ليلة القبض على (سميعة) أم كلثوم !
كتب : أحمد السماحي
إذا كان الرئيس جمال عبدالناصر حاول توحيد الشارع العربي تحت قيادته من مسقط إلى تطوان، وفشل! فقد وحدت أم كلثوم المزاج العربي كله، وكانت الوحدة عندها من نوع (كله على كله)، لأنها فتحت الباب أمام كل الطبقات، واتسعت عباءتها للذين يأكلون الحصرم، والذين يشترون الحصون والقلاع، على مدى عقود لم يولد عربي إلا وفى أذنيه صوت (أم كلثوم) فقد كانت (الست) بالنسبة لكل العرب هى سفر الحواس إلى الوهج والبرق، وهى سفرنا إلى الماضي الذهبي، بل إلى الزمن الهادئ كالصحراء المتموجة رمالها كالبحر، الزمن الآخر الذي لا يقاس بالساعات والدقائق بل بالإشراق ونبض الروح .. أنه زمن (أم كلثوم).
كانت (أم كلثوم) تقيم حفلاتها دائما يوم الخميس من أول كل شهر، فعمرها كله هو مجموع ليالي الخميس التى غنتها، حصيلة فنها كله كانت تنفقها ليلة الخميس، في تلك الليلة كان يقول لسانها سرا (أغني وأغني وأغني وأوري الخلايق فني)، من أجل هذه الليلة كانت تعيش (ثومه)، وكان العشاق يتواعدون على صوتها، فيوم غناء (أم كلثوم) كان عيدا لكل جمهور ومستمعي العالم العربي.
لم يكن العشاق والأحباب فقط هم الذين يتواعدون وينتظرون طلة (كوكب الشرق) كل خميس، فكان هناك أيضا أصحاب (المزاج) والدليل هذا الخبر الذي عثرنا عليه فى إحدى المجلات الفنية عام 1951، وتحديدا بعد تقديم (أم كلثوم) لرائعتها (يا ظالمني)، كلمات المبدع أحمد رامي، وألحان الأستاذ رياض السنباطي، فجاء الخبر الذى نشر فى مجلة (الجلاء) عام 1951 يقول: فى الساعة 1.30 من صباح ليلة الجمعة 21 أكتوبر كانت (أم كلثوم) تقدم أغنيتها الجديدة (يا ظالمني)، وأخذ صوتها يعلو ويرتفع وهى تقول (يا هاجرني)، وفى تلك اللحظة كانت مأمورية مكونة من ضابط ومجموعة من العساكر تمر فى إحدى شوارع (العتبة) ووجدوا جراج سيارات مقفول لكن تخرج منه أصوات!.
واقترب الضابط من باب الجراج ووضع أذنه على الباب، فوجد صوت (أم كلثوم) ينبعث من الداخل وهى تغني أحد مقاطع أغنيتها الجديدة يا (يا ظالمني)، وصاح مجموعة من الأصوات التى يبدو أنهم في حالة انسجام تام تقول لها ومنهم فهمي محمود (كمان والنبي)، ولم تكد كلمة (فهمي) تخرج من فمه حتى ارتفع صوت باب الجراج وفوجئ الحضور بأحد ضباط المخدرات ومعه مجموعة من زملائه العساكر يقول لهم: (مكانك أنت وهوه!).
وكان (السميعة) يجلسون فى الجراج يفتحون المذياع ويستيعنون على الانسجام مع (أم كلثوم) بـ (تعميرة حشيش) وقبض عليهم جميعا، وكان الحشيش موضوعا فى الوسط بجوار (الجوزة والمعسل)، وخرج الضابط والعساكر ومعهم (السميعة) وكانت (أم كلثوم) في تلك اللحظة تقول: (ولما اشكي تخاصمني، وتغضب لما اقول لك يوم يا ظالمني، وتغضب لما اقولك يوم يا ظالمني)!.