزاءا بهم و بأحزانهم وأن تعرف كيف تخرجهم من الضيق، كما أنه ليس كمعظم الممثلين الذين اشتهروا بخفة الدم والروح المرحة لأن لديه ملكة اختيار الوقت المناسب لإلقاء المزاح، حيث أن هذه النقطة – كما يقولون – فمهما كان ما تقوله مضحكا في وقت خاطئ لن يعجب الناس أبدا، وأن كان ما تقوله أمر شبه طبيعي في وقت مناسب للمزاح سوف تجد الضحكات تنفجر من حولك، المهم هو اختيار الوقت المناسب.
ويسعى (سلام) كغيره من الممثلين الناجحين في مجال الكوميديا أو الأشخاص الذين يتمتعون بحس الدعابة يستهدفون نقاط الضعف الموجودة في شخصياتهم لإضحاك الآخرين، وتدل الدراسات النفسية الحديثة على أن الضحك والابتسام والنكتة والكاريكاتير يمكن أن يعدل بها الإنسان المزاج العام، وأن يخفف من حدة التوتر والقلق، ومن هناك يعى (سلام) جيدا أن مشاهدة البرامج والأفلام والمسلسلات المضحكة مفيدة للصحة النفسية والجسدية، ويعتبر ذلك من الأساليب العامة العلاجية، فإن الأفراد الذين يتذوقون الفكاهة ربما يكونون أيضا قادرين على إبعاد أنفسهم عن إنذار الآلام، ومن ثم المرضى الذين شاهدوا الأفلام المضحكة كانوا أقل احتياجا إلى مسكنات الألم الخفيفة بعد عملية جراحية من أولئك المرضى الذين شاهدوا أفلاما جدية أو لا شيء على الإطلاق.
لذا فالابتسام والمرح، والبشاشة، والمزاح، والدعابة والهزل والكوميديا عند (محمد سلام) كلها تصدر عن طبيعة واحدة فى نفس الإنسان، حيث يسرى عن النفس الكآبة والعبوس، ويبعد آلامها ولو مؤقتا مما يعيد التوازن النفسى، والضحك فى غالبه يعد عنده تعبيرا عن التعاطف والتفاهم المتبادل بين البشر، وهو إحدى وسائل التواصل البشرى على مدى التاريخ، وينطلق نجمنا الكوميدي في إضحاكه من قاعدة أن الفكاهة تعتبر من المواضيع القريبة إلى النفس فلا يخلو منها مجتمع، ولا تستغنى عنها حضارة، إنما الغرض من الفكاهة أن يجعل الحياة ضاحكة وجديرة بأن تعاش، بعيدة عن الأحزان والأشجان، فالفكاهة انتشرت على وجه الأرض وعلى مر العصور لكل شعب يعيش على هذه البسيطة.
ويقول بعض علماء النفس إن الضحك يستخدم الأعصاب والعضلات فهو غزيرة مهمة، والضحك حسب ما توصل إليه العلم الحديث يعيد للإنسان أنسه وأمله وطبيعته، فهو غزيرة مهمة، والضحك يفيد الجسم والعقل ويحقق السعادة والسلام النفسى، ويمنحك التجدد، ويقلل من الضغوط، ويزيد من قدرتك على التأمل والاسترخاء، ويقوى جهاز المناعة ووسائل الدفاع الطبيعية الموجودة فى الجسم، ويجعلك تبدو أكثر شباباً، ويرفع من مستوي أدائك العقلى ومن قدرتك على الاحتفاظ بالمعلومات لأطول فترة ممكنة ويقوى الذاكرة، ويذكرك دائماً بالصورة الأشمل والأعم في حياتك أي تفكر وترسم لمستقبلك بطريقة أفضل، ولعل كل تلك الأسباب وغيرها هى السر فى نجاح أى فيلم كوميدى، حيث يعتمد فى المقام الأول والأخير على بساطته واعتماده على كوميديا الموقف، وهى أرقى أنواع الكوميديا.
محمد سلام الذي ولد بالقاهرة، واحد من أكثر الموهوبين بين أبناء جيله، استطاع بخفة ظله وموهبته الكبيرة أن يحصل على قاعدة جماهيرية كبيرة، ولعله منذ أن كان صغيرا كانت تظهر عليه ملامح الموهبة الكبيرة، ولكنه كان يهتم أكثر بدراسته، وبالفعل تمكن بعد انتهائه من مرحلة الثانوية العامة الالتحاق بكلية التجارة جامعة عين شمس وهناك كانت بدايته، حيث بدأ نشاطه الفني، حين التحق بمسرح الجامعة وهناك تم اكتشاف موهبته الفريدة التي أعجب بها كل من شاهدها، وبالفعل شارك في عدد من مسرحيات الجامعة، بل وحصل أكثر من مرة على لقب أحسن ممثل، وبعد ذلك قرر الالتحاق بورشة الإبداع الفني في دار الأوبرا المصرية تحت إدارة المخرج الكبير خالد جلال، وبعد ذلك بدأ سلام الظهور تدريجيا بجانب عدد من نجوم الكوميديا، وكان الفنان أحمد مكي أول من أعطاه الفرصة للحصول على دور رئيسي، ولفت سلام الأنظار له من خلال حضوره القوي وخفة ظله، الأمر الذي جعله يحصل بعد ذلك على العديد من الأدوار بجانب أشهر وأهم النجوم.
