كتب : أحمد السماحي
عندما تستمع إلى ألبوم (نعمات) للمطرب الشعبي (حسني شريف) الذي نشأ فى عائلة فنية، لابد أن تتحسر على الزمن الحالي والغناء الشعبي فيه، وتتأكد أن معظم الأغنيات الشعبية الحالية لا علاقة لها بالفن من قريب أو بعيد، بل هى انحراف جدير بأن يواجه بكل حزم من جانب الفنانيين الحقيقيين ونقاد الفن، فما نسمعه الآن ليس له علاقة بالأغنية الشعبية التى كانت لها أسطوات ومعلمين مثل (محمد عبدالمطلب، محمد رشدي، محمد العزبي، محمد قنديل، حورية حسن، بدرية السيد) وغيرهم من عمالقة الغناء الشعبي.
فالأغنية الشعبية هى التى تعكس فكر وحياة الناس البسطاء فى كل مكان، وليس فقط فى الأماكن الشعبية، وتجسيد لعقل المجتمع وميوله الفكرية والأخلاقية، فهى إنتاج المجتمع كله من خلال أفراده المبدعين من الشعراء الذين يعبرون عنه.
وهذا المعنى وضح جدا فى أغنيات ألبوم (نعمات) للمطرب (حسني شريف) الذي صال وجال فى غناء كافة أشكال وألوان الغناء الشعبي فى الألبوم، لدرجة أنك بمجرد الانتهاء من الاستماع إلى أغنيات الألبوم لابد أن تعيد الاستماع إليه مرة ثانية، وثالثة، لتستمع بالغناء الشعبي وبأداء المطرب الرائع الذي طوع صوته لخدمة الأغنيات التى جاءت معبرة تماما عن الغناء الشعبي الشيك المليئ باللحن العذب الجميل الشجي، والكلمة البسيطة خفيفة الظل التى تعالج موضوعا اجتماعيا أو عاطفيا بشكل سلس وبسيط.
يتضمن الألبوم تسع أغنيات كتب ثلاثة منها الشاعر (حمدي عبداللطيف)، وهذه الأغنيات هى (يا حلو بنادي، وعلموه يقسى) ألحان محمد الأسواني، والثالثة (دمك خفيف) ألحان (مهدي خميس)، وكتب الشاعر (محمد ياسين قاسم) أغنيتين هما (تعيش وتاخد غيرها) ألحان وليد العقاد، و(أهلا بك) ألحان (حمدي حسني) الذي لحن أيضا أغنية (يا بيضا يا ألمظية) كلمات عوض الرخاوي.
وكتب الشاعر (نبيل مهدي) الأغنية التى تحمل اسم الألبوم وهي (نعمات) ألحان فاروق سلامه، وكتب سمير الطائر أغنية بعنوان (بيسألوني) ألحان الموسيقار(منير الوسيمي)، وكتب (أحمد أبوحمدون) أغنية (أتحدى البحر) ألحان محمد الأسواني.
من يستمع إلى أغنيات الألبوم سيجد أن (حسني شريف) سبق ابنه المطرب (تامر حسني) وجيله كله فى غناء الأغنية (الإيفيه) التى (دوشنا) شعراء هذا الزمن بأنهم أول من كتبوا أغنية (الإيفيه)، ففى الألبوم أغنية (إيفيه) متميزة بعنوان (تعيش وتاخد غيرها) وعندما نتوقف عند كلماتها تجد الشاعر (محمد ياسين قاسم) قدم موضوع اجتماعي عن علاقة حب لم تكتمل، ورغم عدم لكتمالها إلا أن الشاعر يطلب من قلبه التسامح والنسيان، وينصحه بالبحث عن غيرها ولا يغضب من الحياة، لأن فيها السيئ والجيد فتقول كلماتها:
تعيش وتاخد غيرها، وتحب يا قلبي غيرها
هو يعني مافيش فى الدنيا حلو غيرها
سامح يا قلبي وأنسى غدر اللي فى يوم ظلموك
الدنيا فيها الورده، وفيها برضوا الشوك
والدنيا فيها، وفيها، إياك في يوم تجافيها
هو بقي يعني مافيش فى الدنيا حلو غيرها
الدنيا فيها الدمعة وتلاقى الضحكة
لازم يا قلبي نسامح الناس مهياش ملايكة
وإن صدك قلب قاسي هتلاقي غيره حنون
طب ما أنت يا قلبي راسي، وده نظام الكون
(بالذمة سمعتوا أحلى من كده كلام، ولا أبسط من كده)، كلام مليئ بالرسائل الإيجابية، ودعوة لطي صفحة الماضي والحب القديم.
