بقلم : محمد حبوشة
عقب سيطرة طالبان على القصر الرئاسي في العاصمة الأفغانية كابول، ووسط تخوفات دولية من تبعات حكم حركة طالبان وكيف يمكن أن تتأثر البلاد بهذا الأمر؟، ربط رواد منصات التواصل الاجتماعي الأحداث الجارية في أفغانستان بالمسلسل المصري الشهير (القاهرة – كابول) والذي عرض في شهر رمضان الماضي، وتناول صناعة التنظيمات الإرهابية، وكيفية نشأة تنظيم القاعدة ومن قبله حركة طالبان، الأحداث الجارية دفعت البعض للتأكيد أن مؤلف العمل وهو الكاتب والسيناريست عبد الرحيم كمال قد تنبأ بالمستقبل في المسلسل، في حين رفض وصف أحداث أفغانستان الحالية بالنبوءة، كما ذكر البعض على السوشيال ميديا.
وقال مؤلف (القاهرة – كابول): لا أتفق مع وصف البعض أن ماحدث نبوءة لأنني كتبت المسلسل بناءً على تحليل لمجريات الأحداث والمتابعة الجيدة لها على مدار سنوات، وتابع كمال: ما يحدث في أفغانستان حاليا هو التطور الطبيعي للعلاقة المريبة بين أمريكا والتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها طالبان والممتدة لعقود وليس سنوات طويلة، لكنه عاد وأشار عبد الرحيم لتلك العلاقة في المسلسل بشكل يعكس الواقع بدقه؟ مؤكدا أن: العلاقة بين الجماعات الإسلامية المتواجدة في العاصمة الأفغانية (كابول) والممثلة في شخصية الشيخ رمزي أو طارق لطفي وبين أمريكا وأذرعها الإعلامية، هكذا رصدت الحالة وعالجتها دراميا لأنقل واقعا يعيشه العالم، وإذا عدنا قليلا للوراء سنكتشف أن أحداث هذا المسلسل الخطير كانت تؤصل لفكرة العلاقة الوثيقة بين طالبان والقاعدة وبين القوات الأمريكية التي كانت مرابطة في أفغانستان لما يقرب من ربع قرن.
ولعل شيئا من هذا القبيل قد ظهر عندما اختطفت القوات الأمريكية الشيخ (رمزي)، الذي كان يرمز للقاعدة ويتعاون مع طالبان في نفس الوقت، وعقدوا معه صفقة بأن عداءه لهم سيكون بشكل ظاهري بينما كان يمرر لهم عمليات قذرة في الخفاء تحدث في محيطه، حتى أن مرؤسيه شكوا في ذلك وحاول بعضهم الانقلاب عليه جراء تلك العلاقة المريبة، وهو ما يثبت أن العلاقة بين طالبان والقاعدة والقوات الأمريكية علاقة تبادل مصالح، ومن ثم فليس معقولا أبدا أن تترك القوات الأمريكية في أفغانستان هكذا دون عقد صفقة كتلك التي عقدوها مع الشيخ (رمزى) بحسب أحداث مسلسل (القاهرة كابول).
ولأن شخصية الشيخ (رمزي) شخصية جدلية، تجمع بين 4 شخصيات حقيقية هى: حسن البنا (مؤسس تنظيم جماعة الإخوان المسلمين)، وشكري مصطفى (مؤسس تنظيم جماعة التكفير والهجرة)، وأسامة بن لادن، وأبو بكر البغدادي (زعيم تنظيم الدولة الإسلامية)، وكل تلك الشخصيات (بينهم عامل مشترك، لأن النبع واحد، والهدف واحد)، وهم جميعا ليس ببعيدين كثيرا عن حركة طالبان التي عادت قبل أيام لحكم أفغانستان في مشهد أذهل العالم، ليعيد أجواء مسلسل (القاهرة – كابول) إلى واجهة الحديث بمصر، ومنهم من وجد فيه (قراءة للتاريخ)، خاصة فيما يتعلق بطبيعة علاقة أمريكا بـ (التنظيمات المتطرفة)، ويمكن التقاط جوانب من النقاش الذي تجدد حوله، في تغريدات لعبد الرحيم كمال كاتب المسلسل وعدد من متابعيه عبر (تويتر).
فقد كتب كمال تغريدة، عبر حسابه الشخصي على موقع (تويتر) قائلا: (لما عرضنا مسلسل القاهرة كابول طلع بعض الناس (الكيوت) وبعض (الحازقين) يقولوا إزاي تطلعوا الإرهابيين المحترمين كده، ومين قال إنهم بيعملوا كده ومين قال إن علاقة أمريكا بيهم كده؟.. وازاى الحال كده؟)، ولعل ما يؤكد كلام عبد الرحيم كمال، أن الكتائب الإلكترونية وقنوات الإخوان الفضائية كانت قد شنت حملات مكثفة قبل عرض المسلسل تطالب بوقفه باعتباره من وجهة نظرهم يمثل تزييفا للتاريخ، حتى أن بعض هؤلاء قالوا مع بداية الحلقات الأولى أن المسلسل عبارة مقالات مطولة فقيرة دراميا، وهناك فارق بين القصص والحكايات الدرامية – سواء كانت مكتوبة أو مرئية على الشاشة – وبين المقالات حيث تتطلب القصة – أي قصة – سردا دراميا يحكي تفاصيل عالمها، وبالضرورة تتطلب بناء للعالم الدرامي وللشخصيات وتاريخها، وكذلك فإن تتابعها يكون منطقي وفقا لدوافعها، وليس المطلوب منها أن تشبه الواقع أو تتطابق معه، بل تكون أكثر واقعية وعمقا من الواقع نفسه.
