كتب : محمد حبوشة
أزمة فنية عميقة فتحها مسلسل (قوت القلوب) تتمثل في كيفية إحداث التأثير المرجو من عمل فني دون مباشرة ومبالغة قد تفقدانه قيمته، وتجعلانه أقرب إلى حقن أخلاقية يتم تلقيح الجمهور بها في كل حلقة، فلم يكتفي صانع العقدة (المؤلف) في المسلسل فقط بالمبالغة الشديدة في رسم شخصية بطلته (ماجدة زكي) التي تجسد شخصية (قوت القلوب)، وهى أم تتولى تربية أبنائها الخمسة بعد وفاة والدهم خلال عمله كحارس أمني في إحدى الشركة، بجعلها شخصية ملائكية ومغامرة ومقدامة، فقد ازداد الأمر سوءا بكثرة الشخصيات وتفريعاتها، ورغبة المؤلف في عمل خطوط درامية عديدة داخل المسلسل تخص كل بطل من أبطال المسلسل، بشرط أن يصب كل خط منها في القصة الرئيسية الضبابية.
المسلسل بجزئيه الأول والثاني يضع المشاهد أمام عمل لا يخلو من تطويل ملل واضح، ما جعل المسلسل يفتقد إلى البناء الدرامي الراسخ، في مشاهد ممطّطة، بحيث لا تجد صعوبة في توقع أحداثها، انطلاقا من معرفة الدور الذي تقوم به كل شخصية، لأن الخيوط المتداخلة التي تربطها تكاد تكون متشابهة، كما ظهرت شخصيات المسلسل وكأنها مضطربة أكثر من اللازم، وهو ما يبدو في مجموعة من التصرفات المتناقضة لكل منها، تتداخل فيها الرسائل ومعاني الخير والشر بعشوائية لا تعكس قصدا للاضطراب في حد ذاته، فلا تملك إجابة عن سبب يجعل الشخصية الرئيسية في المسلسل قوت (الفنانة ماجدة زكي) تتأرجح بين العصامية الشديدة والتورط في أزمات عديدة لمجرد رغبتها في المساعدة.
وتبدو سذاجة الفكرة في مواجهة سلبية من (قوت القلوب) وبعض الأطراف المقابلة، عبر التخلي عن الحق وخوض معارك غير منطقية، مقابل التتنازل عن الواجبات الرئيسية أمام معاني التسامح والعفو والإيمان، التي تتشدق بها البطلة طوال الوقت، وأسوأ في هذا المسلسل أنه لأكثر من 15 حلقة يمهد المخرج المشاهد لعقدة المسلسل التي تبدو غير مفهومة للغاية، بين قوت القلوب ورجل أعمال جابر طاحون (الفنان خالد زكي) كانت سببا في إفاقته من الغيبوبة، وبعدها يتعرف عليها كإحدى ضحاياه القدامى.
يبدأ الأمر في الحلقات التالية بالانكشاف ببطء ومبالغة شديدة بين شخصيات عادت من الموت، عن جريمة ينتهي الجزء الأول من المسلسل دون الكشف عن ألغازها، وفي الجزء الثاني فشل المسلسل تماما في تقديم شخصية رجل الأعمال (جابر طاحون) التي يُفترض أنها تمر برحلة تطهير ذاتي وتبة ومحاولة التكفير عن ذنوبه بأية طريقة حتى لو كلفته كل ثروته التي جمعها بطرق غير مشروعة، أيضا فشل المسلسل في تجسيد رحلة (جابر طاحون) النفسية تلك أو دوافعها، واعتمد كليا على أن أحلام رأها خلال فترة غيبوبة إثر حادث تعرض له، فكانت سببا في دفع رجل الأعمال صاحب الجاه والجبروت إلى مراجعة نفسه من جديد، وتكمن السذاجة أكثر في ذلك الصراع الخفي، الذي كان من الممكن رسمه على نحو أكثر دقة ومساحة، ليكسب العمل عمقا، وتصبح تلك الشخصية محور المسلسل وليست (قوت القلوب) التي رسمها المؤلف في خياله حيث تتحلق باقي الشخصيات من حولها.
ولم يكتف المسلسل برسائله الصاخبة تلك فحسب، بل حاول بشق الأنفس ترسيخ مفهوم (القدرية) مقابل الدعوة إلى تبني قيم الدفاع عن الحق وربطه بين السلبية التي قدمها المؤلف في إطار ديني حيث السماح والعفو، والخروج من الأزمات المفتعلة بطريقة أكثر افتعالا، ومن ثم يسأل المشاهد نفسه، ماهذه الجدلية غير المنطقية في الأحداث المفتعلة أصلا ؟، ألا توجد سوى عائلة قوت لتخرج من أزمة فتدخل في أخرى وكأنها تأتي كترجمة حقيقية لأسطورة (سيزيف) الشهيرة مع الصخرة التي يحملها على ظهره ويصعد بها قمة الجبل وفور وصله تسقط الصخرة من جديد ليكرر المحاولة تلو الأخرى دون جدوى.
