كتب : محمد حبوشة
أسباب كثيرة تدفعك لمشاهدة مسلسل (The Role – دور العمر)، خاصة إذا كنت مثلي من عشاق الدراما اللبنانية في مراحلها الأخيرة، فاختيارك لمشاهدة هذا المسلسل سيكون مثاليا ،ومن بين أول تلك الأسباب أن المسلسل قصته تدور في إطار من الإثارة والتشويق، فتقوم على أحداث حول الشخصيات المضطربة نفسيا، وتعد (شمس) والتي هى الشخصية الأساسية في المسلسل، وهى المرأة الجميلة المضطربة نفسيا، التي تغرم بشخصية خيالية في مسلسل وتبدأ في استخدام البطل في سلسلة جرائم قتل؛ من أجل الانتقام وتطهير المجتمع، ومن أهم الأسباب التي قد تدفعك لمشاهدة المسلسل، هو إيقاعه السريع على عكس الدراما العربية التي تعرض حاليا بوجه عام.
فالمسلسل أحداثه بالفعل سريعة جدا وعنصر التشويق متوفر منذ اللحظات الأولى للعمل، وعلى الرغم من طول مدة الحلقة التي تقترب من الساعة إلا أن المشاهد لن يشعر بالوقت، بالإضافة إلى ما سبق فإن اللبنانية (سيرين عبد النور) جسدت شخصية جديدة عليها يسيطر عليها الغموض، ومع كل حلقة نكتشف شيئًا جديدًا عنها، فضلا عن ماسبق فإن المسلسل يطرح عددا من القضايا المجتمعية التي يعاني منها المجتمع اللبناني مثل (التعذيب في السجون، الفساد السياسي، الخيانة، الدعارة) وغيرها من القضايا التي يتناولها العمل، والمسلسل المكون من عشر حلقات يستعرض قصة الحب التي تجمع بين (شمس وفارس) في بحثهما عن العدالة المفقودة من وجهة نظرهما طبعا، فتنقل كاميرا سعيد الماروق إلى أجواء مشبّعة بالانتقام وتصفيات الحسابات المرتبطة بعالم الجريمة.
أحداث مسلسل (The Role – دور العمر) تجتمع كلها في (حبكة درامية متقنة) تقطع مع كلاسيكية الأعمال اللبنانية التي ظلت لسنوات تدور في فلك الحب والخيانة دون تجديد، كما استطاعت كاميرا المخرج سعيد الماروق السريعة، بالإضافة إلى لعبه الجيد على الإضاءة بين الظلمة والنور، وكذلك الديكور وإطلالات الممثلين المتغيرة على التعبير بدقة عن الحالة النفسية للممثلين، وتوحدت (سيرين عبدالنور) مع شخصية (شمس) رغم صعوبة الدور، وهى التي تقدم في المسلسل شخصية مركبة يغلب عليها الطابع النفسي، وهو ما اتضح جليا في تعبيراتها التي اتسمت بالغموض في أحيان كثيرة، فضلا عن كون الشخصية نفسها تمزج ما بين القوة والضعف والحنان والجنون في الوقت نفسه.
ومن خلال مشاهدتي بدقة لتفاصيل الحلقات أستطيع القول بأن (عبدالنور) أضفت على الشخصية لمساتها الخاصة بأداء احترافي يفوق كل أدوارها السابقة، ولعل أبرز تلك اللمسات تخليها عن الماكياج في مشاهد كثيرة، وكان أغلبها أثناء وجودها داخل المصحة النفسية، وهو ما يتفق مع طبيعة الدور في تلك المرحلة، كما نجح (الماروق) في استخدامه تقنية الـ (فلاش باك) بشكل غير مربك، بل بدرجة تجعل المتابع يستوعب أسباب وقوع بعض الأحداث أو فهم حيثيات تصرفات عدد من الأبطال، كما خلا العمل من المط والتطويل، لتبدو الأحداث مركزة للغاية مع وجود أكثر من خط درامي، أما من الناحية التقنية، فقد استطاعت حركة الكاميرا السريعة، بالإضافة إلى اللعب بالإضاءة بين الظلمة والنور أن تنقل بدقة الحالة النفسية للممثلين، كذلك الديكور وإطلالات الممثلين، حتى أن عملية المونتاج تحمل في طياتها الجديد في تقطيعها وانسيابها اللذين كانا في خدمة أحداث العمل.
المسلسل لبناني بامتياز، وأركانه موقعة بأسماء محلية محترفة، صنع في لبنان، من تأليف ناصر فقيه، إخراج سعيد الماروق، ومن بطولة سيرين عبد النور، عادل كرم، طلال الجردي، يارا فارس، جان دكاش، علي الخليل، ريموند عازار، نوال كامل، وبمشاركة غبريال يمين، أنطوان بلبان، فؤاد يمين، سعيد سرحان، ميرنا مكرزل وغيرهم، وكلهم للأمانة أبدعوا بدرجات متفاوتة في الأداء على مستوى الحركة والسكون والدخول في أهاب الشخصيات بدرجة تؤكد موهبتهم، وقد أبرز كل ذلك المخرج سعيد الماروق في أسلوب الإضاءة، وترجم ببراعة غير معهودة حالات ومواقف في لعبة تصوير محترفة تدور بين الظل والنور فأضفى أجواء مغايرة على أحداث المسلسل.
