ذكرى (محمد النجار) .. أيوب الإخراج صاحب القلب الطيب
كتب : أحمد السماحي
نحيي هذه الأيام ذكرى المخرج السينمائي والتليفزيوني (محمد النجار) الذي رحل عن حياتنا في مثل هذه الأيام وتحديدا يوم 25 يونيو عام 2019، كما أنه من مواليد الشهر الجاري وبالتحديد يوم 10 يوليو عام 1954، ما بين الميلاد والرحيل كانت رحلة حياة هذا المخرج المبدع، الذى أثرى الحياة السينمائية والتليفزيونية بالعديد من الأعمال الفنية التى لا تنسى.
ربطت بيني وبين (النجار) صداقة وطيدة منذ كنت طالبا عاشقا للفن فى الجامعة، حيث قابلته بالمصادفة فى أحد الأيام أمام سينما (روكسي) فى مصر الجديدة، ومنذ هذا اليوم بدأت صداقتنا الإنسانية والعائلية، واستمرت حتى رحيله، وكان يزورنني كلما سمحت ظروفه فى جريدة (الأهرام) نتحدث ونتغذى سويا في مطعم (الأهرام).
وكنت كلما ضاقت بي الحياة، أذهب إليه أجالسه، عدة ساعات (للفضفضة) ثم أخرج من عنده قرير النفس، هادئ البال، شاعرا بأنني جلست مع أب، أو أخ كبير ملم بأدق تفاصيل الحياة، تمتزج أرائه بخفة ظل عالية مليئة بالدعابة، فأحاديثه وفكاهاته كانت تسعد الجميع.
لمحات من المشوار
بعد تخرجه من المعهد العالي للسينما قسم إخراج عام 1978، حصل على درجة الماجستير في الإخراج، وبدأ مشواره الفني بالعمل كمساعد إخراج ومخرج منفذا في حوالي 52 فيلما سينمائيا مع العديد من المخرجين السينمائيين الكبار أمثال المخرج محمد راضي في أفلام (العمر لحظة، الجحيم، أمهات في المنفى)، والمخرج دواد عبدالسيد فى (الصعاليك)، وعاطف الطيب في أفلام (سواق الأتوبيس، الحب فوق هضبة الهرم، الزمار، ملف في الآداب).
كما عمل مع المخرج هشام أبو النصر في فيلم (قهوة المواردي)، ومع المخرج فاضل صالح في فيلم (البرنس)، ومع المخرج بشير الديك في فيلم (الطوفان)، وأحمد فؤاد درويش فى (إعدام طالب ثانوي) ومع نادية حمزه (نساء خلف القضبان) وغيرهم من المخرجين، حتى أنه أطلق عليه (أيوب الإخراج) نظرا لطول فترة عمله كمساعد مخرج، وهو كان سعيدا بهذه الفترة وباللقب، لأنه كان يرى أن عمله كمساعد مخرج ناجح يتخاطفه المخرجين، أفضل من أن يقدم فيلما فاشلا من إخراجه .
زمن حاتم زهران
في عام 1988 بدأ إخراج أول أعماله السينمائية وهو فيلم (زمن حاتم زهران) بطولة نور الشريف، وبوسي، ومشيرة إسماعيل، وحرص في أول أفلامه – بمساعدة الفنان ومنتج الفيلم نور الشريف – على أن يقدم نفسه بشكل جيد، وفى بداية مشرفة حقا، رغم ظروف السينما المصرية الصعبة جدا وقت إنتاج هذا الفيلم الذي كان يدين المستفيدين من حرب أكتوبر، وحيتان الانفتاح الإقتصادي.
وذكرنا بحرب أكتوبر من خلال الشهيد (يحيي زهران) الذي كان أحد المثقفين النبلاء الذين صنعوا بدمائهم نصر أكتوبر لكي يستثمر الانتصار بعد ذلك (الأنذال) مثل شقيقه (حاتم زهران) ويحولوه إلى شيئ آخر مناقض تماما لما كان يستهدفه هؤلاء المقاتلون المصريون الشبان عندما سكبوا دمائهم عن طيب خاطر من أجل مصر أفضل وأكثر سعادة.
الذل
فى فيلمه الثاني (الذل) الذي كتبه بمهارة شديدة السيناريست (محمود أبوزيد) دارت الأحداث حول ثلاث شخصيات متعارضة (يحيي الفخراني، أحمد بدير، ليلى علوي) وصراعهم حول المال، ونجح في صنع صورة وحركة وإيقاع متدفق، ولعب (يحيي الفخراني) أحد أبرع أدواره رغم صعوبة وحساسية شخصية النصاب المقامر الذي رغم هذا عليك أن تتعاطف معه، لأنه ليس شريرا، وهى شخصية تتطلب رهافة شديدة فى التعبير لا تصدر إلا عن ممثل كبير حقا.
الصرخة
بعده قدم فيلم (الصرخة) تأليف كرم النجار، وبطولة نور الشريف ومعالي زايد ونهلة سلامة، وهو أول فيلم عن عالم الصم والبكم، و وجسد من خلاله معاناة (الصم والبكم)، وكان ملخص رسالته: (إحذروا صرخة الصامتين).!
الهجامة
وكان فيلمه الرابع من أهم الأفلام السياسية التى قدمت فى حقبة التسعينات، وهو (الهجامة) تأليف أسامة أنور عكاشة، بطولة (ليلى علوي، هشام سليم، سيمون، وفاء الحكيم) وفيه تحدث عن انتفاضة الشعب يومي 18 و19 يناير 1977.
وفى هذا الفيلم أصر على أن يقوم الفنانون بأنفسهم بتصوير المشاهد الخطرة دون الإستعانة بدوبلير، كما فعل مع (نوسة/ ليلي علوي) التى قام بتعليقها من ساقيها، كما قام بتعليق الفنان (هشام سليم) في الهواء من الدور العاشر وتم إنزاله ورفعه بسرعة ونش كهربائي يستخدم في بناء العمارات بغرض إرهابه ليعترف عن مكان إخفاء المجوهرات التي سرقها من معلمه المقاول الانفتاحي (حسن حسني/ كبير الحرامية) الذي أغمي عليه أثناء تصوير هذا المشهد، ورفض مواصلة تصوير هذه اللقطة التي أستغرق تصويرها ساعتين.
أعمال أخرى
توالت أعمال المخرج (محمد النجار) فقدم في السينما (رحلة حب، ميدو مشاكل، صعيدي رايح جاي، قلب جرئ، بحبك وأنا كمان، على سبايسي، صباحو كدب).
وفى التليفزيون قدم مجموعة رائعة من المسلسلات التليفزيونية منها (الظلال، الفدان الأخير، لما التعلب فات، حكايات مجنونة، شباب رايق جدا، أزمة الدراملي، لقاء على الهواء، علي يا ويكا، العائد، منتهى العشق، الأدهم).
رحم الله محمد النجار أو (نيجرو) الجميل – كما كان يحب أن ينادى – الذي رفع القيود عن عقله وقلبه وروحه، فقدم لنا أعمالا مست شغاف القلوب ببساطتها وإنسانيتها.