كتب : محمد حبوشة
هل تعلم أن 14 مهرجانا سينمائيا مصريا تعقد دوراتها بانتظام منذ سنوات – أي والله 14 مهرجان – وحتى لايكذبني أحد، هى (أيام القاهرة السينمائية، المهرجان القومي للسينما المصرية، مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة، مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي، مهرجان الجونة السينمائي، مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة، مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، مهرجان القاهرة للسينما الفرنكوفونية، مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما، مهرجان بورسعيد للفيلم العربى، مهرجان جمعية الفيلم للسينما المصرية، مهرجان شرم الشيخ السينمائي، مهرجان الإسكندرية للسينما الفرنكوفونية) .. هل يعقل أن تقام كل هذه المهرجانات في بلد تراجعت فيه صناعة السينما بشكل ملحوظ خلال العشر سنوات الماضية بحيث لايزيد انتاجنا عن 30 فيلما في السنة وربما أقل، وتجنح في غالبها نحو الاقتباس وسيادة روح العنف والعشوائية مع بعض من الكوميديا التي تتمتع بقدر هائل من السماجة والإفيهات المبتذلة مشبعة بإسقاط جنسي مقيت.
والمدهش في الأمر أن فعاليات تلك المهرجانات تمتد من العاصمة – صاحبة الحظ الأوفر – وتصل إلى معظم المحافظات الساحلية، وينصب الاهتمام خلال أيامها على حشد وفود من الفنانين كأحد أنواع الاستعراض، ليبدو الافتتاح أو الختام جميلا ومبهرا وقد امتلأت قاعة الفنادق المضيفة عن بكرة أبيها، يلى ذلك (إصدار) تصريحات مملة ومكررة ويشتم فيها رائحة فساد مالي تزكم الأنوف، حيث يعقبها ثناء مموج على مجهود إدارة المهرجان، ثم تلتقط الفلاشات لحظات استلام 90% من الحاضرين شهادة تقدير أو جائزة، جرى العرف ـ عادة ـ أن يعرف متلقوها مسبقا ما ستؤول إليه الأمور في النهاية، إلا فيما ندر من جدواها.
والآن بعدما عمت الفوضى المهرجانات السينمائية بسبب الأزمات التي تعانيها والصراعات القائمة على تنظيمها يرتسم السؤال التالي: إلى متى تستمر هذه المهزلة ، وما جدوى كل تلك المهرجانات التي تسيئ في غالبها ليس للسينما فحسب بل لصورة مصر عموما، ولا تنعكس بصورة إيجابية على السياحة التي يتشدق معظمهم بجذبها إلى البلد، ولا حتى تفيد أهل المحافظة التي تقام فيها على مستوى الترويج السياحي لها، غير أنهم يصدعوننا بتلك التصريحات التي تسبق الدورة الجديدة أو في أثناء افتتاحها أو حتى طوال أيام الفعاليات التي تتمتع بعدم الحرفية والمهنية في مسألة اختيار الأفلام، واختيار المكرمين على هامش الدورة، وحتى لجان التحكيم التي ترى وحدها في الغالب الأفلام التي تقوم بتقيمه في ظل عزوف الجمهور عن الحضور، كما نلحظ من خلال خلو قاعات العرض من المشاهدين.
أذكر أنه منذ ثلاثة أعوام أصدر رئيس الوزراء قرارا بتنظيم المهرجانات السينمائية – وكان قرارا صائبا أثلج صدورنا ظنا منا أنه جاء لوقف هذا المشهد العبثي والحد من نزيف الملايين التي تصرف دون جدوى غير أنها تدخل في جيوب منظمى تلك المهرجانات الوهمية – تضمن تشكيل اللجنة العليا الدائمة لتنظيم إقامة المهرجانات والاحتفالات برئاسة وزير الثقافة وممثلين عن ثمانى وزارات، لدراسة طلبات إقامة المهرجانات، ومتابعة آليات تنفيذها، وتقييمها بتقديم تقارير دورية عنها تتضمن توصيات بشأنها لوزير الثقافة، بالإضافة إلى تحديد الدعم المادى من الدولة (مالى أو لوجيستي) بشرط ألا يتجاوز نسبة 40% من موازنة المهرجان.
والسؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: هل التزمت وزارة الثقافة بتطبيق القرار الذى منحها حق الإشراف الكامل ـ ماليا وإداريا ـ على المهرجانات؟ أم استمرت الحياة كما كانت قبل القرار؟، ومن ثم نسأل سؤال أكثر أهمية: هل تشرف الوزارة وتتابع المهرجانات حقا؟، هل تراجع أوراقها؟ لتتأكد من مصادر تمويلها وحجم إنفاقها؟، هل تأكدت اللجنة العليا للمهرجانات وأعضاؤها الذين لهم كل الاحترام، من ميزانيات المهرجانات، وتنفيذ قرار رئيس الوزراء بألا يتجاوز الدعم الحكومى 40% من هذه الميزانية؟
أغلب الظن أن وزراة الثقافة تحرص على إقامة تلك المهرجانات التي رعم علمها أنها تدار بنظام (السبوبة) ليس من باب دعم القوى الناعمة ولكن من باب الوجاهة التي تنتهي بحضور حفل الافتتاح وأحيانا الختام، والنتيجة الحتمية التي تستمر حتى الآن أن نزيف ملايين الميزانيات في زيادة مرعبة، رغم أنه لا يستفيد منها فقط سوى منظموها دون أي مردود ثقافي أو فني يصب في خانة القوى الناعمة المصرية المزعومة، والذي (يغيظك) أكثر أن غالبية القائمين على مثل تلك المهرجانات غير مؤهلين بالمرة لاسينمائيا ولا ثقافيا ولا حتى صحفيا للقيام بتنظيم مهرجان سينمائي يسحبون عليه في الغالب صفة الدولية بزعم أنه تارة يعني بالسينما الأفريقية، أوسينما المرأة، أو للسينما الفرنكوفونية، أو للفيلم العربى، وغيرها من ادعاءات كاذبة لا تمت بصلة للهدف الثقافي، أو جدوى إقامة مثل المهرجانات غير إقامة سجادة حمراء لعرض أزياء النجوم.
صحيح أن المهرجانات السينمائية جزء مهم من صناعة السينما والصناعة الثقافية، بالإضافة لدورها فى صناعة الوعى، وكونها جزءا من القوى الناعمة.. فوجودها وكثرتها دليل حيوية، ولا غنى عنها، لكن ذلك مرهون بأن تكون فاعلة ومنضبطة وتضيف للمشهد الفنى، لكن فى الآونة الأخيرة كثرت المهرجانات التى تنتسب للفن، لكنها فى الحقيقة أشبه بنشاط ديكورى لا تضيف شيئا للصناعات الفنية، حتى بات غالبيتها أشبه بـ (سبوبة) يديرها البعض طمعا فى الدعم الذى تقدمه وزارة الثقافة للمهرجانات التى يقيمونها، وأحيانا لتبادل المصالح والدعوات و(الفسح) مع مهرجانات شبيهة فى دول أخرى، وهو ما يدعو لإعادة النظر فى جدوى وقيمة وجود هذه الأنشطة بالأساس، خاصة مع غياب سياسة محددة ومنضبطة لكل مهرجان، بما يجعل له شخصية مميزة أو جاذبة، فضلا عن غياب الجمهور عن فعالياتها، هذا الجمهور الذى يعتبر المستهدف الأول من صناعة الفن والثقافة بشكل عام، فإذا غاب الجمهور وغابت السينما الجادة فما فائدة مهرجانات لا تقدم شيئاً ذا فائدة، أو إذا كان ما تقدمه لا يشاهده أحد ولايحقق الهدف الذي أقيم من أجله؟!
