موفق بهجت: كتبت ولحنت (يمكن على باله حبيبي) وبليغ حمدي أعطها لـ (عفاف راضي)
كتب : أحمد السماحي
من الأغنيات العذبة المحفورة في وجدان الشعب المصري والعربي كله، أغنية (يمكن على باله حبيبي)، هذه الأغنية التى يزيدها الزمن جمالا، وتوهجا، وخلودا، دفع كثير من المطربيين لإعادة غنائها مجددا، فقد أعادت غنائها منذ شهور قليلة المطربة السورية (ميرمام عطالله) ولم تكتف بغنائها فقط، بل قامت بتصويرها كفيديو كليب من إخراج (رندلي قديح)، وقبلها أعاد نجمنا ومطربنا الكبير (وليد توفيق) غناء نفس الأغنية أيضا، هذا فضلا عن برامج الهواة التى تغنى فيها بصفة منتظمة ومستمرة.
هذه الأيقونة العاطفية التى مر عليها الآن حوالي 50 عاما، لها قصة طريفة أرسلها لنا صديقنا مطرب البهجة والسعادة (موفق بهجت) صاحب المشوار الحافل بالأغنيات الناجحة التى قدمها على مدى مشواره الفني الذي بدأ فى منتصف الستينات، ويكشف فى حدوتة هذه الأغنية كواليس تذكر للمرة الأولى خصنا بها نظرا لعلاقة الحب والصداقة
التى تجمعنا بهذا العملاق أدام الله عليه الصحة والسعادة.
يقول (موفق بهجت) عبر رسالته الصوتية : فى عام 1972 كنت بدأت أستقر فى مصر كنجم واعد فى سماء مصر المحروسة، وفى إحدى رحلاتي من بلدي سوريا إلى مصر، وأثناء جلوسي فى الطائرة وجدت جملة موسيقية تطن فى أذنى، وتسيطر على، كنت متأثرا بها من جملة موسيقية استمعت إليها وأحببتها فى أغنية (طريق النحل) للأخوين رحباني، وغناء فيروز، وبعد أن تكونت فى ذهني الجملة وثبتها، بحثت لها عن كلمة أبدأ بها الموضوع.
وبعد دقائق تذكرت أغنية أجنبية بعنوان (perhaps – ربما) لمطرب شهير فى الخمسينات والستينات، فاستعرت منه الكلمة بعد أن أصبحت (يمكن على باله حبيبي)، وبدأت أكمل الكتابة وأنا في الطائرة، فكتبت أول شطرين فى الأغنية وهما:
يمكن على باله حبيبي، يمكن من باله أغيب
لكن والله يا حبيبي، عن بالي ما بتغيب
وبعد هبوط الطائرة وعودتي إلى شقتي في مصر، بدأت (أدندن) ما كتبته ولحنته فى الطائرة، وفى هذه الفترة كانت تجمعني علاقة وطيدة بكلا من (بليغ حمدي، وزوجته وردة، والشاعران عبدالرحيم منصور، ومجدي نجيب، ومحمد الموجي، ومنير مراد) فعرضت فى البداية ما فعلته على الملحن المجدد والمتطور (منير مراد) فقال لي بكل حنو وعطف: (يا ابني خير من يكمل هذا المشوار أنت، كمل ما بدأته)، لكنني لم أقتنع صراحة بما قاله، لأنني كنت فى حاجة إلى أسماء مهمة ولامعة استند إليها فى إقامتي في مصر.
فذهبت إلى الموسيقار (محمد الموجي) الذي عاش في سوريا فترة فقال لي بعد أن استمع إلى ما فعلته: (يا موفق، يا حبيبي أنت متأثر بصديقنا بليغ حمدي!، أما أن تكملها أنت بروحك، أو تعطيها لـ بليغ حمدي يكملها لك)، وقد كان، لكن قبل أن أعطيها لـ (بليغ حمدي) عرضتها على صديقي الشاعر (عبدالرحيم منصور) وطلبت منه تمصير الكلام الذي كتبته بلهجة مصرية، وانشغلت بعدها فى حياتي الفنية والشخصية.
