الطريق الى 30 (6) .. الاقتحام الأول للوزارة
بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
فوجئ الدكتور أحمد مجاهد عقب توجهه لمكتبة صباح الاحد الثانى عشر من مايو بقرار صادر بتاريخ السبت – الحادي عشر من مايو – من وزير الثقافة علاء عبدالعزيز بإنهاء ندبه كرئيس للهيئة العامة للكتاب. و هكذا كان الوزير كان يسير إلى الصدام عامدا متعمدا.
وقال مجاهد في تصريحات لـ “الوطن”، إنه قابل القرار بهدوء شديد وغادر الهيئة فور استلامه القرار متجهًا إلى منزله. وعما إذا كان القرار يمثل نوعًا من تصفية الحسابات عقب إعلان مجاهد اعتراضه على أول تصريحات للوزير، والتي أكد فيها نيته تغيير اسم مكتبة الأسرة لمكتبة الثورة وما أعقبة من قرار اللجنة العليا لمكتبة الأسرة برفض تغيير الاسم ، قال مجاهد: “قرار تغيير الاسم يرجع إلى اللجنة العليا ولست بصاحب قرار في هذه النقطة حتى وإن أعلنت اعتراضي” . واختتم مجاهد حديثه قائلا : “لايوجد لي تعليق سوى أن تلك صلاحيات الوزير التي أعطتها له “الحكومة” وأدعو الله له بالتوفيق ” .
و على الفور شهدت وزارة الثقافة فى صباح ذلك اليوم – الأحد – يومًا ساخنًا ، فقد قام العاملون بالهيئة المصرية العامة للكتاب بتنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر الهيئة لرفض القرار ، ثم قاموا بقطع طريق الكورنيش ، ولم يستمر ذلك لفترة طويلة ، حيث قرروا بعدها التوجه إلى مقر وزارة الثقافة بالزمالك ، لمعرفة ملابسات الموقف ، وسبب اتخاذ الوزير لهذا القرار دون الاجتماع مع الدكتور مجاهد ، أو حتى الاتصال به ، واصفين القرار بتصفية الحسابات ، ورغبة من الحكومة فى أخونة وزارة الثقافة.
وفور وصول الموظفين إلى مقر وزارة الثقافة بالزمالك ، قام الأمن بمنع دخولهم وأغلق كافة الأبواب، محاولاً إقناعهم بأن يختاروا خمسة منهم لمقابلة مدير مكتب الوزير ليحدد لهم موعدا معه ، إلا أنهم رفضوا هذا الاقتراح وأصروا على دخول الجميع، ففتح لهم الأمن الأبواب قائلاً لهم “اقتحموا.. اقتحموا المبنى”، إلا أن أحد الموظفين رد عليه قائلا “إحنا داخلين وزارتنا ومكان شغلنا، ولم نتعد على أشخاص أو ممتلكات”.
وردا على ذلك هدد بعض أفراد الأمن أنهم سيقومون باستدعاء الشرطة، فجاء رد مديرة مكتب رئيس الهيئة : “استدعوا الشرطة إحنا مش بيهمنا حد، ومبنعملش حاجة غلط” ، وقال موظفو الهيئة خلال انتظارهم مقابلة الوزير ، إنه من الغباء أن يرفض لقاءهم أو يخلف وعده ولا يحضر، مؤكدين أنهم على استعداد للاعتصام داخل المكتب حتى يحضر لمقابلتهم .
و قالت “اليوم السابع” أن الوزير فى لقاء خاص مغلق بوزير الآثار وأصدر تعليمات للأمن بعدم منع دخول أى من موظفى الهيئة لمبنى الوزارة ، إلا أن أمن الهيئة قام بإغلاق جميع مداخل الوزارة بالأقفال والجنازير، وقاموا بالتحفظ على بطاقات الرقم القومى لبعض الموظفين .
وتوقع الموظفون عدم حضور الوزير لمقابلتهم بعدما علموا باجتماعه مع وزير الآثار، واقترح أحدهم أن يحصلوا على موعد من مدير مكتبه لمقابلته غدا، إلا أن باقى الموظفين رفضوا هذا الاقتراح مقررين الاعتصام خوفا من تولى رئيس هيئة جديد ولا يستطيعون بعد ذلك تدارك الموقف ، قائلين هل حل كل أزمات الموظفين وتبقى اسم مكتبة الأسرة حتى يقوم بتغييره ؟ والدكتور أحمد مجاهد لإنهاء انتدابه ؟ مبدين تخوفهم من أخونة الوزارة حسب وصفهم.
