إعلام الغيبوبه.. وغيبوبة الإعلام !
بقلم : علي عبد الرحمن
بداية لاتوجد دولة تحت الشمس ذات حدود وعلم وعمله وجواز سفر ومؤسسات تمتلك من وسائل الاعلام عددا مثلما نمتلك نحن!، مسموعة ومرئية ومطبوعة وإلكترونية فلدينا منها العشرات والمئات المطبوعة والرقمية، ولأن العبرة ليست بالعدد ولكن بالمحتوى، وهذا ماينقصنا نحن، كما أنه لاتوجد بين دول الكون دولة تنفق على وسائل إعلامها وإنتاجها مايزيد علي عشرين مليار من الجنيهات بشقيه الرسمي وشبه الرسمي، بل إن كبريات الدول وأكثر الشبكات نفوذا لاتنفق نسبة ضئيله مما ننفق نحن.
ولأن الأساس في سبب الإنفاق هو المحتوى والرسائل والتأثير، ولأن إعلامنا يلهث يوميا دون بوصلة أو هدف، ولأنه يتعامل بفلسفة اليوم بيومه فهو بلا خطط واضحة المعالم إنتاجا، وبثا، وهو بلا هدف واضح أو رسائل محددة، وهو لاينافس ولا يسعي لذلك أصلا، وهو كثير العدد، متعدد النوافذ، متشابه المحتوي، ضعيف الجودة، تابع لا متبوع، والأصل فيه أن يكون رائدا سباقا في محتواه مستشرفا معالم الغد وساعيا إليها، عينه على منافسيه ساعيا لتصدر مشهد المنافسه متلهفا على شعبه مهرولا لإرضائه باحثا عن مواطن تقصيره مكملا إياها، مجددا في أدواته، مدربا لكوادره، ناقلا للخبرات، طارحا للرؤي، داعما لخطط وطنه، مبشرا بما هو آت، عليه خبراء شداد في مجالهم يخططون ويشرفون ومطلعون ومقدمون مايلبي تساؤلات أهله ومايزيد علي ذلك.
ولكن إعلامنا بشقيه داخل في غيبوبة لم يفق منها، فهو منفق بلا نتائج وذو صخب بلا تأثير وكثير غير نافع ومنتظر غير رائد، فلا خطط قومية للإنتاج لديه؟ولا أولويات للبث لديه، وهو كثير اللجان عديم النفع، ولقد مل خبراء الميديا في سنوات قليلة مضت من تقديم النصح الوطني المخلص لأهل الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، تارة بضرورة مراجعة الشاشات المترهلة، وتارة باستبعاد المتشابه منها، وتارة بضرورة وجود إنتاج جديد ينافس، وتارة بملاحقة خطوات الوطن المتسارعه نحو آفاق التنميهدة، وتارة بالوصول إلى أطراف الوطن في عصر القرية الصغيرة العالمية، وتارة بتنوع في الإنتاج والبث يشمل كافة أطياف المجتمع، وتارة بوجود إنتاج واجب الوجود، وتارة بفض الاحتكار وإشراك الكل لخدمة إعلام الوطن، وتارة بعرض ماتحقق فقط، وتارة بالبعد عن توافه الأمور،وتارة بإستشراف الغد والأخذ بالوطن وأهله نحوه، وليس خبراء الاعلام فقط هم الناصحون! فقد عبر القائد مرارا عن عدم رضائه علي أداء الإعلام في مرحلتنا هذه، وعبر أعضاء الحكومة عن نفس الشعور! وشاركهم أعضاء البرلمان في عدم رضائهم!، وتحدث رواد المجتمع المدني عن الإعلام المنفصل عن أهله!.
واشتكي أهل مصر من إعلامهم فلا هو متابع ولا هو داعم ولا هو مبشر ولا هو جيد المحتوي ولا هو منافس ولا هو يقدم أهل مصر كما هم، حتي أنهم يرون أن مصر التي الإعلام وإنتاجه غير مصر التي في خواطرنا!، فبرغم هذا العدد من الوسائل وبرغم هذا الإنفاق الباهظ!، وبرغم هذا التشابه والتكرار الممل!، وبرغم الانتاج البرامجي والوثائقي والدراما المتقن من حولنا، وبرغم ريادتنا المتنافس عليها، وبرغم ضخامة إنجازنا، وبرغم كل الأحداث المتلاحقة من حولنا، وبراغم لهفتنا على إنتاج جيد يشبههنا، وبرغم كل الصرخات والأصوات والنصائح!، وبرغم تغييرات هيكليه إعلاميه كثيرة لم نسمع عن أو نجد مايروي ظمأ أهل المحروسه من أنهار إعلامها!.
