بقلم : محمد حبوشة
يصف المخرج الفرنسي (موريس فيشان) فن التمثيل على أنه: (فن خلاق، كفن العازف، يستخدم الممثل من خلاله كل مفردات جسمه وصوته لنفس الغرض.. لينقل خيال الكاتب بصدق وبراعة.. إنه إنسان خلاق مبدع من خلال أدواته ولغته الخاصة إذا عرف كيف يستخدمها)، لكن علماء النفس يربطون ما بين الممثل وحالته السيكولوجية، ومنهم من جعل من الجنون الرمزي صفة لازمة له، باعتبار أن الفن (هروب من الواقع) وأن الممثل غالبا ما ينسلخ عن شخصيته لكي يندمج في شخصية أخرى، ويسمي البعض ذلك التمثيل بالحالة المرضية الناجمة عن أمراض العصابية والانفصام التي ترتبط بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فهل هذا هو الممثل حقا؟.
والإجابة عند ضيفنا في باب (بروفايل) لهذا الأسبوع الفنان الكبير والقدير (محمود الحديني) عبر مسيرته الفنية في المسرح، ومن خلال ما قدمه من أعمال تؤكد أن التمثيل حالة مرضية مشيرا في أكثر من حديث له إلى أن أهمية الممثل لا تكمن أهمية الممثل في تقديمه للمسرحيات فقط، بل هو العنصر الوحيد في العملية المسرحية الذي لا يمكن تجاهله أو الاستغناء عنه، وهو أيضا العنصر الذي يتحمل فشل المسرحية أو نجاحها، نعم تفشل المسرحية إذا حاول الممثل تجاوز دوره، كأن يضيف عليه أشياء من عندياته تسيء إليه، وتشتت الجمهور عنه، أو عن الأدوار الأخرى إذا حاول أن يقوم بأداء حركات وإيماءات وإشارات معينة أثناء حوار للممثل الذي يقابله في الحوار المشهدي.
الصمود والاجتهاد
محمود الحديني، واحد من أولئك الممثلين الذين يعملون بتكنيك خاص من خلال لحظات موحية تتطلب الصمت أو التركيز لجذب انتباه الجمهور ومن الممكن بأفعال كهذه تدميرها، إن أي تصرف للمثل خارج عن السياق العام للمعنى أو أية لفظة أو حركة مفتعلة لا معنى لها تشير إلى أن الممثل فوق خشبة المسرح لا يدري ماذا يفعل بالضبط! .. ينطبق مثل هذا القول على حرفية المسرح العربي، فمن المؤسف حقا أن بعض المخرجين العرب إن لم يكن غالبيتهم، لا يجدون الآن مثل (الحديني) القادر على الصمود والاجتهاد في أداء الأدوار الصعبة لأسباب كثيرة منها: عدم وجود فرق مسرحية دائمة ومستمرة في الكثير من الدول العربية، إلى جانب عدم وجود إنتاج دائم يستطيع الممثلون من خلاله تطوير أنفسهم ومهاراتهم التمثيلية من خلال الأدوار المختلفة والمتنوعة، علاوة على افتقار عدد كبير من الممثلين للثقافة الدرامية السليمة أو الأكاديمية المنهجية.
يدرك الحديني كعملاق لفن التمثيل المسرحي، إن عملية اختبار الممثلين الآن هى عملية عشوائية وغالبا ما تسند الأدوار الكبيرة تبعا للأسماء المعروفة أو الكبيرة، وليس تبعا للقدرات والمهارات الفنية مما يخلق حاجزا بين الممثلين المبدعين والممثلين الذين يفتقرون إلى الحرفية الحقيقية في جانب التعبير، فالممثل من وجهة نظره لابد أن يكون لديه موهبة وقدرة على الأداء بطريقة احترافية، وهذا لايتأتي إلا عن طريق التدريب والمران المستمرين على عدة أشياء من أهمها فن الإلقاء، وإخراج الصوت، ورشاقة الجسم (اللياقة البدنية الخاصة بالأدوار الحركية والاستعراضية)، والعمل الجماعي، وصناعة الماكياج والأقنعة، إلى جانب ضرورة اكتساب اللياقة الداخلية من خلال المخرجين الذين يعمل معهم أو من خلال المتخصصين، أو من خلال دراسته الأكاديمية لتلك المفردات والعناصر التي تعتبر مهمات مميزة في عالم التمثيل الشمولي.
