عندما اعترف لي (يوسف شاهين) بقصة انتحاره بسبب حبه لفاتن حمامه!
كتب : أحمد السماحي
نحي اليوم الذكرى الثالثة عشر لرحيل (يوسف شاهين) أحد عمالقة الإخراج السينمائي فى بلدي مصر المحروسة، والذى رحل يوم الأحد الموافق 27 يوليو عام 2008 عن عمر يناهز 82 عاماً، نتيجة الإصابة بجلطة في المخ أدت إلى نزيف متكرر والدخول في حالة غيبوبة لمدة ستة أسابيع، وقد تم دفن جثمانه في مقابر الروم الكاثوليك بالشاطبي في الإسكندرية مسقط رأسه.
اليوم لن نتحدث عن سر عبقريته السينمائية، ولن نتوقف أمام أفلامه المدهشة المختلفة التى وصل عددها إلى 36 فيلما نتشرف بهم جميعا، خاصة أن كثير منهم شارك في أهم المهرجانات العالمية.
اليوم أحببت أن أتوقف معكم عند قصة حبه الجنونية لسيدة الشاشة العربية (فاتن حمامه) التى أحبها فى صمت وهو فى بداية العشرينات من عمره، وبعد عودته من دراسة السينما فى الخارج، وكانت نجمة أفلامه الأولى (بابا أمين، ابن النيل، المهرج الكبير، صراع فى الوادي، صراع فى الميناء).
فى عام 2004 أجريت معه أنا وصديقتي الناقدة السينمائية (علا الشافعي) حوارا مطولا لمجلة (الأهرام العربي) نشر على حلقتين، كل حلقة كانت أربع صفحات، فى هذا الحوار أحببنا أن يكون مختلفا عن كل حوارات (يوسف شاهين) ونظرا لامتلاكي أرشيف فني ضخم، طلبت مني (علا الشافعي) البحث فى هذا الأرشيف عن تفاصيل لا يعلمها أحد عن (يوسف شاهين).
وبالفعل بعد بحث، وجدت خبرا قصيرا جدا عن محاولة انتحار المخرج الشاب (يوسف شاهين بسبب زواج فاتن حمامه من عمر الشريف) فى عدد من مجلة (الاثنين والدنيا) عام 1955، ووجدتها فرصة وسبق صحفي أن نتحدث فى جزء من الحوار عن هذه الواقعة التى لم يذكرها أحد قبلنا فى الحوارات التى أجريت مع الأستاذ.
وسعدت (علا الشافعي) بهذا السبق، لكنها قالت لي حلو جدا لو فتحنا هذا الموضوع معاه بس إسأله أنت، وبالفعل وبعد أسئلة عديدة سألناه، حتى نضمن وجود حوار، لو حدث و(اتنرفز كعادته) وطردنا من مكتبه لو فتحنا معه هذا الموضوع الشائك، وبصوت واهن سألته فى البداية هل أحببت نجمة عملت معاك تحت إدارتك؟ فقال ببساطة : أحببتهم كلهم، لكن مش حب راجل لست، لكنى أحببت موهبتهم، وبصوت متردد وخائف ومهتز سألته: طب ليه قطعت شرايين إيدك عندما تزوجت فاتن حمامه من عمر الشريف، إلى هذا الحد كنت تحبها؟!
فقال لي : قرب من ودني مش سامع صوتك، فأعدت عليه السؤال مرة ثانية بصوت أعلى، فقال : ياااااااااا خررررررررررربيتك عرررررفففففت مممممن ففففففين الحكاية دي؟! فوجدت أن ملامح وجه لا تحمل غضبا ولا حزنا، وهنا تشجعت صديقتي (علا الشافعي) وقالت له: السماحي يمتلك أرشيفا فنيا كبيرا، وهنا نظر لي نظرة لا أنساها مليئة بالحب والعتب واللوم والفرح وقال وهو يسترجع شريط الذكريات: يومها اسودت الدنيا في وجهى، وشعرت بالخيانة من الطرفين، من (عمر) الذي علمته التمثيل، ونظرا لأن صوته كان (مسرسع وعالي جدا) أخذته أمام البحر فى إسكندرية، وفى يوم كان فيه عاصفة شديدة جدا، والموج عامل (شوشرة) جامدة، فقلت له كلمني وابتعدت عنه، حتى أشرخ صوته، لكي أعطي له على الأقل بحة.
والذي راهنت بأجري ليقبل المنتج (جبرائيل تلحمي) أن يسند إليه البطولة في فيلم (صراع في الوادي)، والذي أخذته وأقنعت (فاتن حمامه) النجمة الشهيرة به.
وشعرت أيضا بخيانة (فاتن) عندما تبقى صورة الإنسانة التى تحبها طول الوقت معك إلى حد أنها تلغي كل الباقي، كل الناس، لا يهمك أحد إلا هذه الإنسانة، وأنا كمان أخلط بين الموهبة والناس الذين عندهم موهبة، ممكن أحب إنسان لأنه طيب، أو جدع، لكن إذا كان موهوب هنا الخطر، لأن الموهبة حاجة غالية وتأتي من عند الله، ولهذا أكون مشدودا بحالة بشعة جدا وجامدة جدا للموهوب.
لكن (فاتن حمامه) بصراحة كانت معذورة (الواد) كان زي القمر، والدنيا يومها اتلخبطت قدامي، فقطعت شراييني، واستكمل كلامه ضاحكا وفيه دمعة حائرة لا تريد أن تنزل وقال : بس بلاش تكتبوا وقطع شرايينه وتحطوها في العنوان!
وهنا انتهى حوارنا مع هذا العبقري الذي قامت صديقتي (علا الشافعي) بتقبيله من رأسه، وهنا نده على وقال لي وأنت كمان مش عايز حضن!. فقبلته وتركناه وحيدا.