من جانبه، قال هشام فرج، مسئول الأمن بالوزارة، إن رجال الأمن لم يحرضوا متظاهري هيئة الكتاب على اقتحام الوزارة ، وإنما جاء موقفهم بعدما فشلوا فى منع المتظاهرين من دخولها . و بناء على تلك الأحداث ألغى الوزير اجتماع قيادات الثقافة ، والذى كان من المقرر عقده فى تمام الساعة الرابعة عصر ذلك اليوم ، و لم يحضر إلى مبنى الوزارة .
وفى رد فعل سريع قدم المهندس محمد أبو سعدة استقالته من الإشراف على قطاع مكتب وزير الثقافة و طلب عودته الى منصبه بصندوق التنمية الثقافية ، و فى نفس اليوم اعتذر الدكتور مصطفى رياض عن الاستمرار فى ندبه نائبًا لرئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب بعد قرار وزير الثقافة ، بإنهاء ندب الدكتور أحمد مجاهد. وأوضح الدكتور رياض فى تصريح لـ”اليوم السابع” أن قرار اعتذاره يستند إلى رفض قاطع لما أقدم عليه وزير الثقافة من تصريحات تفتقر إلى المعرفة بنشاط الهيئة. وقال “رياض” : “إنى أتضامن مع كل مثقفى مصر فى رفض أسلوب تعامل السيد وزير الثقافة مع صفوة مثقفى مصر ممثلين فى السادة الأجلاء أعضاء لجنة مكتبة الأسرة، ورئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب.”
وأضاف: مما يؤسف له أن أسلوب وزير الثقافة فى التعامل يفتقر إلى اللياقة المهنية إذ صدر عنه ما صدر قبل اجتماعه بالعاملين بالوزارة وقياداتها لمناقشة العمل بالوزارة وتفاصيله مما لم يحط به الوزير علمًا، كذلك يكشف أسلوب تعامله عن عدم دراية بالجهد الذى بذلته الهيئة المصرية العامة للكتاب فى ظروف غاية فى الصعوبة فى العامين التاليين لثورة يناير.
وأوضح “رياض” أن الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة الدكتور أحمد مجاهد أعطت دفعة قوية للسلاسل والمجلات الثقافية واستحدثت بعضها وآخرها مجلة “وصلة” الشهرية التى تقدم للشباب ثقافات العالم مترجمة إلى العربية. وقد تمكنت الهيئة أيضًا من مواصلة إصدار سلسلة “مكتبة الأسرة” رغم الظروف المادية الصعبة الناتجة عن غياب التمويل الذى درجت على تلقيه فى العهد السابق . كما قامت الهيئة المصرية العام للكتاب بإقامة معرض القاهرة الدولى للكتاب فى موعده فى عامى 2012 و2013 فضمنت بقاءه على خريطة المعارض الدولية ، واستحدث الدكتور مجاهد معرضًا جديدًا فى رمضان فى حى فيصل بالهرم لعامين متتاليين . كذلك شاركت الهيئة فى مؤتمر لندن للكتاب .
وعبر عدد من الأدباء والمثقفين عن بالغ استيائهم وغضبهم الشديد بعد قرار وزير الثقافة، بإنهاء ندب مجاهد ، وأكدوا أن خطة الوزير للإطاحة بكل المختلفين مع جماعة الإخوان المسلمين واضحة ومكشوفة ، مشددين فى الوقت نفسه على أن “مجاهد” هو الأولى بمقعد وزير الثقافة، نظرًا لما قدمه من إنجازات منذ أن تولى رئاسة الهيئة . فالكاتب الكبير يوسف القعيد، قال فى تصريحاتٍ خاصة لـ”اليوم السابع” بعد إعلان استقالته من مجلس ادارة الهيئة العامة للكتاب : ” إن هذا القرار بداية لمذبحة “الثقافة” خاصةً أن الرئيس محمد مرسى قال لوزير الثقافة علاء عبد العزيز فى حضور رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل بعد حضور حلف اليمين أن قيادات الثقافة علاقتهم ليست حسنة بقيادات الإخوان ، ولذا فإن “مجاهد”هو بداية المذبحة ونحن أمام مسلسل عزل كافة قيادات الثقافة “.
