اليوم السادس .. أنشودة (يوسف شاهين) التى تحدثت عن (الكوليرا) وتغنت بالحياة !
كتب : أحمد السماحي
من الأفلام الممتعة جدا للمخرج الكبير (يوسف شاهين) والتى تحاكي أحداثه بعض من واقعنا الحالي فيلم (اليوم السادس) الذي صاحبت كواليسه شهرة كبيرة بداية من عرض (شاهين) الفيلم على كثير من بطلات السينما المصرية مثل (فاتن حمامه، سعاد حسني، محسنة توفيق، فردوس عبدالحميد) ورفضهن للدور خوفا من أن يجسدن دور (جدة) فى الفيلم، مرورا ببحث (يوسف شاهين) عن بطله لفيلمه الجديد المأخوذ عن قصة لأديبة مصرية فرنسية، وصولا لاختياره المطربة العالمية المصرية الأصل (داليدا) لبطولة الفيلم.
هذه المراحل التى مر بها الفيلم جعلته يكتسب شهرة كبيرة قبل أن يخرج للنور، خاصة وعندما تسرب للجمهور بأن (داليدا) ستظهر بدور ست شعبية، والبعض ردد يومها أنها ستقوم بدور فلاحة، هذه الشائعات والتكهنات زادت من حماس الجمهور لمشاهدة الفيلم، وانتظر عشاق السينما ظهور الفيلم للنور ليروا محبوبتهم المصرية العالمية (داليدا) تحت إدارة واحد من عباقرة السينما المصرية.
القصة
أنتج فيلم (اليوم السادس) عام 1986 ويحكي عن فترة انتشار وباء الكوليرا في مصر وفي مدينة القاهرة على وجه التحديد، وهو اقتباس سينمائي متميز لرواية تحمل نفس الاسم للشاعرة والروائية (أندرية شديد)، وتدور وقائعها في مصر نهاية الأربعينيات في فترة انتشار وباء الكوليرا في البلاد، و تدور الأحداث حول قصة حب (عوكه / محسن محيي الدين) لـ (صديقة / داليدا) التي تفقد كل عائلتها بسبب وباء (الكوليرا) الذي ضرب القاهرة، ولا يبقى لها أحد سوى حفيدها الصغير والذي يفصله عن الموت 6 أيام فقط، ويحاول (محيي الدين وداليدا) الهروب من الموت وانقاذ حبهما، وحياة الطفل ويخوضان رحلة الحياة نحو مدينة الأسكندرية غير الموبوءة، لكن في نهاية الفيلم ينتصر المرض على الحب وعلى الطفل الذي يسقط ضحيته أيضا.
سامي السلاموني والعبقري
تحت عنوان (هل يمكن تأميم هذا العبقري؟) كتب الناقد المبدع الراحل (سامي السلاموني) مقال نقدي مهم عن الفيلم نشر في مجلة (الأذاعة والتليفزيون) يوم 11 اكتوبر 1986 جاء في بعض منه: فيلم (اليوم السادس) مكتمل سينمائيا تماما من حيث الديكور والملابس والإضاءة والموسيقى التصويرية، لكن السينما ليست مجرد تكنيك، و(يوسف شاهين) أول من يعرف أنها ليست كذلك، ومع ذلك وبافتراض هذا الاكتمال فهناك في هذا الفيلم مشكلة ثم هناك كارثة!.
المشكلة أن (اليوم السادس) وربما بين كل أفلام (يوسف شاهين) لا يقول شيئا على الإطلاق، أو مع أقصى التفاؤل الممكن يقول أشياء باهتة جدا لا تستحق كل هذه الجهود الخارقة المبذولة فيه، أو بالتحديد ليست هى الأشياء التى نتوقعها في أفلام (يوسف شاهين).
لم أفهم ما الذي يقوله (اليوم السادس) أو ماهى جدواه أصلا، كما لم أفهم معنى أو قيمة اختيار (يوسف شاهين) بالذات لرواية أديبة فرنسية هى (أندرية شديد) لمجرد أنها من أصل مصري، ولمجرد أن الرواية تتحدث عن مصر كما عاشتها وكما تتذكرها هذه السيدة.
ولماذا يقع (عوكه/ محسن محيي الدين) فى حب (صديقته/ داليدا) هذه المرأة العجوز الشمطاء التى (سيموت عليها) بلا سبب واضح، مع أنه شاب جرئ مليئ بالحيوية حالم بالهرب دائما إلى عالم السينما والنجوم و(جين كيلي وأنور وجدي وليلى مراد)، وكان المنطقي أكثر أن يحب (شويكار) الممثلة التى رأيناه بلا سبب أيضا مولعة بالشبان الصغار من سنه هذه هى المشكلة فى اليوم (السادس)، أما الكارثة فهي (داليدا) التى جعلت الفيلم لا عالميا ولا حتى مصريا، وإنما هو فيلم (خواجه) أو فيلم (أفرنجي) بطلته لا علاقة لها بمصر ولا بسمالوط لا شكلا ولا موضوعا، وجهها تمثال جامد يضعه المخرج في لوحات ثابتة ويحركها (بالريموت كونترول) إضحكي فتضحك، عيطي يا وليه فتعيط، بينما الناس تضحك في الصالة على كلامها وتمثيلها وعلى كل شيئ.
