موفق بهجت شاهد عيان على أغنيات أكتوبر: العبور أعظم ما حدث في التاريخ
* بمجرد علمي بنبأ الانتصار سكنت مع بليغ حمدي وآخرين مبنى الإذاعة والتليفزيون
* جهزت أغنيات كثيرة وتعبت عليها وتغنى بها غيري
* لا أذكر أغنية (آخر بيان) و(يا جندي بلادي يا بطل) لم ترضي طموحي
* حب مصر لم يبرح خيالي ومازالت أردد (يا حبيبتي يا مصر) و(طلي يا شمس المعارك)
حوار : أحمد السماحي
كانت أخبار حرب أكتوبر الأولى التى نقلتها أجهزة وكالات الأنباء العالمية إلى عواصم العالم وقدرة الجيش المصري على عبور القناة وتدمير خط بارليف وتداعى خطوط الدفاع الإسرائيلية، وتقدم القوات المصرية المهاجمة في سيناء، هى المفاجأة التامة للسياسيين والمفكرين والقادة العسكريين والصحفيين وكل المشتغلين في ميدان السياسة الدولية، وكانت مفاجأة أيضا للعرب أنفسهم، فقد كان الاعتقاد السائد هو أن اسرائيل تمتلك زمام المبادرة دائما وباستمرار، وأن القدرة على تغيير ميزان القوى وتحدي التفوق العسكري الإسرائيلي واتخاذ قرار عربي بالحرب والهجوم ضد اسرائيل ليس في حساب الواقع.
لهذا وبمجرد ما انطلق البيان الأول للمعركة، والذى أذيع يوم السادس من أكتوبر في الساعة الثانية وربع بعد الظهر، تحمس كل الفنانيين لهذه الأخبار السارة، لكن كان هناك حالة من التوجس والخوف من أن يكون أمر الانتصار خدعة كالتى تعرضوا لها خلال نكسة يونيو 1967، لذلك كان هناك نوع من الترقب لما سيأتي، وعندما تأكد النصر، زحف المطربون والشعراء والملحنين المصريين إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون.
لم تقتصر المشاركة في أغنيات المعركة على المطربيين المصريين فقط، فمن الفنانيين الذين دخلوا سباق أغنيات المعركة صوت البهجة المطرب السوري الكبير (موفق بهجت) الذي كان متواجدا في القاهرة، وزوجا للنجمة (ميرفت أمين)، أحس يومها أن عليه واجبا وطنيا أن يقدم تحية لنضال الجيشين المصري والسوري فتقدم بكلمات أغنية بعنوان (المعارك وحدتنا) كلمات محسن الخياط، وألحان حلمي بكر، غير أن محمد محمود شعبان (بابا شارو) قال له: يا موفق سنأخذ هذا الكلام منك لتغنيه المجموعة، فهذا أقوى وأحلى على ألسنة المجموعة حيث يقول بداية الكلام :
مصر داري .. سوريا داري والمعارك وحدتنا
طلي يا شمس المعارك، كل بيت في مصر بيتنا
وكل بيت في سوريا بيتنا، والمعارك وحدتنا
طلي يا شمس المعارك وأجمعينا
فى فلسطين في الجولان في أرض سيناء
مصر داري .. سوريا داري والمعارك وحدتنا
وتنازل (موفق) بكل حب وسعة صدر عن الأغنية التى غنتها المجموعة، لكنه فاجأ (بابا شارو) في اليوم التاني بكلمات أغنية جديدة تقول:
آخر بيان يا ولا بلدنا اسمعوا
آخر بيان يا ولاد بلدنا اتجمعوا
آخر بيان كل واحد فينا جندي في موقعه
آخر بيان كل واحد يحضن سلاحه في موقعه في الميدان
فتح (بابا شارو) أبواب ستديو التسجيلات، ولم يكتف المطرب السوري الشاب (موفق بهجت) بهذه الأغنية، فقدم أغنية وطنية ثانية كلمات (عبدالرحيم منصور) ولحن الموسيقار العبقري (بليغ حمدي) بعنوان (يا جندي بلادي يا بطل) يقول مطلعها:
يا جندى يا زينة الرجال فى الوادى
ياللى عليك العين وحمل بلادى
بلدك ماشية ع الدروب
تنقش أسمك ع الدروب
تهتف بأسمك يا جدع
وتقول بإيدك إترفع علم بلادى
يا جندى بلادى يا بطل، يا ولدي، يا سندي، يا أمل
بلدك ماشية ع الدروب بتنقش أسمك ع الدروب
ولم يقتصر عطاء (موفق بهجت) على الغناء فى الاستديو، فشارك في أكثر من حفل للترفيه عن الجنود منهم حفل لإذاعة (صوت العرب) اشترك فيه من الجزائر (ورده) والمطربة (مهدية)، ومن الأردن (إسماعيل خضر)، ومن ليبيا (محمود كريم)، و(خالد سعيد)، ومن مصر (محمد رشدي، عفاف راضي، عايدة الشاعر، أحمد غانم)، ورقصت كلا من (زيزي مصطفى، وسهير مجدي)، أشرف على الحفل (سعد زغلول نصار) مدير إذاعة صوت العرب، ووجدي الحكيم، وكامل البيطار.