الشاهد من كل ذلك أن (الماروق) انتظر نحو 15 عاما ليقدم عملا دراميا بطابع الإثارة والتشويق، وهو ما أثبت أنه عندما عرض عليه زميله ناصر فقيه قراءة نص أول حلقتين من المسلسل وافق على إخراجه من دون تردد، لأنه – على قوله – عمل يشبهه تماما، ويعرف كيفية التحكم بخيوطه، فحلق في عالم أحبه وتفاعل معه بكل جوارجه الفنية، ومن ثم أخذ المشاهد إلى دراما الأكشن من باب واسع، وربما لو كانت الفرصة سانحة بشكل أكبر لغرد خارج السرب طويلا، خاصة أن سيرين عبد النور قد تفوقت على نفسها حين تمادت بأداء جنوني نقلها إلى مستوى آخر من التعبير عن جوهر الشخصية التي تعانبي اضطرابا نفسيا في ظل أجواء الـ (سايكو تريلر) تعتمد على الإثارة وكاميرا نشيطة الحركة، وكذلك على حالات نفسية يعيشها أبطال العمل تدور بين الحقيقة والتمثيل بوجه عام.
شمس مطر (سيرين عبد النور) إمرأة جميلة ومضطربة نفسيا تصبح مهووسة بـ (أمير) شخصية خيالية في دراما تلفزيونية ناجحة يؤديها (فارس نحاس/ عادل كرم)، معا يشرعان في رحلة غامضة ومعقدة ضد مجموعة من المجرمين بهدف الانتقام، حب قاتل وعدالة مفقودة، تصفيات وحسابات ترتبط بعالم الجريمة والقتل، تجتمع كلها في (دور العمر) الذي أخذنا كمشاهدين بالفعل إلى دراما بعيدة كل البعد عن العادية والكلاسيكية، وقد ظهر ذلك قبل بدء العرض على شاشة (شاهد) من خلال الإعلانان الترويجيان للعمل اللذين يشيران إلى ذلك ولحبكة درامية مغايرة، وبثوانٍ قليلة استطاع الإعلانان أن يمهدا لما ينتظر المشاهد من توليفة درامية تحمل نفحة عالمية، فحصدا نسبة مشاهدة عالية على مواقع التواصل الاجتماعي، ولعل كل تلك الأسباب الماضية كانت عوامل جذب كبيرة أدت بالضرورة إلى نجاح جماهيري كبير حققه مسلسل لبناني صنع بأجود أنواع العناصر الفنية من جانب المؤلف والمخرج وطاقم العمل التمثيلي.
ربما نالت (سيرين) إشادات واسعة عن تجسيدها لشخصية (شمس مطر)، وهي إمرأة مضطربة نفسيا تواجه العديد من الصعوبات في حياتها، والتي دخلت على إثرها إحدى المصحات النفسية للعلاج قبل خروجها منها، لتقرر الانتقام ممن تسببوا في وصولها لهذه الحالة، ولكنها تختار الفنان (فارس نحاس) ويجسد دوره عادل كرم، لمعاونتها في تحقيق أهدافها، انطلاقاً من إعجابها بشخصية (أمير) التي أداها في حلقات ملئها الإثارة والتشويق بعنوان (الجلاد) وفقاً لأحداث العمل، وقد جاء أداء عادل كرم لشخصة (فارس نحاس)، ليبرهن على موهبته التمثيلية التي نضجت كثيرا خلال الفترة الأخيرة، لأنها شخصية تشهد مراحل ونقلات عديدة عبر الأحداث، فكان يتحرك ضمن واقعه الاجتماعي المسكون بالفساد والتعذيب، فكانت الحياة بالنسبة حركة مستمرة، وهو إنسان يرفض السكون باعتباره صورة من صور الموت، وهذا كان يدفعه إلى تبديد السكون مما يدفعه لأن ينفعل ويعاني ويتعاطف ويقتل في النهاية، بختصار لأنه من خلال ذلك يعبر عن وجوده ومعناه، فهو يعرض الانفعال ويؤثر على أحاسيس الإنسان ومشاعره وتلك هى مقومات الشخصية الانسانية في الانفعال والعاطفة.
