الطريق الى 30.. ( 13 ) .. اختيارات الوزير
بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
عندما تولى الدكتور علاء عبد العزيز وزارة الثقافة ، أصر على التوجه إلى مكتب الوزير فى نفس اليوم بعد حلف اليمين و جلسة مجلس الوزراء الأولى ، برغم أن الوقت كان مساء و كان موظفى مكتب الوزير قد انصرفوا ، و لم يبق بمبنى الوزارة إلا المهندس محمد أبو سعدة المشرف على قطاع مكتب الوزير و المستشار محمد لطفى المستشار القانونى للوزير ، و هكذا كانا الوحيدين فى استقبال الوزير الجديد .
و لم تمض سوى أيام قليلة – و بالتحديد بعد إنهاء ندب الدكتور أحمد مجاهد – حتى تقدم أبو سعدة بطلب إعفائه من الإشراف على قطاع مكتب الوزير و الاكتفاء بمنصبه الأصلى كرئيس لصندوق التنمية الثقافية و ذلك احتجاجاً على لقاء جمعه بالوزير، شعر خلاله بعدم رغبة الوزير فى استمراره ( كما نشرت صفحة ألتراس وزارة الثقافة على موقع الفيس بوك ).
و بالفعل أصدر الوزير قراره بإعفاء أبو سعدة ، و لكن الخبر نشر صحفيا عن طريق الوزارة بطريقة توحى بالتخلص من أبو سعدة كشخص غير مرغوب فيه ، و لهذا فقد تم نشر خبر تال للخبر الاول باليوم السابع أكد فيه أبو سعدة على أن إعفاء وزير الثقافة له من منصب رئيس قطاع مكتب وزير الثقافة ، إنما جاء بناء على طلبه هو ليتفرغ لرئاسة الصندوق . وقال أبو سعدة : (الآن أنا أكثر ارتياحًا لأننى سأتفرغ للعمل على النهوض بالصندوق وحالة التعثر المالى التى يشهدها ، وأثق فى تعاون زملائى فى تحقيق ذلك من دعم الجمعيات والمؤسسات الأهلية والمهرجانات وتطوير البنية الثقافية لجميع قطاعات وزارة الثقافة ).
لم يكن هناك ردود افعال قوية على إعفاء أبو سعدة ، و لكن الوزير الذى أدمن إثارة العواصف ضد قراراته استطاع تهييج قطاع كبير من الموظفين باختياره لبديل أبو سعدة ، ففى يوم الخميس 23 مايو نُشر بالمواقع الالكترونية للصحف بيان أعلنت فيه وزارة الثقافة تكليف السيد : عصام سالم مصطفى شرف ( الشهير بـ عصام شرف ) رئيس الإدارة المركزية للشئون المالية والإدارية بالمجلس الأعلى للثقافة ، بالإشراف على قطاع مكتب الوزير ، بالإضافة لعمله الأصلى .
و على الفور أصدر ائتلاف وزارة الثقافة بيانا على صفحته بالفيس بوك عبر فيه عن استنكاره الشديد لقرار وزير الثقافة ، بتكليف شرف ، لأنه محول إلى النيابة تمهيدا للإحالة إلى المحكمة التأديبية ، و ذلك فى عصر الوزير السابق الدكتور صابر عرب بناء على مذكرة من الدكتور سعيد توفيق الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة ، وذلك لسعيه (عصام شرف ) إلى استهداف غرض غير مشروع ، وتحقيق منفعة شخصية، واصطناع مستند رسمى ، واستخدام الإكراه المعنوى لموظفيه ، وجاء تحويل الموضوع إلى النيابة بناءً على رأى المستشار القانونى ، والذى جاء به أن (شرف) تقدم بطلب منه وإليه (من نفسه ولنفسه) بحساب مدة خبرة سابقة قدرها 9 سنوات، وقد وافقت اللجنة التى هو رئيسها (!!) على احتساب مدة الخبرة الزائدة له ، وقدرها 9 سنوات مع منح خمس علاوات قيمة كل علاوة 6,25 جنيه تضاف إلى المرتب.
وأوصى المستشار القانونى بإلغاء قرار مدير عام شئون العاملين ، مع ما يترتب على ذلك من آثار ، و استرداد ما تم صرفه للسيد المذكور من علاوات دون وجه حق، وإحالة الأوراق إلى النيابة الإدارية تمهيدا للإحالة إلى المحكمة التأديبية .
و لم تمض الا دقائق حتى نشر (اليوم السابع) انه علم من مصدر مطلع بوزارة الثقافة، أن الدكتور سعيد توفيق ، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة ، تقدم باستقالته صباح اليوم ، ورجح المصدر أن يكون سبب تقديم (توفيق) للاستقالة هو تكليف عصام شرف بالرغم من أنه محول إلى النيابة تمهيدًا للإحالة إلى المحكمة التأديبية ، و سرعان ما أكد الدكتور توفيق، على ما نشره (اليوم السابع) ، وقال إنه تقدم باستقالته لوزير الثقافة لعدة أسباب رفض الإفصاح عنها فى ذلك الحين . و كان اختيار شخص محول للنيابة غريبا ، و كان الاصرار على الاختيار أغرب . و لكن الوزير كان يجيد وضع المتفجرات بنفسه و لنفسه ، غير عابئ بالتجمع الذى اوشك على الاكتمال فى نفس اليوم .
