سلافة معمار .. نجمة الجرأة الإبداعية في الدراما السورية
بقلم : محمد حبوشة
عندما تشاهد عملا ما في شاشة السينما أو على خشبة المسرح أو في التلفزيون أو حتى تستمع إليه في الإذاعة، فإنك ستنجذب في البداية إلى الأداء التمثيلي للنجوم، مع متابعة العمل يمكنك أن تستكشف براعة الإخراج وإتقان الحوار، وجودة المونتاج وباقي تفاصيل وأركان العمل، ولكن دائما ما يكون أول ما يقتحم عين المشاهد هو الممثل والأداء، فالممثل هو من يمكنه أن يوصل لك روح الدور ويجعلك تشعر بجودة تعليمات الإخراج، وهو من يجعلك ترى الحوار حقيقيا وتستكشف جودة الكاتب، هو من يجعلك تضع يدك فوق جودة أو إخفاق ملموسين يمكنك ببساطة اكتشافهم حتى إن لم تكن متخصص في الفن، وتقيم الأمور من منظور عين المشاهد.
وضيفتنا في باب (في دائرة الضوء) لهذا الأسبوع النجمة السورية الجميلة والمتألقة (سلافة معمار) هى من نوع الممثلين الذين يمكن توصيل روح الدور على جناح جودة الأداء من خلال تسجيد رائع لشخصيات من لحم دائم كما جاء في أعمالها خاصة في الدراما التليفزيونية، ومن ثم شكلت النجمة السورية علامة فارقة بالأدوار التي جسدتها في جميع الأعمال الشامية التي شاركت بها على رغم قلتها بسبب انتقائيتها (المدروسة جدا)، وقد تلونت بلعب (المختلف) غير النمطي، في مثل هذا النوع من الأعمال (التقليدية)، فهى لم تركن إلى الأداء الخارجي السائد فيها، بل غاصت عميقاً في استخدام جميع أدوات الممثل المبدع من الباطن إلى الظاهر، على غرار ما فعلت من قبل بشخصية نعمت في (خاتون) ووردة في (وردة شامية)، ومؤخرا بشخصية (أم العز) في (حارة القبة)، التي قرعت قلوب المشاهدين وعقولهم حين جالت (حاسرة الرأس) في أروقة الحارة القديمة، فنقلت الصدمة من تعابير وجهها المنحوتة بكل عرق فيه إلى أضلعهم، في مشهد تمثيلي حقيقي خارج جليد الـ (بوتوكس) والسحنة الشمعية التي عادة ما تفقد وجه الممثل التعبير الصداق في الأداء.
في اللغة العربية التي طالما ارتبطت حروفها بمعانيها، تعني كلمة (سلافة) خلاصة الشيء وأفضله، ولعل الاسم يعبر عن صاحبته النجمة السورية سلافة معمار، إذ حاولت دائما أن تقدم في خياراتها على الشاشة، عصارة التجارب والأبعاد الإنسانية المركبة، لا سيما النسوية، فأثارت معظم أعمالها جدلا نقديا مثل (قلم حمرة، الغفران، تخت شرقي، أرواح عارية)، ربما بسبب (الجرأة)، وربما بسبب تناول بعض الجوانب الحساسة من (الواقع الاجتماعي) التي هربت منها بقية الأعمال الدرامية.
لم تأت النجومية إلى (سلافة معمار) على طبق من ذهب فقد ظلت لسنوات حبيسة الأدوار الثانية والثالثة وعلى الرغم من حسن انتقائها وبراعتها في اختيار الشخصيات، إلا أن المخرجين لم يغامروا بإسناد دور البطولة لها إلى أن جاء دور (بثينة) في مسلسل (زمن العار – 2009) إخراج (رشا شربتجي)، والذي يعد العمل المفصلي في حياة (سلافة) حيث قدمها كممثلة قديرة وبطلة مطلقة للجمهور واستطاعت أن تثبت من خلاله أنها تستحق أن تكون من نجمات الصف الأول في الدراما السورية، وأصبحت بالفعل من الأسماء القليلة التي وصلت الى النجومية، فبقيت في القمة من دون أن يتأثر أداؤها التمثيلي، أو قيمتها الفنية، واشتهرت بالأدوار الحساسة التي تحتاج الى الوقوف الجريء في وجه النمطية، والبحث عن الشخصيات النسوية، سلبا وإيجابا، والتي تكشف الطبيعة الداخلية للمرأة بوجه امرأة ولسان امرأة وعقل امرأة وتعابير امرأة.
