كتب : محمد حبوسة
لم ينتبه إعلامنا (فاقد البوصلة والوعي والهوية والانتماء) لما وراء ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسى لـ (عبد الرحيم كمال وعزة مصطفي) قبل يومين من أن الدولة مستعدة لتقديم دعم ضخم لتقديم أعمال فنية لبناء الوعى المصرى، وتجديد الخطاب، موضحا أن القضايا كثيرة فهناك قضية الفهم أى فهم التحدى، وتحدى إسقاط الدول وليس الأنظمة، وخاصة أنه ذكر أن (الخطورة تكون فى استهداف الدولة، حيث يتم تدمير الدول، وهناك نماذج دول أمامنا كانت شكل تانى، وعندما تسقط الدولة ويسقط النظام يبدأ العبث بمقدرات ومستقبل الدول)، وأخطر ماقاله الرئيس: (طالما لا يوجد قيادة لا يوجد رأس لديها مسئولية أن تأخذ القرار والجميع يتماشى معها).
ومالم يدركه (إعلامنا) أيضا دلالات حديث الرئيس عن دعم الأعمال الدرامية وإشادته بالكاتب الكبير (عبد الرحيم كمال) ووصفه بأنه شخصية رائعة يعكس حجما كبيرا من الفكر والثقافة، موجها رسالة له قائلا: (جهز اللي أنت عايزه وأنا معاك)، والإعلام والثقافة والفنون لها أولوية في الدولة، وهذا يشير إلى نقطتين غاية في الأهمية أولها: أن اختيار اسم مسلسله (القاهرة كابول) لم يأتي عبثا أو بمحض الصدفة، وإنما جاء بوعي أجهزة المخابرات العامة والعسكرية بما سيحدث بعد ثلاثة أشهر من عرض المسلسل في المستنقع الأفغاني الذي حولته طالبان إلى ساحة مفتوحة لممارسة الإرهاب والعودة إلى عصر الجاهلية جراء أعمالهم التي بدأت مع وضع أقدامهم على أرض (كابول).
النقطة الثانية هى إدراك ووعي الأجهزة الأمنية ممثلة في جهاز المخابرات العامة بنقاط التوتر على خارطة العالم وانعكاس ذلك على الداخل المصري وهو ما ألمح إليه الرئيس في مداخلته قائلا: (الخطورة تكون فى استهداف الدولة)، أي أن لدينا جهازا ليس على قدر كبير من الوعي والانتباه فحسب، بل لديه يقظة تعتمد على ذكاء حاد في تحليل مجريات الأحداث وتحليلها على نحو يعكس تفوق هذا الجهاز في استيعاب كافة المتغيرات وربطها بالماضي والحاضر لاستشراف المستقبل، وبناء عليه سعت الدولة لتوضيح جهود (المخابرات) مجسدة في أعمال درامية تؤكد قدرتها وفاعليتها وسرعتها في التعامل مع الواقع وسط كافة الأخطار التي تحدق بهذا الوطن، كما جاء في مسلسلي (القاهرة كابول، وهجمة مرتدة)، وربما يكون (هجمة مرتدة) هو الأكثر قربا من جهود (صقور مصر) القابضين على جمر التحدي لأعتى أجهزة العالم.
مالم يعيه (الإعلام المصري بكافة قنواته وجهازه الأعلى) لخطورة محتواه وتحليله في ظل ما يحدث في أفغانستان حاليا هو مسلسل (القاهرة كابول) الذي مر عليهم مرور الكرام، ولم تنتبه القنوات لعرض هذا المسلسل إلا عندما أعلنت ذلك عشية تفجر الأوضاع في أفغانستان، ما يؤكد عدم الوعي والإدراك لخطورة هذا المسلسل الذي لم يأتي مصادفة كما قلت أو على حين غرة، فقد أعد له سلفا عندما استشعرت المخابرات العامة خطرة ما سيحدث في أفغانستان فكانت هنالك إشارة غير مباشر إلى ضروة تجهيز مسلسل من ملفات (أبانا)، وتم عرضه على الشاشات في رمضان الماضي وحدد المكان والجهة (كابول)، وبعد ثلاثة شهور فقط من عرض المسلسل تصبح (كابول) محط أنظار وبؤرة اهتمام وحديث العالم كله.
