كتب : محمد حبوشة
بحسب أفلاطون: الغناء بمثابة حب الطبيعة، وهذا ما يصنع لغة مشتركة يمكن أن تتجاوز الحدود السياسية أو الاجتماعية، لأنه يعرض جهازنا الحسى لوابل مستمر من الصور السريعة الحركة، والموسيقى، والمؤثرات الصوتية، وهذا بطبيعة الحال يؤدى فى نهاية المطاف إلى أن تصبح قدراتنا على اتخاذ قرارت عقلانية إزاء أى شىء أمر ليس صعبا، وفى هذا يقول الفيلسوف اليونانى الذى عاش عصر أثينا الكلاسيكي: (سيصرخون ضد الغناء وسيغنى الشعب.. سيصخرون ضد الموسيقى وسيطرب الشعب.. سيصرخون ضد التمثيل وسيحرص على مشاهدته الشعب.. سيصرخون ضد الفكر والمفكرين وسيقرأ لهم الشعب.. سيصرخون ضد العلم الحديث وسيتعلمه أبناء الشعب).
سيصرخون ويصرخون وسيملأون الدنيا صراخا، وسترتفع أصوات مكبرات أصواتهم وستنفجر قنابلهم وتتفرقع رصاصاتهم وسوف يكونون فى النهاية ضحايا كل ما يفعلون، وسوف يدفعون الثمن غاليا حين يحتقرهم الجميع ويرفضهم الجميع ويطاردهم الجميع، وكأن لسان حاله يقول بأن الغناء والفن هو علاج لكل معضلاتنا إذا توافرت أصوات شجية فى وقت يندر فيه أن توجد فى عالم الطرب والمطربين (ممن يستحقون أن يلقبوا بالمطربين)، ما بالك بما يسمى بالمهرجات الغنائية التي تجمع بين قبح الشكل والمضمون على حد سواء، ومن ضمن هؤلاء ظاهرة (حمو بيكا) الذي فرض لونه الرديئ على كل البيوت المصرية بفضل تبجح بعض الإعلاميين الذين يستضيفونة عنوة في سبيل ركوب الترند.
لا أحد ينكر أن للموسيقى دور في رسم الجمال الجسدي، حيث تختلف أذواق الملحنين مثلما تختلف أذواق البشر في ذائقتهم الجنسية وشعورهم بالجمال، فالملحن هو عبارة عن كائن يضبط إيقاعات أذنه وروحه مع إيقاعات الجسم والحياة المادية بالخارج، فمثلما تختلف أذواق البشر تختلف أيضا أذن الملحن وطريقة تفاعله مع الإيقاعات الخارجية، فكلما كان الملحن أكثر اهتماما بالشجن والرقص في موسيقاه فهو يرى الجسم البشري بنفس الصورة، إنه يرى الإناث ترقص بشكل طبيعي حتى لو لم تكن ترقص في الواقع، ويرى الذكور تبتهج حتى لو لم تكن مبتهجة في الواقع، والمعروف عن (بليغ حمدي) هذه الموسيقى التي تجمع بين الرقص والشجن والحب والبهجة والحزن والسعادة في آنٍ واحد، إنه مخيال فيلسوف لديه أذن حساسة جدا في رؤية الجمال وترجمته لإيقاعات لحنية متناسقة، لذا فالملحنين يستشعرون الجمال بالأساس..والموسيقي الذي يفقد شعوره بالجمال يفقد قدرته على التلحين فورا.
فمن يستغرب الفارق بين موسيقى (حمو بيكا) مثلا وبين موسيقى (بليغ حمدي) يمكنه فهم هذا الفارق من تلك الزاوية، فأمثال بيكا وملحنيه أقل شعورا بالجمال وإن كانوا يمتلكون الحد الأدنى منه الذي مكنهم من إخراج جمل لحنية متناسقة ولو كانت صاخبة دون معنى، وإيقاعاتها مقززة أحيانا ونشازا ينفر منه الملحنين الأسوياء، وشخصيا لدي فضول لرؤية معارك الموسيقار (حلمي بكر) مع هذه الفئة النشاز، فهو لم يتذوق موسيقاهم ويرى أن ما يقدموه مرتبط بثقافة البلطجة والتحرش والعدوان أكثر مما يرتبط بالحب والغزل والرومانسية والعتاب..إلخ، فيصعب على المشاهد العادي فهم دوافع حلمي وغضبه، لكني أتفهمه باعتباري مدركا للرباط الذي يجمع بين الفيلسوف والملحن، وبين علاقة الجمال الجسدي والمادي وبين إيقاعات الموسيقى.