وما يدعو للدهشة والعجب أن آخر تلك المهرجانات الذي جاء تحت مسمى (مهرجان الأسكندرية للسينما الفرانكوفونية) – وكأن المشرحة ناقصة قتلة – في دورته الأولى قررت إدارته تأجيل في دورته الجديدة والتي كان من المقرر لها أن تنطلق يوم السبت 11 سبتمبر الجاري، وأصدرت إدارة المهرجان بيانا صحفيا ملئه الأسى والحزن، أعلنت فيه أن قرار تأجيل المهرجان جاء نتيجة اعتذار جميع الضيوف الأجانب من أعضاء لجنة التحكيم والمكرمين وصناع الأفلام، نتيجة الموجة الرابعة من جائحة كورونا، التي فرضت إغلاقا تاما في بعض الدول كإجراء احترازي، رغم أن مهرجان الأسكندرية الدولي لسينما البحر المتوسط أقام دورته يوم 25 سبتمبر من الشهر نفسه، وانتهت فعالياته أمس الخميس في دورته الـ 37 كأسوء دوراته على الإطلاق من حيث الفوضى والعشوائية وعدم تقدير النجوم الذين عرضت أفلامهم من سوريا.
ظني أنه آن الأوان لوقف تلك المهزلة السينمائية بامتياز في (مصر الجديدة) التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي وأتبعها بتصريحات حول زيادة الوعي لدى المصريين من خلال التركيز على فنون هادفة تسعى في جوهرها لاستهداف النشأ والشباب، ومن ثم ينبغي تفعيل قرارات مجلس الوزراء في هذا الشأن وأيضا إعادة النظر من جانب الفنانة الدكتورة (إيناس عبد الدايم) وزيرة الثقافة، جراء تلك المهرجانات التي تسيئ لمصر أكثر مما تفيد وتسنزف ملايين يمكن توفيرها لدعم (مهرجان القاهرة السينمائي الدولى) الذي يمثل الكيان الرسمي والمهم للتعبير عن الفن السينمائي المصري الحقيقي، وأيضا مهرجان الجونة الذي أثبت جدية كبيرة في دوراته الأربع الماضية على مستوى الشكل والمضمون، فلا جدوى من نمو كيانات سرطانية تقام لخدمة حفنة من الأفراد لايعون قيمة مصر الثقافية والفنية في وقت نحن أجوج ما نكون فيه لكل قرش يصرف على الوعي الذي يقصده الرئيس السيسي، والذي يهدف منه أن تكون مصر أم الدنيا بحق.
يا سيادة الوزيرة الفنانة الدكتورة العظيمة التي أعلم نواياها الطيبة في الحرص على دعم الثقافة والتنوير، هل تنبهتي ووزارتك الثقافة واللجنة العليا للمهرجانات إلى أنه من غير المنطقى أو المقبول أن تمنح مهرجانا كأسوان دعما يساوى ميزانية مهرجان دولى عريق، وتفترضين أن هذا الدعم ليس إلا 40% فقط من ميزانيته؟!.. فهل يقام مهرجان محدود بأفلامه ولجان تحكيمه وأقسامه وضيوفه بأكثر من سبعة ملايين جنيه؟! ألم يكن على المهرجان أن يدبر موارده المبالغ فيها من جهات مختلفة وبشكل قانوني؟!، فهل من المعقول أنه فى حفل افتتاح هذا المهرجان، الذى يرأسه رجل ويديره رجل ويديره فنيا رجل ويطلق عليه مهرجان سينما المرأة فى سابقة غريبة، أن تقول وزيرة الثقافة إنه المهرجان الوحيد لسينما المرأة فى مصر، متجاهلة مهرجان القاهرة الدولى لسينما المرأة الذى تقيمه وترأسه المخرجة المصرية (أمل رمسيس) منذ عام 2008 دون دعم من الدولة، فلماذا تجاهلته الوزيرة؟!.
