بنت طنطا .. سيدة الكوميديا الخليجية
بقلم : محمد حبوشة
لا يختلف ممثل الأدوار المضحكة (الكوميدية) عن ممثل الأدوار الأخرى سواء في المسرح أم في السينما أم في التلفزيون سوى ما تتطلبه الشخصية الكوميدية من متغيرات في التعبير الجسماني والصوتي، وهنا تؤدي المبالغة والاصطناع والتشويهات دورها أحيانا في أداء الممثل الكوميدي بقصد إثارة الضحك، ومثلما يمتلك الممثل الكوميدي مرونة جسمانية وصوتية كافيه لتنفيذ المتغيرات المذكورة أعلاه فلابد للممثل التراجيدي أو الدرامي أن يمتلك مثل هذه المرونة أيضاً، وقد يتطلب من الممثل الكوميدي أن يكون أكثر مرونة لأن المتغيرات التي عليه أن يمر بها خلال مواقف متغيرة كثيرة وسريعة.
وقد كانت الكوميديانة الكويتية القديرة الراحلة عن عالمنا أمس السبت 31 يوليو 2021 (انتصار الشراح) واحدة من الممثلات الكوميديات الأكثر مرونة على حجمها جسمها الضخم، لذا كانت تقدم جهدا استثنائي في أداءها للأدوار الكوميدية حسبما يرى فرويد : (إن الممثل الذي يقدم لنا عرضا مسرحيا هزليا مقارنة مع أنفسنا أنه يقدم جهدا كبيراً من خلال وظائف الجسم، وأن هذا الجهد يجعلنا متمتعين ومسرورين وهذا هو التفوق الذي شعرنا به به مع الممثلة الكوميدية الأولى خليجيا (انتصار الشراح)، التي كانت تمتلك ملامح مضحكة وتشوها في الشكل إلى حد ما واستعدادا للنزق، وهى صفات تخدم نوعا من التمثيل، كما أنها – يرحمها الله – كانت تملك مؤهلات السحر والجاذبية في أدائها العذب عبر كوميديا الموقف التي كانت تجيدها على نحو احترافي في المسرح والدراما التليفزيونية.
إن المدهش والممتع في شخصية الممثلة المجتهدة الراحلة (انتصار الشراح)، كان في قدرتها على عرض وإضافة أفعال بشرية، وتوليد مشاعر إنسانية محددة وواقعية بواسطة مهاراتها الفنية العالية بحكم قدرتها على فهم وخلق طبيعة بشرية حقيقية، وتوليد مشاعر وأحاسيس صادقة، وإعادة إنتاج شخصيات وأنماط إنسانية لا حدود لها؛ تنبشها من الحياة العادية، ومن خزانة الذاكرة الانفعالية لديها، ومن ثم فهي كانت تجسدها أمامنا بإتقان ساحر، في رصيدها الفني الذي يتكون من 55 مسرحية، وأكثر من 80 مسلسلا، و14 برنامجا كوميديا مع شريكها الفنان داود حسين.
ولدت (انتصار الشراح) في مدينة طنطا بمصر في 5 نوفمبر 1962، وانتقلت بعدها مع أسرتها إلى بلدها الأصل الكويت، وتحديدا إلى منطقة الشِعب، كونها كويتية ولها أصول مصرية أيضا، ثم التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت، وكانت من أبرز طلاب دفعتها، وشاركت في أول عمل مسرحي لها بعد التخرج مباشرة من خلال مسرحية (صقر قريش)، وعرفت منذ البداية كمطربة، لذا دخلت عالم الفن عبر الفرق الغنائية في نهاية السبعينيات، وساعدها على ذلك صلة القرابة التي جمعتها مع الفنانة الراحلة مريم الغضبان، وشاركت عام 1981 في المسرحية الشهيرة (باي باي لندن) من بطولة النجم عبد الحسين عبد الرضا، الذي منحها هذه الفرصة الذهبية، والفنان الراحل غانم الصالح، فكانت الانطلاقة الفعلية لمسيرتها في مجال التمثيل بفضل شعبية ونجاح هذه المسرحية.
