فى الذكرى الـ 77 (أسمهان) بين (فريد الأطرش، وثروت الخرباوي) !
كتب : أحمد السماحي
نحيي اليوم الأربعاء الذكرى الـ 77 لرحيل رائعة الصوت (أسمهان) هذه القيثارة النادرة التى قدمت ما يقرب من 40 أغنية، ومازالت حاضرة وبقوة في الأذهان، رغم قلة ما قدمته، هذه القيثارة المشغولة بالطرب والتطور والأصالة، والتى رحلت في مثل هذا اليوم عام 1944، هذا الأسبوع في باب (صحافة زمان) نستدعى ما قاله المطرب الكبير (فريد الأطرش) عن يوم رحيل شقيقته المطربة (أسمهان)، كما جاء فى مذكراته التى رواها للكاتب (فوميل لبيب) ونشرت في مجلة (الموعد) اللبنانية، كما نتطرق إلى موضوعي الذي نشرته في جريدة (الأهرام) مع صديقي الكاتب والمفكر الإسلامي الكبير (ثروت الخرباوي) عام 2015 بعد استماعي إلى الحلقة (24) من المسلسل الإذاعي (التنظيم السري) الذي جاوب عن السؤال الذي ظل حائرا على مدى 71 عاما وهو من قتل أسمهان؟! فإليكم التفاصيل:
صور تتداعى
يتذكر (فريد الأطرش) يوم علمه بخبر غرق شقيقته أسمهان فيقول : عدت إلى البيت وحين فتح لي (عم عبده) الباب وقال وهو يبكي : الست أسمهان ماتت.!
دوى صوت سقوطي على الأرض، ولما أفقت لم أستطع أن أثبت عيني في أي شيئ أمامي، لأن صور (أسمهان) وهى تغني، وهى تضحك، وهى تحمل إلي صينية الأفطار، وهى ترحل إلى الجبل، وهى تعود منه، وهى تقبل أمي، وهى تعانقني، وهى تبكي، وهى تغضبني، وهى تتزين، وهى على فراش المرض.
كل هذه الصور تتداخل ثم تدور أمام عيني كأنها في دوامة، فأحسست رأسي يدور معها، وأكاد أفقد الوعي من جديد فأقول يارب فأعود إلى رشدي، وحاولت أن أبكي فلم أجد دمعا، جفت قنوات الدموع لأن الخطب افدح من أن تكفيه دموع العين، وتمزق قلبي ومادت الحجرة بي.
السعي وراء الحقيقة
ثم قررت أن أتماسك وأن أعرف الحقائق، تحدثت إلى صديقي (حسني نجيب) فى ستديو مصر، فبدا واضحا أنه يعرف كل شيئ ولكنه لم يشأ أن يفجعني بالخبر دفعة واحدة وقال لي : لماذا تقدر أنها ماتت؟!، الذين أبلغوك أمر موتها لم يروها، خذ سيارة وأذهب إليها، قريبا من المنصورة وقعت الحادثة.
وتركني (حسني نجيب) بعد أن دفع إلى صدري أملا بأن (أسمهان) قد تكون في تلك اللحظة على البرزخ الفاصل بين الموت والحياة، فأشرق في داخلي نور الرجاء، ومضيت بسيارتي إلى الطريق الزراعي بسرعة مهولة، فلما تطلعت إلى وجوه رجال المرور وعرفوني، زحف الحزن إلى وجوههم مبددا بعض الرجاء، ونذرت نذرا إن عاشت، ووجدت دموعي وأنا أردد من جديد (يارب).
نبوءة تتحقق
عادت صورها وهى طفلة تقلد (أم كلثوم) تحتل الفضاء من حولي، ثم تذكرت قدوم (حسن الأطرش) وقدوم العراف من بعده، واعتصرني اليأس اعتصارا فيبدو أن نبوءة العراف تحققت، أنه تنبأ لها بالموت غرقا وفي ريعان الشباب، وتمنيت لو كان كذابا.