أستاذ فن الإلقاء
ومما لاشك فيه أن (محمود الحديني) عاشق المسرح القومى، وأستاذ فن الإلقاء، و(أيقونة الإلتزام)، وهو العملاق المبدع الذى يعد نموذجا للفنان الجاد والمترفع عن كل ما هو ساقط أو دون المستوى، والذى عشق المسرح فتجلى عشقه فى ملامحه و أدواره فاحترمه الجمهور و عاش حياته يقوم بدور الأخ الأكبر لكل فنان سواء من كان يشاركه فى العمل الفنى أو من خلال مسؤوليته الإدارية و الفنية فيما بعد فى المسرح القومى أو البيت الفنى للمسرح، والحق يقال أن (الحدينى) كان و لايزال هو الفنان الرائع بمعنى وحق الكلمة، كما أنه يعد أحد عمالقة المسرح المصرى الذين عاشوا بيننا وأسعدونا بفنهم الجميل على مدار سنوات طويلة بعد أن استطاع أن يحفر اسمه بحروف من نور فى تاريخ المسرح المصرى والعربى أيضا، وذلك بفضل براعته فائقة الجودة والنظير فى مجمل أعماله المتنوعة، سواء فى الدراما التليفزيونية أو على الشاشة الكبيرة.
والحديني هو أحد أبناء الزمن الجميل الذي لا نزال نستمتع بعرض أعماله القديمة التي شارك بها خلال مشواره الفني الطويل، وقد ولد الفنان القدير محمود الحديني، في محافظة دمنهور، وكان والده يعمل موظفا في السكة الحديد، وكان محمود طفل مدلل جاء بعد ثلاثة بنات، فيصبح هو المفضل لدى والدته، ويقول عن طفولته: (طفولتى المبكرة كانت سعيدة جدا، كنا نعيش فى دمنهور، وكان والدى ناظر محطة سكة حديد الدلتا، كنت ولدا وحيدا جئت بعد ثلاث بنات، وطبعا كنت (مدلع) من الجميع، كان أخوالى وأعمامى يعملون فى هيئة القطارات تحت إدارة أبى، ولا ينقطعون عن زيارتنا ومجاملتنا، وكان سائقو القطارات يصطحبونى فى رحلاتهم بالقطار مجاملة لأبى ناظر المحطة، وفجأة توفى أبى وعمرى 7 سنوات، لتتبدل حياتنا فجأة، وأعرف معنى الجحود فى هذه السن المبكرة، فلا زيارات من الأهل، ولا أحد يطرق بابنا، الجميع اختفوا حتى أقرب الأقارب، ولم يكن لأبى معاش، وميراث أمى حرمه منها أشقاؤها كعادة أهل الريف، ورغم ذلك كانت أمى قوية فتحملت المسئولية، واستطاعت استكمال بناء شقتين فوق بيتنا، وقامت بتأجيرهما، لتستمر الحياة.
موهبة الرسم
ويضيف: فى مدرسة دمنهور الإعدادية ظهرت موهبتى فى الرسم، وكان مدرس الرسم يقيم لى معارض خاصة، وشاركت فى افتتاح مرسم المدرسة مع وزير التربية والتعليم وقتها كمال الدين حسين، وفى هذا اليوم لفتت موهبتى الأنظار لدرجة أن مدرس الرسم بمدرسة عمر مكرم الثانوية قال لى إنه ينتظرنى بعد الإعدادية ليرعانى فنيا، وفي هذا الصدد يقول: المدارس الحكومية على أيامنا كانت نموذجية فعلا، تهتم بالهوايات الرياضية والفنية والأدبية مثل اهتمامها بالدراسة، وتشجع المواهب وترعاها، وفوق ذلك، تقدم لنا وجبات ساخنة متكاملة يوميا.
