الطريق الى 30 (9) .. بروفة الأوبرا
بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
أثناء انعقاد مؤتمر ( ضد العدوان على الثقافة المصرية ) بأكاديمية الفنون تناثرت شائعات أن الوزير أصدر قرارًا بإنهاء ندب الدكتورة إيناس عبد الدايم، رئيسة دار الأوبرا المصرية، وأنه من المتوقع أن يقوم (عبد العزيز) بندب الدكتور وليد شوشة الأستاذ المساعد بمعهد النقد الفنى بأكاديمية الفنون ليحل مكانها حسب الخبر الذى نُشر على موقع اليوم السابع.
و برغم أن الدكتورة إيناس كانت فى مكتبها و صرحت لبعض الصحف أنها لا تعرف شيئا عن هذا الخبر ، إلا أن العاملين بدار الأوبرا اجتمعوا على الفور و أصدروا بياناً أعلنوا فيه رفضهم الشديد لإبعاد الدكتورة إيناس عبد الدايم عن منصبها كرئيس لدار الأوبرا المصرية دون إبداء أسباب واضحة ، و وصفوا قرارات وزير الثقافة الجديد بأنها غير مسئولة ، و هدد العاملين بجميع فروع دار الأوبرا بالتوجه على الفور فى مسيرة موسعة إلى مكتب الوزير حال إعلان أو تأكيد هذا القرار ، ومنه إلى مقر مجلس الوزراء أو إلى قصر الاتحادية.
وأوضح البيان أنه يجرى التنسيق بين العاملين فى جميع القطاعات الإدارية والأمن والفرق والفنانين من القاهرة والإسكندرية ودمنهور ومسرح الموسيقى العربية بشارع رمسيس واتحادات النقابات الفنية وأساتذة وطلاب الموسيقى والغناء وكبار نجوم الطرب فى مصر والعالم العربى لمنع وزير الثقافة من الاستمرار فى عمله، و اتهموه بتدمير الثقافة المصرية، وتعيين أشخاص مجهولون وغرباء عن الساحة الثقافية ودخلاء مثله كقيادات جديدة للوزارة ليشعر معهم الوزير الجديد بالألفة وينسى الشعور بالتقزم الذى يشعر به الآن وسط القيادات الحالية من أصحاب القامات الثقافية المرتفعة حسب ما جاء بالبيان.
كما أكد العاملون فى الأوبرا، أنهم سينضمون إلى جموع المثقفين فى مسيرتهم المزمع القيام بها فى اليوم التالى ( الثلاثاء ) ضد الوزير الذين وصفوه بالمتهور ، مؤكدين أن إبعاد إيناس عبد الدايم هو هدم وتدمير لدار الأوبرا التى أصبحت فى فترة توليها (كاملة العدد) كما أصبحت ملتقى لجميع فئات المجتمع وكافة طوائفه بحفلاتها وأنشطتها المتنوعة، كما أكد البيان – الذى تم نشره على موقع اليوم السابع – على نزاهة عبد الدايم وقدرتها الفائقة على الإدارة.
لم يكتف العاملون بالأوبرا بهذا ، بل بدأوا فى التجمع داخل أروقة الدار ، و اتصلوا بمن ليس لديهم عمل فى نفس اليوم للحضور ، و التحق بهم عدد من الفنانين من خارج الأوبرا ، و صارت الأوبرا على أهبة الاستعداد للاعتصام أو الخروج فى مسيرة كبيرة .
و على الفور أصدر الوزير بيانا تم توزيعه على الصحف ، نافياً ما تردد بشأن قيامه بإصدار قرار بإنهاء ندب الدكتورة إيناس ، مؤكداً أن وزارة الثقافة لا تدار بشكل عشوائي و أكد فى تصريح لـ ( اليوم السابع ) أيضا أنه لا صحة على الإطلاق لما يتردد داخل الوزارة من أنباء حول تغييرات لعدد من القيادات يتم تسريبها للإعلام، موضحًا أن التغيير الوحيد الذى قام به هو إنهاء ندب الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب .
