كتب : محمد حبوشة
بين الحين والآخر يخرج علينا أحد الدعاة السلفيين الذين لا يمكن وصفهم بالتشدد في أمور لايعلمون وقعها على الناس، بل يتسمون بالعجرفة والظلامية والانغلاق الفكري والعقااني في أمور الدين والدنيا، وقد دأب عدد منهم على مهاجمة الفن والفنانين حيث سمحوا لأنفسهم أن ينعتوهم بأقزع الشتائم ويكليون لهم بالعبارات النابية، وكأنهم ظل الله على الأرض، وهم في واقع الحال ليسوا سوى حفنة من جرزان اعتادت أن تقرض سمعة الناس في إدعاء باطل بأحقيتهم في هداية من يمتهون الفن.
والشيئ بالشيئ يذكر ونحن في معرض الحديث عن قضية سب وقذف السلفي الأحمق (حاتم الحويني) لنقيب الفنانين الدكتور أشرف زكي ومن ثم دعونا نعود للوراء قليلا، وتحديدا في فترة حكم المأسوف عليهم (الأخوان الإرهابيين) شن السلفي المتحذلق (وجدي غنيم) هجوما عنيفا على الفن والفنانين، بعد يوم واحد من اللقاء الذي جمعهم بالرئيس الجديد – آنذاك – محمد مرسي، الذي دعاهم للقائه بقصر الرئاسة من أجل مناقشة أهم النقاط التي أثارت قلقهم منذ توليه لشؤون الحكم على خلفية أنه محسوب على تيار الإخوان المسلمين.
وكتب هذا السلفي الغبي (وجدي غنيم)، الذي سبق وأن قاد هجوما على النجمة الهام شاهين من قبل، على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، مخاطبا الفنانات والفنانين الذين هاجموا الرئيس مرسي في أيام الحملة الانتخابية : (أيها الداعرون.. أيتها العاهرات.. هل هذا فن؟)، كما نشر رسالة فيديو على موقع يوتيوب يقول فيها: (ما هو مسمى الفن، إن الشيطان يقوم بتحريف الأسماء فيسمي الحلال بأسماء قبيحة والحرام بأسماء جميلة) مستشهدًا بالآية القرآنية: (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان)، وما كلماته وفتواه تلك إلا ضرب من التطرف والجنون في تحوير معنى النص القرآني العظيم.
وأضاف هذا الغبي: (كل هذا باسم الفن وحرية الرأي والابتكار والتعبير والصحافة لدرجة انهم يشتمون فخامة الرئيس بقولهم (الرئيس المصيبة، والفاشل، وهذه قلة أدب وسفالة منهم)، واستكمل غنيم: (ورديت عليهم وقلت عليهم يا صراصير وجزم)، وأردف انه ليس كل من شتم المعارضة يسب الرئيس، مضيفا انه عارض الرئيس في عدة مرات، ولكن في (الصح والأدب)، ورغم كلامه البزيء هذا، فقد طمأن الرئيس محمد مرسي الفنانين المصريين الذين استقبلهم وأبدى احترامه للفن المصري، ولكل فنان ومبدع ومثقف، مؤكدا في الكلمة التي ألقاها عليهم: (إن مصر دولة مدنية ولن تتحول لدولة دينية أبداً، مشيرا الى انه سيتصدى لأي هجوم يتعرض له الفن من بعض رجال الدين، وأنه سيتصل بالفنانة إلهام شاهين ليعتذر لها عما بدر من أحد رجال الدين المصريين الذين هاجموا فنها).
وأذكر أنه في وقتها أعلن عدد من الفنانين رفضهم لأي هجوم أو سباب يتعرضون له من قبل رجال دين ومشايخ ودعاة متشددين وقرروا اللجوء إلى المحاكم، لمقاضاة من يسبون الفن والفنانين حيث رحب الفنانون بدعوة الفنان محمد صبحي للفنانين برفع دعاوي قضائية جماعية على الشيوخ الذين يهاجمون الفن والفنانين، مؤكدين أنهم يتعرضون لحملة ممنهجة ومقصودة هدفها تخويف الفنانين والمبدعين، وطالب الفنان محمد صبحي ما لايقل عن ألف فنان في مصر برفع دعوى قضائية ضد الشيخ وجدى غنيم الذي هاجم فيه الفن والفنانين ووصفهم بـ (الصراصير، والداعرين)، وقال إن الهجوم على الفن سيظل مستمرا طوال الفترة المقبلة، والحل أن يقوم ما لا يقل عن ألف فنان من أعضاء النقابة برفع دعوى قضائية ضد هذا الشيخ.
