أحمد وفيق .. تلميذ يوسف شاهين الذي برع في الدراما التليفزيونية
بقلم : محمد حبوشة
نظريا: في فن الأداء التمثيلي من الضروري أن يكون الممثل/ الممثلة صاحب تاريخ دراسة أكاديمية في فهم تاريخ الفن، وأهم مفاصله عبر التاريخ على مستوى الأداء التمثيلي وفن الإخراج، ومران طويل وتدريب أطول على تطويع الأحاسيس لصالح الشخصية الدرامية، وكل هذا مهم ليستطيع الممثل التعبير بأحاسيسه، وليفرق بين شخصية وأخرى بحسب فكرها ونفسيتها وشكلها وطبقتها الاجتماعية، ومؤثرات البيئة التي تعيش فيها، وفي غالب الأحيان ننسى اسم الإنسان ونعيش حالة الممثل .. نتعاطف.. نحب أو نكره الشخصية الدرامية حسب أفعالها ومواقفها المكتوبة على الورق.
عمليا: فإن الفن التمثيلي يتطلب من الممثل قدرة خاصة على أن يندمج بكل طبيعته اندماجا إيجابيا فيما يقوم به، وأن يكرس نفسه كلها جسدا وروحا للدور الذي يؤديه، ولا يتطلب ذلك دراسة أكاديمية، فقط لابد أن يحس بالدافع أو المادة ليستطيع بطريقة انعكاسية أن يؤثر في طبيعة الممثل الجسدية ويدفعها إلى العمل، وهذه الملكة ذات أهمية عظمى في مهارتنا الفنية العاطفية من أجل هذا كانت كل حركة يقوم بها الممثل على خشبة المسرح وكل كلمة ينطق بها هى نتيجة للحياة الصحيحة لخيالنا، وهذا ما ينطبق تماما على ضيفنا هذا الأسبوع الفنان المتألق (أحمد وفيق) في باب (في دائرة الضوء)، ففضلا عن أنه يكمن بداخله إيمان وإحساس بالصدق، يمتلك إحساسا يستخدمه كأداة ترفعه إلى مستوى الحياة التخيلية وهناك يخلق لنفسه ظروفا متخيلة، إن تخيل ظروف معينة ملائمة يعينه على الخلق والإبداع.
جرب (أحمد وفيق) الصدق على خشبة المسرح، ومعروف أن الصدق والإيمان لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، إذ لا يمكن أن يوجد أحدهما دون وجود الثاني لذا بدا كل ما يحدث مع (وفيق) على المسرح الذي بدأ حياته الفنية به يبدو مقنعا له كممثل ولزملائه وللجمهور، فيجب أن يولد الإيمان بأن كل ما يعانيه الممثل على المنصة من انفعالات ومشاعر يمكن أن يتحقق نظيره في الحياة الواقعية، ويجب أن تكون كل لحظة مشبعة بالإيمان والصدق والعاطفة التي يستشعرها الممثل وصدق ما يصدر عنه من أفعال، كما تجسد ذلك مع (أحمد وفيق) في فترة التحاقة في بدايته بمسرح محمد صبحي.
ولأنه فنان تشكيلي بالأساس، فكما يذهب كرسام؟ إلى لوحته وفرشاته وألوانه، فإنه كممثل يلجأ إلى أداته الروحية والجسمانية الخلاقة، ويتضافر عقله وإرادته ومشاعره لتعبئة جميع عناصره الداخلية وهذه جميعا تستمد الحياة من القصة الخيالية التي هى المسرحية أو الفيلم أو المسلسل التليفزيوني فتجعلها تبدو أكثر واقعية، كما تجعل أهدافها تقوم على أسس أفضل، وتتجه عقد الدراما بطافة أشكالها وتتقدم نحو الأهداف الإبداعية الخلاقة تحثها الأشواق الداخلية والطموح والحركات الكامنة في شخصية كل دور من الأدوار، وتدفعها الأهداف التي ركزت عليها انتباهنا إلى الاتصال بالشخصيات الأخرى، ولأن ضرورة قيامنا بعملنا الفني أمام الجمهور تجعلنا نعيش في صراع مستمر بين التصنع المسرحي والصدق، فإن (وفيق) يعرف كيف يحمي نفسه من التصنع وأن يقوي في نفسه التمثيل الطبيعي، فهو يدرك جيدا أنه ليس هناك إلا حل واحد لهذه المشكلة المزدوجة.. إنه الصدق الذي يحول دون وجود التصنع كما أن التصنع يحول دون وجود الصدق وبتحقيق أحدهما نقضي على الآخر.
