(أبناء قطب في الاستاد)
بقلم : محمد شمروخ
بلطجة، حماقة، صفاقة، تسطيح، بذاءة، تنمر، تفاهة، جهل، انغلاق، استفزاز، إقصاء!
هذه هى عناصر الأجواء التى صارت لصيقة بلعبة كرة القدم نقدا وتشجيعا ولعبا وإعلاما، لا أدعى أنها ظاهرة مصرية فقط، لأننا نشهد أحداثا مرتبطة بتشجيع كرة القدم، حتى في الشعوب التى نظنها شعوبا راقية!
إنى أتهم كثير من السادة القائمين على شئون الرياضة من كل التشكيلات السابقة، بأنهم يتعمدون إحداث نوع من الهيجان الإعلامي لترويج فتنة كروية تكون نتيجتها، كل هذه السلبيات التى نراها ونلمسها في كل الوسائط الإعلامية من صحافة ورقية وإلكترونية وبرامج تلفزيونية ولم تفلت من هذا التسونامى القبيح غير الإذاعة التى مازالت تحافظ على ما تبقى من احترام في خضم تلك الأجواء التى نكبت بأمثال هؤلاء.
ولا أدرى لماذا يتصاغر الكبار في صراعاتهم الكروية لإحداث أجواء ساخنة ملبدة بكل أنواع البذاءة؟!
هل يقترن بأنك أهلاوي أو زملكاوى أن تتصف بكل هذه الصفات وأقلها التفاهة؟!
يا رجل.. عيب عليك.. اكبر وكبر من نفسك.. احترم مقامك ومركزك وجماهريتك
فمالي أرى رجالا ظننتهم من أهل القمة والقيمة يخرجون من أضغانهم كل هذا الهراء؟!
ما الأمر؟!
أتحسر على أيام كنا فيها نتضاحك ونحن أمام شاشات التليفزيون في مباريات الأهلى والزمالك، بمداعبات بريئة تروح عن النفوس وتجلى القلوب وتعمق الصلات الإنسانية، لكن من فضلك أرهف السمع الآن إلى أى مناقشة تتعلق بشأن كروى لتسمع كم وكيف البذاءة والسفالة في الأفكار والألفاظ والأفعال
كل هذا من أجل الأهلى والزمالك؟!
سحقا لهما وتبا لكل تعصب كروى نتج من تشجييع هذين الناديين اللذين تحولا في غفلة من الزمن إلى صنمين عملاقين يرتفعان عن كل المقدسات الحقيقية والوهمية، فترى بعضا من المشجعين هنا أو هناك، يتحولون إلى شخصيات مناقضة لشخصياتهم التى كنا نراها مناقضين لصورهم التى كنا نحسبهم عليها من أجل أنه زملكاوى أو أهلاوى.
فكم جنينا في الثلاث عقود الأخيرة تحديدا، من جراء هذا الجنون الشيطانى المسمى بالتشجيع الكروى؟!
هل نسينا كم من الفتيان من زهرة الشباب كيف دفعوا أعمارهم دهسا بالأقدام بسبب هذا التطرف البغيض وهل ننتظر كوارث أخرى؟!
لا والله ما كانت هذه رياضة ولا يجب أن تكون وآن لهذه الأوهام أن تنكسر فلا أحد يستحق أن يكون فوق الجميع ولا مكان يستحق أن يكون نادي الوطنية، فمن هم الجميع وماذا عن وطنية الأندية الأخرى؟!
لقد وصلت الحماقة بعد اللعب بتلك الشعارات الكاذبة إلى الدفع برموز تاريخية في أتون هذا الصراع فترى من يحدثك عن سعد زغلول وجمال عبد الناصر وأنور السادات وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، هل هم أهلاوية أم زملكاوية، ليت الأمر بدافع الفكاهة أو الترويح أو الانفعال البريء، لكن بدافع الحنق والكيد والتغالب.
أترى تفاهة أكثر تفاهة من يجعل نكسة 67 بكل مراراتها نتيجة لأن قائد الجيش فيها كان زملكاويا؟
أترى أكثر حماقة ممن يتهم الأهلى بأنه نادى الماسونية وأن سعد زغلول كان أهلاويا لأنه ماسونى؟
وما معنى أن يقحم اسما أم كلثوم وعبد الوهاب؟!
ليت هذا جاء من جانب جماهير الدرجة الثالثة، بل من إعلاميين وكتاب وصحفيين وشخصيات عامة يفترض أنهم مثقفون
لكن ياللحسرة.. هل تغنى الثقافة عن الحماقة؟!