الحقيقة إنني كنت أتمنى أن أكتب كلمات كل أغنيات الألبوم حتى يعرف معظم شعراءنا الحاليين كيف تكون الكتابة المليئة بالرسائل التى تبنى الشخصية المصرية، ولا تهدمها.
ويواصل (شريف) رسالته العاطفية التى تدعو إلى التسامح، مهما كان حجم التضحيات التى فعلها من أجل الحبيب، فى أغنية ثانية بعنوان (علموه يقسى) كتبها الشاعر (حمدي عبداللطيف) وألحان محمد الأسواني يقول فيها (عم حسني) بأداء شجي جميل فيه صدق وعذوبة فى الأداء:
علموه يقسى علينا وراح مجاش
بالغالي يا ناس اشترينا، باعنا ليه ببلاش
بعد ما كان روحه فينا راح مجاش
يما هواه سقاه شربات، يما ادينا مقالناش هات
بعد العمر فى حبه مافات، عدى علينا ومعرفناش
يما سهرنا بنستناه حتى وهو فى عز قساه
وعشان بالغالي اشترناه، كان فى القسوة ما يتوصاش
هنعمل ايه فى المكتوب لينا، ده اللي جرالنا ماكان بإيدينا
راج ننسى حب اللي نسينا، والناس كده ما تعيدناش.
وجاءت كلمات أغنية (نعمات) التى كتبها بمهارة شديدة الشاعر (نبيل مهدي) غاية في خفة الدم والظرف واللطافة، وتحمل مفردات مليئة بروح ابن البلد الشعبي (الجدع خفيف الدم) الذي عاش قصة حب شريفة وعفيفة مع جارته فى حي (القلعة) وفجأة تركت الحبيبة حي (القلعة) وسكنت فى (بين السرايات) وعندما يشتاق إليها يذهب إليها في (بين السرايات) وفى نهاية الأغنية يدعوها للرجوع للسكن فى (القلعة) لأن الشقق فيها بدون (خلوات)، تعالوا بنا نسمع ونستمتع:
نعومة يا نعمة يا نعمات
يا حبيبتي يا طعمة يا شربات
مشاني هواكي يا نواعم م القلعة لبين السرايات
آه يا نعمة يا نعمات
من يوم ما سكنتي بعيد عني
والناس فى القلعة تقابلني وتنده وتلمح بالسيرة
واشتقلك ابتدي مشواري، وأجيلك على شوقي وناري
ومهما تعبت من السكة ما وقفش ولا فى الإشارات
مشاني هواكي يا نواعم م القلعة لـ بين السرايات
نعومة يا نعمة يا شاغلني، أيه رأيك تيجي حتتنا
وإسأل عني كل جيراني شوفوا هيقولوا ايه ع سيرتنا
والنبي هوديني يا نعمات وبلاش تسكني فى السرايات
هشوفلك شقة في حتتنا، والحي مافهوش خلوات
مشاني هواكي يا نواعم م القلعة لـ بين السرايات.
هذا مقتطفات بسيطة من أغنيات ألبوم (نعمات)، وهذا كان حال الغناء الشعبي منذ أكثر من خمسين عاما! وربنا يكون فى عون كل ما ليس لديه قديم يرجع إليه، ليعينه على ما نسمعه هذه الأيام.