لم يقتنع العاملون بالأوبرا بهذا النفى و رفضوا إنهاء وقفتهم الاحتجاجية وطالبوا بمجىء وزير الثقافة إلى مقر دار الأوبرا وتأكيده لهم على أنه لا نية لديه لتغيير قيادات الوزارة، برغم أن عبد الدايم التقت بالمتظاهرين و قالت لهم أن الوزير اتصل بها و أكد أن ما أثير حول إنهاء ندبها غير صحيح ، إلا أن المتظاهرين عبروا لها عن مخاوفهم وعدم ثقتهم ، وأنهم مستمرون فى وقفتهم الاحتجاجية حتى مجىء الوزير إليهم كما صرحت لليوم السابع .
و لم تنته الأزمة إلا بعد عدة اتصالات و تأكيدات بأن الخبر غير صحيح و أن عبد الدايم باقية فى مكانها … و لكن … كما يقولون ( الحماقة اعيت من يداويها ) فبرغم أن ما حدث ينبئ أى عاقل برد الفعل الحاد تجاه نزع الدكتورة إيناس من الأوبرا ، و أن الأحداث كانت بمثابة بروفة كاشفة ، إلا أن الوزير أصر على تكرار الأزمة بعدها بعدة أيام فوضع مسمارا جديدا فى نعش بقائه .
و فى نفس هذا اليوم ( الاثنين ) أعلنت الوزارة عن اختيار الدكتور جمال التلاوى – أستاذ الأدب الإنجليزى والأدب المقارن بكلية الآداب جامعة المنيا ، نائب رئيس اتحاد الكتاب ، و عضو مجلس إدارة نادى القصة – رئيسا لهيئة الكتاب بديلا للدكتور مجاهد ، على أن يقوم الدكتور عبد الناصر حسن رئيس دار الكتب والوثائق القومية بتسيير أعمال الهيئة لحين استلام (التلاوى) مهام عمله الجديد . و برغم أن إجراءات الندب من أى جامعة إلى الوزارة تستغرق وقتا طويلا ، فلابد أن يعرض أمر الندب على مجلس القسم بالكلية التى يعمل بها ، و بعد موافقة مجلس القسم يعرض الأمر على مجلس الكلية ، ثم مجلس الجامعة ، و هى جميعها مجالس تجتمع فى مواعيد مختلفة ، و الحصول على موافقتها يستلزم فترة ثلاث أسابيع على الأقل إلا أن التلاوى كان يجلس بالمكتب بعدها بيوم يمارس اختصاصاته !!
و عندما سئل الدكتور التلاوى ( فيما بعد فى حوار منشور باليوم السابع ) عن سبب قبوله للمنصب فى ظل رفض غالبية المثقفين للوزير قال : ( قبلت برئاسة الهيئة لأننا نعمل فى وزارة ثقافة مصر، ومثلى مثل أى رئيس هيئة قبل أن يعمل فى الوزارة فى ظل اعتراضات من المثقفين على بعضهم ) .
ثم يتساءل : ( لماذا لا يعطى المثقفون فرصة للوزير، وننتظر منه أن يحقق ما ينادى به، فما يتحدث عنه لا يختلف عليه أحد من المثقفين، ولذا أرجو منهم ألا يتسرعوا فى حكمهم عليه ) .
وعندما يواجه بأن اختياره رئيسًا لـ (هيئة الكتاب) جاء بناءً على موقفه من تأييد للإعلان الدستورى الذى أصدره (مرسى) فإنه يعترف ( نعم كنت مؤيدًا للإعلان الدستورى الذى أصدره الدكتور محمد مرسى، ولكننى أرفض أن يكون هذا مقابل هذا، وأرفض هذا الاتهام، ويجيب عن ذلك تاريخى فى الوسط الثقافى ) ، و عندما سُئل عن رأيه فى سياسة الدكتور محمد مرسى ، يجيب قائلا : ( أنا أعمل فى الوسط الثقافى ولست سياسيًا لأجيب عن هذا التساؤل ) .
