فى ذكراه العاشرة .. تعرف على أغنية فيروز التى أنقذت (خيري شلبي) من الانتحار!
كتب : أحمد السماحي
نحيي اليوم الذكرى العاشرة لأديب مصر الكبير (خيري شلبي)، أديب البسطاء والمهمشين الذي تميز بغزارة إنتاجه وقدرته على التعبير عن أهلنا في القرى والنجوع والمناطق الشعبية من خلال أدبه، واللافت فى مسيرة هذا المبدع هو عشقه وتذوقه للغناء المصري، وكتابته بشكل متميز للغاية عن مجموعة من أساطين الكلمة واللحن فى مصرنا المحروسة، وإضافة بعد جديد لهؤلاء لم يلتفت إليه كثير من نقاد الموسيقى والغناء.
فمن الشعراء الذين كتب عنهم باستفاضة دراسة قيمة الشاعر المبدع (مرسي جميل عزيز)، وفى هذه الدراسة كتب عن أغنية الشاعر المصري والمطربة اللبنانية (فيروز) التى أنقذته من الانتحار فتعالوا بنا نقرأ ماذا كتب هذا المبدع الكبير؟ وسر تفكيره فى الإنتحار؟ وكيف أنقذته أغنية (فيروز) وأعادته إلى بحر الحياة من جديد..
فى أوائل الخمسينات كان (مرسي جميل عزيز) بالنسبة لي مجرد مؤلف للأغنيات يتردد اسمه كثيرا فى الراديو، كانت كلماته تلفت نظري بشدة لما فيها من تميز واضح، وغزارة فى الإنتاج لا يباريه فيها إلا شاعر آخر كان يفتني هو أيضا اسمه (مأمون الشناوي) الذي كنت بارعا فى تقليد كلماته العاطفية السخنة بكلمات ابتدعها على أنساقه، وأصب فيها هواجسي المراهقة.
ولكن علاقتي الحقيقية بـ (مرسي جميل عزيز) التى أدت بي إلى اكتشافه والدخول فى عالمه الفني بدأت صباح يوم كان المفروض أن أموت فيه بإرادتي واختياري، حيث كنت قد ضقت بالحياة لأسباب كثيرة جدا تضافرت فى وقت واحد، منها أسباب خاصة بشقاء الطفولة الخشنة القاسية، وأسباب ناتجة عن كثرة القراءة بغير منهج فى الفن والفلسفة والتصوف، وكتب السحر الصفراء أقنعتني بعدم جدوى الحياة.!
فقررت الانتحار عن اقتناع واقعي محض، صحيح أن الفكرة بدأت كهاجس رومانسي تطور إلى خواطر ملحة، تطورت بدورها إلى اقتناع راسخ بالهروب المبكر مما ينتظرني فى الحياة من شقاء مركب فى حياة صعبة إن لم تكن مستحيلة.
وهكذا أحضرت زجاجة كبيرة مليئة بصبغة اليود، واختفيت في حجرة فى منزل مهجور ملحق بمنزلنا فى القرية وأغلقت الأبواب كلها فى إصرار حقيقي حتى لا يدركني أحد فيثنيني عن موقفي، شربت الزجاجة دفعة واحدة لدرجة أنني لم أشعر بلذعها ولا نكهتها الحادة إلا بعد أن قذفت بالزجاجة تحت السرير.
وفيما كان مفعول اليود قد بدأ يسري فى أحشائي كنار منصهرة، انفتح راديو الجيران فى (المندرة) – الغرفة – التى أمامي، وانطلق صوت (فيروز) بألحان الأخوين رحباني، وكلمات (مرسي جميل عزيز)، يزفها صوت الكورس البديع القوي فى قوة الإصرار والأمل والرغبة في الحياة يغنى قائلا :
لم لا أحيا وظل الورد يحيا فى الشفاة
ونشيد البلبل الشادي حياة لهواه
لم لا أحيا وفى قلبي وفي عيني الحياة
سوف أحيا .. سوف أحيا
ويستكمل مبدعنا (خيري شلبي) شهادته قائلا : لا أستطيع وصف مشاعري فى تلك اللحظة، أشرقت الدنيا في عيني فجأة فشعرت أن صوت (فيروز) هو الضوء المشتعل الذي أضاء كل الظلمات، وأن الكلمات المشرقة تؤنبني بشدة على ما فعلت، وتهزأ بإصراري على هذا الموقف الفج، وكان يخيل لي كأن الأكف تنهال على صدغي لطما وأنني أحاول عبثا دفعها عني، ثم بدا كأن الكلمات تضمد جراحي بلحن غاية فى العذوبة ينفض المشاعر نفضا يصفيها من غبار اليأس وظلمات الأوهام والأفكار الخاطئة.
ويزرع فيها المقاومة والرغبة في الحياة خاصة وفيروز تكمل باقي الأغنية وتقول :
يا رفيقي ليس سرا أن أيامي قليلة
ليس سرا إنما الأيام بسمات طويلة
إن أردت السر فسأل عنه أزهار الخميلة
عمرها يوم وتحيا اليوم حتى منتهاه
سوف أحيا .. سوف أحيا
حينئذ وعلى صوت البلبل الشادي، صرخت في طلب النجاة والإنقاذ تيمنا بزهرة الخميلة التى تعرف أن عمرها فى الحياة يوم، ولكنها تحيا اليوم حتى منتهاه، نعم (سوف أحيا) هكذا قلتها لنفسي ومازلت أقولها كلما رن في مسمعي نشيد هذا البلبل الشادي على صوت فيروز الحبيب.