الفضائيات تنفخ النار في الإيجارات القديمة !
بقلم : محمد حبوشة
في تحرك جديد ومريب للضغط على مجلس النواب، بهدف تحريك المياه الراكدة لصالح بعض حيتان الملاك في أزمة تعديل قانون الإيجارات القديمة، فقد بدأ ملاك العقارات في التحرك بشكل غير منطقي أو قانوني وغير مبرر على الإطلاق عبر برامج (التوك شوز) على القنوات الفضائية بزعم أن الرئيس يقف في صفهم، عندما تحدث عن توفير مساكن لكل المصريين، رغم أنه قالها صريحة وواضحة أنا لا أتدخل من قريب أو بعيد في المساس بأمر يخص البسطاء من أبناء هذا الشعب، في حين يسعى الملاك أو من ينوبون عنهم إلى جمع أكبر عدد ممكن منهم، لتنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان، الذي بدأ جلسات من أجل الاحتجاج على تجميد مشروع تعديل قانون الإيجار القديم، بما يمنحهم الحق في استعادة أملاكهم بوصفها مسلوبة منذ سنين طويلة رغم أنهم حصلوا على مستحقات توازى أضعاف أثمان شققهم.
يدعي ممثلي الملاك كما جاء في حلقة (الحكاية) لعمر أديب على قناة (mbc مصر) أن هناك العديد من المقترحات قدمها بعض أعضاء مجلس النواب في الفترة السابقة لإزالة الاشتباك بين المالك والمستأجر في قانون الإيجار القديم)، وذلك على الرغم من أن لجنة الإسكان والمرافق بالمجلس أكدت عدم تلقيها مشروعات القوانين في دور الانعقاد الأول لتعديل قانون الإيجار القديم، إلا أن الحديث لم ينقطع حول هذا الملف، لاسيما في ظل تلقي أعضاء مجلسي النواب والشيوخ مقترحات من الملاك لتعديل القيمة الإيجارية في هذا القانون، وذلك عقب حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي، عن ضرورة حل أزمة قانون الإيجار القديم، خلال افتتاحه عدد من المشروعات السكنية بمدينة بدر.
وبالعودة لتصريحات الرئيس سنجد أنه وجه حديثه للمواطنين، قائلا: (هخلي الناس تمشي تتكعبل في الشقق)، ونحن مع زيادة سنوية دورية على قيمة الأجرة المقررة بهذا القانون بمقدار 10% سنويا، وإخلاء الوحدة المؤجرة حال غلقها لمدة 3 سنوات لغير غرض السفر، وإخلاء الوحدة لمرور المدة نفسها على استخراج ترخيص بناء جديد باسم المستأجر أو زوجته أو أولاده القصر، أيضا نحن مع إخلاء الوحدة استفادة المستأجر من الحصول على مسكن من برامج الإسكان التي تقدمها الدولة، وتحرير العقد الأصلي بعد مرور 50 عاما على بدء العلاقة الايجارية الأصلين للعين المؤجرة، وإنشاء صندوق لدعم المستأجر غير القادر تكون حصيلته الضريبة العقارية لمدة 5 سنوات، لكن هنالك شروط لإخلاء المستأجرين بموجب أحكام المحكة الدستورية العليا.
