كتب : محمد حبوشة
يبدو ملحوظا جدا أن حكايات (ورا كل باب) في موسمها الثاني تمثل نوع من الرقي في معالجة الدراما الاجتماعية الواقعية، وفي القلب منها تتصدر القضايا النسائية التي تهم أكبر شريحة فى المجتمع أغلب الحكايات، والتى تعبر في جوهرها عن صدق مقولة (المرأة نصف المجتمع) وما تلعبه من دور كبير وجاد في الحياة، فقد انتبهت (الدراما التليفزيونية) مؤخرا لهذا الدور الحيوى والهام في إطار اهتمام الدولة بتمكين المرأة في كل مجالات الحياة، وذلك بتقديم العديد من الأعمال التي تناقش ما يشغل المرأة وطرح قضاياها مثل تأخر سن زواج الفتيات أو المرأة المعيلة وحالها بعد الطلاق، أو تعرضهن للتحرش والقهر الإجتماعى، أو التركيز على القصص الناجحة من السيدات وغيرها من الموضوعات التى تهم عدد كبير من السيدات وتعبر عن معاناتهن وآمالهن وتوقعاتهن.
ولعل عناية سينرجي في انتجها لحكايات (ورا كل باب) يبدو لي شيئا محمودا لأنها تركز على تقديم القضايا النسائية المتعلقة بالمرأة والفتيات؛ خاصة أن هذا النوع من الموضوعات يهم عددا كبيرا من النساء، ويعالج بجدية وبمنهج اجتماعي واعي وجاد وليس استغلال لقضية أو لفكرة أن القضية (نسائية)، وهو ما يأتي متزامنا مع أن المرأة تشهد عصرا ذهبيا لها في كل المجالات على مستوى الإرادة السياسية، فهناك الكثير من الإنجازات التي تتصدرها المرأة في مجالات الطب والرياضة وحقوق الإنسان وغيرها الكثير في كافة المجالات.
وظني أن وجود رواج للدراما النسائية حاليا شيئ افتقدناه كثيرا وعلى مستوى القضايا الحقيقة التي تعالج بمصداقية، وتتطلب أن تكون ممتعة لأن الموضوع إن لم يكن ممتع فلن يحظى باهتمام وخصوصًا الموضوعات التي تقدم في التليفزيون ويشاهدها جميع المستويات سواء جاهل أو متعلم وأصحاب المستوىات الثقافية المختلفة في الحضر والريف، فهذا شئ افتقدناه طويلًا، حتى جاءت حكايات (وراء كل باب) لتسد هذا الفراغ الذي ظل طويلا بعيدا عن خيال صناع الدراما المصرية.
ولعل وجود تنوع في الموضوعات والدراما النسائية وسيطرة دراما المرأة على الساحة يعتبر ظاهرة صحية وممتازة من وجهه نظري، فأنا مع قضايا المرأة في الساحة الفنية ليس لأن المرأة ليست نصف المجتمع فحسب ولكنها تعبير عن قيم المجتمع فأنا اعتبر المرأة كل الحياة وليس نصفها كما أرى أداء الممثلات بمصر على درجة كبيرة من القدرة على التعبير وفيه عمق سواء للأجيال الجديدة وغيرهم.
وتشهد الدراما القصيرة التي تقدم حاليا عددا كبيرا من القضايا التي تعبر عن المرأة المصرية والتي تطرح وتعالج بذكاء ودقة وجدية وهو أمر مشرف لنا جميعا وأنا مع وجود تنوع في قضاياها المطروحة على الساحة، فالمسألة ليست أن الموضوعات التي تقدم نسائية وتهم أكبر شريحة من السيدات أو أن يقوم ببطولتها نجمات، المهم أن نركز على الرسالة التي تصل إلينا في النهاية وما نستفيده منها، فمن الممكن أن تتصدرها سيدة ولكن الرسالة التي تصلنا منها أنها سيدة ليست جيدة وسلوكها غير منضبط أو لا تحسن التصرف أو بالتعبير الدراج (تغرق في شبر مية).
لقد عانت المرأة المصرية كثيرا جراء إهمال أهم قضاياها، وعانت أيضا من التهميش حيث كانت تظهر ضمن فريق العمل و(كرو البطل) إما صديقته أو زوجته أو أخته، ولكن فكرة الانتباه لتقديمها كبطلة وتقديم معاناتها وقضاياها التي تشغلها أمر في غاية الأهمية، ومن المهم أن تقدم بشكل موضوعي وقوي ومفيد في النهاية لكل سيدة تجلس في المنزل، وما وجدناه من صحوة في الدراما الحجالية لتقديم موضوعات نسائية هو صحوة لحالة من الإنقاذ من التهميش الذي عانت منها المرأة بشكل كبير وعبر سنوات طويلة.