ومن الأسباب المهمة التي كانت وراء نجاح هذا العمل كان توحد (سيرين عبدالنور) مع شخصية (شمس) رغم صعوبتها، إذ أنها شخصية مركبة يغلب عليها الطابع النفسي، وهو ما يتضح جلياً في تعبيرات (سيرين) التي تتسم بالغموض في أحيان كثيرة، فضلا عن كون الشخصية نفسها تمزج ما بين القوة والضعف والحنان والجنون في الوقت نفسه، ومن ثم فقد أضفت (عبد النور) على الشخصية لمساتها الخاصة، هذا بالإضافة إلى خلو أحداث المسلسل من المط والتطويل، بل تبدو الأحداث مركزة مع وجود أكثر من خط درامي واضح له بداية ونهاية.
صحيح إنها التجربة الأولى للماروق في عالم الدراما، فقد سبق ونفذ أعمالا سينمائية عدة، بينها (المتحولون) الهوليوودي، وتعاون فيه مع المخرج الأميركي مايكل باي، لكن صاحب فيلم (365 يوم سعادة)، يدخل اليوم الإخراج الدرامي من بابه العريض، في عمل تطبعه الإثارة والتشويق اللذان ينتميان إلى ملعبه الخاص وهو ما انعكس من خلال مشاهد تتسم بالقوة والتحكم في الانفعالات بلغة جسد تبرز فيها احترافية الأداء، وبحسب براعة (سيرين عبد النور) من خلال تجسيدها شخصية (شمس) التي تعاني من اضطرابات نفسية معقدة، فقد بدا ذلك واضحا في إدخال حالة من الرعب والفزع على خالتها (ليلى) التي أقامت علاقة غير مشروعة مع أبيها، وكأن دخولها عليها شقتها بمثابة صاعقة قد حلت عليها في اللحظة والتو، مؤدية هذا المشهد الذي يعتبر (ماستر سين الحلقات) في الحلقة الرابعة بهدوء أعصاب تحسد عليها في البداية، ما يؤكد قدرتها على الأداء الصعب ومتوفقة على نفسها في ذات الوقت، حيث جاء على النحو التالي:
تدخل شمس على خالتها (ليلى) قائلة : بنسوار خالتي .. فيني أفوت؟
ليلى : ليكي شمس اسمعيني .. بدي أقلك كلمتين قبل ما تبلشي تحكي .. ما تفكريني أنا مبسوطة من اللي عم يصير .. انتي بتعرفي قد باحبها لأمك .. في النهاية هى أختي الكبيرة وأنا بخاف على مشاعرها.
شمس : سدي بوزك .. ههه .. سدي بوزك وما بقى تسمعيني صوتك .. أنا هلا راح أحكي وانتي تسمعيني .. وراح تسمعيني كتير منيح .. لأنه هاي أول وآخر مرة راح أحكيكي بالموضوع .. العلاقة اللي بينك وبين بايي بلشت من زمان .. مش من هلا.
شمس تطفي سيجارتها في برودة أعصاب متقنة، وتنظر بخبث لخالتها قائلة: الظاهر قد ايه (رامز) – تقصد (أبوها) – كان ممتاز لأن ضحتك كانت واصلة للسما.. أول شيئ عملته لما شفتكم سوا واجهت بايي !!.
تنظر لها خالتها (ليلى) في ذهول غير مصدقة ..
شمس : معك حق تنصدمي .. لأنه من كتر ماهو جبان أكيد ما خبرك .. صح؟!.
ليلى : ما خبرني شيئ .. بس شمس خليني أفسرلك ….
شمس توقف حوارها على الفور وفي حدة قائلة : باعرف ما خلصت حكي .. لما واجهت بايي اتهمني بالكذب وعملني مريضة نفسيا وعم بتخيل قصص مش صايرة .. وطبعا قدر يقنع أمي ياللي فضلت تصدقه على إنها تصدق ان جوزها مصاحب أختها .. وبتعرفي شو عمل كمان لحتى تكمل معي .. قدر يقنع الكل إن عندي انفصام بالشخصية وبعتني على سويسرا لأتعالج.
ثم تتقدم شمس نحو خالتها ليلى صارخة : أمي مش لعبة بين إيديكم .. بالنسبة لإلي إنتي وياه تسوى ضفر إجرا الصغير لأمي .. من ها للحظة علاقتكم انتهت وإذا بعدها بشوفك معه راح تشوفي عنجد قد ايه أنا .. مجنونة !!
ينتهى المشهد عند هذا الحد، لكن الإثارة والغموض يظلان ملازمين طوال الحلقات الست المتبقية من عمر مسلسل صنع بشغف وحرفية شديتين ليقدم للمشاهد اللبناني والعربي تجربة جديدة على الدراما اللبنانية والعربية في كيفية المتابعة دون أدني شعور بالملل، وعلى جناح من أداء يبعث على الرعب اللذيذ فإطار من الدهشة والغرابة في آن .. تحية تقديرواحترام لصناع هذا العمل الذي خفف من حدة الأجواء الساخنة فكان بمثابة طيف جميل أمتع جمهوره من المشاهدين.