الإرهاب الليبرالي .. مجرد تنبيه !
بقلم : محمد شمروخ
أول أمس الجمعة كان يوافق 6 أغسطس وغدا الاثنين 9 أغسطس .. ما شأنهما؟!
لا أدرى كيف أوجه الدعوة إلى المؤرخين والكتاب والمفكرين والفلاسفة وعلماء الاجتماع والنفس والقانونيين والمحللين والإعلاميين، لمناقشة هذا التجاهل الذي يمر على هذين اليومين في التاريخ.
وماذا يعنى؟!
مجرد السؤال يدل على الخيبة الثقيلة في التفكير والعماء الفكري وأننا مازلنا نرزخ تحت قيود تزييف الوعى الذي صنعته دوائر إعلام تتجاهل من التاريخ ما تشاء وتستدعى ما تشاء، ولا يوجد ثمة مقارنة مع ما سيحدث مع دخول شهر سبتمبر المقبل بمناسبة مرور عشرين عاما على حادث 11 سبتمبر من إطلاق المناحة العظمى على ضحايا ذلك الحادث الإرهابي الشهير، ومن ثم طرح كل الأفكار بلامواربة الانتقال من اتهام الإرهاب إلى اتهام التطرف الدينى ومن التطرف الدينى إلى الإسلام ومن الإسلام إلى فكرة الدين نفسها!
فمازال 11 سبتمبر هو الحدث الذي يحظى باهتمام منقطع النظير على كل المستويات، بينما يتم تجاهل ما فاقه من مذابح إرهابية مع التنبيه أن الإرهاب تصنعه الدول مثلما تصنعه التنظيمات السرية والمليشيات العلنية!
اسال نفسك كم من كتاب وكم برنامج وكم رسالة وكم دراسة وكم فيلم أو مسلسل.. وكم وكم وكم.. عن 11 سبتمبر، ولكن ماذا عن أكبر وأبشع وأسرع مذبحة جماعية في التاريخ البشري على كوكب الأرض وقعتا في التاريخين المتصدرين لهذا المقال (رجاء ألا تكون نسيتهما).
فبيدو أننا نسينا ما حدث في أغسطس 1945 عندما أمر هارى ترومان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بانطلاق طائرة تحمل أول قنبلة نووية تستخدم في تاريخ الحروب، لتلقى فوق مدينة هيروشيما اليابانية في يوم 5 أغسطس 1945 وبعدها بأيام ثلاثة يتكررالأمر نفسه إلى طائرة أخرى بطاقم قيادة آخر لتلقى قنبلة أخرى من النوع نفسه فوق مدينة ناجازاكي، ليموت من جراء ذلك أكثر من 220 ألف إنسان.
لست هنا بمقارن بين الحدثين في أغسطس 1945 وما حدث في سبتمبر 2001 الذي مات فيه حوالي ثلاثة آلاف، لكن الذي أريد أن أدعو إلي كل الفئات السابق إشارتى إليها.
لماذا تم التعامل مع قنبلتى هيروشيما ونجازاكي في أغسطس 45 على أنهم ضحايا حرب، بينما تم التعامل مع ضحايا برجي شارع جارف هارد بنيويورك في 11 سبتمبر 2001، على أنهم ضحايا إرهاب؟!
والسؤال بصيغة أكثر صراحة ووضوح: لماذا اعتبر الآمرون بإسقاط قنبلتى هيروشيما ونجازاكي كأبطال حرب، بينما اختلف الوضع في 11 سبتمبر فصار مرتكبوه إرهابيين؟!
سيجيبنى أحدهم بأن الحرب لها قواعدها وأن حادث سبتمبر لم يكن في ظل حرب.
حسنا يا أعزائي، فهل كان من بين وسائل الحرب حينئذ، استخدام أسلحة دمار شامل اتفق العالم فيما بعدها على تحريمها وأخذت العهود ووقعت المعادات حتى لا تتكرر؟!
هل تم التنبه على سكان المدينتين من المدنيين بتجنب البقاء في المنطقة لحين استكمال المهمة المدمرة.
إن ضحايا اليابان في هيروشيما ونجازاكي كانت الغالبية العظمى منهم من المدنيين بكل فئاتهم من الأطفال والشيوخ والنساء والمرضى والمعاقين لقد قتل العمال في المصانع والباعة في المتاجر والمترددين على الأسواق والمرضى في المستشفيات، فلم تكن المدينتان قاعدتين عسكريتين أو تحويان مخازن ذخيرة أو منصات صواريخ أو مطارات حربية أو حتى معسكرات للتدريب، فهل كان من قواعد الحرب قتل كل هؤلاء المدنيين بكل هذا العدد وبواسطة هذا الجحيم الحربي؟!.
تمر الذكرى كل سنة وتذرف الدموع، والعجيب أن أكثرها في أمريكا التى تجيد سكب دموعا أكثر على جرائمها هى نفسها وتتباهى بإصابة عدد من العسكريين والمدنيين بالأمراض النفسية والعصبية بشاعة الحرب!