ومع كل تلك الملاحظات السابقة بدت أكثر شخصية متقنة في البناء الدرامي هى شخصية عزة بنت قوت التي لعبتها (سهر الصايغ)، ولأنها ممثلة محترفة في هذا اللون تحديدا فقد نجحت في تقديم شخصية تعاني عقدة الحرمان من النسل مقابل رغبة شرهة في امتلاك المال والوصولية، وعلى جناح التقمص الجيد من جانب (سهر) التي أصبحت رقما صعبا في معادلة الدراما المصرية الحالية استطاعت أن تقدم لنا الشخصية الوحيدة التي يستطيع المشاهد فهم دوافعها، وكذلك شخصية الطبيب حسن، التي أداها الفنان الشاب إسلام جمال، لولا تبدله في بعض المواقف غير المفهوم، مثل امتعاضه من عمل والدته ومعارضته في الوقت ذاته لقرارها بالتخلي عن عملها طلبا للإحالة على المعاش المبكر.
لابد أن نعترف أن الفنانة ماجدة زكي استطاعت تقديم شخصية الأم في صورة مختلفة عن ملامحها السابقة، لكنها وقعت في شرك المبالغة في الانفعالات، وكأنها أم تعيش في منتجع سياحي وليست شخصية ذات هموم تحملها على عتقه بعد مقتل زوجها، فضلا عن التحولات النفسية السريعة، وظهور غالبية المشاهد بأدوات تجميل لا تتناسب مع طبيعة الدور، والأزمات العميقة التي تواجه صاحبته، فهي أم لخمسة أبناء وعاملة في مدرسة، وسوبر مان لا يتوانى عن التدخل لحل مشكلات الجميع في الحارة التي تسكنها أو حتى أي شخصية تلقاها في الشارع سرعان ما تتفاعل مع مشكلتها وتبدأ في خطوات الوصول إلى الحل.
وعلى الرغم من المشاكل الفنية الكثيرة التي يعاني منها مسلسل (قوت القلوب) ، فقد استطاع أن يجذب الأنظار من خلال مشاهد أخرى تتجمع فيها العائلة حول المائدة أو في جلسة سمر وغناء، لأسرة متوسطة مكافحة، استطاعت أن تُخرج أفرادا بين الطبيب والمدرسة والمحامي والطالبة الجامعية والشاب الراغب في الغناء، لتضيف أجواء من الدفء في ظل افتقار الدراما لتلك المشاهد التي كانت تميز الدراما المصرية على مر تاريخها ولعل طيفا من هذا ظهر في مسلسلات عرضت خلا السنوات الأخيرة مثل (الطوفان، وأبو العروسة).
ومع كل ما مضى فلايخلو المسلسل من مشاهد ترقي إلى مستوى الـ (ماستر سين) في الأداء الجيد، ولعل أبرزها تلك المواجهة العاصفة والصادمة بين جابر طاحون وقوت القلوب في الحلقة الرابعة من الجزء الثاني والذي أظن أنه كان نهاية منطقية للمسلسل في كشفه اللغز، والذي جاء على النحو التالي:
بعد أن تم خطف (قوت القلوب) من الشارع من جانب رجال (جابر طاحون) تجد نفسها في مكان مجهول بالنسبة لها في أول الأمر، حيث تفيق في حالة من الذهول والهيستريا قائلة : أنا فين .. عايزين مني إيه؟
حاول أحد الخاطفين تهدئتها بشق الأنفس قائلا مش احنا اللي عايزين فتقول: أمال مين اللي عايز؟ عندئذ يظهر (جابر طاحون) ليقف أمامها قائلا: أنا اللي عاوز ياقوت.
جابر : ياريت تسامحيني على الطريقة اللي جبتك بيها .. بس للأسف ماكنش عندي حل تاني .. حل يحميك من نفسك وأي تصرف متهور ممكن تعمليه .. حقك على!.
قوت : حق ايه .. ده .. كتر خيرك وفرت على أجرة التاكسي، وبعتلي رجالتك وعربيتك.
جابر : آه يعني كنتي جايه فعلا .. زي ما توقعت بالضبط.
قوت بسخرية : توقعت ولا العصفورة وشوشتلك؟!
جابر : حانكلم يا قوت وحاريحك .. اقعدي.
قوت وهى تجلس على الكرسي : تريحني؟!.
جابر يأمر حرسه بالخروج من الغرفة بينما قوت تسحب سكينا وتضعه خلف ظهرها.
يعود جابر للمواجهة مرة أخرى قائلا : باكرر أسفي للمرة الثانية .. معلش أنا اضطرت أعمل كده علشان أحميك وأخليكي ترتاحي.
قوت بابتسامة ماكرة: إحنا أهل وأنا مسمحاك .. ثم تحاول أن تطعن جابر مرددة : ده اللي حيريحني ويبرد ناري .. لازم أقتلك وتهم بخنقه بعد أفلت السكين من يدها.