أحمد وفيق ليس كأغلب الممثلين الذين يلبسون ملابسهم ويضعون الماكياج قبل التمثيل حتى يقارب مظهرهم الخارجي المظهر الخارجي للشخصية التي سيقومون بتمثيلها، فهو لاينسى أهم جزء في هذه العملية كلها ألا وهو الاستعداد الداخلي ويتساءل بينه وبين نفسه دائما: لماذا يكرسون مثل هذا الاهتمام غير العادي لمظهرهم الخارجي؟، لماذا يعنون بماكياج وجوههم ولبس ملابس الدور ثم لا يعنون بماكياج أرواحهم وإلباسها ملابس الدور أيضا؟، إن الممثل يعيش ويبكي ويضحك على المسرح وهو يراقب دموعه وابتساماته.
وهذا العمل المزدوج أو هذا التوازن بين الحياة والتمثيل هو الذي يكون فنه، ولا يكفي لفهم الرهافة النفسية لروح معقدة، لذا فإن (وفيق) يستخدم عقله ومواهبه كما يتطلب التعاون المنسجم بين قواه الداخلية وقوى المؤلف حتى يتسنى له إحداث حالة الخلق والإبداع الداخلية له كممثل تتناسب فيما يكون عليه من قوة واستمرار من مقدار هدفه وأهميته بصفة عامة ويمكن أن يقال مثل هذا عن المواد التي يستخدمها الممثل في إنجاز غرضه.
ومن خلال ملاحظاتي المتأنية لمسيرة (أحمد وفيق) أجده يراعي دائما كل ما يقدمه، فهو عاشق لجمهوره، ويضعهم دائما في اعتباره عند قدومه على أي عمل، وهذا ما يميزه عن غيره من الفنانين، تماما كما تألق في السباق الرمضاني الماضي من خلال تقديمه لدور (يحيى) في مسلسل (ولاد ناس) حيث بدا لي صاحب أسلوب خاص يميزه عن أبناء جيله، وربما يرجع ذلك إلى بدايته القوية مع يوسف شاهين تلك التي حملته مسؤولية اختيار أدواره، حفاظاً على مكانته، ومن ثم فلا يهمه بريق النجومية بقدر حرصه على ترك رصيد من الأعمال الجيدة التي تمنحه مكانة خاصة على الخريطة الفنية، هو إذن فنان من طراز خاص برع فى تقديم العديد والعديد من الأدوار المميزة يتمتع بحنجرة ذهبية لذا استطاع أن يستحوذ على قلوب المشاهدين ببراعتة فى إتقان دور في (ولاد ناس) بإتقان شديد
ولد الفنان الوسيم أحمد وفيق بالمنصورة وعشق الفن منذ صغره، يجيد الرسم ويعشق الفن التشكيلي، وعلى الرغم من أن دراسته الجامعية كانت بعيدة كل البعد عن المجال الفني لأنه خريج كلية التجارة، إلا أنه تمكن من الاهتمام بموهبته حتى أصبح يشارك في تصميم الديكورات الخاصة بمسرحيات الجامعة، ومن هنا بدأت تتكون علاقته بالفن والتمثيل، وفي بداياته الأولى شارك في العديد من مسرحيات الجامعة سواء كممثل أو كمخرج أو كمصمم ديكور، حتى التحق أحمد بمسرح محمد صبحي بالقاهرة، وشارك في أشهر المسرحيات المصرية مثل (بالعربي الفصيح، دستور يا أسيادنا) فكانت بدايته الفنية من خلال الفنان الكبير والقدير محمد صبحي والذي يعد مدرسة لإعداد الممثلين في الوسط الفني، وشارك أيضا بمسرحية (حودة كرامة)، وظل هكذا حتى شارك في مسرحية (بكرة) والتي من خلالها اختاره المخرج جلال الشرقاوي للمشاركة في أحد مسرحياته.
