كتب : محمد حبوشة
معرف أن ليلة العيد ترتبط بأغاني البهجة والفرح، ولعل أغنية (يا اليلة العيد) لأم كلثوم هى الإعلان الرسمى عن العيد لدى جموع الشعب المصرى، فقد أصبحت تلك الأغنية طقس من طقوس العيد، فصناع تلك الأغنية الثلاثة هم معجزة حقيقية ولديهم مشوار فنى عبقري وهم الشاعر الكبير أحمد رامى، والموسيقار رياض السنباطي، وكوكب الشرق أم كلثوم، فنحن أمام ثلاثة يمثلون الحضارة المصرية برقيها وشموخها وتاريخها العظيم وحاضرها وأيضا مستقبلها، هذا بحسب ما قاله الشاعر الكبير جمال بخيت، والذي أشار إلى إنه يعود سر بقاء أغنية (ياليلة العيد)، ليومنا هذا ونجاحها بهذا الشكل لأنها نموذج البهجة، فقد جمعت كل مفردات البهجة فى حياتنا، تحدثت عن العيد والحب والنيل، فتجد نفسك أمام بانوراما لا تشع سوى البهجة، كما تعتبر الأغنية من استثناءات أحمد رامى ورياض السنباطي فقد امتازت أغانيهم بالحزن، والفنان العبقرى يستطيع أن يقدم جميع الألوان.
ومن هنا كانت خطيئة الإعلامي (يوسف الحسيني) الكبرى في اختياره للمطرب التراجيدي الحزين (أحمد سعد) ليحيى ليلة العيد قائلا في مقدمة البرنامج : (الأصوات ممكن تبقى أنواع .. تبقي أذواق .. تبقى مختلفة .. فيه أصوات حلوة كتير .. بس مش كل صوت له شخصية .. يعني الصوت اللي له شخصية بيبقى حاجة تانية خالص .. طيب صوت له شخصية وحلو ومتزهقش منه وكمان تعرف تميزه ويعرف يغني أي حاجة .. بمعنى كلمة أي حاجة .. ده اللي كانوا بيقولوا عليه زمان المطرب القويل .. في حالتنا دي أحمد سعد).
وربما يكون عند كل الحق في جمال وشجن صوت (أحمد سعد) لكنه ليس مناسبا لتلك الليلة تحديدا أو الأجواء الاحتفالية التي تعيشها مصر في أعقاب إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرة (حياة كريمة) لتطوير حياة الناس في الريف المصري، وخاصة أن الحسيني انخرط معه في حديث مضطرب عن ذكريات أحمد سعد في المعهد، حيث يتسم بقدر من المبالغة في التبشير بموهبته التي كان يمكن أن تسير على طريق مستقيم، بل كانت حكاياته تنبئ بشخصية أكثر اضطرابا وقلقا جراء شيئ ما لا يدركه، حتى في تصرفه مع أصالة عندما قدم لها لحنا ورفض أن يتقاضى أتعابه رغم أنه لايملك في جيبه ساعتها سوى ستة جنيهات فقط لاغير على حد قوله، وعندما تطرق إلى علاقته بشقيقه (عمرو سعد) فقد أكد بما لايدع مجالا للشك على أنه يعاني حالة نفسية مضطربة.
وفي إثبات هذا جاء على لسانه قول عمرو له: (أنا مش طالب منك تكون إنسان جامد .. أنا طالب منك تكون إنسان عادي)، وما يؤكد أن ربما يكون متعاطيا شيئا ما عندما تحدث عن أخيه الثالث (الدكتور سامح سعد) العالم في بيولوجيا الأورام وواحد من أهم باحثي أمريكا في هذا المجال، قائلا هو يرى أن (عمرو إنسان غير عادي .. أمال أنا أبقى ايه؟!)، مضيفا أنه أخ يغيظ لأنه منظم ومهذب جدا ويتعامل مع أمه بطريقة مختلفة لدرجة أننا نشعر بأننا (شباشب) بجواره.