ولأن ما يقدمه (حمو بيكا) وأمثاله مرتبط بثقافة البلطجة والتحرش والعدوان أكثر مما يرتبط بالحب والغزل والرومانسية والعتاب، لذا كان لابد لي من التطرق إليه ظاهرة هذا (العجل الاسترالي) على وجه التحديد، فمن لفظ الفنانة (لوسي) الخارج إلى بلطجة حمو بيكا.. يمكننا توقع كيف ينتهي موسم الانحرافات بالساحل الشمالي !.. ثمة ظاهرة غريبة غلفت الموسم الصيفي هذا العام، وخاصة الساحل الشمالي الذي استحوذ على النسبة الأكبر من اهتمامات المصريين والمصطافين خلال الفترة الأخيرة، والساحل الشمالي برماله الصفراء وشواطئه الساحرة، أصبح قبلة صيفية معتادة للكثيرين الذين فضلوه عن وجهات أخرى تميزت خلال السنوات الأخيرة، ومنها شرم الشيخ والغردقة والجونة والعين السخنة ومطروح والاسكندرية.
لكن الأنباء التي ترد من الساحل الشمالي عن المشاهير، معظمها لا يتساغ للكثيرين بسبب انحرافات ربما أخلاقية أو خلافات وخناقات مع الجمهور، ومنها مغني المهرجان صاحب الصوت الرخم، والثقافة القليلة والشعبية الجارفة، المدعو جماهيريا بـ (حمو بيكا) كان له النصيب الأكبر من التريند السلبي برصيد 3 خناقات، فقد اعتاد بيكا أن يحجز لنفسه دائما مرتبة متقدمة في تريند الخناقات والمشكلات في الساحل الشمال مع كل خروج له، أولها كانت مع شباب في الساحل وانتهت بمحضر صلح، وآخرها كان بالتحفظ على سيارته بالأسكندرية، ونجح رجال المرور في الاسكندرية، برئاسة اللواء أمجد أنور، في ضبط سيارة مغني المهرجانات الشهير، حمو بيكا، أثناء وقوفها بشكل مخالف في مكان غير مخصص للانتظار في أحد شوارع وسط المدينة.
ووضع الرائد شاهر قمرة، من إدارة مرور الاسكندرية، الكلابشات في السيارة، ما أدى الى حدوث مشاجرة بين بيكا والضابط، وعلى الفور حرر قمرة، بناء على تعليمات اللواء أمجد مدير إدارة مرور الاسكندرية، مخالفة للسيارة وتغيير الشكل الجوهرى للسيارة، وانتهاء رخصة السير وتركيب زجاج ملون غير مثبت على الرخصة، وعقب ذلك، عرض المتهم علي النيابة والتي قامت بإخلاء سبيله بكفالة عشرة آلاف جنيه، وعلى الفور تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) صورا لسيارة حمو بيكا، أثناء قيام ونش تابع لإدارة المرور بكلبشة السيارة لوقوفها في مكان غير مخصص للانتظار.
3 خناقات في أسبوع حولت (البغل الاسترالي) حمو بيكا .. من نكتة غنائية إلى (بلطجى الأغنية الأول)، وقد سبق هذه الخناقات بعام تقريبا عندما اقتحم نقابة الموسيقيين وقام بسب وقذف أمير الغناء العربي هاني شاكر، وهو القادم إلينا فى غفلة من الزمن حيث تحول فجأة حمو بيكا من صنايعى لمطرب .. ومطرب لاعلاقة له بالطرب ولا الغناء ولا حتى مؤدى .. ولكنه زمن الترندات والبحث عن كل ماهو غير مألوف حتى ولو على سبيل النكتة و الإفيه.. واستغل بيكا شغف الجمهور الجديد بالترند وعاش الحكاية وركب الموجة حتى أصبح رمزا شائها لأغانى المهرجانات ومؤدوها.
وفي سبيل ركوب الترند أصبح (بيكا) يبحث يوميا عن تقليعة جديدة يجني من ورائها مبالغ مادية خرافية حتى أنه يفعل أي شيء بعيدا عن الفن في سبيل ذلك .. فتجده مثلا يوما يستعرض سياراته الجديدة الفارهة الغالية الثمن.. وكذلك استعراضه بجهله بالغناء ونطق الكلمات واللحن وهو فى الاستوديو يسجل أغانيه، وكل يوم يخرج علينا بفيديو جديد بأدق تفاصيل حياته التى لاتهم أحد، ولكن لأنه يضيف عليها كثير من التوابل البلهاء فتحول إلى نكتة وإفيه مجتمعى .. فهو ليس بجاهل أو ساذج ولكنه ذكى أخذ نفس فكرة الراحل شعبان عبد الرحيم بتحويل نفسه إلى نكتة سواء بلبسه أو ساعاته واكسسواراته.