وفى إحدى الأمسيات كنا نسهر في منزل (بليغ حمدي وزوجته وردة)، ووجدتها فرصة لأسأل (عبدالرحيم منصور) الذي كان موجودا فى السهرة، ماذا فعلت يا عبدالرحيم فى أغنية (يمكن على باله حبيبي)؟!
والتفت (بليغ حمدي) إلى (عبدالرحيم) وسأله أليست هذه الأغنية هى ما كتبتها لي منذ أيام؟! فتلعثم (عبدالرحيم) وأجاب: آه هى نفس الأغنية!، وهنا قال لي بليغ: (إسمعني أنت عاملها إزاي يا موفق) فغنيت له الأغنية فقال بليغ الله يرحمه: ما كتبه موفق أحلى، مع احترامي لك يا عبدالرحيم.
وقالت ورده: الله فكرة حلوة أووي يا بليغ كملها لموفق.
وكان عبدالرحيم أكمل الأغنية على نفس السياق لكن المعاني مختلفة، حيث حاول تقديم الكوبليه الأول والتاني، فقلت له هذا غير مناسب، وقلت له أنا عندي فكرة تتلخص في أن (اللي بيغيب عن البال، بيغيب عن العين، لكن يرجع للحبيب في باله، عندما يريده، لكن فيه مسافة، المسافة فلتكن سفر، فطرحت نفسي أنى مسافر، فقلت له حلوة أن تقول:
أسافر؟ هسافر أمرك يا حبيبي
وروحي يا روحي جنبك يا حبيبي
بس وحياة المحبة يلا نتلاقى أحبه
يمكن تنساني لكن وأنا مالي، دايما ع بالي
وبعد اتفاقنا على كل شيئ، حدثت لي حادثة فى مصر لا أحب تذكرها، وأبعدت عن الساحة الفنية قسرا، لكن بعد مرور ثلاثة شهور قال القضاء المصري العادل كلمته، وطلعت براءة، وبعد رجوعي إلى البيت، اتصلت بي الصديقة العزيزة وردة الجزائرية وهنأتني بالبراءة وقالت لي : (أنا عارفة انك فى ضيقة لو محتاج فلوس أو أي شيئ أنا بمثابة أخت لك)، وزارني الشاعر (عبدالرحيم منصور) وبعد تهنئته لي وجدت في (تمه) حكي بده يقوله لكنه خجلان، فقلت له هل يوجد شيئ تريد تقوله يا (عبدالرحيم) فقال لي عندي رسالة من (بليغ حمدي) طلب مني أن أوصلها لك: أغنيتك (يمكن على باله حبيبي) اضطررنا أن نأخذها منك، ونعطيها للمطربة التى تحب صوتها (عفاف راضي) لأننا نجهز لها حاليا فيلمها السينمائي الأول (مولد يا دنيا)، وبليغ سيعوضك كم خلال ألحان أخرى.
ونظرا لحبي لـ (بليغ وعبدالرحيم وعفاف) واحتراما للصداقة بيننا، لم أحب الدخول في نزاعات قضائية، ورحبت بما عرضه على (عبدالرحيم)، بعدها سافرت إلى سوريا ومنها إلى لبنان حيث قابلت الموسيقار (عبود عبدالعال) وقمت بتسجيل الأغنية كما تصورتها، وكما تسمعوها حاليا والمختلفة عن ما فعله (بليغ حمدي)، وحققت نجاحا كبيرا، وسمعتها (وردة) وأشادت بها جدا.
لكن يعز على أن تعاد هذه الأغنية الجميلة فى السنوات الأخيرة، ولا يكتب أحد من المطربيين الذين قاموا بغنائها أنها لبليغ حمدي، أو موفق بهجت، وإذا حدث وذكر أحد هذا يقوله على استحياء وبصوت أقرب إلى الهمس.!
هذه حكاية واحدة من أجمل أغنياتنا العاطفية التى تعتبر واحدة من أروع أغنيات موفق بهجت.
صادق والله أستاذ موفق !
وفقك الله