الصحفى : ( ولكن لك آراء سياسية ومنها موقفك من الإعلان الدستورى مثلاً )؟
التلاوى : ( أكرر نفس الإجابة أنا لا علاقة لى بالسياسة ).
لكن تبقى أسئلة معلقة : كيف أنهى الدكتور التلاوى إجراءات ندبه بهذه السرعة ؟ ، هل كان يعلم مسبقا باختياره للمنصب فاستعد لإنهاء الاجراءات ؟ ، ما علاقة اختياره بتأييده للإعلان الدستورى الذى أعلنه الدكتور مرسى ؟ ، هل صحيح ما قاله الكاتب الكبير يوسف القعيد عند الإعلان عن إنهاء ندب الدكتور مجاهد أن الإخوان يريدون لهيئة الكتاب رئيسا تابعا لهم ؟ .
و مما يزيد الدهشة أن الوزير أنهى ندب الدكتور مجاهد بسبب اعتراضه على تغيير اسم ( مكتبة الأسرة ) ، فهل قام التلاوى بتغييرها فعلا حسب رغبة الوزير ؟ .
لم يقدم التلاوى على هذا ، بل صرح خلال الاجتماع الدورى للجنة العليا لمكتبة الأسرة – التى اعترضت من قبل على التغيير – أن وزير الثقافة قرر الإبقاء على اسم سلسلة (مكتبة الأسرة) دون تغيير اسمها لـ (مكتبة الثورة المصرية) وذلك تلبية لرغبة جموع المثقفين. و أنه تم الاتفاق مع الوزير على أن تكون اختيارات اللجنة لما تقرر نشره بالسلسلة نهائية ، ولأعضائها مطلق الحرية فيما يقررون نشره ، ولا رقابة على اختياراتهم” . بل إن الوزير نفسه قال فى برنامج تليفزيونى : ( هذا لم يكن قرارا وإنما كان تصورا طرح للنقاش، مشيرا أن مكتبة الأسرة ستظل كما هى، وسنطلق مكتبة الثورة للحفاظ عليها في أذهان المصريين ) .
كان هذا بعد ان استقال كل من الكاتب الكبير يوسف القعيد من مجلس إدارة الهيئة و الدكتور مصطفى رياض من منصب نائب الرئيس و الشاعر أسامة عفيفى عن رئاسة تحرير مجلة (المجلة) و قيام كل من الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى والكاتبين الكبيرين جمال الغيطانى ويوسف القعيد بسحب أعمالهم التى كان مقررًا أن تصدر عن الهيئة . فهل كان الأمر لمجرد التخلص من مجاهد ؟ و لماذا ؟.
ربما نجد الإجابة لو نظرنا للخلف بضعة شهور عندما منح معرض الكتاب جائزة أفضل كتب العام للاستاذ ثروت الخرباوى عن كتابه ( سر المعبد ) الذى فضح فيه الإخوان بعد انشقاقه عنهم ، و عندما قيل هذا للدكتور مجاهد فى حوار صحفى أجاب : الحقيقة أننى أعمل بشكل علمى، وهذا كتاب سياسى، حقق مبيعات ضخمة جدًا داخل مصر وخارجها ، وبناءً عليه رأت اللجنة التى تختار كتاب العام أن ما جاء به الكتاب، وما حققه سببًا لأن ينال الجائزة ، لكن ( الخرباوى ) لم يأخذ الجائزة نكاية فى أحد، ولكن لأنه يستحقها ، ومن المفترض أن مؤسسات الدولة لا تعمل لحساب الحزب الحاكم ، بل لكل التيارات الثقافية والسياسية وأن يكون لديها معايير موضوعية ، وما يهمنى فى النهاية أننى نجحت فى تحويل مؤسسة خاسرة إلى رابحة ، وأن الإنتاج الذى صدر خلال العاميين الذين توليت فيهما المسئولية يشهدان بذلك .
و فى اليوم التالى ( الثلاثاء ) تحركت أول مسيرة ضد وجود الوزير .. و لهذا حديث آخر.