ويبدو ملحوظا أن كل هذا الهجوم على المسلسل كان يستبق أحداثا ستقع في أفغانستان فيما بعد، بدليل أن مقدمة المسلسل كانت تتصدرها عبارة (هذا العمل من وحي خيال المؤلف وأي تشابه بينه وبين الواقع هو محض الصدفة والخيال)، ومع ذلك فقد أثار منذ حلقاته الأولى التكهنات بشأن شخصيات أبطاله الحقيقة، ومنهم طارق لطفي (الشيخ رمزي)، الذي رأى البعض أنه يعبر عن شخصية أسامة بن لادن، بينما رأى آخرون أنه يعبر عن شخصية (رمزي بن الشيبة) القيادي البارز في تنظيم (القاعدة)، كما رأى فريق آخر في شخصية الإعلامي طارق كساب التي يجسدها فتحي عبد الوهاب صورة من الإعلامي يسري فودة.
والمفارقة أن الفنان فتحي عبد الوهاب نشر على صفحته بـ (فيسبوك) مقطع فيديو من حوار سابق ليسري فودة أجرته معه مذيعة أجنبية، وسألته خلاله عمن يرشحه لتجسيد قصة حياته في عمل فني، فأجاب: فتحي عبد الوهاب؛ لأن ملامحه مصرية جداً، ولا شك أن الإعلامي الذي يجسد دوره فتحي عبد الوهاب يعبر بشكل كبير عن شخصية يسري فودة، في حين ينفي المؤلف عبد الرحيم كمال ذلك، ويقول: هذا الربط غير حقيقي؛ لأن بن لادن ليس مصرياً، كما أن شخصية الإعلامي لا تنطبق على أحد بعينه، بل هي خلاصة شخصيات خيالية جمعت فكرة الإعلاميين الذين ظهروا في تلك الفترة، فبداخل الشخصية أكثر من إعلامي مثلما تحوي شخصية (الشيخ رمزي) ملامح عدد من الإرهابيين.
ظني أن عبد الرحيم كمال لم يرد في ذهنه على الإطلاق أنه بعد أشهر قليلة ستعود حركة طالبان إلى صدارة المشهد الأفغاني وتعود للسيطرة على معظم المناطق بهذه الطريقة في عملية سياسية وليست عسكرية في إطار لعبة قذرة بسيناريو وإخراج أمريكي لهدف في نفس يعقوب تجاه (الصين، روسيا، إيران) الذين يجاورن أفغانستان في الحدود، ولكنه في الوقت ذاته وبطريقة غير مباشرة اشتغل المسلسل على جدلية الإرهاب في هذه المنطقة من العالم ورد جذورها جميعا إلى فكر الإخوان وحسن البنا متجذر في تنظيمات عديدة أدت بالضروة إلى ظهور القاعدة وطالبان وغيرها من تنظيمات انسلخت من داخل الفكر الإخواني المتطرف.
ولهذا كان لافتاً في المسلسل التناول الأوسع والأعمق للجانب الإنساني في حياة الإرهابي، من خلال العودة لحياة قائد المجموعة الجهادية رمزي، وإظهار مشاعر الحب لابنة خاله منال، التي تقوم بدورها الممثلة المتميزة، حنان مطاوع، فرغم مرور الأعوام ما يزال قلب رمزي معلقا بها، وهذا التعلق تكون على مر سنوات نازع فيها رمزي نفسه بين ما يفرضه عليه الفكر المتطرف من رفض للمشاعر تجاه الأنثى وبين الحياة داخله، التي كثيرا ما تنتصر على التطرف، بل هى التي تمنع تماهي الفرد مع ما يحمله من فكر، سواء الفكر الديني المتطرف أو السياسي أو غيره، فللحياة أساليبها التي تمنع البشر من الانجرار وراء الفكر.
وعلى أية حال فإن الرسالة الأفغانية لصناع (القاهرة كابول) جعلتنا نعود بالذاكرة للوراء قليلاً كي ننبش في علاقة وطريقة تعاطي الدراما العربية مع القضية الأفغانية، وهل فعلا هناك تجن على هذا البلد؟ ولعل أشهر مسلسل اقتحم هذا العالم (المظلم) بالنسبة للمتابع العربي كان هو (الطريق إلى كابول) الذي لم ينجح في إيصال رسالته كما اشتهى صناعه، حيث توقف كما يعرف القاصي والداني بعد عرض ثماني حلقات منه ومازال سبب إيقافه الحقيقي غير معلوم في ظل ضبابية الرؤية بين تهديدات من جماعات إسلامية وضغوط غربية، وغير ذلك.
