كتب : محمد حبوشة
لماذا لا ينصرف الإعلام عن حالة الاحتقان والنزاع بين نجوم المهرجانات وغيرها من مظاهر (كدابة)، وذلك بتغيير دفته والاتجاه إلى رصد الإنجازات والطفرة العمرانية التي حدثت في مصر؟، لماذا لا يتم طرح الأرقام الضخمة التي تعبر عن حجم الإنجاز الذي تشهده مصر حاليا؟، لماذا ينشغل الإعلام بالتفاهات وينسى الإنجازات؟، لماذا اختفى شكل التحقيق الصحفي المصور تليفزيونيا أو حتى ورقيا وإلكترونيا والذي يعنى بالذهاب إلى المواقع وتصوير مراحل الإنشاء والإنجاز الذي تقدمه الدولة للمواطن؟، لماذا لايرصد الإعلام التطورات الموجودة في (حياة كريمة) على نحو أشمل من تلك التقارير السريعة من خلال أفلام وثائقية تبرز كيف تحول المواطن المصري من حالة الفقر واليأس والمرض إلى حالة التفاؤل والأمل؟، لماذا لا يسلط الإعلام الضوء على الناس الشقيانين في عز الحر بينما إعلاميونا يتمتعون بالغرف والاستديوهات المكيفة، بينا تنتفخ أودجاهم بضحكات صفراء مقيتة، وتنمو أرصدتهم نموا سرطانيا في البنوك؟
درات في ذهني تلك الأسئلة وغيرها وأنا أتنقل بالريموت بين مختلف القنوات الفضائية المصرية وحتى الصحف السيارة – على مدار شهرين ونصف تقريبا – بحثا عن تحقيق مصور أو تقرير سريع لمظاهر (الجمهورية الجديدة) التي أطلقت في 30 يونيو 2021 ، فكما هو معروف أن أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أعلن الجمهورية الجديدة من قلب العاصمة الإدارية، وهو يعتبر حدثا مصريا كبيرا حققه الرجل خلال فترة حكمه مع العديد من الإنجازات على مختلف الأصعدة خاصة في التنمية، منها تدشين المشروعات الكبرى ومشروع العاصمة الإدارية الجديدة، بينما اكتفت كل القنوات الفضائية المصرية بوضع شعار هشتاج (#الجمهورية _الجديدة) على يسار الشاشة وكأنهم غسلوا أيديهم بهذا التصرف الساذج، الذي ينم عن قصور في الفهم وعدم ابتكار وسائل ورؤى جديدة يمكنها حماية هذا الشعار.
فلم يكلفوا أنفسهم من خلال برامج الصراخ والهذيان اليومي الغارق في براثن الجهل والتخلف إلى حتى تفسير أو تعريف الجمهور المصري مغزي أو معنى أم تعريف للجمهورية الجديدة، فهي ليست الجمهورية القديمة، إنها لا تُشبهها فى شىء سوى فى الشكل الدستورى لها، لكنها تختلف عنها فى المضمون، ومن ثم كان ينبغى على الإعلام منذ لحظة انطلاق الجمهورية الجديدة الإشارة إلى أن الجمهورية القديمة دولة عجوز تعانى من الشيخوخة، وتنظر لمن بلغوا سن الخمسين على أنهم شباب لم يصبهم الدور بعد!، ولكن الجمهورية الجديدة ليست كذلك، إنها جمهورية شابة، عفية، مسئولوها شباب، ووزراؤها شباب، وأهم ملامح سياستها تمكين الشباب.
ومن خلال رصد القنوات عبر تحقيقات مصورة وتقراير يومية من قلب الأحداث كان يمكن تعريف المواطن المشوش حاليا بالمشاريع الضخمة التي تمت في المساكن والطرق والكهرباء ومن فوقها تطوير الجيش المصري، وكلها مشاريع تندرج تحت مايسمى بالبنية التحية لم تكن موجودة ضمن ملامح الجمهورية القديمة التي تتسم بالبطء.. وكان هنالك دائما مبرر يقال إن هذا نوع من التأنى والحذر، لكنه فى الحقيقة لم يكن سوى جمود وركود، كان مشروع كوبرى مثلا يمكن أن يستغرق خمس سنوات من أجل إنشائه، علما بأنه قد يكون المشروع الوحيد مثلًا، وكان يتم تصوير الانتهاء منه على أنه إنجاز كبير، لكن الجمهورية الجديدة تسابق الزمن للانتهاء من المشروعات، وتنتهى من مشروع لتدخل فى آخر، ولديها القدرة على أن تدير العمل فى عشرات المشاريع فى وقت واحد، وهو ما كان ومازال يتطلب من الإعلام مواكبة تلك المشاريع وطرحها على الشاشة أمام مواطن لايشعر بواحد بالمائة من حجم هذا الإنجاز غير المسبوق.