كان (محمود الحديني) منذ صغره يعشق الفن ولكنه كان يصب كل اهتماماته على التعليم والدراسة، وكانت موهبة الرسم حافزا مهما له في مقتبل حياته قبل التمثيل، ولكن نظرا لأنه كان رئيسا لفريق التمثيل وقد تعرف بالفنان أحمد عبد الحليم مشرف المسرح المدرسى، وكان معجبا بموهبته، وعلى الرغم من ذلك فبعد الثانوية العامة تقدم للالتحاق بكلية الشرطة، لكنه رسب لضعف النظر، فتقدم للفنون الجميلة، وحينما تأخرت نتيجة القبول، استمع لنصيحة صديقه أحمد عبد الحليم وتقدم لمعهد الفنون المسرحية، ومن لحظتها قرر الالتفات إلى موهبته التي طالما كان يحلم بها، ولكن كان في هذا الوقت من الصعب الالتحاق بمعهد الفنون إلا إذا كنت تمتلك موهبة فريدة من نوعها، لذلك كان محمود لديه شك في القبول.
المهم ذهب محمود إلى اختبارات معهد الفنون وكانت اللجنة مكونة من عظماء الفن المصري وهم الفنانون (حسين رياض، عبد الرحيم الزرقاني، نبيل الألفي)، وقام بتقديم مشهد وتفاجأ بعدها بفترة بحصوله على المرتبة الأولى ضمن قائمة مكونة من 11 طالب، وقد تم قبولهم من ضمن 250 طالب تقدم للالتحاق، وشعر وقتها الحديني بحجم موهبته الكبيرة التي وجد أنه يجب أن يلتفت إليها ويهتم بها، وكانت المفاجأة الأخرى أنه تم قبول الحديني في كلية الفنون الجميلة ولكنه فضل إكمال طريقه في معهد الفنون المسرحية.
المرتبة الأولى
خلال فترة دراسته في المعهد العالي للفنون المسرحية، حرص الفنان محمود الحديني على إصقال موهبته واكتساب الكثير من الخبرة التي تؤهله ليصبح واحد من أهم نجوم الفن والدراما، وبالفعل تمكن خلال فترة الدراسة التي استمرت على مدار أربع سنوات الحصول على المرتبة الأولى على دفعته، والحصول على مكافأة شهرية، بالإضافة إلى إعفائه من المصاريف الخاصة بالمعهد لتفوقه، وكانت كل تلك الأشياء من أهم الحوافز التي جعلت من محمود فنان مبدع من نوع فريد ليس له بديل أو مثيل، وبعد ذلك تم ترشيح محمود الحديني ليقوم بأول عمل سينمائي له في الفيلم العربي الشهير (الباب المفتوح) مع الفنانة الجميلة فاتن حمامة، والفيلم من بطولة صالح سليم.
ولمشاركته في هذا الفيلم قصة كانت هى بمثابة بداية اكتشاف موهبة الحدينى الفنية حينما كان يشارك فى النصف الأول من الستينيات فى عرض مسرحى على مسرح الجامعة، وبالصدفة البحتة شاهده المخرج الكبير (هنرى بركات) و قال له: أريدك أن تأتى غدا بمكتبى فى عمارة الإيموبيليا، و ذهب الحدينى بالفعل فى الموعد المحدد حيث كان يعتقد أن بركات سيتحدث معه بخصوص تطلعاته الفنية أو سيجرى له اختبار ليرى فيه قدراته، ولكنه فوجئ بوجود سيدة الشاشة العربية الراحلة (فاتن حمامة) التى استقبلته بترحاب شديد وأزالت عنه رهبة اللقاء وربما كان هذا سببا فى عدم خوف الحدينى من مواجهة أى نجم أو نجمة فى بداية حياته وكانت المفاجأة الكبرى حين رشحه بركات لدور شقيق فاتن حمامة فى فيلم (الباب المفتوح) وهو الأمر الذى فتح الطريق أمامه لعالم النجومية، وحصل الحديني وقتها على اهتمام من الجماهير نظرا لبراعته في تقديم الدور ولوسامته التي لفتت أنظار مئات المعجبات، ومن هنا بدأت شهرة محمود الحديني تزداد سواء في الدراما أو في السينما، وحصل بعدها على عدد من الأدوار المهمة.
