فريد شوقي : زكي رستم أدخلني الثلاجة والمليجي جعله يغضب مني !
كتب : أحمد السماحي
كان ملك الترسو (فريد شوقي) الذي نحيي اليوم ذكرى رحيله الـ (23) عاشقا لفنه، فالعمل عنده لم يكن وسيلة لاكتساب الرزق بل كان هو حياته، فكان يعمل لمدة تزيد على الخمس عشرة ساعة يوميا، وهو فوق الستين من عمره إلى درجة أن شباب الفنانين والفنيين كانوا يخجلون من إظهار تعبهم أمامه، وكان هو – كما ذكر لي المخرج الراحل مدحت السباعي – يدور بينهم يحمسهم ويداعبهم قائلا : (أمال شباب ايه وبتاع ايه، ياله اشتغلوا جامد، وانتوا ما تحسوش بالتعب، بعدها حتحسوا بقيمة الراحة لما تروحوا).
الفتوة والثلاجة
يتذكر نجمنا الراحل فريد شوقي بعض ذكرياته مع الأسطورة (زكي رستم) مع الناقد التونسي الكبير (خميس الخياطي) فيقول: زكي رستم رحمة الله كان أستاذا عظيما، فهو ليس ممثلا (صنايعي) بل أستاذ ونجم، وكان حريص على أدق أدق التفاصيل، ومنذ تقابلنا في فيلم (صراع في الوادي) كنت أطلبه وأحرص على وجوده معي فى كل فيلم أقوم بإنتاجه، وحدث إننى مرة وأثناء اشتراكنا فى فيلم (الفتوة) جاء مشهد المفروض أنه يحبسني في ثلاجة الخضروات، ويكمل مونولوجه وتمثيله، وأنا لا أظهر كل اللقطة عليه هو.
فحدث إننى تسللت من ديكور الثلاجة ووقفت مع المخرج (صلاح أبوسيف) وراء الكاميرا، لأستمتع بأدائه وانفعالاته، وفجأة لمحني بطرف عينه فصرخ بعلو صوته: (ستوب، ايه اللي طلعه ده بره الثلاجة؟!) فقلت له : (جرى ايه يا أستاذنا الكاميرا معاك أنت، ولن تراني، ووجودى غير مؤثر ولا مُجدي)، فقال للمخرج: (لو سمحت خلي فريد يدخل الثلاجة حتى أشعر أنه يموت بداخلها!، لأن الإحساس بيطير مني، وأنا حاسس أنه خارج الثلاجة ويشاهدني، مش هأعرفش أمثل!) وبالفعل احترمنا وجهة نظره أنا وصديقي المخرج (صلاح أبوسيف) ودخلت الثلاجة حتى يندمج فى أداء المشهد.
وأذكر أنه فى مشهد زواجي فى نفس الفيلم وصل إلى البلاتوه، وهو حالق ذقنه، ويرتدي جلباب جديد، ورائحة عطره تفوح منه، وحين سألته عن سر شياكته اليوم فقال: (إني آت إلى فرح، وعلى أن أذهب إلى الحلاق، وارتدي أجمل جلابية عندي) هكذا كان يتأثر لهذه الدرجة بشخصياته.
رصيف نمرة خمسة
في فيلم (رصيف نمرة خمسة) أحب صديقي (محمود المليجي) نظرا لانشغاله الشديد فى أحد الأيام، أن (يبوظ اليوم) فماذا فعل؟ نظرا لمعرفته بدقة (زكي رستم) الشديدة، نظر إليه وقال له: (المفروض أنت تؤدي شخصية معلم إسكندراني، والجلابية التى ترتديها جلابية قاهرية)، قال له: (إزي يا محمود؟)، فأوضح له تفاصيل دقيقة جدا فى الفرق بين الجلباب القاهري والإسكندراني، لن يلتفت إليها 99.9% من رواد السينما، وهنا صرخ (زكي رستم): إندهولي فريد أفندي منتج الفيلم، فذهبت إليه: فقال لي : أنت بتغشني يا فريد، أنا باعمل معلم إسكندراني، وأنت ملبسني جلباب معلم قاهري، أنت عايز جمهوري يضحك علي) وخلع الجلابية وحلف لن يرتديها!.
وباظ اليوم كما أراد (المليجي) الشرير!، وبالفعل أحضرنا له في اليوم التالي الجلابية الإسكندراني التى لن يفرق بين الجلابيتين إلا رجل دقيق جدا.
لم يكن ما فعله (زكي رستم) دلعا بل اهتمام ودقة وحرفة وحب للمهنة، وهذا ما لا نجده اليوم للأسف الشديد!.