الطريق الى 30 (5) .. الفضل يرجع للوزير
بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
كانت النتائج الأولى لانتخابات مجلس الشعب فى يناير من عام 2012 تنبئ عن استيلاء الإخوان المسلمون على الأغلبية فيه ، لذا بدأت مجموعات من المثقفين و الفنانين تستشعر الخطر على حرية الإبداع و بالتالى على هوية مصر ، و لذا سارع البعض منهم بقيادة المنتج محمد العدل و المخرج خالد يوسف إلى توجيه الدعوة لحضور المؤتمر الأول لجبهة الإبداع المصرى – يوم السبت 14 يناير بنقابة الصحفيين – تحت شعار ( دفاعاً عن حرية الإبداع والتعبير وحق المعرفة ) وبحضور مجموعة من قامات الوطن فى الفكر والأدب والفن والإعلام .. و كما تقول الدعوة – التى نشرت على مواقع التواصل – إن هؤلاء القامات شعروا أن واجبهم الآن أن يتجمعوا فى كيان واحد ويمثلوا كتله صلبه ترعى المبدعين و تدعم التواصل بينهم للدفاع عن حرية الإبداع بكافة أشكاله في جميع المجالات مثل البحث العلمي والثقافة والأدب ، من أجل أن تبقى (مصر مصريه) بملامحها وشخصيتها وهويتها .
و فى حضور أكثر من 4 آلاف من الفنانين و الكتاب و الصحفيين و المثقفين تم الإعلان عن تدشين الجبهة و تسمية مجلس أمنائها ومكتبها التنفيذي و كلاهما يجمع ممثلين عن الأدباء والشعراء والفنانين التشكيليين والسينمائيين والمسرحيين والموسيقيين والصحفيين والإعلاميين والعلميين . و ألقى الفنان الكبير محمود ياسين البيان الأول الذى يحدد المسار أو ما يشبه دستور الجبهة ، و الذى نص على أن كل شخص حر في تأييد أو عدم تأييد أي حزب أو تيار و لكن الجميع متفقون على مبادئ الجبهة بصرف النظر عن إنتماءاتهم السياسية ، و تهدف تلك المبادئ إلى وضع معايير وضوابط فى الدستور المصري الجديد بعدم المساس بحق المبدع في حرية إبداعه ، فالحرية هى الضمان الأول لاستمرار النهضة التي بدأت منذ فجر التاريخ على أرض مصر ، فلولا القلم والكلمة والفكر والبحث والفن المصري لاندثر تراثنا الحضاري وإرثنا الثقافى .و لذا شاركت الجبهة بعد هذا فى محاولة إيصال مطالب الفنانين و المثقفين إلى مجلس النواب فى يوم اجتماعه الأول فى 23 يناير و لكن الميليشيات الإخوانية تصدت لجميع القوى السياسية و منعتها من الوصول إلى المجلس و أعلن الإخوان المسلمون شعار المرحلة الجديد أنه انتهت شرعية الشارع (أى مرحلة الثورة) و انتقلت إلى شرعية المجلس .
و لكن هذا لم يمنع الجبهة من المشاركة بالرأى فى كل الأحداث التالية و التى تمس حرية الإبداع سواء بالبيانات أو الوقفات الاحتجاجية أو التضامن مع المتهمين بقضايا حسبة ( مما يستلزم لأعمالها و مواقفها توثيقا منفصلا و تفصيليا ) فالجبهة – على سبيل المثال و ليس الحصر – قاومت بشدة الموافقة على دستور 2012 و أصدرت عدة بيانات تظهر العوار فى مواده و تحض على رفضه و لكن للاسف تم اقراره ، بعدها جرت الأيام بأحداث كثيرة إلى أن تم إعلان التعديل الجديد للوزارة الذى أصبح بمقتضاه الدكتور علاء عبد العزيز وزيرا للثقافة ، و بعد تصريحاته التى تشبه الألغام دعت جبهة الإبداع مكتبها التنفيذى إلى الانعقاد فى مكتب المنتج هشام سليمان بالمهندسين ، بحضور أمينها الدكتور محمد العدل و منسقها الشاعر و الكاتب عبد الجليل الشرنوبى و بعض أعضاء المكتب و منهم الكاتبة الكبيرة فتحية العسال و المونتيرة ولاء سعدة و السيناريست سيد فؤاد و المخرج عصام السيد ، و شارك فى الاجتماع نقيب السينمائيين مسعد فودة و مهندس الديكور فوزى العوامرى من مجلس إدارة النقابة و المخرج ناصر عبد المنعم و الفنانة مها عفت ممثلين عن ائتلاف فنانى الثورة ( و هو تكوين تم إعلانه فى الميدان أثناء ثورة 25 يناير و يضم مجموعة من شباب الفنانين التى قدمت نشاطا فنيا توعويا أثناء الثورة و للأسف أيضا لم يتم توثيق ما قام به ) .