ولدت (سلافة معمار) بمدينة (سلمية) التابعة لمحافظة حماة، وتنقلت في طفولتها ومراهقتها بدعم من والدتها في عدة فنون فانتسبت لمعهد (أدهم إسماعيل) للفنون التشكيلة وتعلمت الرسم والعزف على الآلات الموسيقية وانضمت إلى فرقة رقص الباليه المدرسية، وتقول حول تلك الفترة من عمرها: الباليه والرسم مخزون تظن أنه ليس موجود لكنه موجود باللاوعي وكثير من هذه الأشياء التي قمت بها في طفولتي كونت شخصيتي وإحساسي الفني، جربت العديد من الأشياء بعد البكالوريا وقبل دراستي للأدب الإنكليزي، أول مرة قدمت طلبا للمعهد العالي للفنون المسرحية ولم أذهب إلى امتحان القبول لأني لم أكن أعرف ماذا أريد من هذا المكان وبعد دراستي الأدب الإنجليزي لعاميين في جامعة (دمشق) أصبحت قادرة على تحديد ماذا أريد أكثر، وبدأت أكتشف نفسي كانت بالنسبة لي تجربة غير محسومة ولو لم أجد في سنين الدراسة رابط حقيقي بيني وبين التمثيل أو هذا الشيء الذي أحاول نبشه في داخلي، بالتأكيد لم أكن لأكمل فيه وكنت بدأت في تجريب شيء آخر.
وعلى الرغم من حصولها على الليسانس في الأدب الإنجليزي ، لكن ميولها وحسها الفني دفعاها للتسجيل في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، لتتوالى عليها الأدوار بعد أول أدوارها نظرا لموهبتها وحضورها القويين من أول إطلالتها، فقد كان ظهورها الأول على الشاشة وهى طالبةٌ في المرحلة الثانوية من خلال مسلسل (عيلة خمس نجوم – 1993) كضيفة شرف في إحدى الحلقات، وكانت أول أدوارها في مسلسل الأطفال (كان يا ما كان) في الجزئين الثالث والرابع عامي 1999 – 2000 وهى طالبةٌ في السنة الثالثة بالمعهد.
وفي عام 1999، سجلت حضورها في مسلسل (قضية عائلية) بدور البنت الكبرى، ولكن عام 2001 يعتبر بمثابة نقطة إنطلاقها الحقيقي، حيث شاركت كوكبة من نجوم الدراما العربية والسورية في المسلسل التاريخي (صلاح الدين الأيوبي) بدور ماريا كومنينا، وفي نفس العام ظهرت في مسلسل (ألو جميل ألو هناء) مع الفنان أيمن زيدان بدور مها، بعد عام شاركت في مسلسل الدراما الاجتماعية (الوصية)، وفي عام 2002، شاركت في مسلسل (صراع الزمن) بدور جلنار، وهو من تأليف ممدوح حمادة وإخراج هشام شربتجي، وبعد عام سجلت حضورا آخر في مسلسل (ذكريات الزمن القادم) حيث أدت دور رجاء، وفي نفس العام شاركت بمسلسل (بيت العز) و مسلسل (الداية) بدور سهام.