رغم أن ما شاهده الجميع خلال الثماني حلقات الأولى يؤكد بجلاء أننا أمام مسلسل مهم ويناقش حقبة زمنية غاية في الأهمية بجرأة وشجاعة غير مسبوقة في تاريخ الدراما العربية، ومن المعروف أن كاتبه هو الراحل جمال أبوحمدان، بينما أخرجه محمد عزيزية، وضم نخبة من ألمع نجوم الشاشة العرب، من عابد فهد ومنى واصف إلى فرح بسيسو وآخرين، ورغم أن العمل أنتج سنة 2004 فإن الكثيرين مازالوا يتساءلون: ألم يحن الأوان كي يعرض العمل كاملاً الآن؟.
وبعد (الطريق إلى كابول) الذي أنصف (المأساة الأفغانية) وتسلل للجرح النازف هناك من خلال ما كان يعرف بـ (المجاهدين العرب الأفغان)، جاء الدور على مسلسل (الطريق الوعر) الذي واصل من خلاله نفس الشركاء تقريباً والكاتب جمال أبوحمدان العمل على المضي قدماً في نفس المشروع، وهذه المرة تولى الإخراج التونسي الراحل شوقي الماجري، والبطولة كانت لعباس النوري وغسان مسعود وباسم ياخور والراحل ياسر المصري وإياد نصار وآخرين، وتدور أحداثه حول صحفي وثق الحرب الأفغانية وأيضا تحول من كانوا يسمون (المجاهدين العرب) إلى جماعات متطرفة تفتك بالأبرياء، مما جعله مطلوباً لدى هؤلاء قصد إسكات صوته.
وفي السنة الموالية، أي 2006، أسدل المركز العربي الستار على هذا الملف الضخم من خلال مسلسل (دعاة على أبواب جهنم) الذي كتبه كل من عادل الجابري وياسر قبيلات، وأخرجه الثنائي رضوان شاهين وإياد الخزوز، وشارك فيه كل من سلوم حداد وغسان مسعود ونسرين طافش وعابد فهد ولارا الصفدي واللبناني جهاد الأطرش والمصري أحمد ماهر والمغربي محمد مفتاح، وآخرون من جنسيات عربية مختلفة، ويرصد أيضاً تأثير تجربة أفغانستان على الشباب العربي وما تلا مرحلة العودة من هناك.
كما شاهدنا الحديث عن هذا البلد في أعمال أخرى متفرقة مثل مسلسل (تورا بورا) الكويتي للمخرج وليد العوضي حيث يتحدث عن والدين سافرا لأفغانستان من أجل البحث عن ابنهما المنضم لأحد التنظيمات المتطرفة، وأنتج سنة 2015، كما شاهدنا الفنان محمود عبدالعزيز يعود من الحرب، لكن دون أن يذكر صناع العمل اسم البلد العائد منه، رغم أن اللباس والأسماء و لهجة الابن ترمز لنفس البلد في مسلسل (باب الخلق) الذي أنتج 2012، دون إغفال فيلم مغربي اسمه (أفغانستان لماذا؟)، تم تصويره سنة 1984 للمخرج عبدالله المصباحي وبطولة النجمين المصريين عبدالله غيث وسعاد حسني واليونانية إيرين باباس، والأمريكي شون كونري والمغربي حميد بنمسعود، ويتحدث عن أستاذ جامعي يعمل بجامعة كابول يجاهر برفض الاحتلال السوفييتي لبلاده، وكان يدعو لإدانة الاستعمار ويصفه بأنه هجوم على حرية شعب مسالم، لكن هذا العمل لم يبصر النور حتى هذه اللحظة رغم وجود كل الأسماء السالفة الذكر ضمن طاقمه.
إذاً بين تكريس (صورة نمطية) عن بلد يطوقه الإرهاب من كل حدب وصوب، وكونه سببا رئيسيا في انحراف الأبناء و(مقص رقيب مجهول) جاهز بالمرصاد لمحو أعمال تتحدث عن نفس البلد بأسلوب مختلف وتسعى لتقديمه بصورة مغايرة للمشاهد العربي؛ بهذه الصورة يمكننا اختصار علاقة الدراما العربية بأفغانستان، بانتظار أعمال أخرى يمكن أن تتحلى بالشجاعة لاقتحام أسوار هذا المكان المثخن بالجراح والحكايات التي تستحق أن تروى، خاصة بعد أن أعادت طالبان لتحيل أفغانستان لبؤرة (جديدة قديمة) لنمو الإرهاب بشكل مغاير طبقا للمخططات الأمريكية في صراعها مع منطقة الشرق الأوسط والصين وروسيا وإيران.