إذن كما قلت وأوكد على تلك الحقيقة الغائبة عن أعين الإعلام المصري فإن اختيار الاسم لم يكن صدفة أو بشكل عشوائي، بل كان ذو مغزى ويبعث برسائل عديدة لأطراف كثيرة تقول: نحن هناك ونرصد ما يحدث ونعرف الهدف منها، وإذا كنت ترى عزيزي القارئ إنني أبالغ في هذا الطرح فأذكرك وأذكر إعلامنا الغائب عن الوعي بأن الـ (C.I.A) نفسها اعترفت بعد هجمات 11 سبتمبر أنها تلقت تحذيرات من جهاز المخابرات المصرية قبل وقوع الهجمات بأشهر قليلة تشير فيها إلى قرب وقوع هجمات وشيكة على الولايات المتحدة ذاتها يشنها تنظيم القاعدة المتواجد بأفغانستان، لكنهم تجاهلوا التحذير المصري ولم يعيروه اهتماما.
وأعود بالذاكرة قليلا إلى الوراء وأتوقف عندما الرئيس كان في الولايات المتحدة وأجرى معه لقاء تليفزيوني على شبكة (CBS) الأمريكية، فقد أراد المذيع أن يحرج الرئيس السيسي فسأله بشكل مباشر أمام الجمهور الأمريكي والعالم أجمع: (انتوا ازاي مش قادرين تسيطروا على جماعات الإرهاب في سيناء، رغم أن الجيش المصري يتلقى معونات عسكرية من الولايات المتحدة تقدر بمليار دولار سنويا؟)، وكان رد الرئيس ذكيا كالصفعة على وجه المذيع ومن يحركه، حين باغته بالقول: (طيب وازاي أمريكا خلال عشرين عام لم تستطيع أن تقضي علي الإرهاب في أفغانستان، رغم أنها صرفت مليارات الدولارات على تلك الحرب ولم تكسبها حتى الآن؟).
وأدعوك عزيزي القارئ وعزيزي الإعلامي (المغمى عليه) أن نربط الخيوط ببعضها بعض الشيء، وعليكما أن تتذكرا معي أنه أيضا في رمضان الماضي وفي نفس توقيت عرض مسلسل (القاهرة كابول) ، كان يعرض على نفس الشاشة مسلسل (هجمة مرتدة)، والذي كان هو الآخر من ملفات (أبانا) والذي يحكي الحكاية من بدايتها ويحاول إفهامنا ما الذي حدث من عام 2007 حتى الآن، وليس في مصر وحدها بل قدم رؤية بانورامية لما حدث في المنطقة بأسرها .
يقيني الذي لايقبل الشك أن تلك الاشارات والتلميحات القوية تؤكد أن (المخابرات العامة المصرية) منذ متى تعمل وأين وكيف تدير الملفات الشائكة ، وأنها تتحكم في خيوط اللعبة كلها وتعرف جيدا من الذي يديرها ويحركها على المسرح العالمي وكيف يحركها وفي أي اتجاه، وهذا ما يشير إلى أن أجهزتك السيادية تلاعب وتنافس مخابرات الدول المعادية في كل مكان في العالم وبمنتهى القوة والحرفية، وتدير ملفاتها بذكاء وحنكة كبيرتين، لذا فهي تنتصر على قوى الشر في معارك خطيرة تدور رحاها في مملكة العوالم السرية التي لا يستطيع الوصول إلى حدودها إلا من كان يملك مفاتيح النفاذ إلى ذلك العالم الخفي المميت.
وفي هذه المناسبة أحب أن أنبهك عزيزي القارئ والإعلامي (الغافل) أيضا إلى أنه: في العادة لا يتم الكشف عن العمليات الاستخباراتية وتحويلها لعمل درامي إلا بعد سنيين طويلة من تنفيذها، وهو ما حدث مع قصتي (رأفت الهجان) في مسلسله الشهير، و(جمعة الشوان) في مسلسل (دموع في عيون وقحة)، لكن الغريب هذه المرة إن الدولة المصرية سمحت بالكشف عن عملية تعتبر حديثة نسبيا، بل ومازالت مستمرة حتى اللحظة، وبالتأكيد هى تتقصد عدة أسباب منها:
أولا: إن الدولة المصرية تقول للعالم كله إننا كنا نعرف وندرك خطورة كل شيئ منذ أيام غزو العراق، وقرأنا السيناريو الذي يتم تحضيره للمنطقة من أول لحظة .. يعني (بلاش تلعبوا معانا اللعبة دي لأنها خلاص إتحرقت).
