رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

راحوا .. سقوط نجوم لبنان الكبار في براثن الملل !

المؤلفة كلوديا مارشيليان تتحدى إرادة الجمهور

بقلم : محمد حبوشة

تحدثت الكاتبة اللبنانية (كلوديا مرشليان)، عن الأصداء الإيجابية التي حصدها مسلسل (راحوا)، الذي أسر الناس أمام الشاشة لناحية النص – طبعا – وتألق النجوم الممثلين، بحسب قولها الذي يخلو من العقل والمنطق حول مسلسل تمتع بقدر لا بأس به الملل وخلوه من حبكة درامية متقنة طوال حلقاته التي بلغت (72) حلقة، رغم أنه كان لايحتمل أكثر 30 حلقة بالأساس، ولفت نظري أن (مرشليان) أعلنت أن مسلسل (راحوا) ليس مسلسلاً نفذ لشهر رمضان مثل سائر المسلسلات التي نفذت في هذا الشهر، وإنما هو دراما طويلة تتألّف من 60 إلى 65 حلقة، وهو لم ينفّذ أبداً من أجل الدخول في صراع أو منافسة مع المسلسلات الأخرى، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن المسلسل يحكي عن القضية الإنسانية ومعالجته تمت بشكل هادئ ونفسي.

جاء كل هذا الكلام في أعقاب بعض الانتقادات التي طالت المسلسل ومنها مشهد ممارسة العلاقة الجنسية بين (حسيب) الذي يعاني من اضطراب نفسي وزوجته الشابة (لمى) التي اضطرت أن تتزوجه لأنها اكتشفت أنها حامل خارج إطار الزواج، وتلك (سقطة أخرى) وقعت فيها المؤلفة على غرار علاقة (زين وعاليا) في مسلسها (خرزة زرقا)، ويبدو أن هذا منهجها الأثير في غالبية أعمالها الدرامية، حيث تستخدم المشاهد الحميمة أوالعلاقة غير المشروعة لخدمة قصة حب بالطريقة المطروحة فيها ضمن أحداث (راحو)، إلا أنها تصر على أن الموضوع في مسلسل (راحوا) مختلف وهذا ما أحدث جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي.

المسلسل بدأ بحادث إرهابي ساخن وانتهى بأحداث باردة

وفي تعليقها على المشهد الحميم الذي جمع (لمى وحسيب) وأثار الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي – حاولت التنصل منه – حيث أوضحت مرشليان أنّ (مشاهد كهذه لا تُكتب بالنص)، وما كتبته هو (خلينا نكون مثل رجال ومرتو ويقترب منها لينام معها) لأنني أوّد بعد هذا المشهد أن أُوحي أنهما أقاما علاقة بينهما وأصبحا مثل أي امرأة ورجل، حتى تستطيع أن تقول له إنها حامل منه وهو يصدقها بالنهاية، أما كيف ارتأى المخرج أن يصوّر المشهد؟، فكان بالإمكان أن يكون أكثر رصانة، ولو كنت قد رأيته لقلت له (عتّم بعض الشيء) أو صوّروه بشكل فنيّ أم بشكل آخر حتى لا يصدم الناس كثيراً، فلا أدري ما إذا كانت الناس قد رأت أن تنفيذه كان قوياً بعض الشيء علماً أنّ هناك أناساً آخرين قالوا (لأ شو فيها؟ عم منحضر مليون شغلة برّا وأقسى من هيك).

ومن جانبها اعترفت (مرشليان) أنّ هناك دائما أصداء إيجابية وسلبيّة، أما أهم الأصداء الإيجابية فتتمثّل بالمتابعة الكثيفة من قبل الناس الذين يتابعونه كثيرا، فالمسلسل يأخذ نسبة الحضور الأعلى في لبنان وحتى هناك تفاعل كثير معه عبر مواقع التواصل الاجتماعي كمسلسل لبناني مئة بالمئة، والممثلون يؤدون أدوارهم بطريقة جيدة، والناس تتابع الوضع الإنسانيّ الصعب الذي نشأ بعد عمل إرهابي حصل، وكلنا يعلم أنّ هذا العمل الإرهابي يحصل في كل دول العالم العربيّة والغربيّة، ونسيت المؤلفة أن المسلسل كان وحده هو الذي يعرض في تلك الفترة الزمنية التي أعقبت شهر رمضان، ومن هنا فطبيعي جدا أن يحظى بالمتابعة مهما كانت رداءة القصة والمبالغة في الأداء من جانب الممثلين.