وأكد الفنان الراحل الكبير محمود ياسين – وقتها – أن ما يحدث كارثة كبرى تهدد الفن وهدفها تخويف الفنانين والمبدعين، وقال (لا يمكن الصمت تجاه ما يحدث، لأنه هجوم غير مبرر ولا يليق برجل دين استخدام هذه الألفاظ الخادشة للحياء، وتابع: (ما صرح به الشيخ وجدي غنيم يتنافى تماما مع الدين الإسلامي الذي أمرنا بالحديث بشكل طيب ومن دون توجيه أي تجريح)، وعن الحل الأمثل لمواجهة مثل هذه الحملة التي يشنها بعض الدعاة على الفنانين قال إن القضاء هو الحل الوحيد لبقاء الفن ولضمان حرية الإبداع.
وظني أننا الآن ونحن نعيش نفس الأجواء الكئيبة أحوج ما نكون لتلك الوقفة التي دعى لها الفنان الكبير محمد صبحي وزميله الراحل الكبير محمود ياسين ونحن نواجه السلفي الداعشي (حاتم الحويني) الذي تطاول بعجرفة على نقيب الفنانين الدكتور أشرف زكي، بعد تصريحاته الأخيرة وهجومه على الفنانة حلا شيحة بعد أزمتها مع الفنان تامر حسني، واصفا النقيب بعبارة (أنت ديوث)، وكتب الحويني نصا عبر صفحته الرسمية على (فيسبوك) قائلا: (أهل بيتك كما يقول الناس يتاجرون بأجسامهم ويعرضونها للبيع في خلاعة وفجور وفسق مقابل جنيهات تحت مسمى الفن الهابط الساقط السافل)،
ويبدو أنه تدراك جرمه في القذف والسب بألفاظ نابية ففسر كلمة ديوث تفسيرا ظلاميا زاد الطين بلة، حيث قال: (يا دكتور أشرف أنت تسمي في وصف الشرع (ديوث) أي الذي لا يغار على أهله فيترك زوجته تخرج شبه عارية وبين أحضان الممثلين مع القبلات قابعة، وحلا شيحة، وإن سقطت في مستنقع الفجور مرة أخرى إلا أننا نرى أن نفسها اللوامة في طريق الانتصار على نفسها الأمارة بالسوء أعانها الله وثبّتها، والسقوط ليس عيبا، إنما العيب المكوث في هذا السقوط الذي فيه غضب الرب سبحانه).
واختتم هذا المتنر بأشرف زكي هجومه قائلا: (انت أكملت الـ 60 سنة وقد قال الرسول: (أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة)، أي أعطاه فرص كثيرة للتوبة، فأنصحك أن تتدارك ما اقترفته يداك بالتوية، والله رحيم ودود يقبل ويغفر)، والغريب في الأمر أن الحويني نجل الداعية المتطرف أبو إسحاق الحويني قام بحذف الوست المنشور نهائيا من صفحته الرسمية على موقع (فيسبوك) بعدما أعلن أشرف زكي نقيب المهن التمثيلية في مصر أنه سيقاضيه، وهو تصرف ينم عن إيمان ضعيف بعدالة قضيته في معركة سيخصر فيها حتما بحكم القضاء.
الخسة والندالة كانتا هما عنوان كبير لمسلسل هذا السلفي الداعشي (الحويني) والذي ينتمي لفئة من الإرهابيين الذين لا خيارات لهم سوى رمي الناس بالباطل والكفر تارة، والتحرض على قتلهم تارات أخرى، وظني أن مصيرهم الحتمي هو القتل فمن قتل يقتل والقصاص حياة، تلك هي كلمات الإله الواحد الا?حد منذ عهد الفراعنة وقوانين ماعت الـ 42 التي صكوها لتكون دستورا في (كتاب الموتى): ولا يفوز بالنعيم إلا من أتى الله بقلب سليم أما من هو آثم قلبه فهو ملعون على الأرض وطريد الفردوس يوم الحشر.
ونقول للحويني وأمثاله خسئت أيها الأحمق ألا ترى أننا أمام سلسلة من النجاحات تحققها الدولة والأمة المصرية على أكثر من صعيد، بل وعلى كل الأصعدة توازيها إخفاقات وذبول وخفوت وانكسار لتياراتكم الإرهابية المتعصبة في كل بقعة استعمروها بغبائهم المعهود، وفي عمر التاريخ لم تنتصر جماعة على دولة ولن تنتصر ولا يفل السلاح إلا السلاح والسلاح المقنن المملوك للدولة يواجه دوما السلاح العشوائي في دولة القانون والمواطنة التي آن لها أن تعدل المادة الثانية من دستور بلادها، تلك المادة التي يتكيء عليها كل متاجر بالدين كي يذبح ويعتدي.
