الإعلام التقليدي ..أزمة حالية وأزمات قادمة !
بقلم : علي عبد الرحمن
الصحافه الورقية وتحويل ثلاث إصدارات مسائيه إلي إصدار إلكترونية تابعة لثلاث مؤسسات قومية كبري من ثماني مؤسسات قومية للصحافة والطباعة والنشر، تضم ثلاثين ألف كادر وعليها ديون تتعدي الستة مليارات جنيه، وتدور أزمة طاحنه حاليا بين قرار الهيئه الوطنيه للصحافه بالتحويل وبين أبناء المهنة بحثا عن مخرج أو خطه بديلة، وقد يتعامل البعض مع الأزمه على أنها تخص الثلاث إصدارات المسائية وهذا قصر نظر واضح لأن الإصدارات الرقمية بدأت في العالم وفي أمريكا نفسها منذ سنوات ولم نعر نحن الأمر اهتماما آن ذاك، وكأنه لايعنينا مطلقا.
وتوالى التحويل الرقمي للإصدارات وتوسعت وسائل التواصل وانتشرت المواقع الإخبارية والبوابات الإلكترونية، ثم ظهرت المنصات الرقمية، وساد الإعلام الرقمي وسيطر الإعلان الرقمي حتي وصلت حصيلته دوليا بالمليارات، وكان لزاما علينا آنذاك أن نسارع بخطط التحضير للتحول الرقمي لوسائل الاعلام التقليدية من تدريب الكوادر علي الأجهزة وصياغة المحتوي الرقمي وسرعة نشره ومدته الملائمه والصور الرقميه وآليات جمع الأخبار وعمليات التسويق الإلكتروني، وتعديل مناهج دراسي الإعلام لتواكب التحول للإعلام الرقمي ونشر ثقافة التواصل الرقمي وتبادل الخبرات تدريبا وإبتعاثا مع الدول التي سبقتنا في هذا المجال.
وكان هناك دور مفترض للمجلس الأعلي لتنظيم الإعلام، خاصة وأن قياداته الحاليه والسابقه أبناء المهنه، وكان عليه وضع خطط بديله للتحول من تدريب مستمر ودعم ومتابعة مستمرة أيضا، ولكن هذا لم يحدث؟، وكان أيضا لزاما علي الهيئه الوطنيه للصحافه أن تقوم بدورها كممثله للمالك وهى الدولة، وخاصة أن من بين مواد تأسيسها هى أن تقوم بوضع خطط لتطوير الأداء المهني وتعظيم عمليات التدريب والبعثات وتحديث بيئة العمل،وإعادة هيكلتها وتعظيم العوائد وتنويع الأنشطه الاستثماريه ذات الصلة، وإيجاد حلول واقعيه لديون المؤسسات، والتعاون مع المجلس الأعلي والنقابه والمؤسسات للنهوض بمهنة صاحبة الجلاله !.
ويبدوا أن شيئا من ذلك لم يحدث بدليل التصادم الحالي، وظلت المؤسسات كماهى في ظل ظهور المجلس الأعلي والهيئتين ونقابة الإعلاميين ونقابة الإعلام الإلكتروني فلا مراجعه للمشهد تمت ولا خطط تم وضعها ولا حدث تحديث أو تطوير أو تدريب، ولا تم النظر لمستقبل المهنة وأوضاع أبنائها وتحولاتها طبقا لمقتضيات عصر ثورة المعلومات وعهد تفجر المعلومات، وزمن تزاوج عالم الإتصالات بعالم الإعلام بثا وتوزيعا وانتاجا، والأمر يطول باقي الاصدارات والمؤسسات تباعا.
والأزمه تفجر قضايا عديدة مثل قضية التحديث لمعدات العمل وملائمة بيئة العمل وتدريب جيد للكوادر ومستمر علي فنون الاعلام الرقمي جمعا وتحريرا ونشرا ومتابعة وتنافس وملاحقة وتسويقا وتهيئة القارئ لذلك مع تحديات نسبة الأمية والأميه المعلوماتية وتوافر وجودة وسعر الإنترنت، وهذا يستلزم وقتا وتمويلا وجاهزية، ولست أدري هل تم طرح هذه الأمور، وهل تم توزيع الأدوار بين المجلس والهيئة والنقابه ووهيئات التدريب وخبراء المهنة ومؤسسات تعليم الإعلام، وكذا المجلس الأعلي للجامعات ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومراكز وخبراء والجهات المسئوله عن عمليات التحول الرقمي، تحضيرا وتخطيطا وتجهيزا وتدريبا وتنفيذا، وهذا أمر يخص مهنة صاحبة الجلالة.
