بقلم : محمد حبوشة
لاشك أن التمثيل ليس موهبة فحسب، وإنما عبارة عن نظريات يمكن تدريسها ومن ثم تطبيقها كما يجب أن يتضمن التمثيل مجموعة واسعة من المهارات التي تعتمد بشكل أساسي على قدرة الشخص على تطويرها، مثل الخيال والتقمص العاطفي واستخدام لغة الجسد، بالإضافة إلى وضوح مخارج الحروف والقدرة على فهم الدراما، لكن ولادتك مع موهبة تمنح القدرة على عرض المشاعر وتقمص الأدوار، إلى جانب دراسة التمثيل والتدريب والممارسة، يزيد فرصك بأن تصبح ممثلًا بارعًا ورائدًا في هذا المجال.
وضيفتنا في باب (في دائرة الضوء) النجمة المتألقة (منة شلبي) هى واحدة من أولئك الموهبين والتي أيضا انخرطت في في دراسة أكاديمية منحتها البراعة في لعب أدوارها بشكل طبيعي ودون اصطناع واضح، لكن الحقيقة، وفقا للمخرج والمشرف الفني (ماركوس)، فإن أداء الدور بعيدا عن الاصطناع أمر مفروغ منه، ولكن التميز يكمن باستطاعة الممثل على مفاجأة الجمهور بردود فعله وعدم قدرة المشاهد على التنبؤ بما سيقوم به، وهو ما تفعله (منة شلبي) صاحبة الموهبة الفذة في كل دور تقوم به كما ظهر ذلك في عملين أخيرين بدت فيهما بشكل مغاير عن الآخر وهما (في كل أسبوع يوم جمعة، وليه لأ).
في كل أسبوع يوم جمعة ظهرت (منة شلبي) ممثلة محترفة في الأدوار المعقدة عبر عدد كبير من الانفعالات الإنسانية التي تقمصتها في عدة مواقف ولحظات، ولكن ظهرت جودة موهبتها أكثر في فهم هذا الطيف الواسع من الانفعالات وإدراك عمق كل منها وعلاقتها بالشخصية التي تؤديها، ومن ثم اختارت الأداء الأنسب للشخصية، ولهذا لم تتحول كممثلة إلى شخصية مملة تكرر انفعالاتها بشكل مبتذل، بل كانت دوما تملك القدرة على الانكشاف العاطفي الكامل، وتلك تعد من أصعب المهارات المتوقعة من الممثل، والمقصود بالقدرة على الانكشاف العاطفي أو كما يسميه البعض (التعري العاطفي) استعداد الممثل لعرض مشاعره الإنسانية بشكلها الحقيقي في موقف درامي ما ضمن القصة التي يمثلها، إذ يكمن سبب ضعف الأداء لدى العديد من الأشخاص في هذه النقطة.
وقد اختلفت (منة شلبي) في أدائها لدور الأم الشابة التي تتبنى طفلا في (ليه لأ) ، حين وفرت الأسباب المنطقية لإقناع من حولها من الأهل والأصدقاء في أداء سلسل للغاية، وذلك بعرض مشاعرها الحقيقية في هذا المشهد أو هذه القصة وقدرتها على خوض الجوانب المظلمة جدا من النفس البشرية التي لا يريدون لها الظهور بمظهر غير جذاب، وهذا بالطبع قد يدفع الممثل إلى تزييف ردود فعله واختلاق مشاعر غير حقيقية وتقديمها للجمهور، مما يضع حاجزا بين الشخصية التي يؤديها والمشاهد، عوضا عن التأثير به وسحبه إلى عالم القصة، لكن (منة) كانت على العكس من ذلك تماما.
يحتاج الممثل أو الممثلة إلى الوقت والممارسة بالوقوف على المسرح أو أمام الكاميرا، حتى يصلوا إلى مرحلة الراحة بالوجود أمام مجموعة كبيرة من الناس، أما في حالة ضعف الثقة بالنفس عند الوقوف أمام الكاميرا، فإن الممثل يدفع إلى ما يمكن تسميته (حماية أنفسهم) من الانكشاف العاطفي عند تأدية الممثل دوره وفقا لمزاجه الخاص، سيجبر نفسه على تمثيل انفعالات الشخصية، وهذا ما تفعله (منة شلبي) في كل حالاتها الإبداعية وهذا ما يميزها كممثلة مخضرمة عن الممثل الصاعد، إذ يساعد تراكم الخبرة لديها بزيادة ثقتها بعملها حتى إن أخطأت في بعض الأماكن أو تعرض للمعوقات في أثناء العمل، على عكس الممثل الصاعد الذي يمكن لأي مطب صغير أن يوقعه بالارتباك.