ومصر حتمًا دولة قانون ومواطنة والدول ليس لها دين للأغلبية، الدول كأفراد ومؤسسات متنوعون وليسوا قطعانا كقطيع الإسلام السياسي الذي تنتمون إليه، الدولة تمتاز دوما بالتعددية والرحابة والثراء، ولا يمكن اختزال ذلك في دين واحد فيستقوي أفراده ويعتدون، الدولة دورها الأكيد هو سيادة القانون ولا شيء سوى القانون وتقف على مسافة واحدة من كل الأديان والمعتقدات، هكذا هي الدولة المصرية دولة المواطنة الرحيبة التي سددت ضربات موجعة للإسلام السياسي واستأصلت الخلايا السرطانية من اعتصامي رابعة والنهضة وحررت كرداسة وسيناء من فلول الإرهابيين وأسقطت حكم المرشد في 30 يونيو، لينتهي وللأبد عهد الدولة الدينية والدولة اللادينية التي تحترم كل الأديان وتعلي من شأن المواطنة.
ومن ثم فلا يجب أن يكون في دستورها مادة تتحدث عن دين واحد أعلى للدولة كي لا يتذرع من في قلبه مرض بتلك المادة ليعتدي وينشر سمومه وفكره الشيطاني ويخرب عقول الشباب في الدروس الدينية وبرامج الفضائيات التي أعطت نجومية لدعاة يريدون عودة الدولة الدينية ولا يؤمنون حقاً بدولة المواطنة وإن ادعوا عكس ذلك ووضعوا السم في العسل، لا نريد ذلك العسل الأسود الضار نريد دولة مواطنة وسيادة وهيبة يحكمها القانون لا الدين، فالأديان محلها القلب والسلوك لا كرسي الحكم، أما الحكم الرشيد فيحققه الدستور والقانون.
وفي النهاية قلبي وعقلي ووجداني من الدكتور أشرف زكي نقيب الفنانين المصرين الخلوق والمهذب والخدوم في قوله: (لا عودة للناس دي تاني ولا مكان لهم في النقابة، والسيدة صاحبة هذه الحادثة لا مكان لها في النقابة، وهي كلمتني بدل المرة 10، واحنا غلطنا لما قبلنا عودتها، وأنا أعتذر إنى قبلت عودتها، ولا مكان لمن يفعل مثل هذه الأفعال بالنقابة، هى مش موجودة في النقابة، وكانت مشطوبة أساسا من النقابة، وكنا نسير في إجراءات عودتها).
وأشد على يده قائلا : سلم لسانك يا دكتور فعلا: (الناس اللي عاوزين يرجعونا مليون سنة لورا يروحوا يشوفوا حالهم، والفن والموهبة والمهنة العظيمة اللي بنشتغلها متهونش عليها ولا تستحق مننا أننا نعمل فيها كدة، وأنا مرة سألت الشيخ الشعراوي هل الفن حرام؟ فرد عليا فيما معناه إن الفن رسالة”.
وأخيرا نحن أمام جريمة مكتلمة الأركان – بحسب الخبير القانوني ياسر سيد أحمد – فما ذكره نجل الحويني جريمة ثابتة وموثقه عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، مؤكّدًا أنَّ عقوبة تلك الجريمة لا تقل عن 6 أشهر حبس وغرامة 100 ألف جنيه بتهمة السب والقذف على (السوشيال ميديا)، وأضاف الخبير القانوني، أنَّه من حق أشرف زكي نقيب الممثلين تحرير محضر ضد حاتم الحويني في مباحث الإنترنت، موضحاً أنَّ أهم أركان جريمة السب والقذف، هو ركن العلانية، وهذا يتحقق عن طريق النشر، وأيضًا ركن تعمد إهانة المجني عليه، وهذا ثابت من خلال ما نشره نجل الحويني عبر حسابه الموثق بموقع التواصل الاجتماعي (فيسيوك)، وهي مجموعة جرائم يعاقب عليها القانون، لأن المشرّع المصري يتعامل مع أمر استخدام التكنولوجيا المتطوّرة لتوجيه السباب، على أنَّها (جرائم متعددة)، فهي جريمة سب، وأخرى جريمة قذف، وكذلك جريمة إساءة استخدام التكنولوجيا، وأيضًا جريمة تعمد الإساءة عن طريق النشر.. نحن في انتظار مثول الحويني أمام القضاء.، فسب وقذف نقيب الفنانين جريمة لا ينبغي السكوت عليها.