دراما حقيقية بمعايير أخلاقية
بقلم : محمد حبوشة
تعد الدراما التليفزيونية قوة ثقافية مؤثرة فى المجتمع لا يستهان بها وذلك بسبب انتشارها الواسع وقدرتها على الإبهار واستيلائها على أوقات المشاهدين، فالرسالة الدارمية لها قدرة كبيرة على تخطى الحواجز الأمية وصولا إلى الجماهير حيث تنفذ الرسالة الدرامية إلى جماهيرها وتؤثر فيهم بأسلوب غير مباشر، كما أن الدراما التليفزيونية تساهم في عملية البناء القيمى للإنسان بشرط أن تشتمل على مضمون جيد وهادف يعكس واقع القضايا والمشكلات في المجتمع الذى تقدم فيه، وخلال السنوات الأخيرة تخلت الدولة عن دورها المتميز فى إنتاج الأعمال الدرامية المتميزة والاستعانة بكبار الكتاب والمخرجين فى نشر الثقافة الرفيعة والارتقاء بمستوى الذوق العام، وتزويد المشاهدين بالفكر الراقى، وبث القيم و السلوكيات الإيجابية المدعمة للمسئولية الاجتماعية للقائمين على العمل الدرامى.
وحتى حين أرادت الدولة أن تعيد دفة الدراما المصرية نحو الوجهة الصحيحية أنشأت الشركة (المتحدة للخدمات الإعلامية)، وفي القلب منها شركة (سينرجي) للإنتاج السينمائي والدراما التليفزيونية، والأخيرة كانت وماتزال جل اهتمامها، ومع ذلك فلم تنجح سوى بنسبة 25% من إنتاجها في صناعة أعمال (وطنية واجتماعية) يمكن أن تقوم برصد القيم الاجتماعية من خلال تجسداتها في سلوكيات أو نتائج سلوكيات، ولأنها من مكونات الوعي فهي تعتبر انعكاسا لواقع اجتماعي اقتصادي معين وفترة تاريخية بعينها، ولأن نوعية القيم التي تظهر في مجتمع ما لصيقة بخصوصية هذا المجتمع لذلك ينبغي أن تنتشر القيم الاجتماعية من خلال وسيط وأداة، وهنا لابد أن يبرز وسيطا واحدا من أهم وأخطر وسائل الإعلام وهو التليفزيون، وأداة كانت وماتزال واحدة من أهم الرسائل الإعلامية وهى الدراما التليفزيونية المسلسلة.
والتليفزيون بوصفه وسيطا يصل إلى قاعدة عريضة من الناس ويعتمد على عناصر كثيرة في التأثير على المشاهد منها عنصرا الصورة والإبهار، أما الدراما التليفزيونية المسلسلة بوصفها أداة – فهى مادة الترفيه الأولى والأساسية في القنوات المختلفة – ولها صفتان مهمتان الأولى التواتر الذي ينشأ عن طبيعتها المسلسلة بالإضافة إلى عناصر الإبهار والصورة والتشويق التي ترتبط بالتليفزيون كوسيط؛ والثانية أن الدراما التليفزيونية المسلسلة تصل إلى عدد كبير من الأشخاص بغض النظر عن النوع والطبقة والتعليم والمرحلة العمرية مما يجعل تأثيرها جد خطير.
ومن هنا كان ينبغي على شركة (سينرجي) باعتبارها المحتكر الأول للإنتاج الدرامي خلال السنوات الثلاثة الأخيرة أن تختار أعمالا تحمل في طياتها التركيز على وظيفة الدراما التي حددها أرسطو في كتابه الشعر بقوله: (إن التاريخ يكتب الأحداث كما وقعت، ولكن الدراما تكتب الأحداث كما كان ينبغى أن تقع)، وهو مايؤكد على أن الدراما ليست معنية برصد تفاصيل الواقع بتشوهاته التي نراها على الشاشة يوميا في ابتكارات غريبة وعجيبة، فبالنظر إلى إنتاج (سينرجي) خلال الفترة الأخيرة نلاحظ أنها تركز على مسلسلات الأكشن والعنف والعشوائية والانتقام والإساءة للمرأة وجرح مشاعر الأطفال بصدمات وهزات نفسية لا قبل لهم بها، ومن دواعي دهشتي أن كتابها يرون أنها تعبير حقيقي عن الواقع الذي نعيشه، وتلك ليست وظيفة الدراما بحسب (أرسطو)، ناهيك عن تمصير أعمال تكون فكرتها مقتبسة عن عمل أجنبي.
وظني أنه تأكيد على كلام الرئيس عبد الفتاح السيسي عن زيادة مستوى وعي المصريين بإنتاج أعمال تاريخية ودينية واجتماعية تعكس القيم العليا داخل المجتمع، فلابد لشركة (سينرجي) وغيرها من شركات وطنية أخرى أن تعيد النظر في إنتاجها من جديد، مع ضرور التدقيق في اختيار مؤلفين على قدر من الوعي الذي يليق بروعة وعظمة الإنجاز المصري غير المسبوق لا اللجوء للورش التي أصبحت تعبث بمقدرات الدراما ولا تنتج سوى ما يعبر عن هؤلاء البالغون الجدد في التأليف الدرامي، والذين يقمون بعمليات نهب علني لأفكار مستورة غريبة عن تقاليدنا وعاداتنا الشرقية الأصيلة المستمدة بالأساس من روح الأديان السماوية التي تحض على الخير والفضيلة.