ظهرت (انتصار) منذ عام 1982 وحتى قبل رحيلها بأشهر قليلة بعدة أعمال مهمة أبرزها لأول مرة على الشاشة الصغيرة عبر مسلسل (خرج ولم يعد)، ومسرحيتي (تسمح تضحك، سندريلا) ثم بمسلسل (الأسوار)، وتلتها بمسرحية (الإنسان الآلي) عام ثم عملت في مسلسلي (إلى من يهمه الأمر، المغامرون الثلاثة، ومسرحيتي (الطنطل يضحك، والبمبرة) الكوميديتين في 1986، وكانت آنذاك وحيدةً في الساحة الكوميدية المزدحمة بالرجال، فازدادت العروض عليها واكتسبت شهرةً إضافية، مشكلةً ثنائيًا كوميديًا مع الفنان الكويتي داود حسين.
وشاركت في عام 1987 في مسلسلي (أبو الفلوس، عائلة فوق تنور ساخن) ثم في مسرحيتي (أرض وقرض، الدكتور صنهات) حملت كلاهما طابعًا كوميديا اجتماعيا، وحمل عام 1989 للشراح عدة أعمال من بينها أول أوبريت لها بعنوان (بعد العسل) إضافة لبطولة مسرحية (لولو الصغيرة)، ومسرحية (نصب واحتيال) الكوميدية، ومسلسلي (عاد ولكن) مع داوود حسين، و(خذ وخل) الكوميدي أيضا، منهية العام بأدائها في مسرحية (لولاكي)، وبدأت (انتصار الشراح) فترة التسعينيات بأربعة عروضٍ حية، في مسرحيتي (وراهم وراهم، زوجوني)، وتمثيليتي (فرحة العيد، الكذب ينفع أحيانًا)، كما شاركت في 1991 مسرحية (أزمة وتعدي) التي عُرضت في مصر كأول مشاركاتها الفنية خارج الكويت.
عادت الراحلة الكبيرة إلى الشاشة الصغيرة في 1992 من خلال مسلسل (حياتنا الجديدة)، وحمل لها العام التالي مشاريع عديدة، أولها بطولة مسرحية (انتخبوا أم علي)، ثم مسلسل (قاصد خير)، ومسرحية (الذيب والعنزات الثلاث( بدورٍ رئيسي، وفي برنامج (كوكتيل) الكوميدي مع داوود حسين في ظل عملهما كثنائي، ثم مسرحية (زواج بالفاكس) الاجتماعية الكوميدية القطرية، ومسلسل (عش الزوجية) بدور رئيسي.
أدت انتصار الشراح في 1994 دورا صوتيا في المسلسل الإذاعي (خميس وليلى) وهو أول عمل إذاعي لها، تلاه مسلسل إذاعي آخر بعنوان (لكل مدخل مخرج)، كما شاركت في مسرحيتي (سمردحه، سارة ومسعود، ثم مسلسل (عيال قرية)، واقتصرت مشاركات الشراح عام 1996 على عمل درامي وحيدًا بعنوان (أحلام النيران)، عادت في العام التالي إلى الكوميديا من خلال برنامج (فضائيات) مع داوود حسين، ثم عملت في مسلسلات (الصحيح ما يطيح، بو قلبين عندما تشتعل الثلوج، إضافة لمسرحية (نبيك تفوز)، وفي عام 1998 ظهرت في مسلسل (سابع جار)، ومسرحيتي (حكم الحاس، توي ستوري)، إضافةً للبرنامج الكوميدي الساخر (سينمائيات)، وشاركت عام 1999 البطولة في مسلسل (وين ما أطقها عوية) ومسرحية (بو متيح) ثم في برنامج (مسرحيات 2000) الذي يعد بين أهم أعمالها، وهو عبارة عن عدة مسرحيات تعرض على شاشة التلفاز عوضًا عن المسارح الفعلية، من إخراج نواف سالم الشمري.
