“اللي مالوش كبير”.. مسلسل “مالوش كبير” !
بقلم : محمود حسونة
من يشاهد الحلقتين الأخيرتين من مسلسل “اللي مالوش كبير”، يجد أن بطلته ياسمين عبد العزيز تفرغت خلالهما للتجول على بيوت العديد من شخصياته، لمسامحة من أساؤوا إليها ونالوا منها وتربصوا بها وخدعوها وطمعوا فيها طوال الحلقات التسع والعشرين، فهي صاحبة القلب الكبير الذي يتسع للعالم كله ولا يعرف الحقد ولا الغضب ولا حتى رد الفعل، وقد مللنا هذا النمط الخيالي الغير واقعي والذي سبق وقدمته نجمات أخريات في أعمال درامية سابقة في إطار قناعة وهمية بأن مثل هذه الشخصيات قد ترفع أسهم هذه النجمة أو تلك عند الجمهور وتزيد حبه لها وتعلقه بها، وكأن الجمهور ساذج.
في المقابل فإن بطل المسلسل أحمد العوضي تفرغ للانتقام والقتل وإسالة الدماء، مما يوحي بأن كاتبه عمرو محمود ياسين قد تأثر كثيراً بالسينما الكلاسيكية في مصر حيث كانت نهايات أغلب أفلامها، بمثابة مشاهد حصاد لمن فعل خيراً، وعقاب يتمثل في المرض أو الموت أو السجن أو فقدان الثروة والسلطة لمن فعل شراً، وهذه النهايات التي لا يزال البعض يعتبرها مريحة للمشاهد، لم يعد يعترف بها صناع الدراما والسينما حالياً باعتبار أنها ليست واقعية ولا حقيقية.
الغريب أن البطلة كانت تريد أن تشطح بخيالها وتحلق بعيداً في فضاء لا يقبله عقل وتجعل النهاية أكثر لا منطقية، وخاضت في ذلك معركة مع المؤلف، وقيل أن كل منهما غضب من الآخر لدرجة القطيعة بعد “البلوكين” المتبادلين على مواقع التواصل، حيث كانت تريد أن ينتهي المسلسل بالتوبة النصوحة للبلطجي والمجرم العتيد سيف الخديوي الذي يجسده العوضي، حتى يستكملا قصة حبهما ويعيشان في “ثبات ونبات”.
وبعيداً عن النهاية والخلاف بين البطلة والمؤلف، فقد جاء “اللي مالوش كبير” مسلسل “مالوش كبير”، حيث أن صناعه أرادوه أحداثاً مفبركة خالية من المنطق، وشخصياته مليئة بالتناقضات والعقد النفسية، وإذا أرضت البحث عن النماذج السوية فيه فكأنك تبحث عن إبرة في كومة قش، وكان في أمس الحاجة إلى “دراماتورجي كبير” ليضبط النص، ويعيد تحليق الأحداث من فضاء الوهم إلى أرض الواقع.
غزل، ليست مجرد شخصية رئيسية، بل هي محور الأحداث، وجميع شخصيات المسلسل يدورون في فلكها، وكثيرهم جداً حاقد ومتآمر عليها ويريد الانتقام منها، وقليلهم جداً يحبها ويتمنى لها حياة سعيدة، وهي عنوان التناقضات، حيث تظهر في بداية المسلسل، وهى تمشي برداء أحمر بالتصوير البطيء، كما الحصان الذي يختال بنفسه ويعتز بعنفوانه، وتؤكد ذلك في مشاهد لاحقة كنموذج للمرأة القوية التي يهابها كل المحيطين بها ولا تخشى أحداً أياً كان، ويكون لقاؤها بالبلطجي سيف الخديوي عاصفاً، وكأنها امرأة حديدية يخشاها القوي قبل الضعيف، ثم لا تلبث أن تتحول إلى امرأة ضعيفة هشة مقهورة أمام زوجها عابد تيمور (خالد الصاوي)، الذي يضربها بتوحش ويهين إنسانيتها وأنوثتها، ويواصل المسلسل أحداثه على نفس الوتيرة، فهي الضعيفة أمام عابد والمقهورة من أهلها الذين يستغلونها بشكل مزعج، ومتآمر عليها من أقرب صديقاتها، ولكنها القوية في وجه البلطجي، ورغم أنها تلجأ إليه لحمايتها من زوجها إلا أن خطابها معه يظل قوياً متحدياً، حتى تقع في غرامه، تناقض ولا منطق، وكأنها ليست ذات الشخصية.
