رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

مهرجانات إثارة الجدل

بقلم : محمود حسونة

كان الهدف من المهرجانات الفنية أن تكون ملتقى للفنانين والمبدعين والنقاد والمعنيين للاطلاع على تجارب بعضهم البعض، وتدارس أحدث الاتجاهات في الإخراج والتمثيل والكتابة وتكريم المتميزين لتحفيز الجميع على التجويد ولخلق أجواء تنافسية تساهم في الارتقاء بكل ما يتعلق بصناعة الفن، أملاً في أن يساهم ذلك في الارتقاء بالوجدان الإنساني باعتباره المستهدف الأول من وراء العملية الابداعية برمتها، سواء كان المنتج فيلماً سينمائياً أو مسلسلاً تليفزيونياً أو عرضاً مسرحياً أو عملاً أدبياً.

اليوم تغيرت المعادلة، وأصبح هدف بعض النجوم والنجمات من مرتادي هذه المهرجانات لفت الأنظار بالغريب وأحياناً المبتذل في الملبس أو تسريحة الشعر، وأصبح معظم من يتواجدون في هذا المهرجان أو ذاك لا يرتادون الصالات لمشاهدة الأعمال المعروضة فيها أو المتنافسة على الجوائز، ولا يشغلهم الاطلاع على تجربة الغير سواء كانت متجددة أو كلاسيكية بقدر ما يشغلهم الوقوف أمام الكاميرات على السجادة الفاقع لونها كما لون أزيائهم، وإثارة القيل والقال من خلال وقفة خليعة أو ملبس مثير أو تصريح مستفز، وللأسف أنهم أخذوا معهم الإعلاميين إلى منطقة الاهتمام بالشكل والانصراف عن مشاهدة الأعمال الفنية وتقييمها أو متابعة الحلقات النقاشية، وأصبحت الأسئلة الموحدة على ألسنة الإعلاميين لا تتجاوز الاستفسار عن مصمم هذا الفستان أو ذاك، والسؤال عن الكوافير والعطر والحذاء والشنطة، ووصل الانهيار مداه بسؤال بعض الفنانات عما يحملنه داخل حقائبهن، لتتحول مهنة الإعلام على يد هؤلاء ومشغليهم من مهنة البحث عن الحقيقة وتقييم المعوج والانحياز إلى المتميز والترويج للقيم الفنية النبيلة، إلى مهنة التفتيش في حقائب النساء واقتحام الخصوصيات والترويج للخلاعة والابتذال ونشر الشائعات والمساهمة في خلق الفتن المجتمعية، والنتيجة كثير من الانهيار القيمي ولا شيء من الارتقاء بالفن والابداع.

مهرجانات اليوم الواحد، تعفي الفنانين من عبء متابعة العروض والندوات والحلقات النقاشية، وعادة ما تكون لتكريم أعمال تم عرضها جماهيرياً وأتيحت مشاهدتها للقاصي والداني، مثل الأوسكار للسينما وإيمي للأعمال التليفزيونية وجرامي للغناء والموسيقى، ولا ينكر أحد حق الفنانين في الظهور بالصورة التي تبهر جمهورهم، وحقهم في السعي لأن يسبقوا العصر في خطوط الموضة، ولكن الأمر في كل عام يزداد تجاوزاً لكل مألوف ويخرج عن كل قواعد ونظريات الأزياء العالمية، لدرجة أن يرتدي البعض الشاذ والغريب وما يصل إلى حدود خلط الحابل بالنابل، ويثير اشمئزاز المعتدلين من أهل الكوكب، وهو ما حدث في حفل توزيع جوائز ايمي الأسبوع الماضي والذي شهد إطلالات غريبة لبعض النجوم على السجادة الحمراء، إذ أطلت نجمات بإطلالات رجالية، وأطل نجوم بإطلالات نسائية!.

ظهر الممثل والمغني الأمريكي، بيلي بورتر، بملابس نسائية (جامب سوت) سوادء اللون، ذات أكمام منفوشة كذيل الطاووس مع مجموعة من المجوهرات النسائية اللامعة، عقد وخواتم وحلقان.. وأطل الممثل الكندي دان ليفي ببدلة زرقاء اللون غير اعتيادية، طويلة حد الركبتين، وبها رابطة جانبية على شكل (فيونكة) تبدو (أنثوية) جداً، فيما أطلت الممثلة الأمريكية، إيمي فولر بفستان لامع تعلوه سترة رجالية باللون الأسود، وارتدت النجمة الأمريكية ريتا ويلسون سترة رجالية سوداء، أسفلها (توب) لامع، بينما اختارت الممثلة الأمريكية سميرة وايلي، بدلة رجالية بشكل كامل، تمثلت في سترة وبنطال باللون الأسود، أسفلهما قميص أبيض، وربطة عنق سوداء.

يبدو أنهم أرادوا إثارة الجدل بإطلالات غريبة خصوصاً أن حفل الايمي يعود واقعياً بعد غياب عام أقيمت فعالياته افتراضياً طبقاً لأحكام الإغلاق في ظل تفشي فيروس كورونا العام الماضي بالولايات المتحدة الأمريكية. الميزة المهمة في هذا الحفل أن جوائزه راحت لمن يستحقها ونال فيه المسلسل الانجليزي (ذا كراون) نصيب الأسد، وهو المسلسل الأفضل في تاريخ الدراما الانجليزية وتدور أحداثه عن حياة الأسرة المالكة البريطانية وما فيها من قسوة تتجاوز حدود الاحتمال احتراماً للبروتوكول من دون نفاق ولا مجاملة.

عندما أرادوا أن يرتدي الرجل حلقاً في الأذن روجوا لذلك عبر الفن، وعندما أرادوا نشر التاتو روجوا له عبر الفن، وعندما أرادوا أن تكشف المرأة أكثر مما تغطي روجوا لها عبر المهرجانات والفن، واليوم يريدون أن يرتدي الرجل الملابس النسائية ويروجون له عبر المهرجانات ويريدون أن تكون المثلية شيئاً اعتيادياً يستحق من الجميع المباركة والتقدير ويروجون لها عبر المسلسلات والأفلام التي لم يعد أغلبها يخلو من علاقة مثلية، يتم المرور عليها وكأنها أمر عادي.

ونحن على أبواب موسم المهرجانات الفنية المصرية، ننتظر الكثير من اللغط الذي يتجدد عن أزياء هذه الفنانة أو تلك، وننتظر التركيز الإعلامي على أي شيء باستثناء المحتوى والمضمون، وللأسف ننتظر المزيد من التسطيح الإعلامي والفني في حياتنا.

mahmoudhassouna2020@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.