لاشك أن المشكلة كبيرة وحدث لها العديد من الحوارات المجتمعية لسنوات دون أن يتم الفصل فيها، ويوجد العديد من المقترحات للحل تم تقديمها أمام مجلس النواب سواء الماضي أو الحالي، وكل الأفكار المطروحة في وسائل الاعلام من قبيل المقترحات والأمر يحتاج إلى لجنة في مجلس النواب تقوم بعملية تجميع لكافة المقترحات وتوازن وتقارن بينها للوصول لمشروع يتم عرضه على المجتمع، ولا بد أن يكون هناك صندوق يدعم المستأجر في حال احتاج إلى دعم أو تعويض أو تغيير الوحدة، ويكون مصدر هذا الصندوق الضرائب العقارية على كبار المستأجرين، ويعد قانون الإيجار القديم أحد أبرز العقبات التي تواجه السوق العقاري في مصر، وذلك بناء على آراء الخبراء الذين يُرجعون ذلك إلى قلة القيمة الإيجارية التي يحصل عليها المالك، ولأن الكثير من تلك الوحدات قديمة ومتهالكة وتحتاج إلى ترميم، كما أن العديد منها غير مستغل، ففي خلال 100 عام صدر حوالي 15 قانونًا من أجل تنظيم العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر، لكن الأزمات لم تحل والمشاكل الناتجة عن قانون الإيجار القديم ما زالت تشغل حيزًا كبيرًا من تفكير الرأي العام.
وفى حديثه الواضح جدا عن قانون الإيجارات القديمة حل الرئيس السيسى ألغازا كثيرة سعى البعض إلى محاولة فرضها بالأمر الواقع، فلم يقصد أو يوجه بتغير القانون، حتى أنه قال بالحرف الواحد (ليس لدى توجه معين)، وإنما أراد توجيه رسالة طمأنينة لكل من المالك والمستأجر من خلال حلول عملية يسعى هو بنفسه لتحقيقها على أرض الواقع من قبيل (هيحل حجم المعروض من الشقق المشكلة من جذورها)، مشيرا إلى أن قيمة الإيجار رخيصة كما أن القانون الجديد يفرض إيجارا غالية فوق طاقة البسطاء من أبنا هذا الوطن، لذا لجأ إلى حلول جذرية تتحملها الدولة عندما قال بالحرف الواحد (هخلى الناس تمشى تتكعبل بالشقق).
وانطلاقا من حرص الرئيس على إحداث حالة التوازن بين المالك والمستأجرقالها واضحة وصريحة (حل أزمة قانون الإيجار القديم يتمثل فى العمل على تكثيف المعروض)، وتابع أن (الملكية يجب أن تعود إليها قيمتها ومكانتها من قبل تعامل المواطنين فيما بينهم)، وأردف قوله بأن: (هناك شقق فى وسط البلد إيجارها 20 جنيها وقيمتها ملايين، من حق المواطن يقعد فيها، لكن من حق صاحبها أيضا أن يستمتع بقيمتها)، وطمأن المستأجرين تحديدا بقوله : (أى حد عاوز شقة نقدر نوفرله، وهنعمل توازن نسبى لمواجهة مثل هذه القضايا، علشان نحسن من الواقع بعض الشيء).
وإذا تأملنا كلام الرئيس جيدا سنجد أن راعى المصلحة لكلا الطرفين (المالك والمستأجر) ووأد نار الفتنة الذى كانت على وشك الاشتعال بفعل تسخين بعض ممثلى الملاك المستفيدين فى الغرفة الثانية لمجلس النواب فى أكتوبر القادم، لقد أوقف الرجل الجدل الدائر القائم خلال السنوات الخمس الماضية دون أن يلمح لأى من كان أنه أصدر تعليمات بإلغاء القانون لأية جهة تشريعية أو دستورية فى مصر، على عكس ما يصوره البعض فى فيديوهات وتعليقات وصفحات على السوشيال ميديا فى شكل تفسيرات غريبة وعجيبة تبعد عن الواقع، خاصة القانون القديم محمى بحكم دستورى لا يمكن إلغائه، وأيضا (ولولة) بعض المستأجرين والتلويح بأن إلغاء القانون سوف يطرد أكثر من 30 مليون فى الشارع أمر آخر مرفوض.