تتضمن مهنة التمثيل عند (منة شلبي) العمل ضمن قوالب عدة منها اللغات واللهجات، فهى تملك قدرة مميزة على استخدام شتى اللغات أو اللهجات ببراعة، ولا يؤثر ذلك على أدائها التمثيلي والفني بشكل كبير، فهى تملك مثل كثير من البشر طيف واسع من الأصوات التي يمكن إصدارها من الحنجرة، ولكنها نستخدم عددا محدودا جدا منها، ولأنها ممثلة جيدة للغاية فتعمل على تدريب حنجرتها ولسانه على أداء أكبر عدد ممكن من هذه الأصوات، خصوصا أن الصوت أداة رئيسية في مهنة التمثيل، وبالتالي القدرة على التحكم بالصوت تعني القدرة على ضبط إيقاع كلمات النص بما يناسب اللحظة الدرامية لكل منها.
ولدت (منة شلبي) في محافظة الجيزة، ونشأت والفن يجرى في شريانها، فهي ابنة الفنانة زيزي مصطفى، الراقصة والممثلة القديرة، والدها هو رجل الأعمال هشام شلبي، وعمتها الإعلامية الشهيرة بوسي شلبي، كانت تتقمص دور والدتها أثناء الدراسة، وتقف أمام المرآة لتحدث نفسها ، وتوقع أوراق للمعجبين، ولوحظ ذلك من قبل مدرسيها بالمدرسة ووالدتها وبعض الفنانين الذين رأوها، اكتشفتها الفنانة سميحة أيوب وقدمتها من خلال مسلسل (سلمى يا سلامة)، وقبلها كتانت تظهر في البرامج التليفزيونية والفوازير للأطفال فقبل اقتحمها مجال السينما ظهرت لمدة 3 ثواني فقط ضمن أحداث فيلم العاصفة، درست في مودرن أكاديمي ونظرا لتعلقها وحبها للفن درست في المعهد العالي للفنون المسرحية بعد ذلك.
كانت البداية الحقيقية للفنانة منة شلبي عندما شاركت الفنان محمود عبد العزيز في بطولة فيلم (الساحر- 2001) وقد أبدعت في أداء الدور كثيرا مما منحها شهرة كبيرة، ومن ثم حصلت في 2002 على دور رئيسي في مسلسل (أين قلبي) مع الفنان حسن حسني وخيرية أحمد، كما شاركت في العام نفسه في مسلسل (لدواعي أمنية) مع كمال الشناوي وماجد المصري، وفي 2003 ظهرت منة في عدة أعمال فشاركت في الفيلم الكوميدي (كلم ماما) مع عبلة كامل وحسن حسني، وحقق الفيلم إيرادات عالية وصلت إلى سبعة ملايين جنيه مصري، وكان حضوره جيدا وعلى الرغم من ذلك فقد تعرض لحملة انتقادات كبيرة.
كما شاركت منة في العام نفسه في فيلم (فيلم هندي) الذي لم يحقق إيرادات عالية، وشاركت أيضاً في فيلم (إوعى وشك)، والذي لم تتجاوز إيراداته ميلوني جنيه، وعلى شاشة التليفزيون ظهرت منة في مسلسل (البنات) والذي تناول الحديث عن فتيات المجتمع المصري وعملهن والصعوبات التي يواجهنها، وفي 2004 لعبت دوراً في فيلم (أحلى الأوقات) بالاشتراك مع هالة فاخر وحنان ترك وهند صبري، وشاركت أيضاً في فيلم (بحب السيما) وقد تم عرضه في مهرجان دبي السينمائي الأول عام 2014 وعرض أيضاً في مهرجان مراكش السينمائي الدولي في نسخته الرابعة، كما شاركت في فيلم (شباب تيك أوي) والذي تم تصويره قبل عدة أعوام ولكن بسبب مشاكل في الإنتاج تأجل للعام 2004.