وفى حين يدعم الرئيس عبدالفتاح السيسى حقوق المرأة وتمكينها فى كل المجالات، تتغافل الوزيرة عن هيكلة مهرجان لسينما المرأة كل مسئوليه من الرجال، اعتمادا على منتدى (نوت) لقضايا المرأة الذى ترأسه الدكتورة عزة كامل لتمنحه مصداقية، ولا ترأس المهرجان طبعا هى أو غيرها من النساء، وكأن مصر عدمت صانعات السينما المحترفات، وهنا أنبه سيادتك إلى أنه فى أمريكا قاطع الجميع رابطة الصحافة الأجنبية بهوليوود المانحة لجائزة الجولدن جلوب، أشهر وأكبر جائزة سينمائية بعد الأوسكار، بعد اتهامات بالفساد المالى والإدارى وجهتها لها صحيفة لوس انجيلوس تايمز؛ فأجبرت على إلغاء حفلها السنوى الشهير العام القادم، وربما الذى يليه لحين إعادة هيكلة الرابطة والقيام بإصلاح داخلي، وتواجه الرابطة التى تبلغ من العمر 75 عاما عددا من قضايا الفساد المالي، رغم أنها لا تتقاضى دعما من الدولة، بل إن حفلها السنوى يسهم فى اقتصاد لوس أنجيلوس بأكثر من 100 مليون دولار، لكن إعفاءها من الضرائب فقط ـ كمهرجانات المجتع المدنى فى مصر ـ كان كافيا لمحاسبتها وكراهية صناع السينما والشعب الأمريكى لها!.
قرار تنظيم المهرجانات يامعالي وزيرة الثقافة المحترمة عالية القامة والقيمة، هدفه القضاء على مهرجانات خارج المحاسبة، وبعيدا عن الرقابة على الأموال العامة، فهل ننتظر تعليمات واضحة وصريحة بالتحقيق فى هذا الملف؟، وذلك في ظل الاتفاق خلال الاجتماع الأخير لـ (اتحاد المهرجانات السينمائية المصرية) على إطلاق هذا الاسم على الكيان الجديد والذي يهدف إلى خدمة المهرجانات السينمائية المصرية والمساعدة في تحقيق دورها المنشود لخدمة السينما وهو منظمة مصرية دولية غير حكومية، ويهدف للمساعدة على تنظيم مختلف التظاهرات السينمائية على الصعيدين الوطني والدولي، والتنسيق مع الجمعيات والمؤسسات المنظمة لهذه المهرجانات من أجل تنظيم تظاهرات سينمائية متميزة تليق بالسينما المصرية.
وعلى عكس رأي الناقد الكبير (طارق الشناوي) الذي انتقد فكرة إنشاء الاتحاد، معيدا ذلك إلى أن فكرته (مثالية وبعيدة عن الواقع)، لأن المهرجانات تتصارع لقلة عدد الأفلام، سواء على المستوى المصرى أو العربى أو المكرمين، ومن هنا طرح سؤاله الذي استند عليه: كيف سيحدث التنسيق؟، ورجح (الشناوى) أن يكون لكل مهرجان أجندة سرية لفعالياته لن يفصح عنها، معتبرا أنه في حالة الإفصاح سيكشف أوراقه على المنضدة، ومع ذلك فإنني أرى في فكرة إنشاء كيان بهذا الشكل لها وجاهتها التي تتفق مع إطلاق (مصر الجديدة)، حيث تتعلق بتنظيم الفوضى العارمة في مهرجات السينما في مصر التي أصبحت تعتمد على الشللية وأصحاب المصالح تحت مظلة الدولة ممثلة في وزارة الثقافة التي لاتراقب ولا تحاسب أحد بعد انتهاء دورة الواحد من تلك المهرجات التي لا تهدف بالأساس سوى لخدمة أجندة من يقومون بتنظيمها وحصولها على دعم نقدي يذهب لجيوبهم فقط وهو ما يمثل نوعا من الفساد المقنع .. اللهم بلغت .. اللهم فاشهد.