حقيقة الأمر أن مايثار حاليا من مظلومية الملاك وبكاء المستأجرين ليس له محل من الأعراب فى ذهن رأس الدولة المصرية التى تسعى فى كل خطواتها إلى تخفيف الأعباء عن المواطن وتوفير سبل (حياة كريمة) على أرض المحروسة، ولا ننسى أن المجتمع المصرى كان متخما بالمشاكل المجتمعية والخدمات الأساسية فى الفترة ما قبل 2013، وعندما خرج المواطن المصرى إلى الشارع ليعبر عن مطالبه كانت العدالة الاجتماعية على رأس تلك المطالب، ولا يمكن أن تتحقق تلك العدالة المرجوة بدون سكن آمن، وعندما نقول سكن آمن فذلك يعنى آمن من الناحية الصحية والمجتمعية أي؛ ليس سكنا فى منطقة عشوائية يهدد حياة قاطنيها، وليس سكنا غير مستقرا حيث يتنقل المواطن بين بناية وأخرى فى حالة السكن تحت مظلة قانون الإيجار الجديد أو أن يكون فى حالة من النزاع الدائم تحت مظلة قانون الإيجار القديم.
ومن ثم، بدأت الرؤية الوطنية المصرية فى مخاطبة تلك الأزمة ولكن بالمعالجة الجيدة والذكية، أملا فى التخلص من تلك الفجوة بين المواطن الذى يفتقر إلى امتلاك مسكن ولو بسيط وبين المواطن الذى يمتلك مسكنا فاخرا أو حتى أكثر من مسكن، وتعزيز فكرة تملك المسكن وتحقيق الأمان لكل أسرة مصرية، فأولا: بدأت الدولة المصرية بالتخلص من العشوائيات والمجتمعات غير الصحية والتى لا يصح وجودها فى وجود مدن ذكية متطورة جديدة، وأقامت مجتمعات عمرانية جديدة، تملك المواطنين وحدات سكنية نالت إعجابهم ورضاهم عن تلك التى كانت تفتقر حتى إلى الأكسجين وإلى أبسط أنواع الحياة الآدمية، وبالفعل نجحت فى إنقاذ شريحة كبيرة من المجتمع كادت تندثر تحت أنقاض عشوائيات تنهش فى جسد الوطن وتكون بؤر الفساد والتطرف الفكرى وتقع تحت طائلة مثلث الفقر والجهل والمرض.
وثانيا: الاقتراب من ملف الإيجارات وخاصة الإيجار القديم، ذلك القانون الذى ولد فى خمسينيات القرن الماضى ولم يضع له من صممه آليات تطوير خاصة فى ظل التضخم السكانى والمالي، فأصبح مثل قطعة الثوب البالية التى من المفترض أن يرتديها أحد!، ذلك القانون الذى يظلم المالك والمستأجر، ملف شائك لا يمكن الاقتراب منه بمشروع قانون مقدم من مجلس النواب أو الحكومة والحل – بالفعل – صعب للغاية، ولكن يأتى هنا ذكاء الرؤية الوطنية، فبدلا من الصدام وتغيير الواقع بالورق، بدأت الدولة المصرية تغيير الواقع على الأرض، وطرح وحدات سكنية بتسهيلات كبيرة وتوقيع مذكرات تعاون مع شركات الإسكان، ولا سيما عن مبادرة البنك المركزى عن التمويل العقارى أو مبادرة الـ 3%.
ولا تقتصر تلك المبادرة على فكرة التمويل العقارى فقط بل شروطها تتماشى مع رؤية الدولة فى التقنين وإنهاء الفوضى العقارية باختيار الوحدات السكنية المسجلة فى الشهر العقاري، فمثل تلك المبادرات تشجع بائعى الوحدات لتسجيل وحداتهم وإدخال مرافق جيدة، ومن ثم أقول لكل الأطراف المتنازعة على قانون الإيجارات القديم اهدأو قليلا، فإن الصدام مع القانون لم يكن ليحل ذلك الملف الشائك، وأيضا لطالما عانى المواطن من قانون الإيجار الجديد، لذا الالتفاف حول تلك الازمة من جانب الرئيس خلق مسارات من أجل تحقيق العداله المجتمعيه، من خلال فكرته العبقريه عن توفير وحدات لحل هذه الأزمه وليس طرد المستاجرين حسب تلميحات الملاك الذين تجددت أحلامهم تعديل هذا القانون فى سبيل الحصول على ميراثهم الثمين.