تدارس الحاضرون موقف وزير الثقافة الإخوانى و كيفية الرد على تصريحاته التى لا تنبئ بخير ، و فوجئ الجميع باقتراح من السيناريست سيد فؤاد بأن يتم الاستيلاء على أحد مسارح الدولة و تشغيله بواسطة فنانى الجبهة و تقديم عروض فنية ، و اعترض على الفكرة الذين يعرفون كواليس الإدارة فى وزارة الثقافة ، فكل مسرح بما فيه هو ( عهدة حكومية ) مسئول عنها عدة موظفين ، و الاستيلاء على المكان سيدفع أصحاب ( العهدة ) للدفاع عنها و إلا يعاقبوا بالسجن بتهمة تبديدها ، و هذا سيضع الموظفين فى مواجهة الفنانين و هو صراع سيستفيد منه الإخوان و من مصلحتهم تذكيته و إشعاله ، و هكذا تتحول الفكرة الفنية إلى قضية إتلاف إو الاستيلاء على عهدة حكومية . هذا إلى جانب صعوبة تأمين المكان بعد الاستيلاء عليه فى غير أوقات العروض ، أما الجانب الأخطر من وجهة نظرى فكان : ما العمل اذا تم لنا الاستيلاء على المسرح ، ثم أغلق الأمن الأبواب من الخارج على من فيه ، و قطعوا عنهم الماء و الكهرباء ؟ ساعتها سيتحول المكان الى مصيدة و سيسعى من استولى على المكان للخروج بأى شكل دون أن يحقق أى غرض . و برغم رفض الفكرة إلا أنها كانت – على ما أعتقد – ارهاصة للاعتصام داخل مبنى الوزارة فيما بعد.
و طرحت الفنانة مها عفت فكرة الاتصال و التنسيق مع الناشر محمد هاشم ممثلا لحركة أدباء و فنانين من أجل التغيير ( و هو تكوين ثورى خرج من رحم حركة كفاية و الجمعية الوطنية للتغيير التى سلمت قيادتها للبرادعى و نادت به رئيسا للجمهورية ) و تم بالفعل الاتصال و الاتفاق على التنسيق بين الجهات الثلاث لمقاومة الأخونة القادمة . و هكذا توحدت الكيانات التى ستقود كل الأحداث القادمة و الفضل يرجع – بالدرجة الأولى – للألغام التى زرعها وزير الثقافة برعونة تصريحاته ، لينتهى الاجتماع بقرارين ، الأول : إصدار بيان مشترك بين القوى الثلاث و الثانى : استمرار التنسيق فيما بينها ، أما النقطة الثالثة فلم يتم الاتفاق عليها و تركت لكل شخص حسب رؤيته ، و كانت تخص الدعوة التى وجهها الدكتور سامح مهران رئيس أكاديمية الفنون لحضور مؤتمر عام بقاعة سيد درويش بالأكاديمية ، تخوفا من (شخصنة القضية) فالكل يعلم الصراع الدائر بينه و بين الدكتور علاء من قبل تعيينه وزيرا .