العبقري فى الفيلم كان (محسن محي الدين) كان رائعا حقيقيا متعدد الإمكانات وإن كان نسخة أخرى من يوسف شاهين، وهو ما يمكن أن يحد من انطلاق قدرات هذا الممثل الموهوب خارج أفلام (يوسف شاهين)، ومع ذلك فلو اعتبرنا (محسن محيي الدين) استثناءا خاصا فى هذا الفيلم فإن من الغريب جدا بل من المخيف ألا يكون هناك ممثل واحد أو ممثلة يمكنك أن تتذكرها.!
وأن تكون الشخصية الوحيدة الحية والتى تنبض بالحرار وبالصدق هى (سناء يونس) فى دور قصير جدا، بينما باقي الممثلين تماثيل خشبية جامدة مرصوصة في الكادر كما وضعها (يوسف شاهين) لكي تتحرك بعصبية وتقفز بعبارات الحوار السريعة من هنا إلى هناك بمجرد أن يحركها هو (بالزمبلك) مثل دور (صلاح السعدني) لأن (يوسف شاهين) يؤمن بأن الممثل في أفلامه هو مجرد قطعة أكسسوار كالكرسي والترابيزة وطفاية السجاير، وهو لن ينجح في صنع أفلام إنسانية إلا إذا اعترف أولا بالممثلين كبشر قادرين على إضفاء الحياة والحرارة على أي فيلم مهما بلغت عبقريته.
أهم الأحداث السينمائية عام 1986
كان عام 1986 مليئ بالأفلام التى وصل عددها إلى 95 فيلما سينمائيا، وهو أعلى رقم وصلت إليه السينما المصرية في تاريخها، ويمثل ذروة الخط البياني لتزايد سينما المقاولات كما يرى الناقد السينمائي الراحل (علي أبوشادي) فى كتابه (وقائع السينما المصرية في مائة عام) وإليكم أبرز ما حدث عام 1986.
* ظهر عشرة مخرجين جدد هم حسن سيف الدين الذي قدم فيلم (نأسف لهذا الخطأ)، وكمال عيد (الخط الساخن)، عثمان شكري سليم (الفريسة)، يوسف أبوسيف (إمرأة متمردة)، شريف حمودة (السفلة، رجل قتله الحب، الزيارة الأخيرة)، محمد أباظة (إمرأة تحت الاختبار)، هاني يان (وعد ومكتوب)، محمد أبوسيف (التفاحة والجمجة)، أحمد الخطيب (ابن تحية عزوز)، ناجي أنجلو (البرئ والمشنقة، والمطاردة الأخيرة)، عبدالعليم زكي، وكلهم قدموا مجموعة من أفلام المقاولات المتواضعة.
* تم عرض عدد من الأفلام المتميزة التى تمثل علامات في تاريخ السينما ومخرجيها فقدم عاطف الطيب (البرئ، وملف في الأداب، والحب فوق هضبة الهرم)، ورأفت الميهي (للحب قصة أخيرة)، وخيري بشارة (الطوق والأسورة)، ومحمد خان (مشوار عمر، وعودة مواطن)، وعاد صلاح أبوسيف بفيلم (البداية)، وعلي بدرخان بفيلم (الجوع)، وتنتمي هذه الأفلام بدرجة أو أخرى ما عدا (البداية) إلى تيار السينما الواقعية الجديدة التى ترسخت في الثمانينات.
* شهد بداية العام القبض على صناع فيلم (للحب قصة آخيرة) للمخرج رأفت الميهي، والفنانيين (يحيي الفخراني، ومعالي زايد والمنتج حسين القلا)، وتحويلهم إلى نيابة الآداب واتهامهم بإارتكاب فعل علني فاضح بسبب أحد المشاهد فى الفيلم والذي سبق أن صرحت الرقابة بعرضه، تفجر الموقف وانعقد مؤتمر عام للمثقفين دافع فيه وزير الثقافة الدكتور (أحمد هيكل) عن حق الفنان في حرية التعبير وساند المثقفون والسينمائيون صناع الفيلم، وأفرج عن الجميع بكفالة ضخمة، وتم تجميد الدعوى وكان وراء هذه المعركة الساخنة السريعة بعض المتعاطفين مع التيار الإسلامي المتشدد.