شهد عام 2005 أداء (سلافة) حالة من الدهشة ولفت الأنظار لها من جانب الجمهور المخرجين، حيث تميزت في مسلسل (أشواك ناعمة) بتجسيد دور طالبة المدرسة نضال التي ترغب في أن تصبح شابا، وبالفعل كان دورها في المسلسل للافتا للانتباه إليها، ونال إعجاب النقاد، العمل من كتابة رانيا البيطار وإخراج رشا شربتجي، وحصلت عنه على جائزة أدونيا 2005 لأفضل ممثلة دور ثاني عن دورها في المسلسل، وشاركت أيضا في المسلسل التاريخي (الظاهر بيبرس) بدور إيزابيلا، كما ظهرت في مسلسل (أحقاد خفية) في نفس العام.
ولقد شكل دورها في مسلسل (الانتظار) الذي يعد من أجمل المسلسلات السورية بمرافقة تيم حسن وبسام كوسا، ونسرين طافش، وغيرهم من نجوم الدراما السورية عام 2006، ولعله لاقى كل النجاح بفضل أداء طاقم العمل، حيث قامت بدور (مروة) الفقيرة والتي تسكن مع عائلتها في سكنٍ عشوائي وتتزوج سرا بمديرها في العمل المتزوج، وشاركت في مسلسل (ندى الأيام) مع سلاف فواخرجي وعدة نجمات من الدراما السورية، وفي عام 2008 شاركت في عدة أعمال منها: (ليس سرابًا) من إخراج المثنى صبح، وأبدعت في دورها بمسلسل (طوق الياسمين) بشخصية ياسمين، وشاركت قصي خولي وسلاف فواخرجي بطولة مسلسل (يوم ممطر آخر) بدور مها، والعمل هو نص ليم مشهدي وإخراج رشا شربتجي.
أبدعت (سلافة معمار) بأداء شخصية (بثينة) التي أفنت حياتها لخدمة أمها المصابة بمرض أقعدها في الفراش 11 عامًا، وتتزوج سرا من زوج صديقتها في مسلسل (زمن العار) عام 2009 من بطولتها الأولى مع تيم حسن وقمر خلف، وكانت نقطة التحول والصعود للشهرة على المستوى العربي من خلال هذا الدور، وفازت بجائزة أدونيا 2009 لأفضل ممثلة دور أول في هذا المسلسل، ومن ثم كان عام 2010 مليئا بالأعمال المميزة لسلافة، حيث لاقت شخصيتها المحبة للتمرد إبداعها في نص يم مشهدي من خلال شخصية (جريتا) في مسلسل (تخت شرقي) الذي حقق نجاحا واسعا على المستوى العربي، والعمل من إخراج رشا شربتجي.
ويعد تميزها ببطولة مسلسل (ماملكت ايمانكم) محطة ثانية في مسيرتها الفنية حيث لاقى أيضا نجاحا كبيرا مثل لها نقلة نوعيها في حياتها، خاصة أنها حصلت على جائزة (الميوريكس دور) لأفضل ممثلة عربية لعام 2011 عن دوريها في مسلسلي (تخت شرقي، ما ملكت أيمانكم) وظهرت في هذا العام بالجزء الثاني من مسلسل (أهل الراية) بشخصية عناية في نفس العام، وفي عام 2011 أيضا شاركت بطولة مسلسل (الغفران) مع النجم باسل خياط والنص لحسن سامي يوسف ومن إخراج حاتم علي، كما لعبت دور صبحة في مسلسل (السراب) مع النجم بسام كوسا، ومثلت في الدراما السعودية في مسلسل (توق) التاريخي الفنتازي، من كتابة الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن.
