بقلم : محمد حبوشة
في غيبة من وعي الإعلام المصري غير المهموم بأبرز قضايانا بحجة انشغاله الآن بالسد الأثيوبي المشئوم، أقر المجلس الوطني في النمسا (البرلمان) قانونا جديدا لمكافحة الإرهاب والتطرف يستهدف تعزيز جهود الدولة لحظر نشاطات التنظيمات الإرهابية وملاحقة مموليها، وأكد وزير الداخلية النمساوي (كارل نيهمر) إن التشريعات الجديدة تتيح تغليظ العقوبات على البيئات الحاضنة للمتطرفين وتسهل عملية مراقبتهم وكذلك مراقبة خطاب الكراهية والتشدد الديني واستغلال شبكة الإنترنت في هذه الأغراض، إذ تراقب الحكومة النمساوية عن كثب نشاط جماعة (الإخوان) داخل البلاد، حيث تم تصنيفها جماعة محظورة، ووضعت قيودًا على تحركات أعضائها.
لم ينتبه إلى خبر مهم كهذا غير قناة (سكاي نيوز عربية) التي قامت بإعداد تقرير يرصد خطور ما قاله وزير الداخلية النسماوي (نيهمر) في تصريحات صحافية، إن البرلمان وافق على الإلزام بوضع السوار الإلكتروني في الكاحل في حالة الإفراج المشروط عن المدانين بالإرهاب كما تتضمن الحزمة أيضًا الاعتراف بالجريمة الجنائية ذات الدوافع الدينية، وتطرق تقرير القناة العربية الوحيدة التي تناولت القرار إلى أبعاد أخرى، موضحة على لسان الوزير النمساوي أن الإرهابيين يهدفون إلى تقسيم المجتمع ولم ينجح المتطرفون في القيام بذلك في الهجوم الإرهابي، الذي وقع في فيينا في 2 نوفمبر الماضي، مشددًا على أن قوات الأمن تتخذ الاحتياطات اللازمة للحد من مخاطر وقوع هجوم إرهابي آخر، وأخطر ماجاء في هذا التصريحات إشار (نيهمر) إلى أن القوانين التي تم تمريرها في البرلمان تساهم بشكل كبير في تحقيق هدف مكافحة الإرهاب الدولي الذي تمارسه جماعة الإخوان المسلمين.
وعلى الرغم من تناول قناة (سكاي نيوز عربية) قرار البرلمان النمساوي بالتحليل في غيبة إعلامنا الرسمي وغير الرسمي، فإنه لم ينتبه أحد في الإعلام المصري إلى ما كتبه (فريد حافظ) باحث أول بجامعة جورج تاون الأمريكية، ما وباحث رئيسي بجامعة سالزبورج النمساوية بوكالة الأناضول التركية تعليقا على قرار البرلمان النمساوي قائلا: مطلع مارس/ آذار الماضي، حدث شئ لم يسبق له مثيل في دولة غربية ولم يلاحظه أحد تقريبًا، وهو أن شعار جماعة الإخوان المسلمين أضيف إلى شعارات المنظمات المحظورة في النمسا لينضم بذلك إلى قائمة الرموز الممنوعة في البلاد، وفي العديد من البلدان، تحاول جماعات الضغط وجماعات اليمين منذ فترة طويلة حظر جماعة الإخوان المسلمين.
فقد قام (حافظ) بالدفاع عن (جماعة الإخوان) بطريقة غير مباشرة، مدعيا على لسان مراقبين (مجهولون): إن الهدف الحقيقي لهذه الجهود ليس تهديد وجود الجماعة التي باتت بالفعل ضعيفة وخفتت سياسيا في العديد من الدول العربية، لكن الهدف هو تهديد نشطاء المجتمع المدني والسياسيين ذوي الخلفية الإسلامية في الغرب، وهذا من وجهة نظره القاصرة في واقع الأمر يشير أنه يتم استهداف الأشخاص الذين يحدثون فرقا في المجتمع الغربي، مثل عضوتي الكونغرس الأمريكيتين، رشيدة طليب وإلهان عمر، إضافة إلى الناشطين السياسيين مثل الناشطة الأمريكية ليندا صرصور، بشكل متكرر من قبل اليمين المتطرف، الذي يتحدث عن هذه الشخصيات على أنها تنتمي إلى الإخوان المسلمين.
فقد ذهب الباحث الأول بجامعة جورج تاون الأمريكية، وباحث رئيسي بجامعة سالزبورج النمساوية بحديثه المشبوه إلى أنه كانت هناك ثلاث محاولات تشريعية لإقرار مشروع قانون لإعلان جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، مدعيا أنه على الأرض لن يؤثر هذا في المقام الأول، إذا تحقق على الجماعة، بل على الجمعيات الإسلامية الأمريكية التي تعمل في مجال الخدمة الاجتماعية، مدعيا أنها هى صوت مهم للمعارضة السياسية للظلم والعنصرية بأساليب لا تنتهج العنف، ومن ثم فهو هنا يحاول لي عنق الحقيقة التي تشير إلى تورط الإخوان في عمليات إرهابية حول العالم ومنها النمسا، ويلصق بهم صفة النشطاء السياسيين مع أنهم عناصر إخوانية بارزة وضالعة في الإرهاب.