ويبدو في الظاهر أن بيككا يضحك الجمهور بتلك الأفعال، لكنه فى الحقيقة يضحك على الجمهور.. ويضع يده فى جيوبه يغرف منها مايشاء دون أن يشعر هذا الجمهور الطيب الباحث عن الضحك.. والمشكلة أن مايفعله هذا (البغل) من استعراض ثرواته ورفاهيته التى طبت عليه من الترندات تحول الى قدوة ورمز لجيل سطحى عشوائى يبحث عن الثروة دون تعب أو بذل جهد وموهبة حقيقية تؤهله لذلك مما حول الحياة إلى تفاهة وبلطجة فنية، وبمناسبة البلطجة الفنية فهذا (البيكا) الباحث دائما عن الترند أصبح الترند نفسه يبحث عنه.. ومشاكله أصبحت مشهورة بحجم سذاجته الغنائية .. فلأنه ليس فنان حقيقي يتمتع بالوعى والثقافة، ولأن ما أصبح فيه هو وليد الصدفة لا الموهبة فهو لايصدق نفسه بل أصبح يرى فى نفسه أنه نجم وفوق الحساب.
مؤخرا تشاجر فى الساحل الشمالى مع مجموعة شباب صدم سيارتهم ولأنه يرى نفسه فوق الجميع لما يقدمه من فن تافه فبدلا من احتواء الأزمة والاعتذار لهم بلطج عليهم وقامت (عاركة) بينهما أقرب الى خناقات الفتوات والبلطجية، وفي واقعة أخرى يرى فى نفسه فوق القانون فأصبح يسير بسيارته الفارهة الذهب عيار 24 – كما يزعم – فى شوارع الاسكندرية وكأنه هو صاحب الشارع فيركن فى أى مكان دون الالتزام بقانون المرور ويعطل الشارع عادى .. ولو تحدث معه رجل الأمن يرد بغرور وتعالى، رغم أنه لايملك رخصة ولا أرقام للسيارة، لذا نفذ رجل الأمن القانون فيه كأي مواطن عادي، وبالطبع هذا لم يعجبه فتطاول على ضابط المرور الذي أودعه الحبس بعد ذلك.
مايجب أن يفهمه بيكا ومن على شاكلته أن الفنان الحقيقي يتباهى به الجميع ويتمنوا القرب منه جراء تصرفاته الأخلاقية وتسامحه مع الناس ولا يتباهى بنفسه .. أما مدعى الفن من أصحاب المهرجانات أولئك الذين يغنون بذراعهم فهؤلاء ظواهر وفقعات إلكترونية هبت علينا مثل الجراد الأحمر القادم دائما من الجنوب ومع ظهورهم وغيرهم يستطيعوا إضحاك الجمهور لفترة مؤقتة لكنهم لا يتمنكوا طويلا من الضحك عليهم وحتما ستختفى هذه الفقعات ببساطة لأن ما يقدمونه هو بمثابة خروج على قيم المجتمع وانحدارا بالذوق العام.
لي ملاحظة أخيرة جديرة بالاهتمام من جانب المجلس الأعلى للإعلام، وهى ضرورة مراقبة القنوات التي تستضيف (بيكا) وغيره لركوب الترند، مثل قناة (الحدث)، حيث استضافه مذيع (باباراتزي) يدعى (أحمد عبد العزيز) في برنامجه الذي يسميه (الوسط الفني) وسأله : هل تشرب الخمر فأجابه بصفاقة : وإيه المشكلة ما الـ 100 مليون مصري بيشربوا ويسكي .. عادي)، لذا ينبغي أن تكون هنالك قرارات حاسمة من جانب أكبر مؤسسة معنية بالإعلام، ولو بايقاف مثل تلك البرامج، خاصة أن حمو بيكا ممنوع من الظهور في الحفلات بقرار من نقابة الموسيقيين، ومن ثم لجأ لوسائل قبيحة والظهور الفضائيات لركوب الترند .. والسؤال الملح الآن إلى متى ستظل ظاهرة (بيكا وأمثاله) تشغل بال إعلامي مصر الذين أصبحوا يخصصون مساحة زمنية شبه يومية لرصد أخبار خناقته وترنداته القبيحة؟!! .. شاهت الوجوه الكريهة أمثال بيكا وغيره ممن يصرون على استضافته في إعلامنا القومي والخاص في هذا الوطن الذي يشهدت تطورات تنموية مذهلة لا يليق به أمثال هؤلاء.