زواجه من نادية رشاد
أثناء فترة دراسته بالمعهد، تعرف الطالب المتفوق محمود الحديني على واحدة من زميلاته في المعهد، وكانت فتاة جميلة هادئة الطباع، ولكنها تتمتع بموهبة لفتت أنظار الجميع، وتكونت بينهما قصة حب كللت بالزواج السعيد، فكانت علاقة الفنان محمود الحديني بنادية رشاد التي أصبحت واحدة من أهم نجوم الدراما من أبرز علاقات الحب والزواج في الوسط الفني، ظل كلا من الحديني ونادية رشاد يعيشان قصة حب كبيرة، ولكن بدأت الأحوال تتغير من حين لآخر، حيث بعد ولادة أبناء الحديني وهما (بسام ونجلاء)، بدأ يطلب من زوجته ترك المهنة والتركيز على مهمتها الأساسية وهي تربية أولادهما ورعاية المنزل، ولكن كانت نادية عاشقة للفن والتمثيل ولم تقدر على تلبية طلب زوجها، ثم بدأت الخلافات تزداد واستمرت لسنوات، حتى قررت نادية الانفصال عن زوجها، ولكن لا يزال كل طرف يقدر الطرف الآخر ويحترمه، ولا يزال الحديني يتحدث عن نادية بكل حب واحترام.
بعد سنوات عديدة قضاها الحديني يقدم الكثير من الأعمال الفنية الرائعة، وبعد ظهوره في أكثر من عمل درامي لا يزال تارك بصمته في قلوب المصريين، ابتعد الفنان محمود الحديني عن الساحة الفنية، وكان السبب الرئيسي وراء ذلك هو انشغاله بعدة مناصب تخص المهنة التمثيلية، ففي البداية عين محمود كرئيس لفريق المسرح، ثم تم تعيينه في عدد من المناصب الإدارية الخاصة بالمسرح، مما أبعد ه عن مهنته الأساسية وهى التمثيل، ومن بعدها لم يشارك الحديني في الكثير من الأعمال الفنية الخاصة بالجيل الجديد، وقد صرح بأسي في أحد لقاءاته الفنية أن عدد كبير من أبناء جيله لايحصلون الآن على الأدوار التي تليق بهم، لذلك يفضلون البقاء بعيدا عن عدسات الكاميرا، كما أنه يرفض تنجيم شخص معين على حساب مجموعة كاملة من الممثلين مثلما يحدث الآن، فعلى الرغم من بداياته الفنية المبكرة إلا أنه مقتنع بهذا المبدأ منذ أن كان ممثل مبتدئ.
ليالى الحلمية
نجح (محمود الحديني) فى لعب أكثر من شخصية، فأظهر قدرة فائقة على التلوين فى الأداء التمثيلى، فهو صلاح فى (هى والمستحيل)، وامرؤ القيس فى (شعراء المعلقات)، وحسن شاه فى (جمال الدين الأفغانى)، ومطاوع فى (الراية البيضا)، وعمر البحيرى فى (ليالى الحلمية)، ومنذر فى (الإمام النسائى) وغيرها من الأعمال المهمة التى شكلت تاريخ الدراما التليفزيونية المصرية مثل مسلسلات (لسه بدري، سنوات الحب والملح، العشق الإلهي، الطبري، ريش على مفيش، هارب من الأيام، الشارع الجديد، بلاط الشهداء، البركان الهادئ، المصراوية، الفارس الأخير، أبناء في العاصفة، حدائق الشيطان، هي والمستحيل، موسى بن النصير، ذات النطاقين، شعراء المعلقات، زوجة رجل طموح).
ورغم بدايته السينمائية شارك (الحديني) فى بعض الأفلام القليلة مثل (الباب المفتوح، اللهب، السيرك، ثمن الحرية، الابن المفقود، أمير الدهاء)، لكنه ترك بصمته الخاصة في عدد من المسلسلات الإذاعية، من بينها: (الفاتنة وسائق التاكسي، نداء الفجر، أمواج البحيرة، وفية والزمن، وصية أب، الأم، الغريق، البحث عن زبيدة، جبال النار، أرض الجزيرة وفوق الجراح)، وبعدما أصيبت السينما بنكسة كبيرة بعد نكسة 1967، اتجه للمسرح الذي قدم له أعمال عظيمة، مثل (كوبري الناموس، الكراسي الموسيقية، لمعان السراب، السبنسة، أغلب النساء يفعلن هذا، وضاع الحب، المحروسة، ولادك يا مصر، جلجامش) ليقدم من من جديد مسرحيات (ولاد اللذينة، زوجته الثانية، في عز الظهر، قلوب مؤمنة، حلاوة زمان).