جابر : انتي اتجننتي .. مش انتي أبدا اللي تعملي كده.
قوت : لا أعمل .. لا أعمل .. هو انت بس اللي تشيل سكينة وتقتل خلق الناس .. انت محدش يقدر عليك؟.
جابر : اهدي .. اهدي وافهميني كويس.
قوت : ما أنا فهمت .. فهمت .. ربنا حدفني قدامك واشوف البلطجي .. علشان أنا اللي اعملها بايديا.
يصرخ جابر بعد أن فك قيد رقبته من جانب قوت : وبعدين بقى .. استغفر الله العظيم .. يا قوت ربنا عمل كده علشان تاخدي حقك.
قوت ما هو ده حقي .. حقي ان أشوف دمك سايح .. هو ده حقي وحق عيالي .. لازم أموتك ويتم بنتك زي ما يتمت ولادي.
جابر: لو فكرتي تعملي أي حاجة من الكلام ده تاني الرجالة اللي بره حيقتوليكي.
قوت : خليهم يقتلوني .. خليهم يقتلوني ويريحوني من الهم اللي أنا فيه .. عايزه ادفن بالسر اللي في قلبي .. مش عارفه أقوله .. أقول لعيالي ايه؟ .. أقوله ده اللي قتل أبوكم .. أخليهم يضيعوا نفسهم.
جابر : انتي اللي قتلتي أبوهم يا قوت.
قوت : أنا
جابر : أيوه انتي .. لو ماكنش قالك ساعتها كان زمانك معاه دلوقتي .. كان زمنكم عايشين في العز اللي عايشه فيه صباح.
قوت : عز .. انت بتقول ايه ؟
جابر : إبراهيم مارفضش الحرام يا قوت .. إبراهيم اتفق معايا على السرقة زي حسان بالضبط.
قوت : لا .. لا انت كداب .. انت كداب وقادر وحرامي .. وتحاول أن تخنقه من جديد عندئذ يأتي الحرس ويحاولون الإمساك بها عنوة.
جابر : محدش يقرب منها خالص .. وبعدهالك يا قوت اهدي خالص واسمعيني كويس.
قوت : مش حاسمع .. انت ضلالي ومفتري وجوزي أشرف راجل في الدنيا.
جابر : ده في نظرك انتي .. في نظرك انتي بس .. أنا ما هجمتش على المخازن فجأة كده زي ما قالتلك صباح .. أنا كنت متفق مع إبراهيم وحسان واتفقوا معايا يسلكوا السكة وحايخدوا نصيبهم.
قوت : لا .. لا .. إبراهيم ما اتفقش على حاجة أبدا .. لا .. لا .. إبراهيم ما اتفقش.
جابر : إبراهيم اتفق ووافق على كل حاجة.
قوت : ولما هو وافق واتفق على كل حاجة قتلته ليه؟
جابر : انتي السبب .. انتي الغلطة الوحيدة اللي عملها إبراهيم في حياته وكانت سبب في إني أتخلص منه.
قوت : أنا .. ازاي ؟
جابر : كلامه معاكي يوميها .. يوم الجمعة 13 أبريل .. قبل ما يتقتل بيوم.
قوت : كلامي .. وانت عرفت منين ؟!
جابر : قالهولي بالحرف الواحد.
قوت : قالهولك انت.
جابر : إبراهيم كان عارفك يا قوت .. كان متأكد انك حترفضي .. بس قالي نجرب جايز تنخ أمام الفلوس وخصوصا ان ابنك الأخير كان لسه مولود من 3 شهور نزل من بطنك عيان ومكنتوش لاقيين حتى تمن اللبن اللي تأكلوهوله.
…………………………….
تسرح قوت بخيالها نحو هذا الموقف مع زوجها إبراهيم ثم تعود مرة أخرى.
…………………………….
جابر : كان محتار يجيبهالك ازاي .. وحتى لما اتجرأ واتكلم معاكي مرضيش يقولك ان هو اللي اتفق معايا .. قالك ان حسان هو اللي اتفق وجه فاتحه في الموضوع .. هى دي الكلمة اللي قتلته .. دي الغلطة اللي عاملها إبراهيم وخلاني أتخلص منه.
قوت : لا إبراهيم معملش كده أبدا انت بترمي بالك على واحد ميت عشان مش حيعرف يرد عليك.
جابر : الميت حيصحى يا قوت وحيقولك الحقيقة بلسانه مش بلساني أنا.
قوت : حيصحى .. حيصحى إزاي.
يحضر جابر شريط الكاسيت المسجل عليه حوار الاتفاق مع إبراهيم كاملا بصوته، وعندما سمعت قوت الحقيقة أصيبت بصدمة عنيفة وظلت تردد : يا مصيبتي .. يا مصيبتي .. يا مصيبتي.
حاول جابر أن يساومها بالتعويض بمبلغ كبير لكنها رفضت وغادرت المكان وهى تهزي بكلمات عتاب وسخط لزوجها الذي خدعها!!.