منة وأخواتها
بقلم: محمود حسونة
مثلما يعيش بيننا نجوم ونجمات يحققون ذواتهم بالضجيج وإثارة الجدل وبذل الغالي والرخيص للفت الأنظار وشراء (المحبين) و(المعجبين) و(المعلقين) على مواقع التواصل أملاً في تريند وهمي يتباهون به أو يتنافسون به مع أصحاب المواهب الحقيقية أو يستحوذون به على دور أو يضللون به الرأي العام، بيننا أيضاً نجوم يحبون الهدوء وتزعجهم الضوضاء ويفضلون الحياة الخالية من المشاكل والصخب ويتخذون العمل في صمت نهجاً في حياتهم، يعملون ويجتهدون ويخلصون ويتركون الحكم للجمهور من دون أي زغللات إعلامية أو مطاردات للناس عبر السوشيال ميديا.
هذا نجم وذاك نجم، ولكن الفروق بينهما كثيرة جداً والتشابهات محدودة جداً وقد لا تتجاوز أن الفن يجمع بينهما، فمن يصنع نجوميته بالضجيج والسوشيال ميديا يدرك أنه محدود الموهبة ولذلك يقاتل بأسلحة متعددة منها المشروع ومنها غير المشروع، والهدف أن يظل في دائرة الضوء والنماذج كثيرة في حياتنا، خصوصاً على مستوى النجمات ممن تطاردننا على مواقع التواصل بالصور اليومية (الاستعراضية)، وهناك من يصنع نجوميته بالموهبة، ولا يطل على الناس إعلامياً أو عبر مواقع التواصل إلا عندما يكون لديه جديداً يقوله أو للتعبير عن موقف أو في مناسبة تستلزم التهنئة، وغالباً ما تكون إطلالاته بالحرف والكلمة التي تعبر وليس بالصورة التي تستعرض، ونماذج ذلك كثيرة من أصحاب المواهب الحقيقية الذين يبدعون ويتألقون ويتجددون من عمل إلى آخر.
منة شلبي، فنانة من طراز رفيع، ليست من نجمات القيل والقال، خصوصياتها ملك لها وليس من حق أحد الاطلاع عليها، والعلاقة التي تربطها بالجمهور لا تتجاوز العمل الفني الذي يحق للناس أو النقاد محاسبتها عليه، أما ما دون ذلك فهو ملك لها وحدها وليس من حق أحد الاطلاع عليه وليس من أسلوبها استمالة أو ابتزاز مشاعر جمهورها بأمور شخصية، ولعل هذا هو ما يعكس الفرحة الحقيقية التي أبداها الناس إثر ترشيحها لنيل جائزة ايمي التليفزيونية العالمية عن دورها المعقد في مسلسل (في كل أسبوع يوم جمعة) عن رواية بنفس الاسم للأديب إبراهيم عبد المجيد وإخراج محمد شاكر خضير والذي شاركها بطولته آسر ياسين وسوسن بدر وأحمد خالد صالح وعبد العزيز مخيون. هو ترشيح مستحق لفنانة مشهود لها بالذوبان في الشخصيات التي تجسدها والانسلاخ عن ذاتها، ليست ببغاء تردد حواراً بلا مشاعر ولكنها ممثلة تتقمص وتنفعل وتعبر بالوجه والعينين والجسد، ولذا كان ترشيحها لهذه الجائزة هو فتح جديد أمام الفنانات المصريات والعربيات، فتح لباب ظل مغلقاً ومنة وحدها فرضت الحق العربي في التنافس عالمياً، والتأكيد على أن لدينا فنانات قيمتهن عالمية حتى لو لم يجرين وراء سراب العالمية وقررن الوصول إليها بالتميز محلياً.
لم تكن الفرحة بترشيح منة فرحة جماهيرية فقط، ولكنها فرحة فنية أيضاً حيث شاركها هذا الإحساس والفخر فنانون وفنانات يعرفون قدرها وقيمتها المهنية، ومنهم من هنأها وأثنى عليها وتمنى لها المزيد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومنهم من هنأها بالاتصال المباشر.
منة أعلنت خبر الترشيح عبر صفحتها على الفيس بوك حيث كتبت (شكراً للأكاديمية الدولية لفنون وعلوم التلفزيون على ترشيحي لجائزة إيمي في فئة أفضل ممثلة. شرف كبير ليا ولكل فريق عمل – في كل أسبوع يوم جمعة – إني أكون أول ممثلة مصرية وعربية مرشحة للجائزة دي عن عمل ناطق باللغة العربية)، وفي بوست آخر حمدت رب العالمين على هذا الترشيح، ولأنها فنانة لا تشغل بالها سوى بتحقيق التميز في كل دور تمثله فقد أعربت عن هول المفاجأة عليها عبر قناة العربية بقولها (اتخضيت أوي، كانت مفاجأة حلوة وأمنية كنت أتمنى تحقيقها لكنها كانت بعيدة قليلًا)، وعن المسلسل الذي ترشحت للجائزة عن دورها فيه قالت: (في كل أسبوع يوم جمعة) من أكثر الأعمال المحببة لها خلال الفترة الأخيرة، لافتة إلى أن الدور كان صعبًا وأرهق جهازها العصبي.
من يشاهد المسلسل عبر منصة (شاهد في آي بي) يدرك أن دور ليلى التي جسدتها منة هو فعلاً صعب ومتعب لمن يجسده ولمن يشاهده، وأن المسلسل مثير للتوتر العصبي لما فيه من سوداوية كالحة، ولكنه في النهاية يؤكد أن المظلوم مهما سكت على ظالمه إلا أنه يظل ينتظر حتى تأتيه الفرصة للانتقام، ووقتها لن يقصر، وغالباً ما يكون انتقامه أشد قسوة من المظالم التي تعرض لها.
ليست منة وحدها، فلها أخوات فنانات على قدر كبير من الموهبة ولا يشغلهن الزيف والتزييف الذي تمارسه بعضهن على مواقع التواصل، ولدينا العديد من الفنانات اللاتي تستحقن جوائز دولية، وتستحقن التقدير سواء من الرواد أو جيل الوسط أو الشباب.
يكفي منة شلبي هذا الترشيح لتكون بنظرنا وبنظر أهل الفن في العالم العربي فائزة، فعملية اختيار الاسم هي مجرد فوارق بسيطة وخيارات تعتمد فيها أي لجنة تحكيم على نسبة أصوات، والفوارق بين المرشحات منة والأرجنتينية فاليريا بيتوتشيلي والإسبانية آن جرابين والإنجليزية هايلي سكويرز، ستكون طفيفة وكأنها لحظة حظ ليس أكثر.
mahmoudhassouna2020@gmail.com