كتب : محمد حبوشة
نحن أمام عمل من نوع الرعب النفسي إذا صح التعبير، وليس الرعب بالمعنى المتداول، إلى كونه دراما تشويقية تحمل طابعا رومانسيا تعود إلى فترة الثمانينيات من القرن الماضي حيث الطبيعة الفطرية للبشر، عبر مسلسل (ملاك رحمة) الذي تدور أحداثة وشخصياته بشكل يبدو جديد على موضوعات الدراما الكويتية، حتى أن طريقة تناول الأحداث وتصاعدها يختلف كثير من حيث الشكل والمضمون عن السائد فيها حاليا، وفيه جانب مميز كونه يضيء على حقبة الثمانينيات وجمالياتها، وذلك من خلال شابة ظالمة ومظلومة، بريئة وقاتلة، ضحية ومجرمة وهى أيضا في نفس الوقت تجمع بين الملاك والشيطان.. هى باختصار عبارة عن كمية من التناقضات في جسد امرأة واحدة ربما حاولت شجون الهاجري أن توازن فيما بينها.
ظني أن شجون الهاجري ليست رائعة وبارعة في التمثيل فوق الوصف – كما جاء على لسان بعض الجمهور – الذي تحيز لها دون أدني تحليل ولو بسيط لكيفية تجسيد شخصية مركبة تحمل عدة تناقضات في آن واحد، ربما ليس ليس مطلوبا منها أن تكون نسخة سعاد حسني ولكنها واجهت تحديا كبيرا وامتحانا صعبا باختيار ممثلة مصرية تستطيع أن تضحكك وتبكيك في وقت واحد من خلال عيونها ووجهها المعبر للغاية على عكس (شجون) التي قد تكون جسدت الجانب التراجيدي جيدا كما ارتسم على وجهها وبشكل أقرب للأداء الصحيح نظرا لملامحها القاسية، لكنها فشلت بالتأكيد في رسم ابتسامة سعاد العذبة ورشاقتها وخفة الحركة التي تمتعت بها في أدائه العذب النقي.
وتعرضت شجون الهاجري لانتقادات من الجمهور ومتابعي العمل؛ بسبب ظهورها مرتدية بدلة رقص، وترقص على أنغام أغنية (بانو بانو) للفنانة الراحلة سعاد حسني، وأنا مع منتقدي هذا المشهد خاصة أنها فشلت كممثلة في التحول من الفرح والحماسة إلى الحزن على طريقة الراحلة الكبيرة التي كانت بمثابة روح تسري لا ممثلة تؤدي دورا في أي فيلم، حتى وإن حاولت (شجون) تقليد (سعاد) بأن انتهى بها المشهد وقد رمت نفسها على السرير وهى تبكي بافتعال لا يعبر آلام وأحزان الشخصية، في مسلسل حاول مؤلفه أحمد العوضي، ومخرجه محمد جمعة، وإنتاج شركة إيغل فيلمز للمنتج جمال سنان، تحقيق قدرا من الإثارة في 10 حلقات.
أستطيع القول بأنه بعد مشاهدتي لعدة أعمال عربية على بعض المنصات الرقمية العربية مثل (شاهد) في الفترة الأخيرة، أننا نفشل تماما عندما ننسلخ عن قضايا مجتمتعتنا ونلجأ إلى تقليد الغرب في مسلسلاته من خلال أعمال تشكل – بحسب البعض – موجة من الأفكار الجديدة والخيارات الفنية التي تتجه نحوها الدراما الخليجية هذه الأيام ، وهى (فورة) الدراما المنتصرة لعناصر العنف والإثارة ، وقصص الجرائم والخارجين عن القانون، والتي أصبحت مادة غنية بالنسبة لهم، في ضوء خروجهم الملحوظ مؤخرا عن أجواء التراث وقصص الكوميديا والضحك التي لطالما كانت العنوان الأبرز للعديد من الأعمال الخليجية على مدار السنوات الماضية.
يرجع الكثيرون ذلك إلى التحول المفاجئ في ذوق الجمهور، الذي لم يفلت من تأثير موجة العنف التي اجتاحت المساحات ومنصات العرض الرقمية، وسحبت الدراما العربية في طريقها أيضا، وهنا لابد أن تبرز لنا العديد من علامات التعجب، وأسئلة كثيرة تحوم حول هذا التحول في الاتجاهات الجديدة التي تبنتها الدراما مؤخرًا ، والهدف من إنتاج هذا العدد الهائل من المسلسلات التي تفيض بمشاهد عنف ودماء ومشاكل نفسية، في وقت يتواجد فيه معظمنا لا يزالون يعانون من عواقب العزلة المنزلية وتداعيات جائحة (كوفيد 19).