وتطرق (سعد) بكلام شيفوني لم يمس القلب من قريب أو بعيد عن حلمه بأن يكون مغني مؤكدا: أنا (مش عاوز اشتغل مغني)، وذلك بعدما ترك التلحين لراغب علامة وغيره من المطربين، لكن شيفونية (الحسيني) كانت أكثر منه بكثير عندما تدخل في حديثه هذه المرة بكلام مخالف لما اعتاد عليه بتفخيم القول عن أمه الكاتبة الصحفية (تحية عبد الوهاب)، والتي غالبا ما يكون متواضعا في وصفها بأعظم صحفيات (روزاليوسف) ومصر كلها، حيث يتعمد الحديث عنها بين حلقة وأخرى بوضعها في جملة غير مفيدة، أو عن والده اليساري مصطفي الحسيني، بل كان أكثر شيفونية بحديثه هذه المرة عن حوار له سابق مع أحمد سعد، والذي يصفه (سعد) بأعظم الحوارات في حياته، بل كان علامة فارقة في مستقبله الغنائي، فقد أشاد الحسيني بموهبته وقت ذلك مؤكدا أنه مبشر جدا وواعد إلى أقصى الحدود ومن جانبه يقابله (سعد) بإطراء أنه لاينسى قوله له (خير معلم هو الزمن)، هو الله حيعلمك بست غرز.. ياسلام على الحكمة!!.
ولن أذهب بعيدا في القول بأن (أحمد سعد) ليس النموذج الذي يحتذى بحيث يمكن أن يستعين به الحسيني في برنامجه في ليلة العيد، فقد دأب على تصريحاته المستفزة من قبيل استيائه من الانتقادات التي يتعرض لها دائما، بعدما أصبح شخصا مثيرا للجدل دائما أيا كان المحتوى الذي يقدمه، ولن أتطرق لموجة السخرية والانتقاد الشديد من جمهوره عبر صفحته على “إنستجرام” بسبب ملابسه الشبيهة بالأزياء النسائية، ولن أخوض في تفاصيل صورته التي ظهر فيها أثناء تشاجره مع شاب داخل محطة وقود في يونيو الماضي بينما يقوم آخران بتهدئته، وهم مشهد مشين وينال بالتأكيد من سمعته أمام جمهوره.
ومع ذلك أبدي إعجابي الشديد بالمطرب أحمد سعد على سيد قناوى، الذي ينتمي لجذور عائلية تعود إلى صعيد مصر، لكنه مثل شقيقه سامح وعمرو مولود فى حى عين شمس الشعبى، وكانت بدايته من الطبيعى أن تكون من خلال الأغنيات الشعبية لكنها لم تكن كذلك، بل كانت بداياته صوفية حيث تعلق بأغنيات المديح البنوى، وسار خلف المداحين فى الموالد والحضرات يحفظ مواويلهم وأهازيجهم فى (عشق المكمل)، وكان من الطبيعى أن تستهويه الأفراح والتى تقام فى حى عين شمس والأحياء المجاورة من سطوح بيت إلى آخر.. ومن تجمع للموسيقيين إلى آخر.
وكان من الطبيعى أن يلتفت المنتجون وقتها لهذا الصوت المختلف والقادر على غناء جميع الألوان فى نفس الوقت.. وأتيحت له فرصة يقدم نفسه من خلال ألبوم كامل ضم ثمانى أغنيات عرف منها (حبيب روحى، الهوى المكتوب، عزيز عينى) والأغنية التى تحمل اسم الألبوم بعد أن تم تصويرها على طريقة الفيديو كليب، وقد كانت سبباً فى نجاح معظم أبناء ذلك الجيل وانتشارهم سريعاً، حتى أتلفته رياح معاكسة فدخل في دهاليز مظلمة أثرت بالضرورة على فنه، بل إنها نالت من صوته العذب الشجي الذي حاول أن يصل به عبثا للجمهور في ليلة العيد، لكنه أخفق كالعادة.