ثانيا: إن الدولة المصرية عبر (جهاز المخابرات العامة) في (هجمة مرتدة) لعبت على المكشوف وفضحت إسرائيل وأمريكا وكشفتهم أمام العالم الذي يعجز تماما عن النطق بالحقيقة، وقالت لهم إننا نفهم أنكم أنتم من وراء هذه اللعبة القذرة، وأنكم من صنعتم القاعدة ومن بعدها داعش ونقلتم الإرهاب من أفغانستان للعراق في 2007 وبعدها لسيناء وسوريا والعراق وليبيا، وكل ذلك موثق بالمستندات والصور والتسجيلات والتواريخ ، كما تم عرضها على المشاهد في رمضان دون أدنى مواربة، لأن جهازنا العتيد (المخابرات العامة) كان يدرك أبعاد اللعبة كلها، وهى نفس الجملة اللي وردت حرفيا على لسان بطل مسلسل (هجمة مرتدة) العميد (رأفت المسيري/هشام سليم) في الحلقة الأخيرة من المسلسل، بما يعني أننا معكم أينما كنتم، وأنكم مهما ابتعدتم فلن تكونوا بعيدين عن أيدينا الطولى وقدراتنا التي تفوق خيالكم، فقد اخترقناكم خارجيا كما اخترقناكم داخليا، وأننا نجحنا مرة أخرى في (وضع كرسي لنا وسط اجتماع الخونة).
لذا تذكروا جيدا أيها السادة أننا نتكلم عن أعمال فنية توثيقية مأخوذة من ملفات جهاز المخابرات العامة، يعني نتحدث عن قصة حقيقية وعمل درامي Based on True Story، وكما يتضح لنا جليا فإن أجهزتك المخابراتية تكشف على الملأ ومن خلال أعمال درامية يشاهدها الملايين طريقة عملها خلال فترة 2011 وما قبلها، وهذا يكشف عن (جيم جديد) بلاعبين جدد بأساليب وتقنيات وآليات جديدة تم اعتمادها كقواعد للعبة الجديدة ولإدارة صراع العقول الذي لا يعرف الهدوء، وهذا يشير بالتأكيد إلى أننا الدولة الوحيدة اللي نجت بفضل الله سبحانه وتعالى وبفضل كفاءة وحرفية (رجال الظل) في كافة الأجهزة السيادية المصرية من مؤامرة الربيع العربي، ويرجع الفضل في ذلك لله ثم لأبطال مجهولين كان عملهم لله والوطن.
قضية (أفغانستان) ومعالجتها عبر الأعمال الدرامية ربما لم يشر لها الرئيس صراحة أو بشكل مباشر في مداخلته، ولكن نظرا لأن رجل مخابرات من طراز رفيع فقد اختار التوقيت المناسب للإشارة إلى خطورة (بناء الوعي) لدى المواطن، في إشارة واضحه إلى الهدف الأسمى من وراء حديثه هذا، وهو ما يفسر قوله: (إن الدولة مستعدة لتقديم دعم ضخم لتقديم أعمال فنية لبناء الوعى المصرى)، وهذا بالتأكيد يرجع إلى تنسيقه الواضح مع (جهاز المخابرات العامة) للوقوف على كل الأسباب والمعطيات التي تصب في الحفاظ على الأمن القومي المصري، وتوثيق ذلك في أعماتل درامية تؤكد على بطولات الأجهزة الأمنية وفهمها لطبيعة المتغيرات الدولية وتصديها لكافة الأخطار التي تتعلق بحدود الوطن وسيادة المواطن على أرضه.
والسؤال الذي يفرض نفسه حاليا: منذ متى كانت تعرف المخابرات المصرية حقيقة ما يحدث في أفغانستان؟
والإجابة : في الواقع ليس عام 2007 هو بداية التعرف على (أفغانستان) كبؤرة للإهاب الدولي، بل أن المخابرات العامة المصرية تعرف كل خيوط اللعبة التي حيكت منذ منتصف الثمانينيات مع قدوم السلفي الفلسطيني (عبد الله عزام) الذي ترك قضيته واتجه إلى أفغانستان عام 1987م، وتبنى الفكر الإخواني وكان في معيته عدد من المجاهدين العرب، وتولى فيما بعد منصب أمير مكتب خدمات المجاهدين في أفغانستان وقد أسهم في تدوين وقائع الجهاد الأفغاني من خلال مقالاته الافتتاحية في مجلة الجهاد ونشرة لهيب المعركة، وعمل من خلال أفكاره الإخوانية على توحيد صفوف قادة المجاهدين والتوفيق بينهم منعا للفرقة والاختلاف.