ويبرز سؤال آخر جدير بالإجابة: هل هى إملاءات نفسية لـ (كورونا)؟، أم هو مزاج الأطراف المنتجة التي تتحكم في رأس المال، وتسعى بيأس إلى تكريس منطق التجديد لإشباع عطشها برفع نسب المشاهدة وتحقيق المزيد من الأرباح؟، وظني أنه في كلتا الحالتين، بشكل عام، ينبغي أن يتم التقليل من تأثير هذه الأعمال على المشاهد العربي، كما يجب التقليل من أهمية رسائلها على المجتمع، والتي تتجاوز رهانات الربح والخسارة، وفي مقدمة هذه الأعمال الدرامية التي غزت الشاشات بعد أن سيطرت بالطبع على منصات العرض الرقمية، وتم تسويق محتوياتها بلهث غير معهود في العرض، مسلسل (ملاك الرحمة) الذي ينتمي إلى دراما الجريمة والغرابة، النفسية والتي قدمتها شركة الإنتاج بعبارة مضحكة نصها (لأصحاب القلوب القوية).
لم تقنعني أبدا (شجون الهاجري) بأدائها الافتعالي – بعض الوقت وليس كله للأمانة – والذي يقترب إلى حد كبير من أداء الممثلة المصرية (دينا الشربيني)، كما تبدو ملامحهما متقاربة معها من حيث تشريح الوجه ولغة الجسد، لم تقنعني بأدائها الذي يخلو من حرارة في بعض المشاهد تقوى على رصد التطورات عن حياة (رحمة) التي تعيش أحلامها الوردية وتحققها من خلال الغوص في مخيلتها مع نجمات الزمن الجميل (سعاد حسني، شادية، سعاد عبد الله، فاتن حمامة، عمر الشريف، أحمد رمزي) وغيرهم لتبني عالمها الخاص، هربا من التعنيف والقسوة اللتين تتعرض لهما، وهى تعمل كممرضة في إحدى المستشفيات، وتعيش حبا من طرف واحد مع شهاب، ولديها صديقة مقربة تعمل معها أيضاً في المستشفى نفسه.
كما أنها أحبطت كل محاولاتها في أن يحمل خطها الدرامي الكثير من المفاجآت، إلى جانب شخصيات أخرى تظهر تباعا، ولم تحمل الأحداث صدمات مستمرة تبقي المشاهد متنبها ومنتظرا للحدث التالي، رغم أن سلسلة الجرائم لا تتوقف، ومن جهة أخرى تظهر أحداث غير متوقعة فتتجه أصابع الاتهام إلى رحمة.
توفرت العديد من الأسباب التي كانت كفيلة بسخونة الأحداث، لكنها جاءت بإيقاع ممل حتى أنني أكملت الحلقات بشق الأنفس جراء برودة إحساس (شجون) في جعل (رحمة) تهرب من حقيقتها عن طريق الرقص وتقليد الفنانين والمطربين فما تزال بداخلها طفلة، وأنثى حالمة بالفنانات (سعاد عبدالله وسعاد حسني) وكل من ينتمين لتلك الحقبة الزمنية، وعلى الرغم من جميع تلك التناقضات في شخصيتها، إلا أن لمسة المؤلف الرومانسية لم تكن حاضرة في الكثير من المواقف والتصرفات التي كانت تعيشها وتتعرض لها بطلة العمل، فمن الحلقة الأولى كنا أمام مجموعة نساء اجتمعن في جسد إمرأة، (رحمة) التي تحب زميلها في العمل الموظف (عبدالله عبدالرضا / شهاب) وهو كان يستغلها، لكنها فشلت في التعبير الصداق عن ذلك الحب الأعمى، أو الحب من طرف واحد، رغم أنها حاولت طوال الوقت أن تكون طوع أوامره.