وقال الشاعر والناقد شعبان يوسف، إن هذا القرار تعسفى، وجائر، لأن أحمد مجاهد يعد أحد الوجوه الناجحة بقوة فى وزارة الثقافة وإنجازاته على مستوى تاريخ الهيئة تعتبر من أهم الإنجازات التى يراها المثقفون ، من حيث نشر الكتب والأنشطة الثقافية ، ويعد إنهاء انتدابه خطوة لتخريب وزارة الثقافة بشكلٍ عام ، والتخلص من العناصر الليبرالية لإحلال وجوه أخرى . كما أصدرت ورشة الزيتون، برئاسة يوسف، بيانًا أعربت فيه عن احتجاجها المطلق على قرار وزير الثقافة وذكرت الورشة فى بيانها : ” يبدو أن مجاهد يمثل عقبة فى طريق السلطة القائمة فى تنفيذ أغراضها من إحلال رجالهم وأهدافهم ” .
وقال أسامة عفيفى، رئيس تحرير مجلة “المجلة” إن هذا الإجراء تعسفى ويثبت ما ذهبنا إليه أن وزير الثقافة الجديد الذى أتى به الإخوان جاء ليفكك الوزارة ويفرغها من الكفاءات الوطنية التى أثبتت قدرتها على إدارة العمل الثقافى طوال فترة ما بعد الثورة، فإنجازات “مجاهد” التى قام بها منذ توليه مسئولية هيئة الكتاب تؤهله لأن يستمر، لا لأن ينهى انتدابه و لكن خطة الوزير واضحة تمامًا فى الإطاحة بأى مختلفٍ مع الإخوان.
و تستمر وقائع اليوم الساخن لتزداد سخونة ، فقد أصدر عدد من المثقفين بياناً أعلنوا فيه ليس رفضهم لإقالة الدكتور مجاهد فقط كباقى البيانات السابقة ، ولكن طالبوا باقالة الوزير لأنه «وزير الإخوان الجديد أتى لأخونة الثقافة المصرية، وإقصاء أبناء الجماعة الثقافية الوطنية»، وقع على البيان عدد من الكتاب والشعراء و الفنانيين منهم: سيد حجاب، محمد هاشم، جمال القصاص، سعد القرش، أسامة عفيفي، محمد السيسى، عصام السيد .
و على الجانب الآخر أكد وزير الثقافة – فى خبر لوكالة أنباء الشرق الأوسط – أن قرار إلغاء ندب الدكتور مجاهد لم يأت لتصفية أى حسابات معه ، وإنما جاء هذا القرار نتيجة لسببين، الأول هو أن الدكتور مجاهد أعلن أنه فى منزله حتى إشعار آخر، والسبب الثانى أن فترة ندب الدكتور مجاهد لرئاسة هيئة الكتاب ستنتهى يوم 27 مايو الحالى. وأعرب عن تقديره واحترامه للدكتور مجاهد، مؤكدا أنه تولى وزارة الثقافة فى ظروف صعبة تتطلب من الجميع التضافر والتكاتف من أجل مصلحة البلاد ومستقبلها . وأكد أن استراتيجية الوزارة خلال الفترة القادمة ستركز على خلق مزيج من الخبرات والكفاءة الشبابية، مشيرا إلى أنه وزير لفترة مؤقتة يهدف من خلالها ترك بصمة على الساحة الثقافية المصرية.
و لكن فى صحف أخرى قال الوزير ، تعليقًا على إنهاء ندب مجاهد ، إن انتدابه كان سينتهي بعد أسبوعين من اليوم في 27 مايو الجاري، ولا توجد أزمة في إنهاء الانتداب الآن ، و أوضح الوزير في تصريحات لـ “الوطن”، أن مجاهد قال في وسائل الإعلام إنه “قاعد في بيته ومش جاي”، وأنه لا يريد التعاون معى، وعقب عبدالعزيز “يعني أنا أعمل إيه؟، وأشار إلى أن جميع قيادات الوزارة تمارس دورها وتقدم برامجها بانتظام ، و”أنا أتابعها، ونفى الوزير الجديد ما تردد حول أخونة وزارة الثقافة، مؤكداً أنه يرحب بمن يريد التعاون معه، و”إذا كان مجاهد يحب يعمل شغل تاني فأهلاً به”، مضيفًا أن لدية كفاءات كثيرة من كبار السن ومواهب أكثر من الشباب . ورفض الوزير التعليق على ما قالة سامح مهران، رئيس أكاديمية الفنون، بأن لديه “سي دي” يحتوي على فضيحه أخلاقية له .
و قبل ان ينتهى ذلك اليوم حدثت مفاجأة جديدة .. و لكن لهذا حديث آخر..