وبغض النظر عن أن (عبد الله عزام) كان يركز جهوده على أفغانستان وليس على فلسطين كما قال، وبغض النظر عن أنه ساوى في الأهمية بين القضيتين فضلا عن مساواته لهما بقضايا أخرى في الفلبين وكشمير، فإن (عزام) كان يرى دوما أن البداية الواجبة هى أفغانستان، وهو القائل: (من استطاع من العرب أن يجاهد في فلسطين فعليه أن يبدأ بها، ومن لم يستطع فعليه أن يذهب الى أفغانستان، وأما بقية المسلمين فإني أرى أن يبدأوا جهادهم في أفغانستان، إننا نرى البدء بأفغانستان، لا لأنها أهم من فلسطين، بل فلسطين هى قضية الاسلام الأولى، وقلب العالم الاسلامي وهي الأرض المباركة)، ولكن هناك أسبابا تجعل البدء بأفغانستان قبل فلسطين أولى.
وبتحليل لغة الخطاب الخاصة بمؤسس الفكر المتطرف في أفغانستان (عبد الله عزام) أدركت المخابرات المصرية مبكرا أن تلك المنطقة من العالم ستكون بمثابة البركان الذي سينفجر في أي لحظة في وجه العالم وظلت تبحث وتتقصى الحقائق الموجودة على الأرض الأفغانية، وخاصة أفكار (عزام) التي تقول: إن الراية في أفغانستان إسلامية واضحة، والغاية واضحة (لتكون كلمة الله هي العليا)، ولقد نص دستور اتحاد مجاهدي أفغانستان في المادة الثانية (إن الهدف من هذا الاتحاد هو إقامة دولة اسلامية في أفغانستان)، وفي المادة الثالثة (إن هدفنا منبثق من قوله تعالى: إن الحكم الا لله، فالحاكمية المطلقة لرب العالمين).
وهو نفس الفكر السائد عند (بن لادن) وعند طالبان التي سيطرت على كافة المناطق الأفغانية عدا إقليم وادي (بنجشير) الذي يسيطر عليه أحمد مسعود الذي ورث العداء اللدود لطالبان من والده (أحمد شاه مسعود)، وقال نجل القائد الأفغاني الراحل في أعقاب سقوط كابل: إن وادي بنجشير لن يتم تسليمه لحركة طالبان، وإنه إذا حاولت السيطرة عليه (فنحن مستعدون للمقاومة)، وفي مقال رأي كتبه في صحيفة (واشنطن بوست)، بعد سقوط كابل في يد طالبان، قال (مسعود) إن الآلاف من قوات الكوماندوز وضباط الجيش الأفغاني لجأوا إلى إقليم بانشير (بنجشير باللغة المحلية والفارسية) الصعب التضاريس، مشيرا إلى أن أفغانستان على شفا كارثة إنسانية، وأنها تعود مجددا كملاذ آمن للإرهاب، داعيا المجتمع الدولي إلى دعم الشعب الأفغاني.
وبغض النظر عن الصراع القائم على الأرض الأفغانية والذي تغيب حقيقته عن الإعلام المصري كما عرضت مثمنا بدور المخابرات المصرية، فإنني في النهاية أؤكد أن الدور الخطير الذي تلعبه المخابرات المصرية يغيب تماما عن أعين الإعلام المصري، وظني أن ذلك يرجع إلى عدم فهم وإدارك طبيعة عمل هذا الجهاز الذي أحاطت به السرية طويلا، حتى جاء مسلسل (هجمة مرتدة) ليتيح الفرصة أمام عقول وضمير الإعلاميين للدراسة والتأمل والتحليل العميق لكيف يعمل هذا الجهاز؟، وكيف يقدم جهودا وتضحيات كبيرة للحفاظ على الأمن القومي المصري؟ .. أليس ذكر تفاصيل جهود المخابرات العامة مثلا في إعادة الجالية المصرية من قلب الجحيم الأفغاني أولى يا جهابزة الإعلام المصري المشغولون دائما بالتفاهات من عينة أخبار (حفل عمرو دياب وباقي نجوم الغناء القبيح في الساحل، وخناقات أولاد الذوات) ةالأخيرة تعكس جهلا سببه أن الإعلام لايقوم بدوره على النحو الأكمل تجاه المواطن والوطن!!!.