وهنا لابد أن أشيد بشركة (سينرجي) التي لم تغفل الدراما التليفزيونية الاجتماعية (ذات الخمس حلقات) إلقاء الضوء على الموضوعات التي تمس الكبار و من بينها عقوق الوالدين من ضمن تلك القضايا كما جاء في حكاية (رق الحبيب) ضمن حكايات (ورا كل باب) ، حيث ناقشت تلك الحدوتة قضية جحود الأبناء تجاه الآباء والمعاناة التى يعيشها كبار السن ووضع الوالدين فى دار مسنين، وجسدت الفنانة سوسن بدر، شخصية سيدة كبيرة في السن تتعرض لعقوق أبنائها، ويشاركها فى البطولة كل من (أحمد فؤاد سليم، محمد نجاتي، مروة عبد المنعم، إيمي طلعت زكريا، أيمن عزب، أحمد كامل، بسنت النبراوي ، برلنتي فؤاد وآخرون)، والعمل من تأليف أحمد عبد الفتاح، وإخراج إسماعيل فاروق.
والحقيقة أن حكاية (رق الحبيب) تقدم رسالة إنسانية من واقع المجتمع، وهى جحود الأبناء، ويبدو لي أن هذا الجانب الإنسانى في شخصية (حياة) التى جسدتها ببراعة مطلقة الفنانة الكبيرة والقديرة (سوسن بدر) كان سببا رئيسيا فى تحمسها لتقديمها، خاصة أن العمل اجتماعى يناقش قضية جحود الأبناء على الآباء ومشاكل الميراث والطمع السائد فى المجتمع، وعلى الرغم من كونها شخصية مركبة وفيها تناقضات كبيرة، حيث تجسد خلال أحداث الحكاية دور امرأة كبيرة فى السن تعانى من عقوق أبنائها الذين يضطرون إلى وضعها بدار رعاية مسنين، إلا أنها ضمنتها لونا رومانسيا رقيقا على جناح أداء عذب في (دويتو) رائع وجذاب ومتكافئ جدا مع القدير (أحمد فؤاد سليم).
والقصة مستمدة من روح أغنية (رق الحبيب) التي تقول:
رق الحبيب وواعدني يوم
وكان له مدة غايب عني
حرمت عيني الليل من النوم
لاجل النهار ما يطمني
صعب عليا أنام
أحسن أشوف في المنام
غير اللي يتمناه قلبي
سهرت أستناه
واسمع كلامي معاه
واشوف خياله قاعد جنبي.
وهى واحدة من الأغنيات الرومانسية المهمة التي شدت بها كوكب الشرق أم كلثوم عام 1944، وتعد الأغنية التي كتب كلماتها الشاعر أحمد رامي ولحنها الموسيقار محمد القصبجي، من أفضل كلاسيكيات الموسيقى العربية، خصوصا أن شهرتها جابت الآفاق، وتتوالى أحداث (رق الحبيب) فى إطار درامى مشوق، تتخللها مشاهدا رومانسية بالغة الرقة والعذوبة تخلط بين الواقع والفلاش باك بطريقة ذكية، وهنا برع المخرج في تحريك الأحداث بشكل سريع لايفقد الحكاية نكتها، بل أن عملية النقل من مشهد لآخر أو من حلقة لأخري جاءت بطريقة ناعمة حتى شعرنا أن الوقت مر سريعا جدا حتى وصل بطلي الحكاية إلى خط النهاية ليقدم مشهد رومانسي فراق في الدراما الاجتماعية التي تقدم حاليا.
فمن خلال عزف شجي على أوتار المشاعر الإنسانية عبر أداء عذب من جانب كلا من (سوسن بدر وأحمد فؤاد سليم) ختما الحكاية بمشهد غاية في الروعة والرومانسية حيث جاء على النحو التالي:
في مفاجأة غير متوقعة يأتي (فريد/ أحمد فؤاد سليم) بالطفل اليتيم (على) إلى حبيبته القديمة (حياة/ سوسن بدر) بدار المسنين، وهى التي افتقدت وجوده لفترة، لتحضتنه في شوق وتقول لفريد (انته اللي جبته) فيرد عليها (آه).