صحيح أن الأعمال الدرامية الرمضانية شهدت خلال السنوات الثلاثة الماضية مناقشة عدد كبير من القضايا المهمة المتمثلة في الفساد وجرائم القتل والمخدرات وغيرها من القضايا التي بدأت تنتشر بشكل غير ملحوظ إلى أن وصلت إلى ذروتها هذا العام، وبالرغم من أهميتها إلا أن ما تبعها من ألفاظ جاءت غريبة إلي حد كبير علي مسامع جمهور التليفزيون الذي اعتاد علي استمداد ثقافته من التليفزيون، بالإضافة إلى الترسيخ والترويج إلى الانحلال الأخلاقي الذى بات العامل المشترك لمعظمها مدعما بالفجور والدعارة وتحويل المرأة إلى سلعة فى المجتمع الذى لم تصل حالاته إلى هذا المستوى المتدنى من قبل، كما تحولت المرآة الى دمية تلهو وتعبث وتمارس حريتها دون روادع أخلاقية، هذا بالإضافة إلى الخيانة التى أصبحت العامل المشترك، حتى يمكننا القول بأن الحياء بات مفقودا، وأيضا نستطيع القول أن غالبية المسلسلات الرمضانية دون المستوى المتوقع، حيث لا تتناسب أبدا مع شهر رمضان الفضيل، فأصبحت الدراما التليفزيونية الرمضانية (للكبار فقط).
وترتيبا على ما سبق نريد من (سينرجي) وغيرها من شركات مصرية على قدر من المسئولية وهى تخطط للموسم الدرامي الرمضاني (2022) أن تراعى توجيهات الرئيس في صناعة دراما حقيقية بمعايير أخلاقية تليق بمصر الجديدة، وذلك باعتبار أن الرجبل يدرك جيدت أن الدراما التليفزيونية من أهم الأشكال الدرامية الأكثر رواجا فى الخريطة التليفزيونية، خاصة فى شهر رمضان المعظم والتى تؤثر تأثيرا بالغا في الفرد والمجتمع، ولما تتمتع به الدراما التليفزيونية الرمضانية من نسبة مشاهدة مرتفعة من جانب الجمهور المشاهد، لابد من الآن إفصاح هذه الشركات عن ملامح الموسم الرمضاني القادم في ظل واقع حاد ومرير عشناه ومازلنا نعيش آثاره حتى الآن في المواسم الموازية من خلال إنتاج هزيل للغاية للقنوات والمنصات أقل ما يوصف بأنه ساذج ودون المستوى مثل سلاسل (ورا كل باب، وزي القمر).
وعلى الرغم من دراما المواسم الموازية تركز على البعد الاجتماعي أكثر من الأكشن والغموض والإثارة غير المبررة، إلا أنها في مجملها تبدو ضعيفة ، حيث تبدو أفكارها مستهلكة وتقوم بإعادة إنتاج ماتم إنتاجه، ولم تضف أية مميزات جراء عدد حلقاتها القليلة سوى اتاحة الفرصة لظهور ممثلي الأدوار الثانية والشباب الجدد، لكنها في النهاية تفتقد إلى رؤية حقيقية تنعكس على إتقان الصناعة، بحيث تنقذنا من براثن الملل الذي يتسرب لك في أثناء مشاهدة أي قصة من تلك القصص التي لاتزيد عن خمس حلقات أحيانا والحلقة لاتزيد عن 40 دقيقة.
إذن لابد وحتما الآن .. الآن وليس غدا من كشف شركات الإنتاج جميعها عن خطتها لدراما رمضان (2022) في إطار الوعي الذي نادى به الرئيس، وهل هى ستكون على قدر المسئولية أم أنها ستظل تعبث بمقدرات الدراما المصرية التي تعنى بالمسئولية الاجتماعية والقيم الأخلاقية التي ينبغي أن تلتزم بها الدراما الرمضانية، حتى لا نفاجأ بأعمال درامية تحتوى على كم ضخم من العرى، البلطجة، الألفاظ النابية، والعلاقات غير المشروعة، وتعاطى المخدرات والكحوليات، واستخدام المرآة فى الدعارة بشكل فج بالإضافة إلى احتواء معظم المشاهد على الإيحاءات الجنسية ومخاطبة الغرائز، فضلا عن المشاهد التى تحتوى على العنف والأسلحة النارية ومشاهد مقاومة السلطات، وذلك حتى لاتصبح الألفاظ الخارجة والإسفاف عنوانا صارخا للدراما الرمضانية في ظل غياب كامل للرقابة على المسلسلات التى تعرض فى الشهر المعظم.