لكن لم توضع على خطط البحث ولم يناقش أحد تلك المنظومة الفكرية – ولا أقول العقائدية – التى جعلت السيد ترومان يوافق على قرار مستشاريه العسكريين لإجبار اليابان على الاستسلام بعد إنهاء الحرب فعليا بين الحلفاء وألمانيا وإيطاليا، ليس ترومان وحده فحتى الآن لم يعد أحد هذا الرجل ولا أعوانه ولا طواقم الطيارين، من بين مجرمي التاريخ ولا قدمت الولايات المتحدة اعتذارا لليابان فضلا على العالم، حتى عندما زار أوباما اليابان في مايو 2016 وذهب إلى هيروشيما، لم يعتذر بصفته رئيس الدولة مرتكبة الحادث الأكثر دمارا ودموية في تاريخ الإنسانية ولا حتى بصفته داعية لنبذ العنف حاصل على جائزة نوبل للسلام قبل زيارته بحوالى 7 سنوات لجهوده لتحقيق السلام العالمى!.
فيبدو أنه ذهب ليعزى في ضحايا جيوش بلده، بعد 71 سنة من الكارثة، لكنه لم يحمل على كتفه الكفن كالصعايدة الجدعان الذين يؤثرون السلام في مصالحاتهم لإنهاء الثأر.
لكن لم يسأل أحد عما إذا كانت هناك ضرورة لإرغام اليابان باستخدام هذا السلاح المدمر، خاصة بعد أن تقوقعت الجيوش اليابانية وكانت قوات سوفيتية من الحلفاء المنتصرين، تحارب على أرض اليابان نفسها ولم يبق على حسم الأمر إلا القليل.
لكن القنبلتين التوأمتين لم تكونا لإرهاب اليابان فحسب، بل في الحقيقة إنهما لإرهاب العالم كله، فبعدها تسيدت الولايات المتحدة الكوكب وأزاحت بريطانيا من على عرش الأرض، مع أنها أمها الروحية ولكنها صارت عجوزا مزعجة يجب الحجر عليها.
لن أتكلم عن غارات تشرشل على مدن ألمانيا ولا بقية المعارك التى جرت فيها دماء الملايين من العسكريين والمدنيين وبلغ ضحايا تلك الحرب أكثر من 60 مليونا في شتى بقاع الأرض، فقد كانت المعارك على بشاعتها تقع في دائرة قسوة قوانين الحرب المقبولة تاريخيا ولو على مضض ولا يمكن وصفها بالإرهاب وإن كان الإرهاب ليس هو المظهر الوحيد للدموية والغدر!.
لكن الحادثين اللذين يمران على عقول السادة المنبهرين بنتاج العقلية الغربية ويريدون تطبيق نموذجها بكل ما فيه، لا ينبهان العقول التى مازالت تحصر الإرهاب فى جماعات بن لادن وداعش والنصرة!
(ولنغض البصر عامدين عن التنسيق المخابراتى بين هذه التنظيمات وبين الولايات المتحدة والذي كشفه أكثر من حادث)، فأرواح 220 ألف قتلوا وأضعافهم من الجرحى والمشوهين جسميا ونفسيا من جراء 100 مليون درجة مئوية ناتجة عن التفجير الذري بخلاف الإشعاعات القاتلة في المدينتين، كل هؤلاء ذهبوا ثمنا رخيصا لسيادة أبناء العم سام، فلقد أرهبت الولايات المتحدة حلفائها مثلما أرعبت خصومها بهذه الفعلة النكراء التى يتم تجاهلها سنويا ويكتفون فقط بالدموع الباردة.
هل يجرأ السادة الأحرار من رواد التنوير الإعلامي، لاسيما من دعاة الليبرالية، أن يحملوا الخلفية التاريخية كل هذه الدموية الأمريكية عامة والغربية خاصة؟!، هل يحدثونا – ولم يفعلها إلا قليل كالدكتور جمال حمدان والدكتور عبد الوهاب المسيري – عن جذور الإرهاب في الفكر الغربي بداية من تطبيقات الداروينية التى بررت إبادة شعوب الأمريكتين واستراليا وجزر المحيطات وبعض قبائل وشعوب أفريقيا من الزنوج ودعوات كتاب وأدباء وفلاسفة كبار ومشهورين مثل (لايبنتز وشاتوبريان ونيتشة وفرويد) لتبرير العنف واستخدام القوة التى تصل للإبادة ضد خصوم الغرب.
تالله ما كان من فوكوياما وهنتجنتون ومن سار على خطاهم إلا من هؤلاء.
فهؤلاء الذين صنعوا العقلية الإبادية التى تتعامل معها الليبرالية الغربية مع خصومها – وأحيانا حلفائها بشكل خفي – ولكن تحت ظلال حقوق الإنسان ونشر الفكر الليبرالى الحر ومحاربة الإرهاب، حتى دمرت حضارت ودولا كاملة وشردت شعوبا وقتلت الملايين في سبيل دعوتها للحرية!
فيا معشر الفنانين والمفكرين والأدباء والشعرء والتنويريين والإعلاميين وكل من دعى بدعوة الحرية والسلام والتنوير، لتكن لديكم الشجاعة التى سبق أن واجهتم بها الإرهابيين ممن سموا أنفسهم بالإسلاميين، لتكشفوا لنا ما خفى من الإرهاب الليبرالى .. فمن منكم سيجرؤ على أن يعلق الجرس في عنق القط؟!.