سيف الخديوي، بلطجي يرتزق من قطع الطرق والتهريب ويرتكب كل أشكال الإجرام، حاد الطباع، قاسي على زوجته وأم ولديه “قدرية”، لا يغفر لأقرب الناس إليه، وبعد أن يقع في غرام غزل يصبح معها شهماً حنوناً، و كما الخاتم في إصبعها، ولا تستغرب أو تسأل، فقد أراده المؤلف هكذا، وعلى المشاهد أن يتقبله من دون إعمال العقل.
رجل الأعمال عابد تيمور، والذي يؤديه الفنان الكبير خالد الصاوي، وقع أيضا في بئر التناقضات، فهو شديد الثراء يتخذ من ملكيته لفندق ستاراً لتجارة غير مشروعة، سادي، يعذب زوجته ويضربها بعنف ويتعمد إرهابها ويكلف كل المحيطين بها لمراقبتها، بل ويتزوج صديقتها المقربة عرفياً لتنقل له كل أخبارها، وبعد أن تطلب الطلاق منه يدبر لها مكيدة تدخل بسببها السجن انتقاما، ورغم ذلك يذوب عشقاً، ولا تملأ عينيه إمرأة سواها لدرجة أنه عندما يقرر الانتحار يكتب كل أمواله وممتلكاته لها وهي متزوجة من غيره ويحرم صديقتها نادين الذي حول زواجه منها من عرفي إلى معلن.
قدرية، تجسدها الفنانة دينا فؤاد، وعلى طريق التناقضات أيضاً تسير ولكن بشكل أقل حدة، فهي تعشق زوجها، ولكنها تفعل من وراء ظهره ما ينهيها عنه، وبعد أن يطلقها تتحول إلى وحش لا يشغلها سوى الانتقام منه ومن حبيبته غزل، ورغم كراهيتها المعلنة تتزوج من عدوه اللدود لينتقم لها منه.
هذه مجرد نماذج، وعلى نفس الدرب تسير باقي شخصيات المسلسل، فتجد أهل وأشقاء غزل، نماذج للجشع والطمع على حسابها، وأيضاً صديقتها التي تثق فيها ثقة عمياء تتزوج من زوجها عرفياً وفي السر، وفي الحلقتين الأخيرتين يتوب معظمهم ويندمون ويطلبون منها السماح والمغفرة لتقدم لهم ما يطلبون من دون عتاب، وكأنها الملاك بين شياطين.
شخصيات مشوهة، مريضة، جشعة، متناقضة السلوك والملامح، والاستثناء بين عشرات الشخصيات يتجسد في شخصية الضابط محمود الريحاوي ويجسده أحمد سعيد عبد الغني وشخصية وليد زوج شقيقة غزل، وحدهما يخلوان من التناقضات وملامحهما لا تتغير على مدى الحلقات الثلاثين.
وبالعودة لشخصية غزل، وبعيداً عن التناقضات، تجدها سيدة غبية لا تعي ما يحدث حولها، والكل يتآمر عليها، وهي غائبة عن الوعي وفاقدة للإدراك وغير مستجيبة لنصائح من يحذرونها من “الثعابين” التي تسعى للدغها والقضاء عليها كل الوقت.
أكثر الفنانين تميزاً في الأداء خلال حلقات المسلسل، الفنان خالد الصاوي في دور الزوج العاشق القاسي الذي خسر حبيبته بسبب عنفه وبعدها خسر طعم الحياة، ودينا فؤاد في دور قدرية، وأحمد الرافعي في دور عماد شقيق غزل، وخالد سرحان في شخصية رفعت الذهبي، وما عدا هؤلاء الثلاثة فقد اجتازوا الاختبار.
mahmoudhassouna2020@gmail.com