وقف أمام الكبار
وقف الحدينى أمام عمالقة التمثيل وتعامل مع كبار الممثلين و المخرجين و المؤلفين كـ (حسين رياض و محمود المليجى و أمينة الصاوى وأحمد طنطاوى)، الذين يتذكرهم بمزيد من الحسرة والأسى على ما أصاب الأعمال الدينية و التاريخية، فقال في حديث إذاعي له: إذا كنا نواجه أزمة مادية تحول دون إنتاج هذه الأعمال فلا سبيل لدينا سوى الإنتاج المشترك مع دول مثل السعودية و الكويت و الإمارات لإنتاج أعمال دينية و تاريخية، ولكن أن يبقى الوضع على ما هو عليه فالأمر كارثى فللأسف الشديد الدراما فى السنوات الأخيرة شوهت المجتمع المصرى.
وأضاف الحديني بنبرة حزن شديد يكسوها الألم والمرارة: أنا كفنان ومواطن حزين جدا إذ كنت شاهدا على عصر الدراما الجميل تلك الدراما التى مازالت تعيش فى وجدان الناس كمسلسل (هى و المستحيل) مع صفاء أبوالسعود و الراحل مجدى وهبة، فهذا المسلسل تناول قصة فتاة غير متعلمة تواجه التحدى و تقرر أن تتعلم و تحصل على أعلى الشهادات و تنجح فى ذلك و هذا المُسلسل ترك أثرا عميقا فى المُجتمع المصرى و شجع عددا كبيرا من الفتيات على التحدى و الإصرار على النجاح.
الحديني قال أيضا أن غياب دور جهات الإنتاج فى الدولة فتح الباب لشركات الإعلان فرصة التحكم فى الدراما، وهذا فى حد ذاته كارثة أن تتحكم الجهات الإعلانية فى الدراما والذوق العام للجماهير وهذا ما شاهدناه ونشاهده بوضوح فى دراما رمضان منذ عدة سنوات وإلى الآن، وللأسف الشديد الأعمال الدينية ليست فى أجندة الشركات الإعلانية التى تلهث لتقديم أعمال جذابة ومثيرة تخلو من مضمون حقيقي على حساب القيم و الأخلاق.
أهلاً يا بكوات
أما بخصوص المسرح فقد أوضح الحدينى بأن الدنيا قد تغيرت فاهتمامات الناس الآن قد توجهت للدراما التليفزيونية، وأضحى الجيل الجديد منصرفا تماما عن المسرح وكان من قبل شغوفا به، كما أن مسرح الدولة يتعرض للإهمال الشديد وقد عاصرت الزمن الجميل للمسرح وكنت شاهدا على العرض المسرحى (أهلاً يا بكوات)، وللأسف أصبح من الصعب الآن إنتاج أعمال على هذا المستوى رغم محاولات مسرح الدولة فى مواجهة الأزمات التى عصفت بأبو الفنون عقودا!.
واقترح الحدينى بأن يكون الفن المسرحى مادة أساسية في جميع مراحل التعليم الأساسية فى كل البلاد العربية، مؤكدا أن المسرح المدرسى هو الذى فجر الكثير من الطاقات الإبداعية إلى جانب أنه جعل من لا يجيد الفن متذوقا له، إضافة إلى دوره المهم في الانطلاق نحو آفاق المسرح الاحترافى، مؤكدا أن الفن و الثقافة يمثلان (القوى الناعمة) وخط الدفاع الأول ضد الإرهاب ما يحتم علينا دعم هذ القوى كى تكون متواجدة باستمرار إلى جانب جهود الدولة، كما ذكر الحدينى فى لقاء فضائى له منذ عدة أعوام أنه وبلا أدنى شك فإن عصر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كان بحق عصرا جميلا رغم بعض السلبيات التى انتابته.
