(المذيع رضا عبد السلام)
بقلم : محمد شمروخ
كمستمع مغرم بالإذاعة المصرية عامة وإذاعة القرآن الكريم خاصة، فقد يسمح لي بأن أزعم أنه يمكن حسابي من طائفة الرادوجية المستمسكين بعهد الأذن، ولذلك سعدت بترديد اسم الإذاعي رضا عبد السلام واتساع دائرة جمهوره وانتباه من لم يسبق لهم معرفته إلى هذا الاسم، وما سعدت بخبر تعيينه مديرا لإذاعة القرآن الكريم إلا لكونه سب ترديد هذا الاسم في وسائل الإعلام.
فعلى الرغم أن الصدفة لم تجمعنى بالأستاذ رضا، إلا أننى أعرفه جيدا وأرى أنه إن كان لصاحب الاسم نصيبا من معانى مفردات اسمه وكما يقولون (كل اسم له في صاحبه نصيب) فإن رضا عبد السلام، تجسيد حى لاسمه فهو صاحب صوت رائق منسجم شجي ينساب في أذنيك في رضا وسلام وسكينة.
لكن – وكل لكن لها ما بعدها – أشد ما آلمنى هو طغيان الحديث عن تحد هذا المذيع لإعاقته أكثر من الحديث عن قدراته الإذاعية!
لكن لماذا آلمنى هذا؟!
لأن رضا يستحق ما هو أكثر من ذلك مع زملاء كثيرين له فيمن أهملناهم برغم حناجرهم الذهبية، ولأن فنون الأداء الصوتى هى من أصعب الفنون، فتوليه إدارة إذاعة من أكبر وأكثر الإذاعات العربية انتشارا وسماعا، ليست تكريما لأنها حمل ثقيل ونرجو أن يعينه الله عليه، وفوق ذلك فإنها وظيفة تخطع للقواعد الوظيفية المعتادة فلا تصلح قياسا للقيمة الحقيقية للمذيع، فالإدارة لا علاقة لها بتلك الموهبة الفذة في حسن الصوت والأداء.
كما أن هذه الإذاعة اختصاصها الأساسي هو تقديم ذوى الأصوات الحسنة من مقرئين ومذيعين ومنشدين وليس مديرين وموظفين يخضعون للوائح وقوانين ومنح مكافآت وتوقيع جزاءات وأخذ غياب وحضور ولعل الأمل أن يظهر المدير الجديد موهبة جديدة في فن الإدارة لهذا الصرح العظيم الذي يحمل على موجات الأثير، اسم أعظم الكتب السماوية.
كما لا أخفى أنه آلمنى أيضا، أكثر من السابق هو أنه تم التركيز على أن رضا صاحب إعاقة أو كما يقولون (من ذوى الهمم)، فهل لو كان من غير هذه الإعاقة التى ولد بها، أكان ذلك ينقص من مواهبه المتعددة شيئا؟!
لا.. بل أكاد أجزم أن هذه الإعاقة الظاهرة كانت سببا للمنة عليه فاستفزت قدراته فأخرجت منه قدراته الفائقة في فن الإلقاء الإذاعى بجانب تأليف الكتب.
ورحم الله أبا تمام إذ يقول: (قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلى الله بعض الناس بالنعم).
فمن يتابع برامجه يدرك مدى ثقافته الواسعة التى يمكن أن تصفها بارتياح بالثقافة الموسوعية، لكن بقى صوته هو الأكثر تميزا، ليس بسبب خامة وصفات هذا الصوت ولست زاعما أن لي خبرة في ذاك المجال، لكن رضا له طريقة أداء استطاع بها بمهارة أن يدير هذا الصوت فيعطيك هذا الإحساس الرائع الذي تتميز به الإذاعة المصرية عموما، وكأنهم يعرفونك شخصيا بل ويجسلون معك في بيتك أو يصحبونك في سيارتك، فالأذن تعشق قبل العين دائما وليس أحيانا كما ذهب بشار بن برد.
فتلك الإدارة للصوت هى سر نجاح رضا عبد السلام حتى عمت الفرحة الأرجاء من نبأ الترقية إلى درجة المدير، فنحن لم نر رضا عبد السلام ولا غيره من المذيعين عيانا، لأن مجال الرؤية ليس له معنى في التقييم الصوتى، كما أن مديرين كثيرين سبقوه إلى مكانه ولم يهتم أحد بقدومهم ولا بتركهم كرسي المدير، ولا كانت مناصب الإدارة ذات قيمة في حياة المذيع ولا جمهوره، لأن المذيع في الأساس يقدم فنا حقيقيا فهو فنان حقيقي قدراته تظهر في كيفية إدارته موهبته الطبيعية لتخرج فنا، فافن عموما لا يمكن أن يكون بسبب مواد خام فقط.
هناك كنوز في الإذاعة بالإضافة إلى تراثها الضخم الذي تحتفظ به في مكتبتها الصوتية، هى أصوات المذيعين مثل (رضا عبد السلام وشحاتة العرابي وسعد المطعنى والسيد صالح) والقائمة تطول بغيرهم، فلكل صوت في هذا المنجم العملاق مميزاته التى تجعله في المقدمة، ولاغرو، فإذاعة القرآن الكريم هى متجر الأصوات النادرة قديما وحديثا في القراء والمنشدين والمذيعين. فلعل مناسبة تعيين الأستاذ رضا مديرا يكون من نتائجها الالتفات إلى تلك الطائفة من المذيعين وأفضل طرقة لتكريمهم هو أن تردد أسماءهم وتحدث بحسن أدائهم وإدارتهم لمواهبهم، فهنا يقبع سر النجاح الحقيقي لكل زملاء رضا عبد السلام على موجات أثير الإذاعة المصرية.