راحوا .. نجوم كبار ليسوا على مستوى وقع الدراما

وعن الرسالة التي ترغب في إيصالها من وراء (راحوا)، قالت مرشليان: (أنها لا تحبّ كلمة رسالة لأنها لا تعظ)، وشرحت لماذا كتبت هذا المسلسل قائلة: (كنت كلما أرى عملية إرهابية أرى أنها تُنقل مباشرة والناس تتابعها، وكنت أرى كيف الناس تبكي وتصرخ على أولادها وكيف يُفتش البعض منهم على أشلاء عائلاتهم، وكنت أسأل نفسي ما هو إحساس الشخص الذي نفّذ هذا العمل عندما يشاهده؟ وكيف ينام مساءً؟ وكان لديّ دائماً هذا السؤال: كيف يستطيع الشخص الذي يرى هذه العملية أن يعود ويرتكب غيرها؟ وبماذا يُفكّر؟ ووجدت أنّه يمكنه أن يدير ظهره ولا ينظر لأنه بعيد عن العين بعيد عن القلب.. وأنا أحببت أن أضع هذه الفكرة وهو أنّ هذا الرجل الذي نفّذ هذه العملية، شاءت الصدف أن يكون شقيقه موجوداً هناك حتى يذهب إليه وتجمعه بالضحايا شخصيّة يُحبها ويُغرَم بها).

وهذا هدف نبيل من جانب (مرشليان)، لكن من غير النبيل أن هنالك ظاهرة انتشرت في الدراما اللبنانية موخرا، حيث ركزت في غالبية موضوعاتها على قضايا تهريب مخدرات، تعاط، إرهاب، إطلاق نار، رقص شرقي، علب ليل، وهى عناوين عريضة رسمت ملامح الدراما اللبنانية واللبنانية المشتركة في الموسم الرمضاني 2021، ربما هى مواضيع قد تجذب المشاهد إليها، وتدفعه إلى متابعة الدراما، وهذه المواضيع قد يكون البعض معها، والبعض ضدها وقد يُبرر تناولها بأنها موجودة في المجتمع، لأن الشر موجود بين الناس تماماً كما الخير، ولكن يبقى السؤال: هل الدراما التي تعالج هذه المواضيع مناسبة للعرض الرمضاني، أم أن للشهر الكريم خصوصية لا بد من مراعاتها واحترامها؟

جوزيف بو نصار فشل في أداء يتسم بالحرارة

تماما كما جاء في مسلسلات (للموت، عشرين عشرين، راحوا) فهى أعمال طرحت هذه المواضيع ولكن بنسب متفاوتة، وهى بالطبع تحقق نسب مشاهدة عالية جداً، وإن كان لا يمكن أن نقارن بين ما يقدمه (للموت) و (عشرين عشرين) أو (راحوا)، فإن البعض يعتبر أن المسلسل الأول، يتخطى شكلا ومضمونا، الخطوط الحمراء، بل ويجده (قليل الحياء)، لكن يبقى المنتجون ومحطات التلفزيون لهم حساباتهم في اختيار الدراما التي تقدم للمشاهد، وهى تقوم بالدرجة الأولى على مبدأ الخسارة والربح، وربما هذا ما دفعهم هذه السنة للمراهنة على مواضيع لا تتناسب مع قيم شهر الصوم، ورفعوا السقف عالياً ضاربين بعرض الحائط الخصوصية التي يجب مراعاتها في دراما رمضان كما كان يحصل دائماً.

ويبدو لي أن مسلسل (راحوا) كان واضحاً منذ البداية أنه على يراهن على ثنائية (بديع أبو شقرا و كارين رزق الله) التي تتكرر مرة أخرى بعد عدّة مسلسلات قبل سنوات وهى أيضاً ليست المرة الأولى التي تجسد كارين شخصية امرأة يحبها رجل وترفضه، ولابد لي من القول بأن عامل الصدفة في المسلسل كان سيرياليا للغاية، بدءًا من مشهد القتل في الحلقة الأولى الذي بالمناسبة ردات فعل بعض الممثلين فيه مضحكة بصراحة، ثم هذا التصادف الذي جعل (نيكولا مزهر) شقيق بديع يتواجد في الملهى ليلتها لا يصدّق، حيلة من أجل إدخال (عماد) على خط المأساة، حسناً لم تنجح كلوديا ماشليان في ذلك، فضلا عن أن درجة الكآبة في العمل لا تتناسب أبداً مع الأجواء التي يمر بها الناس وتشعر أن بعض الممثلين وقعوا في فخ المبالغة مثل مشهد بديع وهو ينهار في حضن والدته بعد أن صارحه جوزيف بو نصار والد كارين بشكوكه فيه، حتى أنك تشعر أن (عماد) يبذل مجهوداً فائقاً ليظهر أحساسيه، تتعب بدلاً منه وهذا ليس اعتيادياً من بديع.