* خاض صناع فيلم (البرئ) تأليف وحيد حامد، وإخراج عاطف الطيب، معركة شرسة مع الرقابة التى رفضت التصريح بعرض الفيلم، وبلغ الأمر إلى احتشاد ثلاثة وزراء هم وزير الدفاع والثقافة والداخلية ليمارسوا مهمة الرقابة على الفيلم، وأوصوا بحذف العديد من المشاهد خاصة مشهد النهاية الذي يواجه فيه جندي الأمن المركزي طلقاته إلى جنود وضباط الأمن المركزي، ربما كان الفيلم نبوءة صادقة لما حدث في نفس توقيت مراقبة الفيلم، حيث انفجرت أحداث الأمن المركزي والتى خرج فيها الجنود يحرقون ويخربون مما اضطر السلطة إلى فرض حظر التجول، وكان لـ (البرئ ) فضل التحذير والتنبيه.
* حصل (البداية) على جائزة الجمهور من مهرجان الفيلم الضاحك بسويسرا، كما حصل (للحب قصة أخيرة) على جائزة مدير مهرجان كارلو فيفاري، وحصل (الطوق والأسورة) على السعفة البرونزية مناصفة مع فيلم قبرصي في مهرجان (فالنسيا السينمائي الدولي)، وحصل (البرئ) على جائزة خاصة من لجنة الاتحاد الدولي للنقاد (فيبريسي)، كما حصل (خرج ولم يعد) على جائزة أحسن فيلم من المهرجان الكاثوليكي.
* شهد العام وفاة مجموعة من العاملين فى مجال السينما هم (آسيا، عبدالعزيز فهمي، صلاح جاهين، توجو مزراحي، شادي عبدالسلام، نيازي مصطفى.
……………………………..
الأفلام المصرية التى عرضت عام 1986
عرض عام 1986 حسب موسوعة أفلام السينما المصرية للناقد السينمائي والباحث (محمود قاسم) 95 فيلم نافس بعضها بقوة فيلمنا (اليوم السادس)، وهذه الأفلام هي : (للحب قصة أخيرة، نأسف لهذا الخطأ، شادر السمك، البنديرة، بكره أحلى من النهاردة، التوت والنبوت، فيش وتشبيه، الحب فوق هضبة الهرم، مشوار عمر، سترك يارب، البنات والمجهول، كلمة السر، الحرافيش، سري للغاية، الأنثى، الخط الساخن، قفص الحريم، الفريسة، الأرملة العذراء، عصفور الشرق، الزيارة الأخيرة، إمرأة متمردة، دورية نص الليل، إحترس، عصابة النساء، السفلة، أنا اللي استاهل، إمرأة في السجن، محامي تحت التمرين، بلاغ ضد إمرأة، بيت الكوامل، حد السيف، الطوق والأسورة).
فضلا عن (إمرأة مطلقة، ملف في الأداب، سلام يا صاحبي، السكاكيني، الحلم القاتل، رجل لهذا الزمان، الناس الغلابة، الكومندان، وعد ومكتوب، أجراس الخطر، الثعابين، احضان الخوف، التفاحة والجمجمة، انتحار صاحب الشقة، البرئ، فقراء ولكن سعداء، الأوباش، دقة زار، ابن تحية عزوز، البداية، الجلسة سرية، أخي وصديقي سأقتلك، الجوع، الحناكيش، عصر الذئاب، سارق السيارات، عصر الحب، شارع السد).
وأفلام (الداهية، اليوم السادس، كدابين الزفة، الانتقام، عذراء و3 رجال، عودة مواطن، لاتدمرني معك، موعد مع القدر، كراكون في الشارع، تحت التهديد، نساء خلف القضبان، مدام شلاطة، آه يا بلد آه، منزل العائلة المسمومه، مدافن مفروشة للإيجار، انغام، الصبر في الملاحات، الورثة، المحترفون، رغبة وحقد وانتقام، قبل الوداع، وداعا يا ولدي، الحدق يفهم، جذور في الهواء، وصمة عار، الاختلاط ممنوع، الضائعة، القطار، البري والمشنقة، امرأة تحت الأختبار، رجل قتله الحب، ابنتي والذئاب، ناس هايصة وناس لايصه، المطاردة الأخيرة).
………………………………………..
بطاقة فيلم (اليوم السادس)
إنتاج : شركة مصر للأفلام العالمية
المنتج : مريان خوري، وهمبرت بالسان
التوزيع: الفيلم العربي للتوزيع
المخرج : يوسف شاهين
الكاتب : أندريه شديد
السيناريو والحوار: يوسف شاهين
الديكور: طارق صلاح الدين
التصوير: محسن نصر
المونتاج : الفرنسي لوك برانييه
الموسيقى التصويرية : عمر خيرت
غناء التتر: محمد منير
البطولة : داليدا، يوسف شاهين، صلاح السعدني، شويكار، محسن محي الدين، إبراهيم ماهر، حمدي أحمد، سناء يونس، عبلة كامل، يوسف العاني.