فلم يفكر أهل العقد والحزم في الإعلام، في وسيلة مما تشابه تخصص (للتنميه) فتعرض ماتحقق في بقاع مصر وهو كثير لإراحة أهلها من عناء التفكير فيما هو قادم، ولم يخصصوا وسيلة أو إنتاجا (للمبادرات) وهي عديدة، رئاسية ومجتمعية، ولم يحركوا ساكنا في جدلية الإعلام الديني المعتدل وسيلة أو إنتاجا، ولم يتحركوا نحو قناة أو انتاج (للشباب) ضمير الأمة ومستقبلها، ولم يخصصوا وسيلة أو إنتاجا (للسياحة) الداخلية أو الخارجية، ولم يقدموا لمصر(برندا جديدا) يلائم وضعها الحالي والمستقبلي غير الجمل والفتاة الريفية والصحراء، رغم أن معالم مصر الجديدة وأهلها أجمل مفردات لبراند عصري لدولة فتيه!.
ونسي اهل الغيبوبة الاعلام الاقتصادي المتخصص في عوالم الاستثمار والمشروعات الصغيرة وغيرها، وأهملوا وسيلة أو إنتاجا للأسرة المصرية، وغضوا بصرهم عن وسيلة أو إنتاجا (لذوي الهمم) رغم كل هذا الاهتمام الرسمي والمجتمعي بهم!، واعتبروا التكنولوجيا المتلاحقة أمرا لايستحق وسيلة او إنتاجا أو نقل خبرات، وبالطبع لم يكلفوا أنفسهم بإشراك المواطنين في المحتوي المقدم لهم عبر(إعلام المواطن)، وتركوا إعلام الغد لعلم الغيب وأنتجوا أعمالا لاتشبه أهل مصر، ووضعوا أصابعهم في آذانهم تجاه رغبة الكل قيادة وشعبا في أعمال إبداعية، توثق وتدعم وتنمي وتثقف وتشبع وتنافس.
واعتبروا كل صنوف الإعلام الغائب عن وسائلنا والذي نحتاجه بصدق أمرا يشغل من يشغله إلا هم، وأكملوا الإنفاق الباهظ وتركوا الشاشات المتشابهة وبثوا المحتوي الذي لايشبع ولا ينافس ولايسترد ريادة، واعتبروا أن التنوع في الإعلام وجودة المحتوي وإتقان الشكل أمورا مرفهة يتحدث فيها أهل الاعلام فيما بينهم ولكنها لاتعنيهم، واكتفوا بما يرونه إعلاما شاملا من ملاسنات ودردشات وطبخ وتفسير أحلام وفك أعمال السحر ودراما ليست منا، وكل ذلك إعلام متخصص قاصرغير متنوع فأفقدونا التنوع الذي تحرص عليه دول العالم وأفقدونا عدالة إعلامية ترسي قواعدها دول عديدة، وأرهقونا بإنتاج لايشبه أهله، وأسمعونا كلاما فيهم نحن في غنى عنه.
فهل يفيق الإعلام من غيبوبته فيراجع وسائله ومحتواه فيلغي ماتشابه ويوجه وسائلا نحو مجالات أخرى قصر فيها الإعلام؟، وهل يجود محتواه وينوعه ليقدم إعلاما تنافسيا ويرضي أهله؟، وهل يشكل لجنة متخصصة في التخطيط الإعلامي وأخري في الإنتاج الإعلامي وثالثه في مواعيد ونوعيات البث ورابعة في المتابعة والتقييم وخامسا لإكتشاف المتميزين وأخري لعقد ملتقي دوري للتنافس في أجود فنون الإعلام ودقة محتواه؟، وهل يمكن للمجلس وهيئات الإعلام ونقاباته وخبراء الوطن دور متخصص لإفاقة إعلامنا من غيبوبته حتي ندخل عامنا القادم بإعلام يشبه مصر إنجازا وشعبا وقيمة،وقامه يسترد مشاهديه وريادته؟.
فلنراجع لجانا لم تقدم جديدا ومجالس وهيئات ونقابات لم ترتقي بفنون العمل، وإلا فليعش إعلام الغيبوبه!، ولتطل غيبوبة الإعلام!، ولينفصل الإعلام عن أهله!، ولنبحث كلنا عن إعلام يشبه مصرنا أحلاما وطموحا ويسبقنا نحو الغد ونرضي عنه ونفخر به ويتجول وسطنا متلاحما لا متقوقعا بين استديوهاته فقط .. حمي الله مصر وأعلي صوتها دوما بفضل الله الحارس للمحروسة بأمره.