القرار .. فيلم احتفالي فاشل الفكرة وسيئ التنفيذ
كتب : محمد حبوشة
لم يعجبني على الإطلاق الفيلم الاحتفالي بثورة 30 يونيو والمعنون باسم (القرار) أو (قرار شعب)، ففضلا عن التردد في اختيار الاسم المناسب فقد احتوى على مادة عشوائية وليست علمية بالمرة، فبعقد مقارنة بسيطة بنه وبين حلقة واحدة وهى الخامسة من مسلسل (الاختيار 2) نجد فوراق جوهرية كبيرة على مستوى الفكرة الفاسدة والتنفيذ السيء للغاية، ففي حين وثقت حلقة الاختيار لأحداث رابعة وما قبلها وبعدها بطريقة تليق بروح ثورة 30 يونيو المجيدة، فقد فيلم (القرار) سواء في بثه إشارات ترويجية من جانب شركة (المتحدة للخدمات الإعلامية) باعتباره يرصد ملحمة ثورة 30 يونيو ضد حكم الإخوان، ويتضمن لقطات مصورة لقيادات جماعة الإخوان وهتافات عناصر الجماعة الإرهابية ضد الدولة المصرية، أو في كشف استخدام الجماعة الإرهابية الأسلحة وأهدافهم الخبيثة لتدمير الدولة المصرية، فضلا عن أن المونتاج كان سيئا للغاية، بالإضافة إلى موسيقى تصويرية غير معبرة بالمرة عن حماس أكثر من 33 مليون مصري خرجوا في الشوارع والمياين لازاحة حكم جماعة إرهابية متعصبة.
ربما رصد الفيلم الوثائقى (القرار)، خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسى التاريخى (والذى كان حينها وزيرا للدفاع)، بتعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، وانطلاق مشاهد الاحتفالات فى الميادين والشوارع، وتضمنت المشاهد التى عرضها فيلم قرار شعب، خطاب الرئيس المعزول محمد مرسى، وانتظاره لنتيجة الانتخابات الرئاسية، التى انتهت بفوزه، وكذلك أظهر الفيلم الوثائقى، تأكيدات شهود عيان عن سيطرة الجماعة الإرهابية على مختلف الوظائف، والجامعات، والمساجد، تحت مسمى فكر التمكين، ثم انتقلت الأحداث إلى واقعة اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، على يد أفراد الجماعة الإرهابية طارق الزمر، والذى يظهر بعد عقود بجانب المعزول مرسى، فى احتفالية نصر أكتوبر فى استاد القاهرة، برغم مشاركته فى قتل صاحب النصر.
لكنه لم ينجح على الإطلاق في إظهار كيف استهدفت جماعة الإخوان الإرهابية، المساجد والكنائس، وإبراز خطاب 3 يوليو على نحو أكثر وضوحا، وقرارات الدعوة لإجراء اختبارات رئاسية مبكرة ونهاية حكم الإخوان، فهي كلها أحداث جاءت على عجل (بشكل مسلوق) ودون دراسة علمية توثيقية تؤرخ لفترة من أخطر فترات التاريخ التي مرت على مصر، ومن ثم لايليق هذا الفيلم الذي يبدو أنه أعد على عجل من جانب قيادة جديدة للمتحدة والتي لا تبشر صراحة بالخير، خاصة في ذكرى 8 سنوات على ثورة 30 يونيو، التي قرر الشعب المصرى فيها الخروج من قيود الإخوان، والتحرر من جماعة أرادت السيطرة على الدولة، وتوجيهها نحو تحقيق أهدافها، ولكن جاءت الثورة الفريدة في تاريخ مصر، وتصدى الملايين من الشعب المصرى لمن أرادوا سرقة وطنه، ليبزغ فجرا جديدا للوطن.
فى مثل (أمس 30 يونيو) قبل 8 سنوات، خرج الملايين من كافة أبناء الشعب المصرى في مختلف المياديين والشوارع ليعبروا عن رفضهم للواقع الذى كانت تريده الجماعة الإرهابية وهو الواقع الذى يقوم على العنف والدم وسطر الشعب ملحمة وطنية فريدة، وعادت الروح للبلاد من جديد بعد عام صعب للغاية عاشه الشعب تحت حكم الجماعة الإرهابية، وتلك كلها عناصر كان ينبغي أن يتم تدراكها عن كثب في فيلم يتسم بحكبة روائية درامية متقنة خاصة أن مدته تزيد على الساعة، ما كان يستلزم عناية خاصة، وإعداد سيناريو محكم وليس عشوائي على شاكلة ماجاء في سياق الشريط التوثيقي، وعلى سبيل المثال كان ينبغي أن يتم التركيز على قيادة 30 يونيو الحقيقيين من المثقفين والكتاب الذين يعدون رموزا حقيقية، فقد تم الاستعانة بعناصر لا يصلح منها غير (وزيرة الثقافة المصرية د. إيناس عبد الدايم باعتبارها واحدة من رموز 30 يونيو هى ونقيب المحامين سامح عاشور).