ألم يسترعي انتباه جهابزة الإعلام بوجوههم العكرة التي ملها الشعب المصري وهم يتشدقون يوميا بكلمة (المواطنة) أنه فى الجمهورية القديمة مثلا لم تكن حقوق الناس فى التعليم والصحة والسكن تلقى كل هذا الاهتمام، ولا يرصد لها كل هذه الميزانيات، بل كان يتم التعامل مع الناس أحيانا كعبء على الدولة، لقد كانت ميزانيتا التعليم والصحة لا تزيدان بالقدر الواجب لمجاراة الزيادة السكانية، وكانت النتيجة أن جماعة الإخوان، الممولة من الخارج، تقدمت هى وغيرها لملء هذا الفراغ، وأنشأت المدارس والمستوصفات، وحلت محل الدولة التى واصلت الغياب دون مبالاة بالعواقب، وكانت الجمهورية القديمة، كما بدا من بعض الشواهد، لا تحترم كثيرا فكرة الانخراط فى العمل، وكنا نسمع أن بعض كبار المسئولين قد يقضى أياما طويلة فى هذا المنتجع أو ذاك، ولا يمارس سوى الضرورى من الأعمال.
تلك الأوضاع السلبية ياقادة الإعلام من الزملاء الأعزاء الذين عميت قلوبهم، وغاب ضميرهم المهني بعد أن ظل مستترا طويلا، تختلف تماما عن أوضاع الجمهورية الجديدة التى يبدأ العمل فيها من الرابعة صباحا، ويفضل رئيسها أن يقضى أيام الجمع والإجازات الرسمية فى تفقد المشروعات التى يجرى العمل فيها والحديث مع المواطنين الذين يتصادف وجودهم فى طريقه، ألم يلفت نظركم أنه فى الجمهورية القديمة كانت القوانين غالبا ما توضع ليتم تجاهلها، فالكبار لا يلتزمون بالقانون لأسباب معروفة، والصغار يقلدونهم، وساهمت دراما الجمهورية القديمة للأسف في انتشار ظاهرة (أخذ الحق بالدراع)، وهكذا انتشرت مخالفات المبانى، وسرقات الكهرباء، وحالات التهرب الضريبى، وما إلى ذلك مما نعرفه جميعا.
أين أنتم بقنواتكم وجيوشكم الجرارة من الإعلاميين من تلك الأوضاع السلبية التي اختفت فى الجمهورية الجديدة، فهل هناك إعلامي واحد استضاف خلال فترة الشهرين ونصف الماضيين خبيرا قانونيا ليوضح ويفسر مغزى كيف أن الدولة في ظل الجمهورية الجديدة تطبق القانون على الجميع، ولا تعترف بالاستثناءات، وتصمم على إصلاح المخالفات بقدر الإمكان، وتتشدد فى تحصيل حقوقها حتى تمول بها مشروعاتها، وتحمى أراضى الدولة التى كانت عرضة للنهب فى الجمهورية القديمة؟، حتى شاع بين الناس تعبير (حيتان الأراضى)، وهو ما لم يعد موجودا الآن، ولا حتى نصفه ولا ربعه.. أليست هذه جمهورية جديدة إذن، والتي كان ينبغي أن تنال جزءا من وقتكم الثمين للتركيز على بعض وليس كل المنجزات التي انعكست على المواطن الذي تركتموه للإعلام الجماعة الإرهابية ليتلاعب بمشاعره والتشكيك بما تم إنجازه على أرض الواقع؟!.
هنالك مئات بل آلاف الأفكار التي يمكن أن تتحول إلى تقارير مصورة لمن يعي ويفهم ومازال عنده ذرة من ضمير، كي يفهم من خلالها المواطن أنه يعيش عصرا مختلفا وحياة أفضل في ظل الجمهورية الجديدة، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر، مبادرة مصر الرقمية التي لم تجد إعلاميا واحد يستطيع أن يجلب ضيفا متخصصا كي يبسط مفهومها وأهدافها في التنمية خاصة أن لتلك المبادرة دور كبير في التيسير على السائح والمسافر والمقيم في مصر لكل الإجراءات، حيث يتم الآن في مصر تطبيق مبادرة مصر الرقمية لدعم الأداء الحكومي من خلال توفير أحدث الخدمات الرقمية للمواطنين وللعرب والإجانب من مختلف دول العالم خلال جولاتهم السياحية في مصر، وذلك على مستوى الجمهورية في إطار استراتيجية الدول الهادفة إلى مضاعفة قدرات البنية المعلوماتية الرقمية للدولة والسعي إلى استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مشروعات الدولة المختلفة، مع رفع كفاءة مكاتب البريد وتحويلها إلى المنظومة الرقمية، حيث أن أكبر قطاع جماهيري في مصر يتعامل معها على مستوى مصر.