وجف ريقي فقد تحول كل ما في بدني من قطرات ماء إلى دموع، وبلغت مكان الحادثة فوجدت جثتين تحت لحاف، كانت الثانية (ماري قلادة) صديقة العمر (لأسمهان) وسكرتيرتها فى نفس الوقت، فقد تلازمتا في الحياة وتعانقتا إلى القبر، وكان عند المكان الذي وقعت فيه الحادثة أرض أحد الوزراء من ذوى السطوة والسلطان، قد أراد أن تمر من الترعة ماسورة ضخمة تحمل الماء إلى أرضه، حفر العمال فجوة فى الطريق لهذا الغرض وثبتوا الماسورة تحت الطريق وردموا جزءا يسيرا منه يكفي بالكاد لتمر من فوقه سيارة.
الحفرة القاتلة
أما باقي الطريق فحفرة كبيرة ليس ليس فوقها أو قبلها ما يحذر من التردي فيها، وقد أقبلت سيارة (أسمهان) مسرعة ولم يستطع السائق أن يوقفها فجأة عند الحفرة، فأدار عجلة القيادة بكل قوته ليتفادى الوقوع في الحفرة، فسقط فى الترعة وخرج من السيارة، ولكنه لم يستطع أن يخرج (أسمهان) مع شرذمة الفلاحين التى زحفت إلى المكان إلا وهى جثة هامدة، وظلت في العراء حتى دفعت النخوة أحد الفلاحين فغطاها مع صديقتها بلحافه، ورفضت سيارة الإسعاف أن تنقلهما لأن سيارة الإسعاف تنقل المصابين الذين تتردد أنفاسهم ولا تحمل القتلى.
بدرخان وعاصم والقبر
يستكمل (الأطرش) كلامه قائلا: وعدت مع الجثمان وأنا أقرب إلى الغيبوبة، ووجدت فى انتظارنا (مدحت عاصم، وأحمد بدرخان) وقد اشتريا فى ساعات أرضا وبنيا للراحلة قبرا، ومشت القاهرة معي وراء جثمان الفقيدة الغالية، ولم يكن شقيقي (فؤاد) فى القاهرة، فقد كان ذهب إلى (السويداء) لكي يدبر مع طليقها السابق (حسن الأطرش) اخراجها من مصر عنوة بعد حادث إطلاق زوجها الفنان (أحمد سالم) النار عليها، بسبب إصرارها على الخروج من المنزل بدون إذن منه، وأحسست أنني أوارى الثرى كياني كله وروحي وخفق قلبي، فقد ذوت في روض الدنيا، وهى أحلى زهرة وأعطر وردة يا خسارة يا أسمهان! كنت تحبين زيارة من في المقابر، وهاهم يستقبلونك اليوم.
من قتل أسمهان؟!
وصارت الليالي بعد (أسمهان) ظلاما بلا شموع ويأسا بلا رجاء، تبدأ تلك الليالي بالدموع وتنتهي بالأحزان، وصورة الغالية توشى أحلامي كلما اختطفت لعيني ساعة من قبضة الأرق، وثارت أسئلة كثيرة بعد موت (أسمهان) هل قتلوها؟ لماذا قتلوها؟ ومن الذين قتلوها؟ وأشارت أصابع الاتهام إلى الكثيرين، القصر أو عاشق مجهول، الإنجليز، أو الأمير (حسن) بالإتفاق مع (فؤاد)، ورحلت أسمهان وسرها معها.
الخرباوي والتنظيم السري
جدير بالذكر أنني فى الذكرى الـ (71) لأسمهان أجريت اتصالا هاتفيا مع صديقي ومفكرنا وكاتبنا الكبير (ثروت الخرباوي) عن حقيقة قتل أسمهان؟! حيث فجر (الخرباوي) مفاجأة من العيار الثقيل، ووضع النقاط على الحروف، حيث كشف ولأول مرة من خلال مسلسله (التنظيم السري) الذى قام بتأليفه وتوثيقه، وعرض طوال شهر رمضان على البرنامج العام عام 2015، من إخراج (صفى الدين حسين)، وبطولة النجم (طارق لطفي) الذى جسد دور حسن البنا، والنجم الأردنى (منذر ريحانه)، أن جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية هى التى قامت بقتل (أسمهان) بتكليف من مؤسس الجماعة حسن البنا.