8 سنوات مرت على وضع كلمة النهاية لكذب وتلفيق واستقطاب الجماعة الإرهابية، وأدرك المصريون الفتنة التي كانت تريد هذه الجماعة في نشرها، وتصدوا للخراب والتدمير .. 8 سنوات مرت على ذكرى تحرير مصر من أسوأ تنظيم واحتلال.. ما كان ينبغي الاهتمام من جانب صناع الفيلم – الذي يعد باكورة إنتاج الشركة المتحدة في ظل قيادتها الجديدة – بإعداد فيلم على مستوى الحدث، فهنالك مشاهد تراجيدية وكوميدية أيضا كان يجب أن تكون موجودة ضمن سياق الأحداث التي اتسمت بالصراخ والزعيق الذي يذكرنا فقط بقبح المنظر الذي كان سائدا في مصر آنذاك أكثر ما يعبر عن تكاتف المصريين في هذا اليوم العظيم يوم القرار الذى حرر مصر من جماعة الإخوان.
ظهور آسر ياسين خلال فيلم (القرار) كمحاور لعدد من الشخصيات التي اعتبرها الفيلم هامة وكان لها دور في ثورة 30 يونيو وتأثيرا كبيرا على الشعب المصري، وطبعا عند واضع السيناريو حق في شخصيات مثل (د. إيناس عبد الدايم وسامح عاشور)، لكن للأسف الشديد باقي الشخصيات لم يكن لها أي دور يذكر مثل (إبراهيم عيسي، محمد سعد عبد الحفيظ، خالد داود، أحمد فايق، نسرين عكاشة) وغيرهم ممن حاورهم، وحتى اختيار المواطنين العاديين جاء بطريقة عشوائية فغالبيتهم لاينتمون لأي تيار سياسي كان له دوره البارز في أحداث 30 يونيو، فقط الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة بالإضافة إلى عدد قليل جدا من أبناء الشعب المصري الذين جاءو في ثنايا الشريط السينمائي كان هم الشهود الحقيقيون على جرائم الجماعية الإرهابية خلال تلك الفترة لذا عبروا جيدا عن كيف عايشوها، وكيف خططوا للخروج من هذا المأزق الكبير.
لم ينجح أبدا آسر ياسين في إجراء حوار متكافىء مع أي من ضيوفه، وحتى عرضه لعدد من المشاهد من الشارع والمظاهرات الاحتجاجية جاءت كلها مشوشة (فلو) وكذلك مشاهد ميدان التحرير التي عمد فيها إظهار الشكل الجديد الذي ظهر عليه بعد سنوات من الثورة ومدى التطوير الحضاري بالمنطقة كلها مع وجود أعلام مصر التي ترفرف بالمكان، كلها عناصر فنية غير معبرة بالمرة، بل تفتقد للحس الاحترافي في التصوير، ولم تظهر ذلك البريق الأخاذ لميدان يعتبر الآن مقصدا سياحيا وحضاريا في قلب قاهرة المعز التي ظهرت شوارعها في الفيلم عشوائية يكسوها الغبار وسط صخب وضجيج كلاب النار الإخوانية.
هذا الفيلم الذي قدمته أكبر شركة للإنتاج في مصر لايعبر – للاسف – عن روح 30 يونيو لأنه ببساطة لم يقم على إنتاجه محترفين يعرفون جيدا كيف يتم توظيف الجانب الدرامي في القصة، فلم يظهر بطولات المصريين في هذا اليوم الفارق في تاريخهم، بل قدم صورة مشوهة لثورة عظيمة، علما بأنه كان ينبغي ألا تمر تلك السنوات الثمانية الماضية دون إنتاج أعمال سينمائية ومسلسلات تليفزيونية تعبر بالصورة والصوت والحركة عن إبداع المصريين عبر قصص ومفارقات تصلح للدراما على المستوى التراجيدي والكوميدي الذي حدث في شوارع مصر وميادينها على امتداد خارطة الوطن.
ظني أن هذا الفيلم تم إعداده في اللحظات الأخيرة زرا للرماد في العيون وهى طريقة مصرية عقيمة ينبغي أن نتخلص منها، فالعمل الذي يعبر عن ثورة عظيمة في تاريخ مصر، تم سلقه، ولم يأخذ الوقت الكافي لإعداده على نحو يلفت النظر باستخدام عناصر الإبهار التي توضح للعالم أجمع صورة مصر التي صعدت إلى قمة الدولة المؤثرة في المنطقة، خاصة أن لدينا مشاهد أرشيفية هائلة تحتوي على مشاهد عنف الجماعة ضد مصر من ناحية، وبطولات الجيش والشرطة والشعب، ومن ناحية أخرى مشاهد حديثة تعكس قوة مصر الحالية خاصة بعد مايو 2021، الذي بزغت فيه معالم الجمهورية الجديدة التي بدأت قبل 8 سنوات من الآن.