بدأ (أحمد وفيق) مشواره الفني في عام 1999 حيث شارك في العديد من الأعمال الفنية المسرحية أولا، ثم كانت بدايته سينمائيا مع يوسف شاهين في فيلم ( الاخر )، وعام 2001 سكوت حنصور، ثم (العاصفة) مع خالد يوسف، وتوالت مشاركاته السينمائية في أفلام: (دكان شحاته – 2009 ، بنتين من مصر – 2010، صرخة نملة – 2011 ، حفلة منتصف الليل، ووش سجون – 2015 ، جمهورية امبابة والليلة الكبيرة – 2016 )، وكان أول مسلسل له في عام 1995 وهو مسلسل (لن أمشي طريق الأمس) وبعد ذلك قدم مسلسلات عديدة منها عام الحب موتا – 2005، أشباح المدينة، ولم تنس أنها امرأة – 2006 ، العنكبوت، وعلي مبارك، وشطحات نسائية – 2008، الرجل والطريق، والوديعة والذئاب، وهدوء نسبي – 2009، الحارة، والسائرون نياما، وريش نعام ،وأهل كايرو، وماما في القسم – 2010، مسيو رمضان مبروك أبو العلمين حمودة، وسمارة – 2011، الإمام الغزالي، والهروب – 2012، على كف عفريت، والركين – 2013 ، تحت السيطرة 2015، سقوط حر 2016، قصر العشاق، والدولي 2017، أمر واقع، وعوالم خفية، وكأنه إمبارح – 2018، وفي 2020 شارك بمسلسلي (النهاية، والاختيار).
بعد العديد من المسرحيات التي قدمها (أحمد وفيق) في بداية مشواره الفني، شاهده بمحض الصدفة المخرج العالمي يوسف شاهين في عرض من العروض التي كان يقدمها، ليقوم باختياره ليشارك في فيلم (الآخر) عام 1999 وكانت هذه البداية الحقيقية للنجم أحمد وفيق، فأثبت وقتها تمكنه وموهبته ، وبالفعل لفت الأنظار له منذ أول ظهور على شاشات السينما، ليبدأ رحلته مع العالمي يوسف شاهين والتي ربطتهما علاقة صداقة قوية جداً، بالإضافة إلى عشق يوسف شاهين لموهبة أحمد وفيق، وبعد نجاحه الذي لفت الأنظار معه، قرر خالد يوسف أن يقوم باستغلال موهبة أحمد وفيق الكبيرة ليقوم بالاستعانة به ليقوم ببطولة فيلم (دكان شحاتة)، والذي شاركه في بطولته كل من عمرو سعد، غادة عبد الرازق و الراحل خالد صالح، وحصل الفيلم وقت عرضه على أعلى الإيرادات في السينما، وحصل أحمد وفيق على تقدير الجمهور لتمكنه من تقديم دور الشر بشكل مميز، ثم تعاون مرة أخرى مع المخرج خالد يوسف من خلال فيلم (صرخة نملة)، والذي قدم من خلاله شخصية (كمال) أمام كل من النجمين عمرو عبد الجليل ورانيا يوسف عام 2011.
في عام 2015، حالف النجم أحمد وفيق الحظ، ليقوم بتقديم واحد من أجمل أدواره التي قدمها خلال مسيرته الفنية على الإطلاق في مسلسل (تحت السيطرة)، من خلال دور (طارق سراج) الذي اتخذ طريق الإدمان للهروب من مشاكله، حيث يجسد المسلسل معاناة وخطورة الإدمان على المجتمع بشكل عام، والمسلسل من بطولة النجمة نيللي كريم، أحمد وفيق، ظافر العابدين، هاني عادل وجيهان فاضل، ومن إخراج تامر محسن، وقد شكل كلاً من نيللي كريم وأحمد وفيق ثنائيا رائعا، حتى أنهما قررا التعاون سوياً مرة أخرى من خلال مسلسل (سقوط حر)، وقد برع النجم أحمد وفيق في تقديم الشخصيات المركبة التي تقدم أكثر من انفعال في نفس الدور، وقد حصل وفيق على العديد من الجوائز عن الدورين.