كان أول فيلم سينمائي يظهر فيه الفنان محمد سلام هو فيلم (الرهينة) مع النجم أحمد عز، حيث ظهر سلام في دور صغير جدا، لكن يعتبر أحمد مكي هو الذي منحه الفرصة الأكبر باعتباره من أكثر النجوم الذين اعتادوا تقديم عدد من المواهب الجديدة للمشاهدين، وكان أحد هؤلاء الوجوه المحبوبة التي قدمها مكي للجماهير هو الفنان محمد سلام، بدأ الفنان أحمد مكي معه سلسلة المسلسل الكوميدي (الكبير أوي) والذي حصل على نجاح غير مسبوق، وبعدها أصبح (سلام) من أشهر الثنائيات التي تم تقديمها في الدراما المصرية من خلال ثنائيته مع النجمة دنيا سمير غانم، فمنذ حصولها على فرصة البطولة المطلقة من خلال مسلسل (لهفة) لم تستغنى دنيا عن سلام في أي عمل من أعمالها قط.
ففي مسلسل (لهفة) وهو البطولة المطلقة الأولى لدنيا، حصل سلام على دور (مرتضى) وهو ابن خالة لهفة الذي يحبها منذ أن كانت طفلة، ولكنها تعتقد أنه يحبها مثل أخيها، ويحاول مساعدتها للوصول إلى حلمها في أن تصبح فنانة معروفة، وبعد لهفة قدمت دنيا المسلسل الأشهر (نيللي وشريهان) وقدم سلام دور (هاني الدبدوب) خطيب (شريهان) التي لعبت دورها الفنانة إيمي سمير غانم شقيقة دنيا، والجدير بالذكر أن هذا المسلسل نجح نجاحا غير مسبوق، وفي عام 2019 قدمت الفنانة دنيا سمير غانم فكرة جديدة للدراما المصرية وهى تقديم ثلاثة حكايات في مسلسل واحد كل حكاية 10 حلقات، وظهر سلام كبطل للحكاية الأولى وهى حكاية (بيلا) ولعب دور (راشد) مساعد بيلا، والذي يحاول لفت انتباهها بكل الطرق، وعلى الرغم من ظهور سلام في حكاية واحدة فقط، إلا أن الجماهير قد استاءت كثيرا بسبب عدم ظهوره في الحدوثة الثانية والثالثة، وقد أوضحت دنيا مدى سعادتها بمشاركة سلام في المسلسل وقالت أنها تمنت لو ظهر سلام في جميع الحلقات، إلا أن فكرة المسلسل قائمة على اختلاف الأبطال في كل حكاية.
شارك (محمد سلام) في عديد من الأفلام السينمائية ومنها (سيما علي بابا، كابتن مصر، كلب بلدي، جحيم في الهند، آخر ديك في مصر، ليلة هنا وسرور، عندما يقع اﻹنسان في مستنقع أفكاره فينتهي به اﻷمر إلى المهزلة، الفلوس، كدبة بيضا، الطيب والشرس واللعوب، الغسالة، وقفة رجالة، وآحر أفلامه (ماما حامل)، أما في الدراما التليفزيونية فقد شارك في عدة مسلسلات منه (الكبير أوي، الجماعة، شربات لوز، نكدب لو قولنا مبنحبش، نيران صديقة، هبة رجل الغراب، حق ميت، كابتن أنوش، في الالا لاند، خفة يد، أبو عمر المصري، ربع رومي، الشركة الألمانية لمكافحة الخوارق: جمجوم وبم بم، اللعبة).
ولا يعرف الكثير عن حياة الفنان الشخصية، هل هو متزوج أم لا وماذا عن أولاده؟، حتى نشر صورة له على الانستجرام قائلا: (اللهم أنبتها نباتا حسنا، واجعلها قرة عين لوالديها، واحفظها وبارك لنا فيها واجعلها من أهل الصلاح والتقوى، رقية محمد أحمد)، كما أعرب من خلال صفحته على انستجرام، عن تواجد مولودته (رقية) ناشرا صورة من الاحتفال بميلادها، ويحرص الفنان محمد سلام طمأنينة جمهوره بمشاركة معجبيه بالعديد من الصور والمقاطع المرئية عبر حساباته على منصات التواصل الالكترونية .. تحية تقدير واحترام له على اجتهاده في أعماله التي يتوجها في كل مرة برسم ابتسامة عذبة على وجوه المصريين من محبي فنه الراقي.