مطربون مسيحييون غنوا لحجاج بيت الله الحرام
كتب : أحمد السماحي
تتطلع اليوم عيون الملايين سواء من حجاج بيت الله الحرام أو باقي المسلمين في شتى بقاع الأرض نحو جبل عرفات العتيق، رافعين أكفهم ومتوجهين إلى السماء بالدعاء مرددين نشيدهم الأبدي (لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك .. لاشريك لك لبيك).
وفي قلب هذا المشهد النوراني تتجلى قدرة الله جل جلاله في عرفات ومنى والمزدلفة، مصحوبة بتمتمات الشفاه بكلمات الله الواحد الأحد، بينما قلوب الجمع الوفير وجلة بين الصدور من فرط بهاء المشهد الروحاني السنوي في أقدس موسم إسلامي هو موسم الحج.
تلك الأجواء الروحانية التي ترفرف على المشاعر المقدسة داعبت خيال الشعراء على مر التاريخ فأنتجوا لنا مئات القصائد والأغنيات التي تسجل عظمة الله في تلك الأيام المباركة، فجاءت أناشيد عذبة في صورة نفحات روحانية على حنجرة أساطين الطرب وشباب الغناء لتحل البركة وتزين أرشيف هؤلاء، بينما نطرب نحن مستحضرين تلك المشاهد التي لاتنسى في بهاء ودعة.
التسامح الديني
لم تقتصر أغنيات الحج على المطربيين المسلمين فقط، ولكن فترة الأربعينات والخمسينات والستينات شهدت تقديم مجموعة من المطربيين المسيحيين لأغنيات دينية عن الحج، وهذا يدل على أن المجتمع المصري والعربي لم يعرف فى هذه الفترة الفتنة الطائفية الدينية، وعاش أجواء من التسامح الديني.
لوردكاش البداية
كانت البداية عام 1947 مع المطربة اللبنانية (لوردكاش) التى لحنت وغنت لمؤلف مسيحي يدعى جبران كويني قصيدة بعنوان (هذا الحجيج أقبل) وتم إذاعة هذه الأغنية يوم 19 سبتمبر عام 1947.
نور الهدى والحج
كما قدمت المطربة (ألكسندرا بدران) الشهيرة (بنور الهدى) فى فيلمها (أفراح) عام 1950، والذي قامت ببطولته مع محمود ذوالفقار، وأخرجه نيازي مصطفى أغنية بعنوان (الحج) كلمات حسن توفيق، ألحان عبدالعزيز محمود يقول مطلعها:
مبروك يا حاج وعقبالنا بحجها ويرتاح بالنا
يا سعدك زرت الكعبة وطفت بالصفا والمروة
يا ريتنا كنا معاك صحبة ومن عيون زمزم نروى
وقفت فوق عرفات يا حج بيت الله
وفزت بالبركات يا حج بيت الله.
فيروز وأكثر من أغنية
وفى فترة الستينيات من القرن الماضي قدمت المطربة (فيروز) رائعتها (غنيت مكة) كلمات الشاعر الكبير سعيد عقل، ولحن الأخوين رحباني وفيها تتغنى بمكة وبالحج فتقول في أحد كوبليهاتها:
لو رملة هتفت بمبدعها شجوا لكنت لشجوها عودا
ضج الحجيج هناك فاشتبكي بفمي هنا يغر تغريدا
و أعز رب الناس كلهم بيضا فلا فرقت أو سودا
لا قفرة إلا و تخصبها إلا و يعطي العطر لاعودا
ولم تقتصر على هذه القصيدة فقدمت تحفة غنائية أخرى كلمات الشاعر (ابن جبير الشاطبي) وألحان الأخوين رحباني بعنوان (أقول وآنست بالليل نارا) تقول فيها :
أقول واّنست بالليل نارا لعلً سراج الهدى قد أنارا
وإلا فما بالُ اُفق الدُجى كأنً سنا البرق فيه استطارا
وهذا نسيمُ شذا المسك قد أًعير أَم المسكُ منه استعارا
بشائر صبح السًرى اّذنت بأنً الحبيب تدانا مزارا
جرى ذكرُ طيبه ما بيننا فلا قَلبُ في الًركب إلا وطارا
حنينا إلى أحمدَ المُصطفى وشَوقا يهيجُ الضُلوع استعارا
ولما حللنا فناءَ الرسول نزلنا بأكرم خلق جوارا
وقفنا بروضة دار السلام نُعيد السلام عليها مرارا
إليك إليك نبيً الهُدى ركبنا البحار وجبنا القفار
دعانا إليك هوى كامنٌ أثار من الشوق ما قد أثار
عسى لحظةٌ منكَ لي في غد تمهد لي في الجنان القرارا
فما ضل من بسُراك اهتدى ولا ذُلً من بذراك استجارا
وديع الصافي مكة
ويغني قديس الغناء (وديع الصافي) رائعته (مكة) من ألحانه وكلمات الشاعر (حسن عبدالله القرشي) والتى يقول مطلعها:
تهادى على راحتيها الصباح
وشعشع في شفتيها القمر
وازهت بها الشمس فوق البطاح
وجن بها الليل حلو الصور
وفيها انجلى الحق للعالمين
وفاض الضياء بها وانتشر
والسؤال: هل اليوم يقوى مطرب مسيحي أن يغني للحج والحجاج كما فعل أساطين الطرب؟!