ففى نفس اليوم اجتمع على سلم نقابة الصحفيين عدد كبير من المثقفين – كتابا و فنانين فى وقفة احتجاجية ضد وجود وزير الثقافة – قبل اجتماعهم داخل النقابة فيما أسموه المؤتمر الأول للمثقفين ( برغم إنه سبقه مؤتمر أكاديمية الفنون ) الذى أعلنوا إن هدفه ( التصدى لمحاولات أخونة الثقافة ، وطمس هوية مصر ).
و الحقيقة إن الوقفة و كذلك المؤتمر سبقهما كثير من اللقاءات و الاجتماعات التى تمت معظمها بـ ( دار ميريت للنشر ) بوسط البلد ، حيث كانت تشبه خلية النحل تضيق فى معظم الوقت على الأعداد الكبيرة التى تتوافد عليها .. تناقش و تقترح و تختلف و تتفق لكن داخل هدف مشترك هو رفض أخونة الثقافة . و بعد طول جدال تم الاتفاق على بيان باسم المؤتمر . و لم يكن الجدل بسبب مضمون البيان و لكن بسبب بعض الصياغات ، فهناك من كان يخشى أن يُفهم الموقف على أنه انتصار لاشخاص عزلهم الوزير ، أو انتصارا لمن هم على خلاف معه ، برغم أن وجهة نظر الأكثرية أن هذا العزل هو مؤشر لأخونة الدولة – كما قال سابقا الكاتب الكبير يوسف القعيد – و لكن البعض كان يشغله فى المقام الأول أن يحافظ على نقاء صورته و عدم تأويل موقفه بأى أسباب شخصية.
كان هدف المؤتمر الاول هو توحيد المثقفين ، ليس على هدف واحد هو رفض أخونة الثقافة – فهم على نفس الهدف – و لكن توحيدهم فى آلية عمل واحدة تضمن الحشد فى فعالياتها و خلف قراراتها و تنفض السلبية عن كثيرين منهم – خاصة بعد ما حدث فى المسيرة الأولى – و تقضي على تشظي الحركة الفنية و الثقافية ، فالأدباء فى واد و المسرحيون فى واد ثان ، و السينمائيون تشغلهم مشاكلهم ، و التشكيليون لا أحد يعرفهم . و هم لا يجتمعون بهذا التنوع إلا فى المناسبات و بلا أفق تعاون و ترابط دائم و حقيقى . أما المؤتمر – فى حد ذاته – فهو هدف قديم و متجدد لكل قوى الفنون و التعبير و الإبداع باختلاف أشكالها ، و أمل لا يتحقق ، طالما اشتاقت له الحركة الثقافية كى تجلس روافدها معا تبحث المأزق ، سواء كان ذلك قبل 25 يناير او مابعدها ، فمستقبل الثقافة فى مصر متروك للظروف و الأنواء و الأهواء .
و بما أن وزير الإخوان كان يعلم هذا الأمل فلقد أصدرت وزارة الثقافة بيانا – من قبل – بعد أول لقاء بين الوزير و رئيس هيئة الكتاب الذى أتى به ، أوضحت الوزارة فيه أنه ( تم الاتفاق على عقد مؤتمر موسع يضم كافة التيارات الفكرية والثقافية ويمثلها جميع مثقفى مصر من هم فى العاصمة وخارجها ، وذلك لبحث مستقبل الثقافة المصرية والحفاظ على الهوية المصرية والاستماع إلى رؤاهم للاستفادة منها فى وضع استراتيجية ثقافية فى مصر خلال الفترة القادمة ) ، و لكن هذا المؤتمر لم يعقد إلا بعيدا عن الوزارة و بهدف خلع الوزير كجزء من مطلب الحركة الوطنية برفض حكومة هشام قنديل التى تسعى للإقصاء والتمكين.
كما كان هدف المؤتمر – كما قال الكاتب أسامة عفيفى فى الأهرام العربى – مخاطبة الرأى العام لتوضيح خطورة الأخونة ، على العقل والوعى والوجدان وحرية التعبير وخطورة ذلك على الثقافة الوطنية خصوصا أن برنامج (حزب الحرية والعدالة الثقافى) و( الذى نُشر فى أخبار الأدب بعد تولى الوزير بيوم واحد ) هو برنامج يكرس للرقابة على الفكر والعقل ، ويكرس لمحاكم التفتيش الفكرية ، ويطلق يد أى عابر سبيل فى مقاضاة أى مبدع تحت دعوى الحفاظ على الأخلاق العامة ، حيث اشترط البرنامج ضرورة التزام المبدع بالأخلاق والقيم وهو أمر خطير ، لابد من اتحاد المثقفين فى مواجهة تفكيك وتفخيخ الثقافة الوطنية ومواجهة المجزرة المعدة للمثقفين. . فماذا دار داخل المؤتمر ؟ لهذا حديث آخر ..