بديع أبو شقرا يفقد رونقه في دور الرومانسي المحتال
كارين رزق الله ليست على مستوى دورها في 350 جرام الذي تنصلت منه
بريجيت ياغي .. رغم ابتسامتها الجميلة إلا أنها فقدت بريقها في المسلسل
تانيا فخرى نحمة واعدة لم تتمكن من إثبات قدراتها كممثلة في ظل قصة مهترئة

و(راحوا) من إخراج نديم مهنا الذي – لم يحتمل نقد رواد السوشيال ميديا، مشير إلى أن هناك من يحرك الذباب الإلكتروني ضد المسلسل – وما يلفت هنا أن العمل يضم نخبة كبيرة من نجوم الصف الأول في لبنان تتصدرهم النجمة كارين رزق الله إلى جانب النجم بديع أبوشقرا، ومن الجدير بالذكر أن النجمة رزق الله خاضت السباق الرمضاني هذا العام بعمل آخر هو (350 غرام) الذي تتشارك في بطولته مع النجم السوري عابد فهد، ومن النجوم المشاركين في هذا العمل أيضا تبرز أسماء لامعة مثل (نيكولا مزهر وجوزيف بونصار ونهلا داوود وأليكو داوود وبريجيت ياغي ومجدي مشموشي وأنطوانيت عقيقي وماري أبي جرجس وبرناديت حديب ورنده كعدي وميشال حوراني وجان دكاش، تانيا فخري) وغيرهم من النجوم الصاعدة، وهي تشكيلة كفيلة بإنجاح أي عمل، فكلهم نجوم متمرسون ومقتدرون، لكن ذلك لم  يظهر على الأداء العام للعمل والذي مثل مباراة مملة ورتيبة في الأداء التمثيلي.

صحيح أن الفكرة الرئيسية للمسلسل تحمل إسقاطا سياسيا واجتماعيا في سعيها لتلمس الحدود بين الخير والشر، والازدواجية التي تسم سلوك الأفراد والمجتمعات بما فيها السلطة أيضا، فبطل العمل بديع أبوشقرا الذي يؤدّي هنا دور عماد، هو رجل من أسرة ميسورة الحال يمتلك العديد من المشاريع التجارية في بيروت، لكنه يتعاون في الخفاء مع إحدى المنظمات الإرهابية التي تتولى القيام بأعمال تخريبية لأهداف تبدو غامضة، وهو في الوقت  نفسه يبدي جانبا عطوفا وإنسانيا تجاه المُحيطين به، حيث يمثل جانب الأخيار في نظر الكثيرين ممّن لا يدركون أنه السبب في معاناتهم، لكنه لم يبرز أداء قويا من جانب فريق عمل كبير كهذا، فقد بلغ الترهل مداه إلى حد أنه يمكن مشاهدة حلقة وتتخطى أربع حلقات بعدها لتجد نفسك في ذات المربع وكأن شيئا لم يتطور بعد في الأحداث.

ولقد أصابتني دهشة كبرى جراء الأداء المبالغ فيه تارة وتارات أخرى يقع في براثن التهل والملل من جانب بطلي العمل (كارين رزق الله) المشهود لها ببراعة تجسيد الأدوار الرومانسية، و(بديع أبو شقرا) المعروف إجادته لأدوار الشر والشخصيات المركبة، وربما يرجع السبب في ذلك إلى أن الحوار في معظم الأحيان كان سطحياً مثل مشهد ميشال حوراني وهو يتحدّث مع والدته التي تطلب منه تسليم أمره لله، ثم مشهد لقاء جوزيف مع ابنته كارين بعد الحادث فوراً، تقول له أن صديقتها توفت فيجيبها (معليه) تشعر أنّها تخبره بضياع محفظتها أو هاتفها، حتى في هذه الأمور لن يأتي الرد بهذه البرودة.

راحوا .. كلمة فاترة جاءت على لسان كارين رزق الله في أعقاب الحادث البشع

وبعيدا عن ضعف القصة وعدم منطقية الأحداث في مجملها تبقى الطامة الكبرى في المسلسل هى في الإخراج، نديم مهنا الذي لم يوفق في إيصال الرسالة من هكذا موضوع حساس، عدة مشاهد تمر مرور الكرام رغم أنها مؤثرة، مثل مشهد الدم الذي تراه حبيبة القاتل على سريرها، ردة فعلها باردة لدرجة تشعر أن الأمر عادياً وليست حاملاً بل جرحت قدمها أثناء اللعب مع أصدقائها، قضية حساسة كتلك حتى لو نفى القيّمون عليه أنها تجسد الحادثة التي حصلت قبل سنوات لكنها تعيد الذاكرة إلى تلك اللحظة لا إرادياً، فكان من المفترض العمل عليها بطريقة أعمق، خاصة أن المسلسل استوحت قصته من حادثة ملهى (رينا في إسطنبول)، الذي راح ضحيته عشرات الأشخاص ليلة رأس السنة من عام 2017، بينهم عدد من اللبنانيين، لذا جاءت الحلقة الأولى من العمل تجري أحداثها في ملهى ليلى في بيروت (برنسيسا)، ويذهب ضحيتها عدد من الأشخاص من قتلى وجرحى، لكنه افتقد في النهاية إلى السخونة على مستوى الدراما والأداء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.