فمنذ اللحظة الأولى التى تولى فيها الدكتور علاء عبد العزيز منصبه و هو لا يدخر جهدا فى الهجوم على الدكتور سامح مهران من طرف خفى ، فهو يقول إنه جاء للقضاء على الفساد فى وزارة الثقافة و فى الأكاديمية ، ثم يحاول أن يبدو الأمر ليس شخصيا فيلبس أحقاده ثوبا ثوريا بالحديث عن عودة الحق لأصحابه و تنظيم العمل و الوقوف بجوار الغلابة إلى آخر قاموس الكلمات الرنانة التى تلعب على مشاعر الجماهير . و كان من ضمن تصريحاته بأنه سيتم تحويل جميع ملفات الفساد داخل وزارة الثقافة إلى الجهات الرقابية للتحقيق فيها، وذلك لإعادة الحقوق إلى أصحابها الحقيقيين من الشعب المصرى . وقال الوزير فى بيان صحفى : ( إن الثورة المصرية ما قامت إلا للقضاء على الفساد والمحسوبية واستغلال النفوذ ، لذا فإن الثورة التى شارك فيها شرفاء الوطن لن تصمت على الفساد ، ولن نتوقف إلا بالقضاء عليه نهائيًا ، ليحصل كل صاحب حق على حقه ) .
و فى المقابل أعلن الدكتور سامح أنه مستعد للمثول أمام النيابة العامة للمساءلة إذا ثبت أنه متورط فى أى شىء يسيىء لمهنته وللمؤسسة التى يعمل بها، قائلا : ( أنا مش أحسن من مبارك كى لا أساءل (1) ” . و لكنه ألقى بقنبلة فى أحد البرامج عندما قال إن هناك ( سى دى ) مشين أخلاقيا ما بين الوزير ( قبل حلف اليمين ) و بين إحدى الطالبات بالأكاديمية .
الحقيقة أن كثيرين أزعجهم هذا الأمر ، فقلد تصوروا أن السى دى يحمل تسجيلا لمحادثة تم التنصت عليها ، و هو ما يدخل فى باب انتهاك الحياة الخاصة ، ورأى البعض من الفنانين المثقفين ومنهم الكاتب الصحفى أحمد عبد التواب (2) : (إنه ينبغى التصدى برفض هذا الهجوم “الأخلاقى” على الوزير وصور ابتزازه بشريط فيديو لعلاقة جنسية مع فتاة راشدة لم تدّع أنه فرض عليها شيئاً، فالرجل مرفوض لأنه غير كفء فى عمله كمدرس وكمهنى، ولأنه أقل من أن يتحمل مسئوليات وزارة الثقافة، ولأن تعيينه يأتى فى إطار مشروع هيمنة الإخوان على الدولة فقط! وأمام تبنى أفكار ومنطق الإخوان والسلفيين فى تصنيف الناس وتقويمهم، وفرض الوصاية على حياتهم الخاصة، فهذا توجه مخيف يدعم أفكار التيارات الدينية التى تريد أن تقتحم الحياة الخاصة للجميع! وكل هذا لا يتعارض إطلاقا مع ضرورة العمل بكل السبل السياسية المحترمة لإلغاء قرار تعيينه وزيراً، فهذه مسألة مفروغ منها). أما المنتج السينمائى محمد العدل، فقال فى نفس المطبوعة : ( إن جبهة الابداع لا يعنيها التفتيش فى الحياة الخاصة لوزير الثقافة قبل تعيينه ، فهذا أمر لا ينبغى الخوض فيه ).
كما تساءل البعض الآخر لماذا لم يظهر هذا السى دى إلا الآن .. و بالتالى رسخ فى ذهن البعض أنها معركة شخصية بين الاثنين ربما تتخطى حدودها و توغل فى الخصومة إلى منطقة يأباها المثقفون . و ساعد على تكريس هذا الإحساس ظهور محامى تخصص فى ادعاء امتلاك سى دى لخصومه يتكلم عن سى دى الوزير فى أحد البرامج التليفزيونية .
و لكن هذا السى دى كانت له قصة مختلفة تماما سيأتى حينها …
و للحديث بقية ..
………………………………..
1 مداخلة ببرنامج العاشرة مساء
2 مجلة الاهرام العربى