وظني أنه كان ينبغي الرد على هذا الرجل بما أكد عليه رئيس المجلس الأوروبي للاستخبارات ودراسات مكافحة الإرهاب (جايم محمد) الذي ركز على أهمية القانون النمساوي الذي اعتبره خطوة جيدة نحو مزيد من الإجراءات القانونية التي تواجه انتشار وتغلغل التنظيمات الإرهابية داخل المجتمعات الأوروبية، وفق الاستراتيجية التي أقرها الاتحاد الأوروبي نهاية العام الماضي بهذا الصدد.
وفي تصريح لـ (سكاي نيوز عربية) – لاحظ هنا دأب سكاي نيوز عربية في الوصول إلى قلب الحقائق حول الجماعة الإرهابية – قال محمد : إن الدول الأوروبية شرعت في استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب والتطرف وتم تعزيزها بحزمة من القوانين والتشريعات مؤخرا، لمواجهة تغلغل هذه التنظيمات التي باتت تشبه السرطان داخل المجتمع الأوروبي، وأصبحت تمثل خطر كبير على أمن تلك الدول واستقرارها خاصة بعد تنفيذ عدة عمليات ارتبطت بالإسلام السياسي في عدة مدن أوروبية، وأشار محمد إلي أن الحكومة تراقب عن كثب نشاط جماعة الإخوان داخل البلاد ووضعت قيودا على تحركات أعضائها، كما أغلقت عدة مساجد ومؤسسات مشتبه في تمويلها للإرهاب ونشر الأفكار المتطرفة.
ويؤكد محمد على عزم أوروبا اتخاذ مزيد من الإجراءات لمكافحة التطرف والإرهاب خلال الفترة المقبلة، لكن الباحث يشير في الوقت ذاته إلى إشكالية واجهها الأوروبيون في التعامل مع هذا الملف على مدار السنوات الماضية، وهو أن جماعة الإخوان لم يجر إدراجها إلا مؤخرا على قوائم التنظيمات المتطرفة في دول عدة مثل (داعش والقاعدة)، حتى وإن كانت أجهزة الاستخبارات ترى أنها أكثر خطورة من تلك التنظيمات، لكن الحكومات الأوروبية، لاتزال ترصد وتتابع هذا الملف عن كثب لحين اتخاذ القرار.
وظني أن قرار البرلمان النمساوي ليس وليد اللحظة، بل إنه ولد بعد تأني شديد وتحقق من تورط تلك الجماعة الإرها بية على أثر الهجوم الإرهابي، الذي وقع في فيينا في 2 نوفمبر الماضي، وربما يعود القرار إلى تاريخ سابق فمنذ بداية مارس 2019، بدأ سريان قانون حظر رموز وشعارات التنظيمات المتطرفة، وفي مقدمتها الإخوان وحزب الله وتنظيم الذئاب الرمادية التركي، وقد نص القانون على حظر كافة الشعارات السياسية والإعلام الخاصة بجماعة الإخوان من الوجود في الشوارع والأماكن العامة، وحددت النمسا وقتها غرامة تتراوح بين (4000) يورو إلى (10000) يورو للأشخاص الذين سيخالفون القرار.
وأكدت الباحثة النمساوية المتخصصة في شؤون الإرهاب (يوانا شنايدر) في ذلك الحين أن قانون حظر رموز وشعارات الإخوان وعدد من التنظيمات الإرهابية الأخرى، الذي بدأ سريانه (ليس كافيا) مطالبة بمد الحظر ليشمل أنشطتها في النمسا، وفق ما نشرته الصحف.
وكان هجوم إرهابي وقع في فيينا مطلع نوفمبر الماضي 2020، أسفر عن مقتل 4 أشخاص وإصابة 20 آخرين، قبل أن تتمكن السلطات من قتل المنفذ، الذي تبين أنه كان معروفا لأجهزة الأمن وأراد السفر إلى سوريا للالتحاق بتنظيم (داعش)، وبعد الهجوم، كثفت السلطات النمساوية مداهمات مؤسسات المتشددين في البلاد، وأعلنت استحداث جريمة (الإسلام السياسي) ضمن إجراءات عديدة لسد الثغرة التي ينفذ منها الإرهابيون، وربما هذا الحادث قد دفع السلطات النمساوي إلى ضرورة مواجهة الإرهاب بحسم وإدراج جماعة (الإخوان) على قائمة الإرهاب الدولي، ومن ثم جاء قرار البرلمان قبل يومين من الآن دون أدنى إشارة له في الإعلام المصري الغارق في جمع (حليب وماء وبقدونس ونعناع) وغيرها من مفردات وردت في امتحان اللغة العربية للثانوية العامة .. لك الله يامصر في إعلامك اللاهي بتوافه (جمع تافه) الأمور وترك أخطر قضايانا لغيرنا من القنوات العربية وعلى رأسها (سكاي نيوز عربية) التي أصبحت تدافع عنا أكثر من أنفسنا وتخاف على مصر أكثر من أبنائها!!.