مع بداية الألفية الجديدة شاركت (الشراح) البطولة في: مسرحية (مدرسة قطعة 13) كما قامت بإخراجها في أول تجربة إخراجية لها، ومسرحية (سوق شرق)، ومسلسل (دجاجتين وديك) والمسلسل الإذاعي (فندق بو سعود مول)، إضافة للبرنامج الكوميدي (مذكرات أي واحد)، وتوالت أعمالها الناضجة كما في العرض الثاني من مسرحية (البيت المسكون)، ومسلسلي (لا يا عمر الزهور، من ملفات المحاكم)، وعملت في مسلسلي (الخديعة، عائلة أبيض وأسود، وفي عام 2002 قررت فيه ارتداء الحجاب، ثم ظهرت في العام التالي بمسلسين أيضا هما: (مر السنين، اتجاه جبري)، ثم شاركت عام 2003 بمسرحيتي (صرخة الرعب، كول يا شباب”، وهى مشاركات ضعيفة بالنسبة لها كانت قد عزت ذلك الأمر لارتدائها الحجاب وتردد المنتجين في اختيارها للمشاركة بأعمالها.
وظلت (انتصار الشراح) تتأرجح بين المسرح والدراما التلفزيونية طوال رحلتها، وحمل عام 2005 عدة أعمال منها: مسلسلي (من طق طبلة، فريج صويلح، ومسرحية (حفرة انبيش) وبطولة مسرحية (دندنة) ثم مسرحية (يانونة الفريج) الرعب الكوميدية، ثم بدأت العام التالي بمسلسل (عتيق الصوف) من التراثي الكويتي ذي الطابع الاجتماعي الكوميدي، ثم شاركت بطولة (زوج سعادة الوزيرة)، تلاها مسلسلي (ابن النجار، زيد وعبيد)، وظهرت عام 2007 في مسلسلات (4X4) والجزء الأول من (عقاب) الكوميدي البدوي، و(وحيد والمخبرين)، إضافة للعديد من الأعمال في 2008 أولها مسرحية (من حبنا لها)، و تلتها أربعة مسلسلات هي: (بين عصرين) التاريخي الاجتماعي، و(حارتنا الحلوة) السعودي الإنتاج، و(مسك وعنبر) بعدة شخصيات مختلفة وهو عمل تمت ترجمته للعرض على محطات أجنبية، والجزء الثاني من (عقاب).
وهكذا تبدو مسيرة (الشراح) محملة بروائع الأعمال مثل (شعبان في رمضان)، ومسلسلي (سوق واجف، بيت صالح السكراب)، والجزء الثالث من مسلسل (العقاب)، كما شاركت البطولة في مسرحيتي (الإنس والجن، مصاص الدماء 2) من فئة الرعب، والبرنامج الكوميدي المصري الإنتاج (سمير وعيلته الكتير) إلى جانب الفنان سمير غانم.
ومرورا بالأعوام من 2010 إلى 2020 شاركت في عدة مسلسلا ومسرحيات منها: (في بيتنا غشنة، البيت المسكون) الدرامي الكوميدي الاجتماعي، ثم شاركت في مسرحية (بيت المرحوم) الاجتماعية الكوميدية إلى جانب الفنان المصري حسن حسني، ظهرت بعدها كضيفة شرف في مسلسل “الحب الذي كان)/ ومسرحيتي (بالغلط) الكوميدية مع عبد الرحمن العقل وداود حسين، و(دربك أخضر) الكوميدية إلى جانب جاسم النبهان،إلى أن جاء عام 2020 الذي قدمت فيه (عداني العيب، بيت البيوت، جنة هلي)، وتوجت رحلتها في النهاية في 2021 بمسلسل (مطر صيف).
كثيرة هى الأعمال المسرحية والتلفزيونية والإذاعية وغيرها من البرامج التي تزيذ عن 150 عملا شاركت فيها الراحلة (انتصار الشراح)، وظهرت من خلالها بأدوار وشخصيات متنوعة، وضعتها موهبتها بين نجوم الصف الأول على الساحة الكويتية، لاسيما في الأعمال الكوميدية التي جعلتها سيدة الكوميديا الخليجية الأولى لأكثر من ثلاثة عقود بدأ بـ (باي باي لندن) التي رحلت منها.. رحمها رحمة واسعة بقدر ما أمتعتنا من أعمال ستظل محفورة في سجل الفن الخليجي الآسر للقلوب والعقول، عبر تلك الأعمال المتطلعة نحو عالم أكثر رحابة في مجالات الثقافة والفنون.