هى بلاشك أزمة قديمة وباقية حتى الآن ولم يتم حلها بلاشك، رغم أن هناك حقوقا خاصة بالملاك يكفلها الدستور وينظمها الشرع وكافة الأعراف والمفاهيم الإنسانية، لكن فى نفس الوقت لابد أن نكون متدبرين لأصحاب القدرات المالية المحدودة من قاطنى تلك الوحدات، لقد كان حل تلك المشكلة من الصعوبة بمكان، أقصد حال جذرى بطريقة متدرجة وليس دفعة واحدة، حتى جاءت فكرة الرئيس السيسى بهذا الحل السحرى ليرضى كافة الأطراف من خلال طرحه الأخير بأحقية المواطن بسكن ملائم وآمن، وهو ما ينم عن إلمامه الكامل بكافة أطراف القضية وإدراكه للمخاطر، وكيف يمكن أن تحدث مثل تلك المشكلات فتنة مجتمعية داخل مصر التى يسعى إلى جعلها شامخة بين كافة الأمم.
جاءت أفكار الرئيس لحل قضية من أبرز قضايانا المصرى وسط حديث حكومى على أعلى مستوى بضرورة تعديل قانون الإيجارات القديمة فى مصر، بدأت نغمة الحديث عن تعديل القانون فى الارتفاع، مع نية برلمانية لتقديم مقترحات بتعديل القانون من أجل السماح برفع قيمة الإيجار، والذى سيؤثر على الملايين من شاغلى الوحدات السكنية، وفقا لهذا القانون الذى لم يتغير منذ عقود، كما أن النية واضحة داخل مجلس النواب من أجل مناقشة تعديلات قانون الإيجارات القديم خلال دور الانعقاد المقبل والذى ينطلق فى أكتوبر المقبل، ويتوقع أن تخضع التعديلات لحوار مجتمعى موسع مع المستأجرين وأصحاب العقارات، ففى الوقت الذى لم يعد فيه من المنطقى أن يستمر إيجار بعض الوحدات السكنية فى أرقى الأحياء بالعاصمة المصرية عند 10 جنيهات، لا ينبغى المساس بحقوق المستأجر الضعيف فى ظل ظروف اقتصادية ضاغطة.
وترتيبا على ماسبق لابد من توقف حملات مسعورة عبر الفضائيات، كما جاء في حلقة (لميس الحديدي) يوم 25 سبتمبر الماضي عبر برنامجها (كلمة أخيرة) بأساليب النفخ في النار حيال تلك الأزمة، وخاصة أن هؤلاء كانوا يعملون ليل نهار ولايكفون عن ابتكار أساليب شيطانية يلبثون فيها الحق بالباطل على جناح الفتاوي الدينية المبتورة والتي لا تجيز التوريث، وقد لاحظت أنهم نشطوا على غير العادة طوال الأسابيع القليلة الماضية في ترسيخ مفهوم فتوى المفتي بتحريم توريث عقود الإيجار عبر العديد من برامج (التوك شوز)، معولين كثيرا على إجابة الشيخ عن السؤال: هل من حق المستأجرأن يرث عن غيره؟، دون التطرق بالسؤال ذاته على نحو مختلف عن جواز تمديد العقود، كما أوجب حكم المحكمة الدستورية العليا رقم (70) بتاريخ 14 نوفمبر لعام 2002.. أرجوك كفوا عن هذا العبث الذي لايجدي فالاقانون محمي بأحكام دستورية تمنع التلاعب ببسطاء المستأجرين، كما أن الدولة لايمكن أن تمس بحقوق البسطاء في ظل (مصر الجديدة).