وبطريقة مميزة وأداء احترافي أدت مع النجم قصي خولي بطولة مسلسل (أرواح عارية) عام 2012، من خلال شخصية ربى، وفي نفس العام أيضًا شاركت لأول مرة في الدراما المصرية في مسلسل (الخواجة عبد القادر) مع النجم القدير يحيى الفخراني، كما شاركت عام 2013 في مسلسل (سنعود بعد قليل) مع النجم القدير دريد لحام وعدة نجوم من النخبة السورية كـ (عابد فهد وباسم خياط) وغيرهم بدور لينا، كما كان لها أيضا في نفس العام مشاركة مميزة للغاية في المسلسل التاريخي (خبير) بشخصية دعد بنت شاس، وفي عام 2014 عادت بشخصية من وحي الكاتبة يم مشهدي، وهى متميزة كالمعتاد؛ حيث أدت في مسلسل (قلم حمرا) شخصية (ورد) كاتبة نصوص تعيش في دمشق في ظل الأزمة، وتعتقل في إحدى السجون السياسية، وتميزت سلافة بأدائها البارع في هذا المسلسل ونالت جائزة (بياف) لأفضل ممثلة لعام 2015 عن دروها في المسلسل وهو من إخراج حاتم علي، كما شاركت في مسلسل (العبور) مع النجم عباس النوري ونجوم آخرين.
سجلت في عام 2015 حضورا آخر أكثر تميزا، من خلال مسلسلين، (بنت الشهبندر) من إخراج هوزان عكو ومسلسل (العراب)، وشاركت في 2016 ببطولة مسلسل (دومينو) بدور لارا، ومسلسل (خاتون) بدور نعمت، كما لعبت مع النجم العالمي غسان مسعود بطولة مسلسل (نبتدي منين الحكاية)، وفي 2017 نالت دور بطولة المسلسل الشامي (وردة شامية) حيث أدت شخصية وردة ببراعة وإتقان، أما في رمضان السابق 2018 ، فقد شاركت في بطولة الجزء الثاني من مسلسل (وردة شامية)، كما ظهرت في عدة حلقات من مسلسل (شبابيك)، وكان لها ظهور مميز أيضا في عدة أعمال أيضًا مثل: (بقعة ضوء و أهل الغرام وورود في تربة مالحة وقبل الغروب وأوركيديا) وغيرها من الأعمال المميزة، وفي عام 2019 تألقت بمسلسلي (مسافة أمان وحرملك)، والأخير بجزئه الثاني كان عملها الوحيد في عام 2020.
أمّا في السينما فلم تسجل حضورا كبيرا، حيث شاركت في عدد من الأعمال منها: (أحلى الأيام) عام 2001 و(مشروع أم) عام 2002 و(علاقات عامة) عام 2005 و(تحت السقف) عام 2005. ونالت دور البطولة في ثلاث مسرحيات هى: (صدى، كسور، رجل متفجر).
أشهر أقوال سلافة معمار
** لايهمني ما يقال عني؛ فأنا أعرف من أنا، ولا أقلل من قيمتي لأستمع لنباحٍ لا فائدة منه.
** أدرت ظهري للكثير؛ ليس غرورا، بل خشية أن أتعارك مع صغار العقول.. أنا لا أجبر البشر على أن يتعلقوا بطرف ظلي، لكني قادرة على فرض احترامي بأسلوبي.. لن أشكو؛ فالشكوى انحناء، وأنا نبض عروقي كبرياء.
** الصمت سري.. لغتي ولعبتي.. هوايتي ومتعتي. وعالمي الصمت؛ ليس خوفا.. ليس ضعفا.. ليس حزنا.. بل صمتي هو كبريائي.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للنجمة (سلافة معمار)، تلك الممثلة الاستثنائية في جدلية منقطعة النظير، حيث جسدت الواقع بشفافيته وبساطته وصراحته، وجراء جرأتها في التناول أدينت واتهمت بخدش الحياء، وهى في ذات الوقت تلك الفتاة التي أدت دور (المسترجلة) وكاتبة السيناريو التي أسست مدرسة درامية جديدة حين روت أحداث حياتها من داخل المعتقل، ورغم كل ما مضى تبقى في كل حالاتها الفنية والإنسانية تفيض أنوثة وقوة معا، ومن ثم تميز أي عمل تشارك فيه لأدائها الرائع وتفانيها في تقمص الأدوار التي تؤديها .. متعها الله بالصحة والعافية لتمتعنا أكثر بأعمالها الدرامية ذات الجودة العالية.