كما أكد الحدينى أنه لازال يحلم بتجسيد أى دور يعبر عن حقيقة الشخصية المصرية فقال: أنا مصرى حتى النخاع عاصرت الشخصية المصرية الحقيقية الطبيعية سنوات الاضمحلال و هبوط مستوى الدراما يعبر عن هبوط الشخصية المصرية بشكل عام فهى ترمومتر القياس الإجتماعى بلا جدال، وأكد بأن الإبداع و الفن الراقي هو المتنفس الوحيد فى مواجهة الأزمات التى تعانيها الشعوب، لكن ذلك مشروط بتقديم الأعمال الراقية التى تعبر عن آلام وآمال تطلعات الشعوب، ومن هنا شدد على ضرورة تقديم تلك الأعمال الفنية الإيجابية التي تسهم فى منح دفعة إيجابية إلى الأمام لتحقيق ما هو أفضل دائما بعيدا عن الإسفاف.
أشهر أقواله:
** قرارات التأميم في العهد الناصري حرمتني من النجومية السينمائية، والفنان شكري سرحان كان السبب في ابتعاده النهائي عن السينما.
** كثير من كتاب ومخرجي الدراما الكبار (اتركنوا) وأصبحوا خارج الدائرة، وهذا يشبه أسلوب الإقصاء الذي مارسته ثورة يوليو ضد كل ما تم في العهد الملكي.
** السبب في اختفائي هو تغير المصدر الأساسي للدراما والذي كنا نعتمد عليه، وهو التلفزيون المصري، بعد توقف إنتاجه، وهو الذي كان يقوم بإنتاج الأعمال التي نشارك في تقديمها وكانت أعمالا درامية مميزة وبمثابة (ماركة مسجلة) للمحطات العربية.
** لم يكن لي أي صدامات مع السلطة، ولكني كنت حريصا جدا على أن تكون لي رؤية معينة لعملي في الأماكن التي توليتها بداية من إدارتي لمسرح الطليعة والمسرح الحديث وكرئيس للمركز القومي للمسرح ثم رئيس البيت الفني للمسرح حتى تكون المواقع مجددة لنفسها.
** لا شك أن للسياسة تأثيرا كبيرا على الفن كما أن الثقافة والفنون جبهة مهمة للارتقاء بالمنظومة السياسية، لأنه لا يمكن أن تمارس سياسة بعيدا عن المجتمع بكل ما فيه من ثقافة وفنون وحياة اجتماعية، ومن ثم هما جناحان مهمان جدا.
** الإنتاج الفني الحالي للأسف لا يمس القاعدة العريضة ولا يعبر عن مشاكل المواطن المصري ولا العربي، وكلها تقريبا قضايا قريبة الشبه مما تقدمه السينما من مشاهد الضرب والأكشن.
** نجاحي في (مأساة جميلة) على المسرح هو الذي مهد الطريق للمشاركة أمام فاتن حمامة في فيلم (الباب المفتوح)، ولا أنسى أبدا ذكريات هذا الفيلم مع فاتن حمامة وهنري بركات ووحيد فريد مدير التصوير ومعنا محمود مرسي وحسن يوسف وصالح سليم وكلهم نجوم كبار.
** الحمد لله أشعر بالرضا وقد كرمتني بلدي أكثر من مرة، وكنت سعيد الحظ بالتكريم في بداياتي فحصلت على جائزة الدولة التشجيعية، ثم وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى من الرئيس حسني مبارك.
** ما أتمناه بعد هذه الرحلة الطويلة أن يختارني الله إلى جواره وأنا بصحتي، و(واقف على رجلي) حتى لا أحمل أبنائي معاناتي في حالة مرض الموت.
وفي النهاية لابد من تحية تقدير واحترام للفنان القدير (محمود الحديني) صاحب التجربة العريضة في التمثيل، فمن منا لايتذكر هذا الممثل القدير، صاحب الأداء الراقي والصوت المميز واللذين وضعاه فى مكانة خاصة لم ينافسه فيها أحد، فترك اسهامات كبيرة فى مجال المسرح والإذاعة، وترك بصمة مميزة فى مجال الأعمال التليفزيونية رغم قلة عددها، وهو الذى كان مديرا لمسرح الطليعة، ثم المسرح الحديث، ثم المسرح القومى، ثم رئيسا للمركز القومى للمسرح، ثم رئيسا للبيت الفنى للمسرح، وهو بالمناسبة يرى أن انشغاله بكل هذه المناصب الإدارية على مدى 20 عاما كان أكبر خطأ ارتكبه فى حق نفسه كممثل .. متعه الله بالصحة والعافية.