وأنا أرى أن هذه الأزمه سيصحبها أزمات مشابهه قريبا في الإعلام المرئي والمسموع وفي مراكز وبرامج التدريب الإعلامي وكذا معاهد وأكاديميات وكليات الإعلام وفنون وتطبيقات تكنولوجيا الاتصال، فيجب علي قطاع الإعلام بالمجلس الأعلي للجامعات أن يسارع بمناهج بديله لعصر الإعلام الرقمي، وعلي مجلسنا الأعلي للإعلام وهيئاته ونقاباته وخبرائه المسارعة بوضع أسس التحول الرقمي وأصول ممارسة المهنه في عصر السماوات المفتوحة والقرية الصغيره والمواطن الرقمي، وعلي وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والهيئات ذات الصلة سرعة تقديم تصورات للبنيه التكنولوجيه للإعلام الرقمي والمساهمه في عمليات التدريب والتثقيف لأبناء المهنة وكذا نشر ثقافة التواصل عبر الإعلام الرقمي للمواطنين،وعلي جهات التسويق سرعة التعامل رقميا للفوز بنصيب من كعكة الإعلان الإلكتروني.
أما أزمات التحول للشاشات والإذاعات وهى عديدة فهذا أمر آخر قادم فلقد بدا البث للقنوات والشبكات العالميه عبر الـ Mob,App وتحولت القنوات والشبكات الي أيقونة علي وسائط الاتصالات وأصبح سلطان البث في يد المجلس القومي لتنظيم الاتصالات ولم يعد ماسبيرو المتحكم في عمليات البث الرقمي، وصاحب ذلك قضايا تأمين المحتوي الإلكتروني والقرصنة ومدد البث ونوعية الإنتاج وتكاليفه وأماكن إنتاجه ونجومه وطرق تسويقه، وظهرت المنصات الإعلاميه والفنية (شاهد ونت فيليكس وآي فيليكس وأمازون وWhatch It)، كما ظهرت شركات كبري للإنتاج الرقمي والتوزيع الرقمي والتسويق الرقمي ومواصفات الإنتاج الرقمي وصفات القائم بالاتصال الرقمي وتأمينه ومنع القرصنه عليه، وإن كنا بحاجة إلى تشريعات تصون حقوق المنتج.
ورغم كل ذلك الذي يحدث من حولنا، بل والآن داخل الصحافة الورقية المصرية، إلا أن الاعلام المرئي والمسموع المحلي منه والدولي، الرسمي منه والخاص لم يعد جاهزا لهذه الأزمات القادمة، فلا بيئة العمل تم تجهيزها ولا الكوادر تم تدريبها ولا الخطط الانتاجيه تم وضعها ولا سياسات التسويق تم تطويعها، ولا مواصفات المنتج الرقمي تم تعميمها ولا ثقافة التواصل الرقمي تم نشرها ولا حملة قوميه لتجهييز المواطنين تم بثها، وكأننا ننتظر أزمات نعلم بحتمية وقوعها.
فإذا كانت مؤسسات الصحافة ثمانية فالقنوات ثلاث وعشرين، والمحطات الإذاعيه أكثر من هذا الرقم والديون تفوق الـ (28 مليارا)، والموظفين بلغوا (33 ألفا) وبيئة العمل متشابهة ودورات التدريب تقليدية والبعثات متوقفة وتبادل الخبرات قاصر علي القيادات التي لاتمارس المهنة والأمية المعلوماتية منتشره بين جيل القيادات العليا والمتوسطة والمنفذة وكل الجهات ذات الصله لم تقدم جديدا في مشهد التحول الرقمي للمهنة ومحتواها وكوادرها وعوائدها وتدريسها ومستقبلها.
فهل نحن في حاجه إلى مجالس عليا أخري للتحول الرقمي؟، أم في حاجه إلى لجان عليا أخري للتنسيق؟، أم نحتاج هيئات قوميه جديدة؟، أم نقابات أكثر عددا من الثلاث نقابات المهنية الموجودة؟، أم ترانا نحتاج – كالعادة – تدخل السيد الرئيس أو تحركه بمبادرة لتهيئة إعلام مصر للتحول الرقمي؟!، أم هل نبدأ فورا بالاهتمام بالمحتوي واستقطاب خبراء المهنة وتدريب الكوادر وتواصل نقل الخبرات دوليا، وإصلاح بيئة العمل وهياكلها وتعميم مواصفات الإنتاج الرقمي، وتفعيل علوم وفنون الإعلام الإلكتروني منهجيا، والاعتماد علي التسويق والترويج الرقمي واللحاق بركب التحول قبل أن نغوص في أزمات او نصبح بلا محتوي ملائم؟، ومن ثم بلا جهمور، وبالتبعيه بلا عوائد.
وهل آن الآوان لإطلاق أفكار لأحداث وأنشطه ذات صلة بالمجال وذات مردود استثماري جيد؟، أم ننتظر أن نغرد بمفردنا تقليديا وسط معزوفات الإنتاج والبث والتسويق الرقمي الجديد، فنصبح نشازا لا يقبل علينا أحد.. وللحديث شجون قادمة بمشيئه الله تعالي.