والله ما أغنت وتساوى فيها الجاهل والعالم واستوى فيها الكبير والصغير فربما كان المثقفون في الإعلام والصحافة، هم الذين يأججون نيران الفتن في المجتمع ويزودونها بالوقود اللازم من التعصب البغيض، وزاد أن دخل اللعبة نجوم كرة كانوا أمثلة في البلطجة والحماقة لا يفتأون يثيرون الجماهير ويأججون نارها
ضد من؟!
ولمصلحة من كل هذا العكار الذي يصيب المجتمع المصري مع كل بطولة بين الأهلى والزمالك؟!
أعود فاتهم النظام الكروى كله بأنه نظام فاسد يتبع منظمومة أخلاقية فاسدة خاضعة لسيطرة السماسرة وفسدة الإعلام الرياضي الذين يجنون الأموال الطائلة من وراء هذه القطبية الشديدة بين الأهلى والزمالك، فما دام هذا الناديان مسيطرين على مقدرات الكرة المصرية ولم يفلت منهما الدور أو الكأس إلا لمما طوال عمر البطولتين، فلا فائدة في أى نشاط رياضي.
فأول خطوات الإصلاح الرياضي الحقيقي لعبا وخلقا، هو الخروج من هذا الاستقطاب الكرويه بين الأهلى والزمالك وتحولهما إلى كيانين مقدسين في نظر أتباعهما، ولابد العمل على إعطاء الفرص لبقية الأندية الأخرى للتنافس لتقل حدة هذا الاستقطاب.
ولا مفر من منع انتقال اللاعبين بالأندية الأخرى، الذين يظهرون مهارات ويلفتون الانتباه، فلا يتم السماح بخطفهم لصالح الأندية الكبرى لاسيما القطبين العجوزين، فإذا ظهر على لاعب في الإسماعيلي أو المقاولين أو المحلة أو الاتحاد أو أي منها، فسرعان ما يستقر به المقام أما في الأهلى أو الزمالك، وإذا خرج لاعب موهوب من أي منهما فتراه حديث الصباح والمساء وتكاد تحدث ثورة حارقة مارقة في البلاد، نتيجة انتقاله من أي منهما إلى أي ناد آخر، فإنهاء هذه القطبية هو أو إصلاح كروى حقيقي ولتعد الأندية الأخرى للمنافسة.
أين المحلة؟!.. أين الترسانة؟!.. أين الاتحاد؟!.. أين الإسماعيلي؟!.. أين كل الأندية التى ألحقت بكلا القطبين هزائم مريرة لم تزل مذكورة بوضوح في ذاكرتهما؟!.
فالخروج من هذه القطبيه هو أول خطوة حقيقية نحو هذا الإصلاح وإلا فلا إصلاح ولننتظر نتائج تربية أجيال على التعصب الكروى الذي سينتقل حتما إلى بقية أنواع التعصب، فلا تكن قصير النظر وتظن أن التعصب يقتصر على مجال واحد ولا تتعامى عن أن البيئة التى تنتج التعصب الكروى يمكن أن تنتج التعصب الطائفي، فالبيئة واحدة والتربية واحدة وقصور العقل واحد!.
لكن ألا تذكرك هذه القطبية باسم (سيد قطب) المنظر الأساسي لفكر كل جماعات الإرهاب التى عانينا ونعلانى وسنعانى منها؟!
إنها النظرة نفسها تجاه الآخر ونسب كل كل خير إلى الجماعة التى تنتمى إليها وإلصاق كل شر بالآخرين مع الإيمان بحتمية الإقصاء وممارسة التجهيل واتنهاء بـ (التكفير الرياضي) ليكون مقدمة لتكفيرات أخرى!.
عد فأرهف سمعك وأمعن نظرك واشحذ ذهنك، سترى أبناء سيد قطب بوجوه كروية، نقادا ولاعبين ومشجعين وحكاما ومعلقين، كلهم مدفوعين بنفس الحنق وهم يجلسون في المدرجات في الاستاد أو أمام الكاميرات في الاستديوهات التحليلية أو يمسكون بالأقلام في الجرئدة أو يتحكمون في الماوس في المواقع الإلكترونية، جميعهم تجليات للدوائر القطبية التى أنتجت التطرف ثم الإقصاء ثم التجهل ثم التكفير ثم الإرهاب لأنهمجميها يشربون من حوض واحد قد ركد ماؤه وامتلأ بالطحالب، لكنهم فقدو القدرة على الشم والذوق فاجترعوا من الماء الآسن ما يسممون به الأبدان!.