ألا ينبغي أن تسعى القنوات لصناعة تقارير وتحقيقات حول المتابعة المتواصلة من القيادة السياسية لاستعدادات وترتيبات احتفالية افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة نهاية هذا العام، إيذانا ببدء العمل الحكومى رسميا من العاصمة الإدارية الجديدة، وكذا اختيار أفضل المواقع المناسبة لإقامة الاحتفالية، يا مسئولي الإعلام ألم ينمو لعلمكم أنه سيجرى نقل من 50 إلى 60 ألف موظف في 33 وزارة ومن سيتم نقلهم هم فقط العاملين بدواوين الوزارات، وهناك جزء من الوزارة الذين يتعامل مع المواطنين لا يجرى نقلهم للعاصمة الإدارية، ومن ثم تم توفير وحدات سكنية في مدينة بدر خاصة للموظفين بالعاصمة الإدارية، علما بأن العاصمة الإدارية ليست مبانى جديدة ولكن ثقافة الموظفين ستتغير تغيرا كليا وآليات العمل الحكومة ستتغير تماما في العاصمة وكل التعامل إلكترونى مع الموظفين.
ألا يستدعي اكتمال تنفيذ الحي الحكومي بالعاصمة الإدارية الجديدة بنسبة 100% وتم تسليم المقار ويتم استكمال أعمال الواجهات، والأعمال الكهروميكانيكية، وتنسيق الموقع، حيث قارب الحي على الانتهاء، أن تكون هنالك تقارير أو فيلم وثائقي يرصد هذا الإنجاز الضحم في فترة زمنية قصيرة كي يشعر المواطن بفخر الأيدى العاملة المصرية، ثم أين أنتم من افتتاح الرئيس السيسي مؤخرا المجمع المتكامل لإصدار الوثائق المؤمنة والذكية حيث يعد المجمع صرح تكنولوجي عملاق فائق القدرات الفنية المتطورة في مجال تصنيع وإصدار الوثائق الثبوتية المؤمنة، وهو الأكبر والأحدث من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، كما يمثل قيمة مضافة كبيرة لدعم استراتيجية الدولة للتحول الرقمي والميكنة خاصة ما يتعلق بالوثائق والبيانات والمحررات لجميع الجهات الحكومية.
أيضا هناك متحف العاصمة الإدارية الجديدة الذي لا يحظى بأية رعاية إعلامية رغم أنه يحمل مادة ثرية حيث يتناول العواصم المصرية القديمة على مر العصور، وهو ما يستدعي أن يتم تسليط الضوء عليه وعلى أسباب انتقال العاصمة من واحدة إلى أخرى، كذلك التأكيد على أن تغير العاصمة متأصل منذ القدم وأن هذا التغير لم يكن يعني بالضرورة إلغاء الدور السيادي للعاصمة السابقة، وبالمناسبة يعتمد سيناريو العرض على إبراز الهيكل الإداري للدولة المصرية بدءا من العاصمة (منف) وصولا إلى العاصمة الإدارية الجديدة، كما أنه قد تم اختيار مجموعة من العواصم المصرية ذائعة الصيت و الأهمية على مدار التاريخ المصري دون غيرها وذلك لما تحمله هذه العواصم من أهمية تاريخية ودينية و إدارية، حيث تبلور فكرة العرض العواصم التالية منف، تل العمارنة، طيبة ، الأسكندرية، القاهرة والعاصمة الإدارية الجديدة، ويتناول السيناريو أبرز معالم العاصمة من حيث أشهر المدن، الحكام، رجال الدولة، الطرق والتقسيمات الإدارية، هذا فضلا عن مباني (الأوكتاجون، البرلمان الجديد، مدينة الثقافة والفنون) وغيرها من منشات تستحق أن نفجر بها بإبراز وجهه الحضاري يا إعلامنا الغافل!.
وأخيرا يامسئولي الإعلام في مصر المحروسة أقول: إن افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة يمثل إعلان جمهورية جديدة وميلاد دولة جديدة، وقد أكدت توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بضرورة أن يكون هذا الافتتاح على أعلى مستوى من التنظيم، بما يعكس عظمة هذا المشروع الحضارى العملاق، الذي يعبر عن مصر الحديثة، ويمثل دليلاً جديداً على حجم الإنجاز الذى تحققه أيادى المصريين رغم التحديات ومن المقرر إقامة حفل الافتتاح نهاية هذا العام، ومن هنا ففي ظني أن الفرصة لاتزال سانحة لإفاقة الإعلام من جديد وقيامه بتسيط أضواء كاشفة على جوانب المشروعات العملاقة التي حتما ولابد أنها تصلح كمادة حية لصناعة تقارير وأفلام تسجيلية وبرامج (توك شوز) تناقش كيف انتصر الرئيس السيسي والشعب في معركة التحدي ونقل مصر من مستوى ضعيف ومتهالك إلى مستوى متقدم مع مواكبة العصر ومنافسة الدول العظمي في العالم على مستوى التشييد والبناء؟، والأهم في كل ذلك ويستحق الاهتمام هو كيف تم تطوير معيشة الإنسان المصري الذي يمثل العمود الفقري في هذا الوطن.