في عام 2005 شاركت منة في خمسة أفلام وهى: الفيلم الدرامي الرومنسي (انت عمري) والذي شارك في القاهرة السينمائي الثامن والعشرون ومثل مصر في المسابقة الرسمية، لكنه لقي الكثير من الردود والانتقادات السلبية، وفي العام نفسه شاركت في فيلم (الحياة في منتصف اللذة) مع الفنانة حنان ترك، وشاركت أيضاً في فيلم (ويجا) مع هند صبري ومن إخراج خالد يوسف، واحتل الفيلم المركز الثالث من حيث الإيرادات والتي وصلت إلى ثلاثة مليون جنيه مصري، وكان الفيلم الرابع الذي شاركت فيه هو (أحلام عمرنا) وأيضاً ظهرت في فيلم الخامس (بنات وسط البلد)
وقد ظهرت من جديد عبر الشاشة الصغيرة عام 2006 من خلال مشاركتها في مسلسل (سكة الهلالي) مع الفنان الكبير يحيى الفخراني والنجم أحمد السعدني، وعلى صعيد الأفلام شاركت في أربعة أفلام هى: (عن العشق والهوى، واحد من الناس، في محطة مصر) والذي شاركها بطولته كريم عبد العزيز وحلت ضيفة شرف في فيلم (لعبة الحب)، وفي 2007 ظهرت في عدة أفلام وهي الفيلم الكوميدي (كده رضا) مع الفنان أحمد حلمي وفيلمي (الأولة في الغرام، وهى فوضى) الذي تناول موضوع الفوضى في مصر وفساد رجال الشرطة وكان من إخراج الراحل يوسف شاهين وشاركه المخرج خالد يوسف.
شاركت منة عام 2008 في فيلم واحد فقط هو فيلم (آسف على الإزعاج) وكان لها ظهور وحيد على شاشة التلفاز في المسلسل الكوميدي (تامر وشوقية ج3)، وفي 2009 شاركت في فيلم (بدل فاقد)، وفي مسلسل (حرب الجواسيس)، وفي 2010 شاركت في فيلم (نور عيني) مع المطرب تامر حسني وشاركت أيضاً في مسلسل (الجماعة)، لكن بدا تألقها أكثر في 2011، حيث ظهرت في مجموعة أفلام وهى: (إذاعة حب، بيبو وبشير، ميكرفون)، وفي 2012 ظهرت في فيلمي (حلم عزيز، وبعد الموقعة)، وفي العام 2013 شاركت في فيلم واحد هو (سمير أبو النيل) ومسلسل نيران صديقة).
غابت عن الشاشتين الكبيرة والصغيرة في 2014 لتعود من جديد في العام 2015 حيث ظهرت في مسلسل (حارة اليهود) وشاركت في فيلم (نوارة)، والذي نالت عنه جائزة أفضل ممثلة، وفي 2016 كان لها ظهور وحيد في فيلم (الماء والخضرة والوجه الحسن)، وفي 2017 ظهرت منة في فيلم (الأصليين) وفي مسلسل (واحة الغروب)، الذي يعد نقطة تحول في مسيرتها الفنية، وظهرت في فيلم (أهل العيب، وتراب الماس) في عام 2018، وفيلم (خيال مآتة) في العام 2019، وعرض في لها في عام 2020 ، مسلسل (في كل أسبوع يوم جمعة) أما عام 2021 فقد لعبت بطولة مسلسل (ليه لأ) وفيلم (الإنس والنمس) الذي يعرض حاليا.
حققت منة شلبي العديد من الجوائز عن أعمالها وكان من أهمها: جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم (بنات وسط البلد) من مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما المصرية عام 2006، جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم (بنات وسط البلد) من مهرجان جمعية الفيلم للسينما المصرية عام 2007، جائزة أفضل دور نسائي أول عن دورها في فيلم (عن العشق والهوى) من المهرجان القومي للسينما المصرية عام 2007، جائزة فاتن حمامة للتميز عن مجمل أعمالها من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 2019.
وفي النهاية لابد من تقديم تحية تقدير واحترام وإعجاب شديد جدا بالنجمة المتألقة (منة شلبي)، التي تعد واحدة من أبرز أبناء جيلها، فقد ظهرت منذ بداية الألفية الثانية ولا تزال تقدم الكثير من الأعمال المميزة، حتى أصبحت في وقت قصير علامة مميزة في عالم السينما والدراما، نظرا لأنها من أصحاب الاختيارات الجريئة، فإذا نظرنا إلى الأعمال الأخيرة لها نجدها تهتم أكثر بالأدوار المركبة وتحاول قدر الإمكان الابتعاد عن الأدوار ذات الرتابة والشخصية الثابتة، وهذا ما رأيناه من خلال واضحا من خلال مسلسلاتها الأخيرة التي تحمل معالجات تتسم بالجرأة والتعقيدات الدرامية الشديدة للغاية التي تجيد (منة شلبي) أداءها بكفاءة واحترافية عالية.