يقف فريد في مواجهة حياة (فاقدة البصر) في فناء دار المسنين اللذين يسكنانه منذ فترة، ويكشف لها عن شخصيته الحقيقية قائلا : قلبك شبع من الوجع وآن الأوان إن يدوق طعم الفرح.
حياة : تفتكر فيه وقت؟
فريد : فيه نفس.
………………………………
يصحبها فريد ويقودها لمفاجأة أكبر حيث اشترى بيتها القديم الذي باعه ابنها الجاهد بحيلة شيطانية، وعدما تلمس جدارن البيت ترتسم السعادة على وجهها ويغمره فرح يرد فيها الروح من جديد.
………………………………
على موسيقى بيانو ناعمة يتحرك هذا (الكابل) بعد العودة من رحم العمر الذي مضى، وتتوقف (حياة) بعد أن تأخذ نفسا عميقا يعكس سعادة غامرة على وجهها وهى تلامس بروازا على الحائط، ويمسك فريد بيديها قائلا: من ساعة الباب ده ما اتقفل النور انطفا .. وعشان كده كان لازم ينفتح من تاني يمكن نلاقي طاقة أمل تنور لنا أيامنا اللي جاية.
حياة : انته ازاي رجعت البيت ده.
فريد : كل فلوس الدنيا متسويش الفرحة المرسومة في عينيكي دلوقتي حبيتي .. تلاقيك حافظة كل شبر في البيت ده؟!.
حياة : حافظة كل حاجة فيه.
فريد : زهرة لمتلك كل حاجتك في الشنطة دي.
حياة : بجد؟
فريد : أكتر حاجة عجبتني فكرة الكاسيت بتاع سالم .. لسه جواه الشريط بتاع : أهوه .. أيوه بس أحط الفيشة .. ثم يدير الكاسيت على أغنية رق الحبيب، ويسأل حياة : لسه بتحبي تسمعي (رق الحبيب)؟
حياة : مش أكتر ما انته بتحبها .. مش انته اللي علمتني أحبها؟
فريد في دهشة : أنا ؟!
حياة بفرحة : أنا عرفتك من أول لحظة .. من أول لمسة .. من أول مرة أخدت ايديا في ايديك عشان تسلم عليا .. عينيها صحيح ما بقت تشوف بس قلبي لسه بيحس بكل حاجة اتحرم منها زمان .. لسه فاكرة ريحة الورد اللي كنا بنحبه .. لسه طعم الآيس كريم على لساني يشاركنا أوقاتنا الحلوة .. قلبي لسه قادر يرقص على الغنوة اللي حبيناها مع بعض.
حياة بكل قوة الحب التي تسكن قلبها : وحشتيني يافريد .. قوي!!.
فريد : حبيبتي .. الدنيا من غيرك وحشة قوي .. حنسافر وحتتعالجي وحتخفي ان شاء الله .. ماهو ما ينفعش تسيبيني تاني .. على فكرة بنتك راحت تجيب المأذون وزمانهم على وصول .. الغلطة اللي غلطها زمان مش حاغلطها تاني.
حياة : بس مبقاش فارق معايا حاخف ولا مش حاخف .. مش مهم أنا شايفة كل حاجة بعنينك وانته جنبي .. حاعيش .. حاعيش معاك .. مش حاعيش مش مهم .. ما انا برضه حابقى في حضنك.
فريد : لا ياحبيبتي احنا بنعيش كل يوم .. كل همسة .. كل لحظة .. واللي بيحب ما بيموتش.. ثم يدير وجهه نحو الكاسيت قائلا : ثانية واحدة ويخرج من جيبه شريط يضعه في الكاسيت ويمسك بيديها ليرقصا سويا على إيقاع أغنية (Sway) الشهيرة لـ (دين مارتن) .. وينتهي المشهد لكن الحالة الرومانسية لاتنتهي في ظل حالة الحب التي تربط قلبي (فريد وحياة) .. وهى تردد كلماتها التي قالتها له في خطاب سابق في أثناء حبهما في مرحلة المراهقة : أنا عارفة اني مش باعرف أكتب كلام حلو وخطي وحش قوي .. وحاتتعب علشان تقراه .. بس اللي أنا عارفاه ومتأكدة منه : اني باعرف احبك قوي من يوم ماشفتك .. حبيبتك حياة.
ويرد فريد : وأنا كمان معرفتش الحب الا ما شوفتك!!.