من خلال رمضان 2020 طل علينا النجم الوسيم (أحمد وفيق) من خلال مسلسل (النهاية) من خلال دور الضابط مؤنس، والذي يحاول البحث عن المهندس زين، ليقوم بالاستفادة من اختراعه لصالح الجهة التابع لها، ورغم فشل المسلسل على مستوى المشاهدة رغم موضوعه الجديد الذي لم يتم التوجه له من قبل، فهو موضوع خيال علمي ويعتمد كثيرا على المؤثرات البصرية، إلا أن وفيق برع في تجسيد دوره على نحو احترافي يحسب له، إضافة إلى دوره في مسلسل (الاختيار) الذي قال عنه وفيق: (أتمنى لو هعمل الاختيار تانى أعمله بمساحه أكبر لانى قضيت الواجب عليا كممثل تجاه قضايا بلدى لكن حان الوقت أن أحقق نفسي من خلال قضايا بلدى .
أما في عام 2021 ومن خلال موسم رمضان تحديدا فقد بلغ (أحمد وفيق) مرحلة النضج الكامل في الأداء التمثيلي الاحترافي كما جاء في مسلسل (ولاد ناس)، الذي نجح فى أن يغرد خارج السرب، من خلال طرحه لقضايا اجتماعية تهم كل أفراد الأسرة، وكان مشهد المرافعة في الحلقة الأخيرة هو (ماستر سين) هذا العمل حيث تألق (أحمد وفيق) في مشهد يقول عنه: إنه كان صعب جدا.. المشهد كان من خمس صفحات، ويتضمن مصطلحات قانونية وكان لا بد أن أنطقها بأريحية، وكنت خائف جدا.. المشهد تم تصويره من زوايا متعدد)، واردف قائلا: (المشهد ذكرني بالفنان فريد شوقي، الذي تسبب في تعديل القانون، حيث إنه عدل القانون في (جريمة شرف، وجعلوني مجرما)، ولهذا فالفن يكون مؤثرا ويعطي رسالة للبرلمان، حيث إنه طالب خلال المرافعة بتعديل قانون القتل الخطأ، كما أن ردود الفعل فاقت توقعاتى ونجحنا فى تحقيق رسالة المسلسل.
أشهر أقواله:
** أتمنى تقديم شخصية عبد الناصر، ولكن بعيداً عن الشكل الذي قدمت فيه في الدراما المتمحورة حول حياته، مثلا أتمنى تقديمه وقت حصار الفالوجا (1948)، وما بعدها حتى قيام الثورة، كذلك أتمنى تقديم شخصية الحسين بن الصباح، في عمل منفرد، لأنها إحدى أصعب الشخصيات التي قدمتها، وكان ذلك في مسلسل (الإمام الغزالي).
** أعتز بجميع أعمالي، لكن هناك علامات فارقة في مشواري الفني، وبعيداً عن أفلام يوسف شاهين التي أعتز بها كثيراً، فإن مسلسل (أهل كايرو)، وفيلم (بنتين من مصر)، ومسلسل (تحت السيطرة) من أكثر الأعمال والأدوار التي أحبها.
** هواياتي: الفن التشكيلي، ودائماً ما أستغل وقت فراغي في الرسم، ولي طقوس خاصة في هذه الهواية، فأجلس في مكان معين وأستمتع بالرسم.
** أهم مقومات النجاح: الصبر، وهى صفة صعبة تحتاج إلى هدوء وتحكم في الأعصاب، والحمد لله أعتبر نفسي صبورا لدرجة راض عنها.
** فلسفتي في الحياة: اجتهد في عملك واترك الأمور كلها على الله، وبمناسبة الكلام عن العمل أنا لا أؤمن بما يسمى غيرة فنية، ولا أتفهم ماذا تعني المنافسة في الإبداع، فكل فنان له لونه ودوره وأسلوبه وموهبته، وأنا أركز على عملي بغض النظر عن الآخرين.
تحية تقدير واحترام للفنان المبدع أحمد وفيق الممثل القدير الذي أمتعنا في عدة أعمال تتنوع بين المسرح والسينما والدراما التليفزيونية، حيث بدا فيها صاحب أسلوب خاص في الأداء، ولعل أبرزها ما قدمه في الدراما المصرية خلال العشر سنوات الأخيرة شاهد على ذلك وربما توجها جميعا بشخصية (يحيى) في مسلسل (ولاد ناس) في موسم رمضان الماضي ليعلق بذاكرة الجمهور المصري كأحد الممثلين الأكفاء من أصحاب الموهبة الحقيقية.