رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(حكايات من زمن فات) .. إعادة تسجيل بيان الثورة

بقلم : سامي فريد

الحكاية حكاها الإذاعي القدير الأستاذ صلاح زكي في ندوة كانت قد عقدت في مركز طه حسين الثقافي بالهرم أواخر التسعينيات من القرن الماضي عن أغرب يوم عمل.

قال الأستاذ صلاح:

كانت نوبتي الصباحية في ذلك اليوم من شهر يوليو عام 1952.

لم يكن الجو طبيعيا ففي تلك الفترة من تاريخ مصر وكانت تمر ببعض المشاكل السياسية والأول مرة يتابع المصريون تشكيل الوزارات كل 24 ساعة أو 48 ساعة وسمعنا عن وزارات نجيب الهلالي ثم حسين سري عامر ثم على ماصر وكثرت الشائعات عن أسباب ذلك بالقلق.. المهم وصلت إلى مبني الاذاعة القديم أو مقر الإذاعة والاستوديوهات.. والإدارة في علوي باشا لأجد عربتي جيب بأرقام الجيش بين المبنيين .. ووقف بعض السعاة في الشارع في انتظاري ليشرحوا لي ما حدث.. وأشار أحدهم إلى أكبر رتبة عسكرية كانت تنتظر من سيأتي ليفتح الاستوديو.. كان ضابط أسمر اللون برتبة بكباشي الذي بادرني بالسؤال؟

انت المذيع؟

أجبت على الفور لأفهم ماذا يحدث: أيوه يا افندم.

قال بلهجة أمري ودون ترتت (طب افتح لنا الاستوديو عشان عندي بيان رقم واحد لثورة 23 يوليو.. ثم والـ : طبعا سمعت عنها؟

ولم أكن قد تأكدت من شيء بعد لكنني كنت أتوقع شيئا عظيما سوف يحدث .

أجبت بسرعة: اتفضل معايا يا أفندم وسبقته وهو من خلفي حتى باب الاستوديو لافتح وأقوم بتوصيل الأجهزة ليصبح الميكرفون جاهزا للاذاعة.

خرج البكباشي الذي عرفني بنفسه قائلا إنه البكباشي محمد أنور السادات عضو مجلس قيادة الثورة وماعنديش وقت.. عايز أوقع البيان رقم واحد لمجلس قيادة الثورة وأرجع تاني للمجلس علشان أنا سايب هناك اجتماع مستمر لازم أكون موجود.

تلعثمت وتوقف الكلام في حلقي .. أردت أن أقول له إننا يجب أن ننتظر مهندس الصوت لتسجيل البيان، فقال وهو يأخد مكانه أمام الميكرفون: دا شغلكم انتم.. أنا ح أقرأ البيان وارجع بسرعة لمجلس قيادة الثورة .. ثم بدأ في إذاعة البيان قائلا بصوت واثق وصريح يحمل رنة الانتصار لتسمعه مصر كلها وأجزاء كثيرة في العالم.

انتهت قراءة البيان فقام يطوي الورقة ويضعها في جيبه ثم ينطلق ليستقل إحدي سيارت الجيب عائدا إلى اجتمات مجلس قيادة الثورة.

عند الضحى كان بعض مهندسي الصوت والتسجيلات قد وصلوا فحكيت لهم ما حدث واسمعتهم ما تذكرته من كلام البيان وسألتهم عن الحل؟.

قال أحدهم: دا بيان تاريخي.. انت فهمت إيه اللي بيحصل.. دا شكل نظام الحكم في مصر اتغير.. لازم البيان ده يستجل يخش مكتبة التسجيلات الإذاعية.

سألت: والعمل دلوقتي؟

قال الجميع: انت مش فاكر اسم البكباشي اللي أذاع البيان؟

ايوه..  حافظ شكله كمان..

خلاص خد معاك جهاز تسجيل وروح مجلس قيادة الثورة في استراحة الملك فاروق على النيل في رأس جزيرة قصر النيل.

دلوقتي؟ دا اليوم خلاص تقريبا ومفيش غيري النهاردة في النوبطشية .

خلاص .. يبقى الصبح بدري تكون هناك.

مبكرا صباحا حملت جهاز التسجيل الثقيل وتوجهت إلى مجلس قيادة الثورة أسال في كل لجنة حراسة ألتقيها عن البكباشي أنور السادات حتى وصلت إلى الباب الأخير فسألني أحد الضباط: هو إيه الموضوع بالظبط.. وحضرتك مين؟ فعرفته بنفسي وبالموضوع الذي جئت من أجله.. فأسرع أحد الضباط الشباب إلى الداخل ليعود قائلا: اتفضل.. ثم مشيرا وهو يسير معي إلى أين سنجد البكباشي أنور السادات الذي استقبلني مندهشا قائلا: خير.. قلت خير يا افندم.. بس ده بيان تاريخي لازم يتسجل ويدخل مكتبة الإذاعة علشان حينذاع مرة واثنين وكل ما نحتاجه.

قال: طبعا.. آه.. ما تعملوا كده.. دا شغلكم انتو بقى..

قلت: الظاهر حضرتك ما سمعتنيش لأن حضرتك كنت مستعجل وعشان الاجتماعات.

قال يستعجلني لأشرح يعني إيه؟

يعني البيان الأولاني اتذاع على الهوا.. يعني في اللي سمعه.. وفي اللي ما شمعوش ثم أشرت إلى جهاز التسجيل الذي أحمله.. وأنا جيت دلوقتي لحضرتك علشان أسجل البيان وارجع أعمل له ملف وندخله تسجيلات الإذاعة.. وبعدين نعيده كل ما تطلبوه.

قال: يعني حضرتك جاي تسجل البيان معايا.. ثم راح يبحث في جيوب بذلته العسكرية حتى أخرج البيان وفتحه ثم سالني: جاهز؟.

ثواني يا افندم.. حاضر.. اتفضل .. فأذاع البيان للمرة الثانية.

أحكي لكم هذه الحكاية ليعلم الجميع أن ما سمعتوه عن قيام ثورة 23 يوليو في يوم وقوعها كان بيانا أذيع على الهواء.. وكان لابد من تسجيله وإعادة إذاعته.

شكرته.. وحملت التسجيل عائدا على الإذاعة لتبدأ إجراءات فتح ملف تسجيله ودخوله مكتبة تسجيلات الإذاعة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.