مسلسل (الجورنالجي) ولماذا توقف ؟!
بقلم : محمد شمروخ
عندما عدت لقراءة كتاب (ملفات السويس) وهو أول كتاب في مجموعة (حرب الثلاثين سنة) التى تتناول واحدة من أهم وأخطر مراحل تاريخ مصر المعاصر، راودنى سؤال مع هذا الكم الهائل من المعلومات والقدرة الفريدة على التحليل وربط الأحداث وتلمس الجذور التاريخية، وبدأ السؤال في الخلفية الباهتة لذاكرتى عن (مسلسل عن حياة هيكل) وما شهدته من أحداث.
وقفز عنوان (الجورنالجى) كاسم للمسلسل، فأسرعت إلى الإنترنت بعد جهد جهيد من الذاكرة المنهكة، فوجدت أثر هذا التساؤل في خبر قديم منذ حوالى ١١ سنة نشر عن انتهاء الكاتب الصحفي الأستاذ يسري الفخرانى من المعالجة الأولى لمسلسل (الجورنالجى) المزمع إنتاجه عن حياة جورنالجى مصر العظيم.
ولعل المانع خيرا فما كاد يمر شهران على الخبر حتى وقعت ثورة يناير 2011 ولم أصادف خبرا منشورا منذ ذلك الحين.
ولي أن أسأل: إن لم ينتج مسلسل عن حياة هيكل فعن أى شخصية عاصرناها نكتب أعمالاً فنية فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني أو حتى إذاعي؟!
فحياة هيكل التى نستنتجها من كتبه ومقالاته وأحاديثه ثرية دراميا قبل أن تكون سياسيا، فأي شخصية تلك التى حواها هذا الرجل الذي استحق أن يحمل صفة الصحفى العالمى؟!، وأظنه الوحيد الذي ارتقى إلى هذه الرتبة الكوكبية في عالم الصحافة المصرية والعربية والتى بدأها محررا للحوادث وانتهى منفردا بقمة عالية متوجا فوق كل ما تدور به المطابع في المؤسسات الصحفية.
صدقنى مع كل ذلك لست من دراويش الأستاذ هيكل، بل كثيرا ما كنت أشعر بالحنق تجاه بعض آرائه وتحليلاته ومواقفه، لكن هذا الحنق ليس من شأنه ألا أستسلم لانبهاري بقراءته ولو إلى خاتمة الكتاب الذي يقع له بين يدى، ذلك لأنه استكنى سر الكلمة فملكته إياها وفتحت له آفاق الكلم ليجتلي ما يشاء من معان.
وما السحر إلا كلمات ولكن أسحار هيكل ليست طلاسم وتعاويذ وعزائم غير مفهومة، بل سحرها في وضوحها وجلائها.
ولكن إن أراد الأستاذ يسري الفخرانى أن يعاود التجربة فلعله لا يكتفى فقط بالمسيرة والسيرة المعتادتين لعملاق من عمالقة الصحافة والسياسة لم يكن متابعا او متميزا فحسب، بل إنه تجاوز الصحفي ليشارك بسحره المبين في توجيه الأحداث وأحيانا يصنعها مع صانعيها!
فليكشف لنا الأستاذ (يسري) ما استغمض في حياة الجورنالجى الكبير ويفسر ما استعجم في سيرته، فرغم أننى لم أعلم إلا القليل جدا عن حياة ونشأة هيكل وعائلته وجذوره وانتقال الأسرة – حسب علمي – من ديروط شمال أسيوط إلى إحدى قرى محافظة القليوبية، لكن النثرات التى سمعتها من مصادر متنوعة يمكن أن تكون نسيجا ممتازا لدراما تحيط بالمسيرة الصحفية للأستاذ.
فتلك الخلفيات الاجتماعية والشخصية التى لم يكشف عنها هيكل ولا اقترب منها ولا تحدث عنها، يمكن أن تغرى كاتب المسلسل بزوايا جديدة لتناول هيكل الإنسان الذي غاب في خضم اعاصير وعواصف محيطات وبحور هيكل السياسي والصحفي معا.
فقلبي يحدثني أن في حياة هيكل الشخصية المجهولة في مراحل عمره المختلفة ما يحمل مفاجآت تكشف لما عن جوانب جديدة لم نعرفها عنه.
فتلك العذوبة والسلاسة والسلسبيلية التى تجرى بها كلماته في أسلوب اقرب للشعر المنثور أحيانا، للتعبير عن خلفيات حدث ما أو جوانب في شخصية ما، تذوب أمامها صلائد الحياة السياسية بكل ما فيها من جفاء وجفاف وصراعات ودسائس ومؤامرات ومخططات شكلت ما يدعى بالتاريخ وأنتجت بما نسميه نحن بالحاضر، وكذلك تلك الحصيلة المبهرة من حفظ قصائد وأبيات حفظتها ذاكرته من جزائل الشعر العربي، وتلك الصور المتجاوزة لما عرفته الكتابة السياسية، كل هذا لابد من أنه يخفى وراءه شخصية غير تلك التى نعرفها عنه!
فلعل الأستاذ الفخرانى يستعين بغواصة مزودة بأحدث أجهزة كشف الأعماق ليبحث عن هذه الخفايا وليته يعود لما بدأه قبل السنوات الإحدى عشر الماضية
ولعلها تذكرة جديدة جاءت من خلال فكرة عابرة لطمت خلفيات الذاكرة بين فواصل القراءة في كتاب (ملفات السويس) أحد أروع منتجات الأعماق الهيكلية المجهولة!.