غني (أحمد سعد) أكثر من أغنية تميل في أجوائها الكئيبة إلى المأساوية والتراجيديا مثل (سألت نفسي)، وانتقل بعدها لموال حزين ثم دخل في أغنية محمد عبد المطلب (مبيسألش عليا أبدا)، وعلى إيقاع الناي الحزين أيضا الذي يبدو أنه يعشقه يغني (باحبك يا صحبي) قائلا :
ولو جبنا سيرة الجدعنة
اسمك لازم يتقال
صحبي اللي بيه بافتخر
من يوم ما كنا عيال
مهما الأيام تتعبه
عمره ما بص شمال
في الشدة راجل جدع
واقف كما الأبطال
والدنيا مهما اديته
ما يغيروش المال
لا عمره مني اشتكى
وعمر قلبه ماشال
وهى أغنية كما يبدو من كلماتها وألحانها تميل إلى اجترار ذكريات الماضي مع صديق قديم ولا تؤدي إلى إحداث أي نوع من البهجة بقدر ما تشير إلى أسى الأيام والسنين، وحاول أن يضفي أجواءا مبهجة على اللقاء بغنائه: (بصلي وانت بتتكلم)، لكنه فشل في إدخاله البهجة على المشاهدين.
وعندما سأله الحسيني عن غنائه في مسلسل (موسى) قائلا: هل كانت هناك حساسية ما من الغناء؟
رد بصوت مكتوم : (ولا كان فيه أي حاجة)، وبالطبع تطرق لقصة طلاقه لـ (سمية الخشاب) باعتبارها مشاركة في هذا المسلسل، وقال أن المشكلة أنني أقول الصراحة في أحاديثي للصحافة والتلفزيون، وهذا ما يجعل عندى مصداقية لدى الناس، معترفا بخطئه في أنه أشعل فتيل الأزمة من البداية لكن دون أن يقصد، فضلا عن تعامله مع السوشيال ميديا بشكل عشوائي وخاصة البوستات التي كان يرد فيها على سمية الخشاب، وحاول الخروج من أزمة (سمية) بالغناء لكنه زاد الكآبة أكثر بأغنيتي (كل يوم) و(كدابين مطمرش فيهم).
وعلى الرغم من أجواء الكآبة وألوان الغناء التراجيدي الباعث على الحزن في يوم الفرح الأكبر، لكن (سعد) نجح في نهاية البرنامج بغناء تتر مسلسل (الاختيار) قائلا :
بص في عنينا نقدر على الدنيا ولا تقدر علينا
روحنا في إدينا ناسنا وترابنا وأرضنا بتتحامى فينا
على قلب واحد بركان تقرب ينفجر والجمر قايد
الحق واحد ماتجيبش نار جنب البارود وتصحي مارد
الأرض عرض الناس مايكفناش فيها ورا كل بابا حراس
واقفين بنفديها الغدر كيده جبان عمره ما يتأمن
حالفين تعيش في أمان مايعشلهاش خاين
خطوتنا ع الأرض دبت دكت حصون الشر
وإن عادت نعود قلوبنا ع العزم شبتبين الحديد والنار
بنتولد ونموت دم الشهيد مبروك هايعيش يقوينا
عارفين هدفنا طالعين بمصر من العوز عايزينها جنة
آخر كلامنا مقطوعة إيد كل اللي هايعطل عملنا
حراس أمانها كل الجحور في الأرض دي عارفين مكانها
سايبين علامة نضرب ادينا في التراب فتقوم قيامة غريب
ماتعرفناش إياك تعادي كبير بيوتنا مادخلهاش غير كل قاصد خير
غموا عينيك وساقوك لحد بير النارم مابين إدينا
رموك تواجه الإعصار خطوتنا على الأرض دبت دكت حصون الشر
وإن عادت نعود قلوبنا على العزم شبت بين الحديد والنار
بنتولد ونموت دم الشهيد مبروك هايعيش يقوينا.
هذه هى الأغنية الوحيدة التي غناها وأمتعت الجمهور في لية العيد، وربما هى أغنية غير باعثة على البهجة، لكنها تبعث على الشجن المحبب لدى المصرين عبر كلمات مؤثرة للغاية، حيث تشيد ببطولة أبناء الشرطة المصرية في التصدي لفلول الإرهاب، كما أنها تعلي من شأن قيمة الشهداء عند ربهم والذين (لولاهم ما كنا هنا)، بحسب أحداث المسلسل الذي حظي بجماهيرية كبيرة في رمضان الماضي.