على أية حال لم يرق لي مشهد (ماستر سين) خلال حلقات العمل الـ 10، بحيث يكشف عن نجاح العمل بقدر ما برزت لي عدة مشاهد تأتي تحت بند (ماستر سين) إفشال العمل، وقد ترددت كثيرا في الاختيار حتى قررت التوقف عند مشهد الفيديو الذي يظهر تورط (رحمة) في عدة جرائم قتل في الحلقة الأولى وهى تحاول أن تصدر لنا مبررات تحولها لقاتلة، والذي يؤسس لفشل زريع في الأداء من جانب شجون الهاجري في كثير من المشاهد التي أخفقت فيها، وجاء على النحو التالي:
على الرغم من الأجواء الصاخبة التي تشهدها جدران غرفة (رحمة) والتي تضج بصور رموز الفن المصري والكويتي في آن واحد، إلا أن مشاعر شجون بدت باردة ولم تقوى على إجراء حوار أدائي على نجو جيد، رغم أنها بين الحين والآخر تلامس تلك الصور الصامتة، لكنها فقد تذكرك بصخب وألق فن هؤلاء جميعا من نجوم الزمن الجميل.
ويبدأ المشهد بنظرة باردة من جانب المحقق على شريط الفيديو الذي يدين (رحمة) في اعترافاتها التي تنم عن اضطراب نفسي، وتظهر وهى تضبط زاوية الكاميرا نحوها عبر جهاز تليفزيون ينتمي لحقبة الثمانينات من القرن الماضي، ثم تتجه رحمة لتشغيل جهاز الكاسيت على أغنية راقصة.
على إيقاع أغنية (يارب اش ها الأذية)، تبدأ رحمة وصلة رقص في محاولة للتعبير عن معاناته من ظلم أبيها وعائلتها وجميع المحيطين بها كي تقدم تبريرا منطقية لأفعالها الشنعاء بصوت يخلو من أية جماليات تكسب الشخصية روحا خفيفية قائلة:
يارب اش هالأذية والله دوخت راس
ترى اعوذ الله من شرك يا ولد الناس
يارب اش هالأذية والله دوخت راس
تأدب يلا عاد ويا احد تراني أكرهك ياولد
وأنا فكرت أحبك أبد
تبع هالوي ما تعجبني هالأجناس
وعلى الرغم من رشاقة الكلمات واللحن إلا أن أداء شجون لم يكن صادقا بالمرة، بل اتسم بخفة وبلادة إحساس ظنا منها أنها قدمت عملا إبداعيا من نوع خاص، ولست أدري سببا واحدا لانبهار بعض الجمهور من هذا الأداء المفتعل وهى تحاول أن تجاري سعاد حسني في شخصيتها الآسرة في التعبير الغنائي مع خفة الروح التي تسري كالسهل الممتع في ثنايا أي شريط سينمائي تشارك فيه.
ينادي عليها والدها فتطفئ الكاسيت لترد عليه قائلا : هلا .. يلا يلا كاني .. الحين يايا .. ثم تنظر في عين الكامير قائلة : شوية وراجعة.
تستعرض الكاميرا صور مشاهير الفن المصري والكويتي من نجوم الزمن الجميل، وتذهب لاستعرض ملامح البيت من الخارج، وتعود الكامير إلى غرفة رحمة لتشير عقارب الساعة إلى مرور الوقت سريعا ، ويغلق الباب على صوتها وهى تصرخ : واي واي عيشة تقصر العمر.
لكن أداءها يميل إلى الجدية والبراعة أكثر حين تعود لغرفتها مفزوعة خائفة وتقوم بإطاحة أدوات تجمليها ثم تجلس على سريرها تبكي قائلة : تعبت .. ذهقت .. حتى التعب مني زهق .. تحل ضفائرها وتتجه للكاميرا وتحمل بطاقة في يدها: هذه بطاقة دوامي : اسمي رحمة .. ايدي تلف في حرير وقلبي تقطع شوك وهم .. أداوي الناس وما الاجي اللي يداوي جروحي .. اضمد جروحهم والجرح ساكن فيني .. تري باسوى المستحيل .. والله صعب .. أبي يصير حالي كحال كل الناس.
تشير بيدها إلى حائط صور ذكريات النجوم قائلة: بص لهادي .. بص لهادول ثم تتجه إلى الحائط تتلمس صورة سعاد حسني في محاولة لتلبس روحها ثم سعاد العبد الله وفاتن حمامة، وفي شجن تقول: أبي أحب وانحب .. ابي اتزوج اللي احبه ويحبني، وتضع يدها على صورة فاتن حمامة وعمر الشريف قائلة مثل فاتن حمامة.
تهبط على الأرض وتمسك بزجاجة مكسورة: هذا عطره اللي يحطه في الدوام تشمه في نشوة تمني ورجاء بأن يلتفت لها زميلها الذي تحبه .. ينتهى المشعد الذي بدت في أدائها الموندرامي أشبه لمشهد مسرحي جيد، لكنها أخفقت في كثير من مشاهد الحلقات العشر فيما بعد.