تعرف : لماذا ضم (بديع خيري) سراج منير لفرقة الريحاني؟!
كان بين الفنانيين زمان علاقة أقرب إلى الأخوة الصادقة، يعيشون طوال أيام التصوير علاقات صداقة بريئة، وزمالة محترمة، بعيدة عن المصالح الضيقة، والمنافع المؤقتة، والشوائب المكدرة، علاقة قائمة على الثقة والمودة والبساطة، أساسها الصدق وفروعها الكلمة الطيبة وإحسان الظن والألفة، لهذا كانوا يجتمعون دائما فى بداية أي فيلم أونهايته ليأخذون مع بعضهم صورة تذكارية أو ” سيلفي” بلغتنا الآن.
كتب : أحمد السماحي
رحل (نجيب الريحاني) عن حياتنا منذ حوالي 72 عاما، وما يزال وهو فى دار الآخرة، قادرا على رسم الضحكة على وجوهنا، وقادرا على إضحاكنا على أنفسنا ومصيرنا وسط ضغوط الحياة المروعة وهمومها التى تتضخم كل لحظة.
رحل (الريحاني) يوم الأربعاء فى الثامن من يونيو عام 1949، وفى ليلة (الأربعين) اجتمع نجوم الفرقة حول الكاتب والشاعر العبقري (بديع خيري) شريك (الريحاني) فى تأسيس الفرقة، في شقة (نجيب الريحاني) في عمارة (الإيموبيليا) لتقبل العزاء من الأصدقاء والأحباء، وبعد انصراف هؤلاء المعزين اقترح الممثلون على (بديع خيري) بإلحاح وبأصوات مليئة بالعاطفة والرجاء أن يواصل العمل بالفرقة، ونترك (بديع خيري) يحكي لنا أسرار تكوين فرقة (الريحاني) كما جاءت فى مذكراته فيقول:
بعد انصراف المعزين اقترح على الزملاء أعضاء فرقة (الريحاني) وبشكل عاطفى أن تستمر الفرقة وقالوا لي: (أنت اللي باقي لنا، أنت أملنا)، ومضوا إلى حد البكاء والتوسل، وقالت لي (ميمي شكيب): (يخلصك ان الظروف تحوجني يوم من الأيام اشتغل فى صالة أو كباريه بعد كل السنين دي على المسرح).
وأمام اندفاعهم فى إبداء هذه الرغبة وتمسكهم بها، وإحراجي فى أن أقف منهم موقف الرجولة، وتفكيري في أنني لو استمعت إليهم فإنني أختط سابقة جديدة فى مسرحنا لم يسبقني إليها سابق، إذ كانت العادة أن تنتهي الفرقة بموت صاحبها أو باعتزاله العمل، علاوة على إيماني برسالة مسرح (الريحاني) التى عشنا أنا وهو نحتضنها وننميها وننشرها، ورغبتي فى أن تبقى حية مستمرة، دارت كل هذه الأفكار في رأسي واستخرت الله وقلت للزملاء الممثلات والممثلين: (وهو كذلك سأتحمل المسؤولية، ولنجتمع ظهر الغد فى المسرح).
وعقدنا هذا الاجتماع فى ظهر اليوم التالي، وأذكر بكل اعتراف بالجميل أن الزملاء عرضوا على أن يشتغلوا بنصف المرتب الذي كانوا يتقاضونه أيام (الريحاني)، فقلت لهم بالعكس لا يمكن أن أنقص مليما من أي واحد منكم، لأنكم إذا شعرتم بغبن فلن تعملوا بنفس الإخلاص الذي كنتم تعملون به مع (الريحاني)، وأنا شاكر لشعوركم الطيب، وستبقى المرتبات كما هى.
وضممت للفرقة (سراج منير) إذ كانت هذه رغبة (الريحاني) منذ الليلة التى مثلنا فيها مسرحيتنا المعروفة (حكم قراقوش) فى نادي الضباط بالزمالك، ويومها استعنا بـ (سراج منير) ليمثل دور السلطان (قراقوش)، وكان من بين الحاضرين العرض (سير سيمور هيكس) زعيم المسرح الإنجليزي فأبدى إعجابه الشديد بتمثيل (سراج منير)، واقترح أن نقدم المسرحية فى لندن كلون من ألوان المسرح العالمي على أن يتولى (سير سيمور) الدعاية لها هناك.
ومنذ هذا اليوم قرر (الريحاني) ضم (سراج منير) إلى فرقتنا، ولكن لم تتحقق رغبته حتى مات، فحققتها أنا من بعده وفاء لذكراه، كما وفقت أيضا في ضم ممثل موهوب قديم آخر هو (مختار عثمان) نجم فرقة رمسيس الكوميدي، وكان قد اعتزل المسرح وأقام مدة اثنتي عشرة عاما فى قريته (ساحل سليم) قرب أسيوط يشتغل بالزراعة وتربية المواشي، وتمكنت من إقناعه بالعودة إلى المسرح، وضممته إلى الفرقة، وبدأ يمثل معنا في مسرحية (الحكم بعد المداولة).
ومع ذلك أخذ الإقبال على الفرقة يقل، مع تناقص ثقة الجمهور بها وظنه أنها بقايا الفرقة القديمة، وأنها لا يمكن أن تعيش أكثر من شهر أو شهرين، وكنت أتحمل الخسائر وأنا آمل فى استرجاع الثقة تدريجيا، وكانت فترة البداية عصيبة فالجمهور مصدوم بفكرة وفاة (الريحاني) والمسرح يسوده جو قاتم لوفاة صاحبه، لكن كل هذا تغير تماما عندما انضم ابنى (عادل خيري) إلى الفرقة مع غيره من النجوم الشباب، وبدأ الجمهور ينسى الموت وعاد إلينا وعوضنا بإقباله الجديد عن هجره القديم.