المطرب السوري الكبير (موفق بهجت) أكد لـ (شهريار النجوم) أن عبور القوات المسلحة في حرب أكتوبر المجيدة هو أعظم وأسمى ما حدث في تاريخ العالم، وانتصار على الشر الأكبر والقوى المتحالفة، ونقطة تحول كبرى فى تاريخ العرب، وفي نظرة العالم إلى العرب، وكان شعار المرحلة ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.!
وعن ذكرياته أثناء حرب أكتوبر، ومع الأغنيات التى قدمها قال: كنت وقت حرب أكتوبر موجودا في مصر، وبمجرد سماعنا خبر العبور، وبدأت تتلاحق البيانات العسكرية تعلن عن انتصارانا، عم الفرح كل مكان، وانتابنا شعور عارم بالفرحة، وتحول المؤلفون والملحنون والمطربون إلى كتيبة من كتائب النصر، وكان هدفنا أن نقدم فى هذه الساعات المجيدة فى تاريخ مصر والعالم العربي الأغنية الوطنية التى تنشر بين الناس روح القتال والتضحية، وتحث الناس على العطاء.
وأضاف مطربنا الكبير: وكفنان مؤمن بمصر وسوريا، وإننا يجب أن ننتصر مهما طال ليل الهزيمة الحالك، وأسوة بالموسيقار المبدع (بليغ حمدي) صديقي الحبيب سكنت معه مبنى (الإذاعة والتليفزيون) نجهز أغنيات وطنية، ومعنا زملاء آخرين مثل (مجدي نجيب، عبدالرحيم منصور، ومحمد رشدي، ومحمد الموجي) وغيرهم، رغم قيود الإضاءة.!
وبحماس الشباب قررت أن أحارب بسلاحي الفني والمعنوي وهو صوتي، وأقول لكل جندي مصري أو سوري على الجبهة نحن معك، فجهزت كثير من المشاريع الغنائية، لكن للأسف الشديد بعد أن تكتب وتلحن لي، وبعد التعب الذي أبذله فى إعدادها، كانت تُعطى لغيري، وأنت ذكرت واحدة منهم وهى (طلي يا شمس المعارك)، حتى أغنية (يا جندي بلادي يا بطل) ليست ما كنت أطمح فيه!، أما أغنية (آخر بيان) فأنا لا أتذكرها ورجاء ذكرني بها!.
وصرح صوت البهجة موفق بهجت قائلا: ورغم كل هذا إلا أنني وحتى الآن لست حزينا ولا نادما على ضياع هذه الأغنيات مني، ومازلت حتى الآن أردد (يا بلادي يا أغلى البلاد يا بلادي، فداكي أنا والولاد يا بلادي، يا حبيبتي يا مصر) التى أبدعها الصديق العبقري (بليغ حمدي)، وتغنيها صوت مصر (شادية)، ومازالت أردد أيضا (طلي يا شمس المعارك وأجمعينا، فى فلسطين في الجولان في أرض سيناء)، فعشقي لمصر أرض الكنانة بلا حدود ومازال يسكنني، ولم يبرح قلبي ولا ذاكرتي لحظة واحدة.
وأتابع الآن الإنجازات الضخمة، وعمليات البناء التى تُحقق على أرض مصر فى كافة المجالات، ولكن أهم من كل هذا هو بناء الإنسان المصري، وسلامات وتعيشي يا مصر.