كان الإخوان يعتبرونها كافرة ويحل دمها لعملها مع أعداء الوطن واشتغالها بالغناء وسوء سلوكها، وفى يوم الجمعة وكما جاء فى الحلقة (24) من حلقات المسلسل استيقظت (أسمهان) من النوم الساعة الخامسة صباحا، وأرسلت سائق سيارتها إلى محطة مصر ليحجز لها تذكرة فى القطار السريع الذى سيسافر إلى رأس البر، حيث كانت ترغب فى الاستجمام والراحة، نظرا لعملها المكثف طوال الشهور التى سبقت الحادث فى فيلم (غرام وانتقام).
وعاد السائق يقول إن كل التذاكر محجوزة، فقالت (أسمهان) فى غضب: إذن لنذهب بالسيارة، ورد السائق بأن السيارة غير جاهزة لمثل هذا المشوار، فزاد غضبها واتصلت بالفنان الكبير (يوسف وهبي)، الذى أمر لها بسيارة وسائق من ستديو مصر، وكانت جماعة الإخوان المسلمين قد زرعت سائقا تابعا لهم فى ستديو مصر، لينقل لهم تحركات وخبايا الفنانين، واستغل السائق (فضل) هذه الفرصة واتصل بـ (عبدالرحمن السندي) أحد رجال البنا المقربين، فأمره بالذهاب معها، وتنفيذ أمر قائد الجماعة بقتلها، والذى تأخر كثيرا حيث كانوا ينوون قتلها قبل ذلك.
ورحب السائق (فضل) التابع لجماعة الإخوان المسلمين بتنفيذ المهمة المكلف بها، لكن كانت المشكلة أن (أسمهان) لم تكن بمفردها، واصطحبت معها صديقتها (مارى قلادة)، لكن عندما علم إن (ماري) مسيحية تهلل فرحا لقتله الاثنتين من أعداء الإسلام، وأثناء السفر كانت المطربة تتعجل الوصول فتلح على (فضل) بأن يسرع، واستغل السائق هذه الفرصة، وعندما اقتربت السيارة من (ترعة الساحل) التى تقع ما بين طلخا ودمياط، هدأ من سرعة السيارة فجأة ونظر خلفه ثم فتح الباب، وألقى بنفسه خارج السيارة، بعد أن وجه عجلة القيادة تجاه الترعة، وكان البابان الخلفيان مغلقين!
سقطت السيارة بـ (أسمهان وصديقتها) فى أعماق الترعةـ ونظرا لأن اليوم هو الجمعة وكان الفلاحون قد ذهبوا لأداء الصلاة، لم يحضر أحد لإنقاذ أسمهان وصديقتها قبل مرور نصف ساعة، واتصل أحدهم بشرطة مدينة طلخا، وطلب غواصين كى ينزلوا الترعة لإنقاذ سيارة وقعت فيها، وبالفعل نزل الغواصون إلى الترعة، وفتحوا أبواب السيارة الغارقة وأخرجوا منها (أسمهان وصديقتها مارى قلادة)!
وبهذه المعلومة التى وثقها الخرباوى يكون قد أزال غموض لغز ظل حائرا طوال السنوات الطويلة الماضية.
ومن جانبي سألت المؤلف ثروت الخرباوى عن حقيقة ما جاء فى المسلسل حول مقتل الإخوان لأسمهان هل هو حقيقة أم مجرد خيال مؤلف: فرد على مؤكدا : حقيقة طبعا وثابتة من خلال وثائق الخارجية الفرنسية، ووثائق الخارجية البريطانية، وأيضا من خلال معلوماتى الشخصية التى استمديتها من رموز النظام السرى عندما كنت فى الأخوان!.